محور التجاوزی فی شعر المتنبی

أحمد علی محمد

نسخه متنی -صفحه : 82/ 34
نمايش فراداده

استنبطها وأثارها، والمعتدون بالفِقَرِ التي يدّعون أنّه افتضَّ أبكارها، والمترنمون بأبيات سائرة يذكرون أنّه انفرد بألفاظها ومعانيها وأغرب أمثلتها ومبانيها... يحكمون حكماً جزماً بأنّها غير مأخوذة ولا مسروقة". فكتاب العميدي إذن يقدم صورة من صور النزاع والخلاف حول شعر المتنبي بين من كان يؤيد مذهبه الشعري ومعارضي ذلك المذهب، ومن هنا اختلفت دوافع تأليف هذا الكتاب عن الأسباب التي دفعت مؤلفي الكتب السابقة في سرقات المتنبي إلى تأليفها، فالعميدي بوصفه قد ظهر بعد أبي الطيب، كان من المتوقع أن يكون أكثر اعتدالاً من سابقيه، فهو ليس من منافسيه أو حساده أو الحاقدين عليه، أو ممن دُفِعَ لتتبع سرقاته لغاية من الغايات، غير أنّ العجيب في الأمر أنّه كان أكثر عداء وكرهاً للمتنبي من السابقين، من أجل ذلك رأى الأدباء أنّه أجحف بحقه دونما سبب، فذكر البديعي أنّ العميدي في كتابه "الإبانة" "كان في غاية الانحراف عن الحق، حائداً في التمييز عن سنن الإنصاف" ثم يقول: "ونحن نورد كلامه ونرد في نحره سهامه فإنه تجاوز الحد وأكثر الرد.

فالعميدي في تتبعه سرقات المتنبي لم يختلف عن سابقيه في عدم الوفاء بالمنهج الذي يستوجب تبيان السرقات في شعر المتنبي، ولعل عنوان مؤلفه "الإبانة عن سرقات أبي الطيب" يحتم عليه التقيد بموضوع السّرق، غير أنه انحرف عنه بغية إحصاء سقطات أبي الطيب وذكر عيوبه في اللّغة والنحو والمعاني، فمن مآخذه على شعر أبي الطيب قوله:


  • حشايَ على جمرٍ ذكيٍّ من الهوى وعينايَ في روضٍ من الحُسْنِ ترتعُ

  • وعينايَ في روضٍ من الحُسْنِ ترتعُ وعينايَ في روضٍ من الحُسْنِ ترتعُ

فقال العميدي: "لو قال ترتعان كان أصوب وأبلغ"، في حين ذكر العكبري أنه جائز على اعتبار أن العينين عضوان مشتركان في فعل واحد مع اتفاقهما في التسمية.

ومن أمثلة موازنته بين معاني المتنبي ومعاني غيره من الشعراء بغية إظهار تقصيره وقوفه عند قوله:


  • جاز الأُلى ملكت كفاك قدرهم فإنّه حجة يؤذي القلوب بها من دينه الدهر والتعطيل والقدم

  • فعرفوا بك أن الكلب فوقهم من دينه الدهر والتعطيل والقدم من دينه الدهر والتعطيل والقدم

فقال: "هذا البيت عليه أثر العي؛ لأنّ الدهر والتعطيل والقدم إلحاد وأحسن من ذلك قول ابن الرومي:


  • لا قدست نعمى تسربلها صبراً أبا الصقر فكم طائر خر صريعاً بعد تحليق

  • كم حجة فيها لزنديق خر صريعاً بعد تحليق خر صريعاً بعد تحليق

فهذا الشاهد داخل في باب المفاضلة بين المعاني، ولا علاقة لـه بالسرّق، وهو مؤشر دال على أنّ العميدي كان يتتبع سقطات أبي الطيب ليس أكثر، إضافة لذلك فإنّ قارئ كتاب العميدي يجد أنّ المؤلف أسرف في اتهام المتنبي بالإغارة على شعر معاصريه من المغمورين، فعدد منهم خلقاً كثيراً، يقول محقق كتاب "الإبانة" في مقدمته: "ونجد في هذا الكتاب أسماء شعراء مغمورين حاولت جاهداً أن أعثر على تعريف لهم في كتب التراجم فلم أجد لأحد منهم ترجمة ما خلا عدداً قليلاً منهم". ثم يقول: "وأعتقد أنّ المتنبي في كبريائه وتعاليه ومنزلته في الشعر واللغة أكبر من أن يسرق من هؤلاء الشعراء الصغار أمثال الخناني والمياسي والعابدي وأبي السمراء والغساني... ولو فعل ذلك لافتضح بين الناس، وكانت هذه السرقات التي يزعمها المؤلف حجة لأعداء المتنبي المعاصرين لـه، الذين كانوا يقفون لـه بالمرصاد... إذن معظم سرقاته التي نسبت إليه مردها إلى واحد من اثنين: إما أن تكون نوعاً من توارد الخواطر، أو أن تكون معاني مشتركة بين الشعراء".

ومؤدى تلك الملاحظات التي دونها المحقق يفضي إلى أن العميدي في كتابه لم يكن بمنجاة عن الادعاء والجور والتجني، وفي الوقت ذاته لم يستطع شأنه في ذلك شأن سابقيه من تحويل النقد التطبيقي القائم على تتبع السرقات إلى أداة نقدية تسعف بتطور البحث النقدي، لهذا السبب لا تعدو تلك المؤلفات كونها ضرباً من إذكاء نار