الفصل الأول الفساد الاجتماعي
بادئ ذي بدء فإن الحديث عن الفسادالاجتماعي يقود دارسه لاستقراء أساليب الانحراف وحياد بني البشر عن الطريق القويم للفطرة الإنسانية والتجرد من المثل الأخلاقية التي أفرزها الوجود الإنساني على وجه البسيطة. وعليه فإن ذروة سنام الحديث عن الفساد الاجتماعي لا بد أن ينطلق من نقطة مركز هي (حسن الخلق) وكيفية دراسة الأخلاق وبنائها، على أن الشروع في ذلك يكون على أفضل صوره عندما ينطلق من الرؤية الإسلامية في الدراسة، حيث التوجيه الإلهي لهذا المنهج يجعله أفضل سبل البحث. لذلك كان التوجيه الرباني لخاتم الأنبياء سيدنا محمد () يقوم على إتمام ما أتى به إبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام) لإقامة الدين على الأسس القائمة على العدل والمحبة والسلام وعدم اتخاذ الدين أداة للتفرقة وإن هذه المبادئ كلها تدل على الأخلاق الكريمة الواجبة لبني البشر. ولهذا جاء النص القرآني: بسم الله الرحمن الرحيم شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه صدق الله العظيم. لقد ورد التأكيد الإسلامي على الأخلاق عندما خاطبت الآية الكريمة حضرة شخص الرسول محمد () لقوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم وإنك لعلى خلق عظيم صدق الله العظيم. وما جاء من توجيه نبوي للأمة بالأحاديث الشريفة يعزز ما عرضه القرآن الكريم من دعوة إلى التخلق بالخلق القويم، لحديث رسول الله (): [إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق] وما كان يدعو به () [اللهم حسّنت خَلقي فحسّن خُلقي] ولحديثه () [عن جابر (رض) عنه () قال: إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً وإن من أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون. قالوا يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون] (رواه الترمذي) وعلى المنهج ذاته سار الصحابة الأجلاء، وآل البيت الأطهار فهذا سيدنا علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) يقول: حسن الخلق في ثلاث خصال: (اجتناب المحارم، وطلب الحلال، والتوسعة على العيال) ومن هذا التوجيه الإسلامي الذي عرضنا لـه ننطلق في دراستنا لنرى عمق المعالجة لقضية الأخلاق وحسنها وما يؤول لـه الأمر عند انعدامها وفسادها. ولما لـه من صلة بالموضوع نتناول بالتفصيل حديث الخليفة الراشدي الرابع (رض) الذي أسلفناه تفصيلاً، حيث إن (اجتناب المحارم) تعني العفة والطهر عن سوء الأخلاق، و(طلب الحلال) يعني أن يكون المال حلالاً طيباً غير ناجم عن عمل فاسد. على أن حسن الخلق يرجع إلى اعتدال قوة العقل وكمال الحكمة واعتدال قوة الغضب والشهوة وإطاعتها للعقل والشرع والاعتدال في ذلك يحدث بوجهين: الأول / أن يكون بكمال فطري أوجده الله تعالى في ذات ذلك المخلوق. ثانيهما / اكتساب الأخلاق بالمجاهدة وحمل النفس على الأعمال التي يقتضيها الخلق المطلوب. حيث إن الإصلاح للذات البشرية ممكن وإن كانت تنزع إلى العمل السيئ قال رسول الله : [اعبد الله في الرضا فإن لم تستطع ففي الصبر على ما تكره خير كثير] أخرجه الطبراني. عليه فإن حسن الخلق يرجع كما أسلفنا إلى اعتدال قوة العقل والحكمة واعتدال قوة الغضب والشهوة وخضوعها لقوة العقل المعتدلة. ولقابلية النفس الإنسانية للإصلاح والترويض أي بما يعرف اصطلاحاً (بالتنشئة)، والتنشئة الاجتماعية الصحيحة تأتي من طريقة التوجيه الصحيح