الفصل الثاني سبل المواجهة على الصعيد الخارجي
1-تنسيق الجهود بين الجنوب -الجنوب لكبح الفساد
في عالم اليوم ومستجداته، من الإنصاف القول بأن المجتمع المثالي الفاضل الشديد النظافة المتميز بوجود الشروط السياسية الثلاثة (المساءلة)، (الشفافية)/ (حسن الحكم)، بشكل كامل، ليس لـه وجود إلا فيأفكار الفلاسفة المنادين بالمدن الفاضلة فحسب. خاصة وأن الفساد أصبح ظاهرة عالمية تعرفها كل المجتمعات على حد سواء في عالم الشمال وعالم الجنوب، إلا أن آثاره في هذا الأخير كانت أشد وطأة على مجتمعات فقيره بائسة تسعى نحو التنمية من دون طائل بسبب هذه الآثار المقيتة. التي أسهمت في تعظيمها طروحات فتح الحدود، وانتقال رؤوس الأموال، وازدياد نشاط المؤسسات والشركات عابرة القومية التي تتمركز أكثر إداراتها في دول الشمال، وكذلك الأثر السلبي لجماعات الجريمة المنظمة. لهذا نسلط الضوء هنا على أهمية التعاون بين (الجنوب- الجنوب) في مكافحة الفساد لأن الدراسة ترى من خلال ما توضح لديها من رؤية عن هذه الظاهرة. أن السبيل الأمثل لاستئصال الفساد في دول الجنوب هو بالتعاون البيني لتلك الدول، بدلاً من الاعتماد على الوصفات والرؤى الخارجية التي يكمن في ظاهرها الإحاطة بالفساد وفي باطنها التشجيع على استمراره تنفيذاً لمصالحها (مع الأخذ بنظر الاعتبار الآراء الخارجية والعالمية البناءة التي من الممكن الاستفادة منها بشكل واسع في هذا المجال). ولإعطاء شكل التعاون هذا كل مدى طيفه سنعرض لنماذج منه لتكون دليلاً يتم الاستناد إليه في تحقيق أفق أوسع وأكثر متانة للحد من الفساد في ممارسات دول عالم الجنوب. لهذا سنبدأ أولاً بالجهود العربية أنموذجاً لاستئصال الفساد بتعاون إقليمي، ثم ننتقل بعده إلى جهود دول الجنوب- الجنوب الأخرى في هذا المجال. إن أنموذجنا العربي يتركز في الجهود المبذولة في إطار الجامعة العربية/ وتحديداً في (مجلس وزراء الداخلية العرب) لنرى أن هذا المجلس سعى منذ أكثر من ثلاثين عاماً إلى مكافحة هذه الظاهرة التي تشكل في وجودها خطراً على المجتمعات ككل. فنراه في جهده هذا يحث منذ سبعينيات القرن المنصرم الدول العربية "على إنشاء جهاز محلي للشرطة في كل بلد تكون مسؤوليته تجاه القانون فقط، وأن يبتعد عن تأثير كل أنواع الجماعات بأي شكل من الأشكال". وذلك لتحصين أهم جهاز يقي من ظاهرة الفساد الوقوع في حبائل الظاهرة نفسها، تقديراً من المجلس لمدى عظم المصاب إذا ما استشرى في جهاز الشرطة. يضاف إلى ذلك الجهد ما يقوم المجلس به من جهد مضاف في إطار مشكلات الفساد التي تفاقمت في عالم اليوم وكثرت صورها، وكان سابقاً في التنبه لها، حيث نلاحظ اهتمام المجلس بدراسة واقع الحال تجاه جرائم غسيل العملة أو الجريمة المنظمة، ومكافحة المخدرات التي يكون الفساد هو العامل الأول في إثارتها (بسبب كونها عوامل متفرعة منه). لذلك ركز المجلس في دورات انعقاده للسنوات الأخيرة على أهمية تعزيز التعاون بين الأقطار العربية، لتحصينها ضد هذه الأوبئة الجديدة للمحافظة على نظمها القانونية والمالية سليمة من الخرق، لقد جاء ذلك الجهد بشكل مثمر لما برز في الآونة الأخيرة من إصدار قوانين في دول الوطن العربي لمكافحة هذه الجرائم المضرة بالمجتمعات. وبانتقالٍ من شكل التعاون (للجنوب- الجنوب) في الإطار العربي إلى كيفية الأخذ به على الصعيد الأفريقي تتناول الأنموذجات الآتية (التي تم أخذها بنظر الاعتبار كجهود تشكل لبناء الأساس لبناء جهود أوسع في مجال الحد من الفساد في تقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات (I N C B) لعام 1999). حيث نرى أن التحركات التعاونية للحد من الفساد أخذت بالاهتمام على صعيد منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي UAO)، وكذلك الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الأكواس ECOWAS) وبشكل يتضمن التعاون مع هيئة (INCB) المذكورة لمكافحة غسيل العملة والجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات والذي يأتي في إطاره أيضاً شكل من التعاون الأفقي لمكافحة الجرائم المذكورة المتفرعة عن الفساد وكما هو الحال بين الرأس الأخضر والسنغال ضمن الاتفاق الموقع بينهما بتاريخ 9/12/1999 وكذلك الجهود النايجيرية مع جنوب إفريقيا في الموضوع ذاته، على أنه وبشكل التعاون نفسه مع لجنة (INCB)، نرى في الجهة الأخرى من المحيط شكلاً مكثفاً من الجهود للحد من الجرائم المذكورة في دول (أمريكا الوسطى وحوض الكاريبي ودول الميركوسور) التي