4 ـــ الزمن والإبداع - محور التجاوزی فی شعر المتنبی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

محور التجاوزی فی شعر المتنبی - نسخه متنی

أحمد علی محمد

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

4 ـــ الزمن والإبداع

إن الإبداع علامة دالة على حياة الجماعات,



وليس بالمستطاع القول إن حياة تنتظم وفق سنن الكون, وتأخذ نصيباً من التطور يمكن أن تستمر من دون خلق وإبداع, والأمة التي تنعدم لديها إمكانية الإبداع موجودة غير حية, والإبداع في أبسط صوره تغيير النمط المتبع في المعيشة والسلوك والتفكير والتعبير. والفن منذ أن وعى الإنسان ذاته كان مجالاً للخلق ووسيلة للتوازن, ومع الإحساس بسطوة الزمان وجدت الرغبة المتعلقة بالإبداع, فكان الإنسان الذي واجه الإحساس بالزوال قد توسل منذ الأزل بالفن لحفظ ذكراه في الوجود. ومع التطور المستمر في الخلق غدا الهاجس لدى المبدعين متمثلاً بالتميز ليس غير, من أجل ذلك ندرك أن المتنبي في تعبيره عن ذاته كان مشدوداً إلى التميز الشعري بكل طاقته, والتميز الذي نعنيه هنا مجاوزته ما كان جارياً في طباع الشعراء السابقين على صعد مختلفة, أظهرها ما كان يبديه من وعي بدقائق الصناعة الشعرية التي انتهت إليه, ومن ثم أضحى من الميسور أن يشتق طريقة مميزة للخلق على أساس التفرد والمجاوزة, يقول:




  • وجاهلٍ مدَّهُ في جهله ضَحِكي
    إذا نظرتَ نيوبَ اللَّيثِ بارزةً
    ومهجةٍ مُهْجَتي مِنْ همِّ صاحبها
    رِجلاهُ في الرَّكضِ رجلٌ واليدانِ يدُ
    ومرهفٍ سرتُ بين الجحفلين به
    فالخيلُ واللّيلُ والبيداءُ تعرفني
    صَحِبْتُ في الفلواتِ الوحشَ منفرداً
    يا من يعزُّ علينا أن نفارقَهُمْ
    وجدَنُنَا كُل شيءٍ بعدكم عدمُ



  • حتَّى أتتهُ يَدٌ فرَّاسَةٌ وفمُ
    فلا تظنّنَّ أنَّ اللّيثَ يبتسمُ
    أدركتُهَا بجوادِ ظهُرهُ حَرَمُ
    وفعْلُهُ ما تريدُ الكفُّ والقدمُ
    حتَّى ضربتُ وموج الموت يلتطمُ
    والسّيفُ والرُّمحُ والقِرْطَاسُ والقلمُ
    حتَّى تعجَّب منِّي القُورُ والأكَمُ
    وجدَنُنَا كُل شيءٍ بعدكم عدمُ
    وجدَنُنَا كُل شيءٍ بعدكم عدمُ



إنّ اللحظة الإبداعية في هذا الشاهد منبعثة من خلال تجسيد الفعل المتميز في لحظة زمانية, فبين الجهل والضحك مسافة زمانية تبرز المقدرة على القول والفعل معاً, وبين النظر إلى نيوب الليث والظن مسافة جمالية وزمنية, وبين المهجة والهم مسافة مدركة جمالياً وزمنيا تتمثل بقوله: "ً بجواد ظهره حرم" وكذا التكثيف الذي سوغ لـه أن يجمع الرِّجْلين في رِجْلٍ واحدة, واليدين في يد واحدة, ثم يكون الفعل ما تريده القدم والكف معاً, فبين كل هذه لحظات زمانية مكثفة ومركبة إلى الدرجة التي تشعرنا بأن كل ما يريد أن ينقله من معان يُختزل في طرفة عين ليس أكثر, واستوجب الإبداع هنا الضغط على عنصر الزمن (تعرفني) في البيت السادس ليتحول إلى فكرة مركزية تتوسط جملة من الأسماء: الخيل ـ الليل ـ البيداء ـ السيف ـ الرمح ـ القرطاس ـ القلم, فهذه العناصر مختلفة في الحقيقة, غير أنها متشابهة هنا في السياق الشعري بوصفها جميعاً تشترك بفعل المعرفة. باختصار يريد أن يجسد مقولة واحدة فحواها أنه فارس وشاعر ليس غير, وكل ما ذكر في البيت كان من أدوات الفارس والشاعر, ولو قال إنه فارس وشاعر بهذه الصورة المبسطة لما حظي قولـه بالإعجاب من قبل مستقبلي شعره. وهنا ندرك أن التعبير عن اللحظة الإبداعية لا يكون خارج إطار الزمن, بل إن الزمان كامن في كل تفصيلات الخطاب, وليس ذلك فحسب بل إن الزمن وحده الذي يتيح للشاعر التعبير عن المتناقضات في إطار واحد, فالمتنبي لم يكن فارساً في الواقع وإن كان شاعراً أو أن فروسيته لا تعدل شاعريته, ولكنه فارس وشاعر في النص, أي في اللحظة التي تجلى فيها الإبداع, تلك اللحظة التي أوجدت النازع إلى الفروسية لديه على أنها ضرورة للإبداع, لتغدو صورة الشاعر ملازمة لصورة الفارس في الزمن الذي يرسمه النص فحسب, وهذا ما قاله على صعيد اللغة أصلاً إذ استعمل فعلاً واحداً في البيت السادس مقابل سبعة أسماء, فالفعل هو مدار الزمان هنا, وهو الذي يجمع المتناقضات, إنه منبع الإبداع والتميز.

/ 82