يكشف لنا عنوان الصورة الثانية من صور الفساد السياسي عن فساد المراتب التي تلي القمة من حيث الترتيب في هياكل سلطات الدول، للتنويه على ما يترك فعلها وممارساتها الفاسدة من بصمات على مجتمعاتها. لذا ومن خلال هذه الدراسة سنتناول بعض الأنموذجات التي تعرض لفساد الهيئات المذكورة، ونبدأ بفساد الهيئات التشريعية. حيث تشهد كثير من دول العالم فضائح لجوء أعضاء هذه الهيئات إلى استغلال (النفوذ، ومميزات الحصانة البرلمانية) لمباشرة أنشطة غير مشروعة تحقق لهم بالتالي ثروات طائلة، أو استفادات معينة لهم ولذويهم أو لخاصتهم. لهذا قد تكون هذه الأنشطة إما (أعمال تقاضي رشاوى أو قبض عمولات من مستفيدين لتسهيل إصدار قرارات تشريعية تخدم مصالحهم، أو للحيلولة دون إصدار قرارات معينة تقييد أعمالهم، أو لتسريب معلومات سرية عن نشاطاتهم المشبوهة تناقشها تلك الهيئات إليهم). أو (العمل على دعم مقترحات تشريعية تخدم (الحزب السياسي/ أو دائرة المنتخبين أو العائلة) التي ينتمي إليها العضو النيابي دون الاهتمام للمصلحة العامة ككل مما يظهر أن الفساد في هكذا تصرف يبدو جلياً واضحاً) . ولعل ذلك يتجلى واضحاً من دراسة (الأنموذج الفلبيني) في إبّان عهد الرئيس الأسبق (فرديناند ماركوس)، حيث احتفظ أعضاء مجلس الشيوخ بمستويات معيشية واستهلاكية تتجاوز بكثير عوائدهم الرسمية، وقد كون معظمهم ثروات طائلة في أثناء عضويتهم بالمجلس المذكور نجمت عن ممارسات استغلال نفوذ لتعاطي أنشطة محظورة قانوناً مثل نوادي المقامرة، وإدارة عمليات تهريب، والتستر على شبكات البغاء. بعد ذلك ننتقل لنوضح أن عالم الشمال قد شهد حالات فساد لأعضاء هيئاته التشريعية كشف عنها النقاب في الكثير من الأوساط الإعلامية والسياسية، حيث سنتناول أنموذج الهيئة التشريعية في الولايات المتحدة الأميركية كمثال لهذه الحالات في دول الشمال. حيث تم إعلان استقالة النائب (نيوت جنجريتش) رئيس الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب، (في إبّان عهد الرئيس كلنتون)) بعد تسرب أنباء استغلاله لنفوذه وتهربه من الضرائب (نصف مليون دولار أميركي)، الأمر الذي اضطر (جنجريتش) إلى الإقرار بذلك والاعتذار عنه، ثم اضطراره أيضاً بعد ذلك إلى الانسحاب من رئاسة ما تبقى من مدة مجلس النواب. مما تقدم تظهر خطورة فساد الهيئات التشريعية التي تكون مهمتها دائماً المراقبة على ممارسات السلطة التنفيذية وكذلك صلاحياتها في إصدار التشريعات فضلاً عن ما تتمتع به من حصانات لذلك يرى الدكتور (إكرام بدر الدين) "أن هذا الشكل من الفساد هو أخطر أنواع الفساد المعروفة