لكي تطرح تساؤلاً يتكون من ثلاث كلمات هي: كيف نواجه الفساد؟ لا بد أن نكون على دراية بأن الإجابة ستكون طويلة ومليئة بالشروحات. فالفساد هذا الموضوع الشائك والمعقد كثرت فيه سبل الإصلاح التي من الممكن أن نجد فيها العديد من المؤلفات والدراسات والتطبيقات. ولكي ندلي بدلونا في هذا البئر المظلم لا بد أن نعلق سراجاً فوق ذلك الدلو لنرى إلى أين يصل وذلك لأن في طريق الدلو نقاطاً عدة مليئة بالوصايا إذا ما استثمرها محب الإصلاح جاءت لـه بزيت يزداد به وهج السراج، أما إذا ما أراد تركها أو التغاضي عنها فإنها ستخلط بالزيت ماءً يخفف به وهج السراج. وعندما نصل إلى النهاية سيكون سراجنا قد امتلأ زيتاً إذا ما أخذ محب الإصلاح بكل الوصايا أو قد يكون ماءً على حاله إذا ما أراد خلاف ذلك، مع العلم أن جهدنا هو جزء ضئيل من جهود كبيرة ننحني لها بإجلال لأن هذه الجهود جعلت السراج والزيت يتوهجان في دنيا أظلمها الفساد ولكي نفسر ما الإصلاح لا بد من اتباع ما سنورده الآن:
الفصل الأول سبل المواجهة في الصعيد الداخلي
إن سبل المواجهة من خلال دور رقابي فاعل لا يمكن أن تتم إلا عبر أشكال متعددة لذلك الدور وتوجز فيما يلي: 1-الرقابة البرلمانية. 2-الرقابة القضائية. 3-نظام المفوض العام. 4-رقابة الإعلام. 1-تفعيل الدور الرقابي
الفرع الأول
الرقابة البرلمانية:
أصبح من الواضح أن آليات السياسة لاستئصال الفساد هي ثلاث (الشفافية)، (المساءلة)، (حسن الحكم). ولعل الرقابة البرلمانية في ظل شفافية عالية ومساءلة جادة وحكم حسن. تجعل الفساد في أوطأ نسب قياسه، وبغياب تلك الشروط يصبح الحال متردياً لا محالة. إن البرلمان غالباً وفي الكثير من النظم السياسية الديمقراطية التي تتبع الأسلوب النيابي الكلاسيكي (على حد تعبير د.منذر الشاوي) يؤدي دور المقيد كمحرك للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، ليست حرة بل هي تخضع لتقييد البرلمان. والبرلمان يقيد الوزارة بصورة مسبقة، وذلك عندما يحدد الإطار القانوني لنشاط الحكومة بما يضعه من قوانين، فضلاً عن ما يقوم به من آليات أخرى تجاهها. في مقدمتها آلية (المساءلة Accountability) لأعضاء الوزارة فرادى أو مجتمعين، للحصول على تفسيرات أو بيانات عن أعمالها بوصفها جهازاً تنفيذياً، وذلك بتوجيه الأسئلة إلى رئيس الحكومة أو أحد مساعديه، أو إلى الوزراء أو مساعديهم، في موضوع يدخل في اختصاصاتهم من قبل أحد نواب البرلمان أو الأعضاء البرلمانيين مجتمعين. إن الهدف الكامن وراء هذا الحق البرلماني هو الحصول على البيانات عن أعمال الجهاز التنفيذي، ويتولى الوزراء بحث ما وجه إليهم من استفسارات ودراستها وإعداد الرد عليها، لمناقشتها ثانية في البرلمان. إن لهذه الآلية أثراً مباشراً في الرقابة البرلمانية على أعمال السلطة التنفيذية بفضل ما تؤدي إليه من لفت النظر إلى الأخطاء واستدعاء الانتباه إلى التصور الموجود في الجهاز الحكومي. وبالتالي كشف حالات الفساد أو بوادرها في ذلك الجهاز على أن الشكل الكلاسيكي (النظري) إذا ما أصابه الانحراف عن صورته المثالية (كهيمنة رئيس الدولة) على البرلمان كما في شكل البرلمانية ((الأورليانية)) أو