لم يكن الشعراء على اختلاف مذاهبهم قد التقوا في أمر مثلما التقوا في التعبير عن وطأة الزمن في نتاجاتهم, والمتتبع أشعارهم يجد أن الزمن لا يتجلى في الصيغ اللغوية أو الرموز الكلامية فحسب, وإنما قد يتسلل إلى الموضوع من خلال أقنعة مختلفة تعبر عن ذاتها في صميم الموضوعات الفنية التي تقدم نفسها بهيئة تشي بأن مدارها بمعزل عن مدار الزمن وفعله, والمتنبي واحد من الشعراء الذين عبروا عن لحظات الزمن في غير موضوع التأمل, من أجل ذلك بوسع المرء أن يلتقط شواهد كثيرة من أشعاره تبين مقدار الضغوط النفسية التي يولدها الإحساس بسطوة الزمن في موضوعات الفن عامة لديه, كما هو الشأن في موضوع الغزل على سبيل المثال, إذ يتحول موضوع الحب إلى عنصر زماني مهلك, أو هو حركة تدني من العدم, وقد يكون ذلك من سمات هذا الموضوع بوصف الحب في نهاية المطاف عطالة تفضي إلى الهلاك كما عبر عنه الشعراء, ومع ذلك فإن الزمان كامن في الحب, أو في اللحظة التي ينبثق عنها الشعور بالحب, حتى لكأنها حاجة إلى العدم أو وسيلة لبلوغ الزوال, يقول المتنبي:
إن وجه الحبيبة هنا التي سماها (داهية), والداهية المصيبة, وهذا ليس اسم علم كما قال ابن فورجة, وإنما قال ذلك على سبيل التضجر لكثرة المصائب التي لحقت به من جراء عشقها, قد كان سبباً في تلف جسده وسحق عظامه. والأمر المهم أنها غنية عن الحب بالسلو, والمتنبي فضلاً عما ناله من الحب قد خسر فؤاده, فقام على أساس ذلك صرح التضاد الهائل في النص لتكون المحبوبة الغنية عن المحب وعن الحب أيضاً, قبالة الشاعر المحب الفقير المستعبد الذي خسر عافيته وإحساسه على حد سواء, ثم يشتجر التضاد مرة أخرى مبرزاً المرأة كغصن نابت في فلاة تحمل وجهاً كالشمس وشعراً كالليل وهنا تكتمل صورة التضاد التي تجعل من المحب فريسة للحب.
إن الحب هنا قد قام بعمل الزمن, إذ كان سبب التلف والهزال والضنى, أو إنه مصيبةٌ مهلكة, وهو الأمر الذي كان يراه الشعراء جزءاً من فعل الدهر.
يلتقي الحب والزمن في شعر المتنبي بصورة واضحة, وفي غير ما شاهد فرد من شعره, من أجل ذلك نجده موزعاً بين الشكوى من الزمان والشكوى من الحب لأنهما في الواقع يتجسدان بصورة إحساس دائم لا يني يظهر على الدوام بين تضاعيف القول الشعري الذي يعبر به عن فيض الوجدان وشغف الروح التي تسعى إلى الكمال, حتى لو أدناها ذلك من التلف والفناء, يقول: