يعد هذا الفساد الأجدر بالدراسة بين صور الفساد السياسي، على حد توصيف (أستاذ العلوم السياسية/ د.جلال عبد الله معوض) الذي يرى فيه الصورة الواجب دراستها بعمق التي ينبغي التركيز عليها من بين صور الفساد السياسي الأخرى حيث تشكل المرتكز الأساس لفساد المستويات الدنيا منها، وتجعل آثاره أخطر أنواع الفساد. وترجع خطورته إلى ارتباطه بقمة الهرم السياسي في كثير من أشكال النظم السياسية لانتفاع من يتولى القمة بالخروج عن حكم القانون بالمكاسب الشخصية التي تجني الثروات الطائلة. لذلك يوصف استشراء هذا النمط بأنه (الفساد الكثيف للقمة) (Top Heavy Corruption) حيث يجري العمل على أساس آليةٍ تعرف بإطار (الرئيس ـ العملاء) (Patron-Client Ties) التي تتعامل القمة من خلاله لجني ريع الفساد. إن الآلية المشار إليها ترتبط بنمط حكم هو الحكم (الأبوي ـ العصبوي) حيث تمثل القمة البؤرة التي ترتكز فيها السلطة السياسية ومنها تنبعث وتشع إلى العناصر (الأكثر ولاءً للقمة) التي تمثل بدورها نقاطاً فرعية بالنسبة إلى العناصر الأخرى الأقل تأثيراً ونفوذاً واقتراباً من القمة (أي نقاط وسيطة بين القمة وتلك العناصر الأخرى) وتتسم العلاقات الرأسية في هذا الأنموذج بالولاءات الشخصيانية، بينما تتسم العلاقات الأفقية بين النقاط الفرعية بالتنافس والصراع من أجل إظهار قوة الولاء للقمة السياسية ومحاولة الوجود على مقربة منها دائماً. إن علاقة (الرئيس ـ العملاء) هو شكل من العلاقات المسماة العلاقات الـ(هيراركية) التي فسرها الكاتب (جيمس سكوت) على شكل المخطط الآتي: ـ القمة (وسيط) عنصر أكثر ولاء والارتباط بالقمة