حيث إذا ما تطرق الفساد إلى البرلمان يكون من السهل أن يوجد أيضاً على مستوى الوزارة وعلى مستوى الأحزاب السياسية، وبعبارة أخرى يمكن النظر إلى الفساد البرلماني باعتباره المتغير المستقل بالنسبة للفساد المؤسسي بصفة عامة، ويمكن الاستدلال على فساد أعضاء البرلمان من المستوى المعيشي والاستهلاكي لهم، فإذا كان يفوق ما يحصلون عليه من عوائد رسمية من وظائفهم فإن ذلك يعتبر مؤشراً على الفساد".
ثم يذهب (د.إكرام) في موضع آخر للقول: ـ
"إن موضوع الفساد البرلماني يثير الكثير من التساؤلات وذلك نظراً لصعوبة تطبيق العقوبات بالنسبة لعضو البرلمان ومعاملته معاملة الموظف العادي، فالأصل أن يكون عضو البرلمان يتمتع بحصانة برلمانية وهو مسؤول فقط أمام دائرته الانتخابية فكيف يمكن إثارة تهمة الرشوة على سبيل المثال بالنسبة له؟ وماهي جهة الاختصاص وكيف يمكن أن يتوافق ذلك مع ما يتمتع به النائب من مكانة خاصة ووضع متميز يتيح لـه القدرة على أداء أعماله." من ذلك يتضح لنا كيف أن لفساد الهيئات التشريعية من آثار على المستويات المؤسسية تجعل العضو البرلماني وهو متمتع بالحصانة أن يساهم في فساد وإفساد الكثير من العاملين في المفاصل المؤسسية الأخرى للدول.
وبعد الإشارة لفساد الهيئات التشريعية سوف ننتقل لبيان حالة فساد الهيئات التنفيذية أو ما يطلق عليه (الفساد الحكومي). في الأنظمة السياسية، حيث تم رصد العديد من حالات تفشي الفساد في هذه الهيئات نتيجة لتقاضي بعض الوزراء وكبار الإداريين رشاوى وعمولات أو لاختلاسهم الأموال العامة ضمن آلية يطلق عليها (الفساد الذاتي ـ الداخلي) (Auto corruption) أي ما يعني استغلالهم لمناصبهم استغلالاً مباشراً لغرض تحقيق مصالحهم الخاصة. حتى لو كان هذا عن طريق تهريب السلع أو الاتجار بالعملات أو الاستيلاء على أراضي الدولة. أو ربما عن طريق تعيين الأفراد الذين لا تربطهم بأعضاء هذه الهيئة (التنفيذية) علاقات قرابية في الوظائف العامة نظير دفوعات مالية مستديمة طيلة استمرار ذلك الموظف بوظيفته وهي الحالة التي عرفت اصطلاحاً (بحالة بيع المناصب والوظائف العامة) والتي تأخذ أبعاداً خطيرة في الجنوب . يضاف إلى هذا كله من ضمن ما رصد في حالة الفساد الحكومي هو إفادة أصحاب المناصب الإدارية العليا أو الوزراء من عوائد احتكار السلع والخدمات المقدمة لعموم الأفراد التي يمنع الموظفون الذين هم أدنى وظيفية من أولئك الوزراء تقديمها للمواطنين الأبعد استيفاءَ ثمنٍ مضافٍ إلى ثمنها الأصلي يعرف في أدبيات الفساد بأنه (ريع الفساد) ، الذي غالباً ما يكون ريعاً قسرياً يضطر المستهلك الذي يستفيد من السلعة المقدمة دفعه بسعر أعلى مما هو محدد قانوناً من قبل الحكومة (مثل الحصول على هاتف أو موافقة أو إجازة... الخ) مما يجعل هذا الريع ينتج عن مفاوضة بين الطرفين يستفيد منها أولئك الفاسدون على حساب الموارد المالية للدولة وعلى حساب المصلحة العمومية للمواطنين. ولعل الأدهى في هذه الحالة هو اتفاقات أعضاء الهيئات الرقابية الضرائبية في تسهيل التهرب الضريبي ، أو الحصول على قنينة دواء بسعر يتضاعف عن سعرها الأصلي أضعافاً مضاعفة يكون ضحيتها المستهلك وضحيتها الأخرى أموال الدولة المهدورة في دعم تلك السلع التي يستفيد منها أولئك الفاسدون مادياً. وليأخذ الموضوع شكله الواضح سنعرض فيما يأتي لبعض نماذج فساد الهيئات التنفيذية:
فالأنموذج الأول سيكون دراسة حالة فساد حكومة السيد (محمود الزعبي) رئيس الوزراء السوري السابق. حيث في حركة تصحيحية وإصلاحية لمكافحة الفساد في سوريا قام بتوليها الدكتور (بشار الأسد) (في إبّان حكم والده الرئيس (حافظ الأسد) قبل رحيله) قامت القيادات العليا في سورية بمناقشة ممارسات وسوء ائتمان اتهمت بها حكومة (الزعبي) خلال فترة توليه رئاسة مجلس الوزراء لمدة ثلاثة عشر عاماً مما أسفر عن قبول استقالة حكومته في آذار /2000 من قبل الرئيس (حافظ الأسد)، فضلاً عن وضع عدد من المسؤولين في تلك الحكومة قيد الاتهام ومنع أكثر من ثلاثين شخصية من مغادرة البلاد لحين الفراغ من التحقيقات، والقيام بإجراءات الحجز الاحتياطي على أموال الكثير من المتهمين وأنجالهم، بناء على قرار وزير المالية الصادر في 13 /5/ 2000 ومنهم نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، ووزير النقل السابق الذين ما لبثوا أن اتهمتهم محكمة الأمن الاقتصادي السوري ومعهم الوسيط التجاري