محور التجاوزی فی شعر المتنبی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

محور التجاوزی فی شعر المتنبی - نسخه متنی

أحمد علی محمد

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

يستدعي استرجاع المحذوف، وفك الرّمز اللّغوي، وإرجاع المختصر إلى المجمل، واسترداد العناصر الملغاة من المكثف، لتحقيق الفهم، وحتّى الطبيعة الإشارية للّغة التي تحتملها بعض الصيغ اللّغوية كالضمائر وأسماء الإشارة والظروف وغيرها مما يختص بالإشارة إلى الحدث لا تقوم بنفسها في عملية الفهم، فإذا سأل سائل أين فلان؟ قيل لـه: هناك، فإنّ المراد بكامل هذه الإشارة شيء وافٍ وإن لم يتمه الملفوظ، وضرورة الفهم تستدعي العبارة بتمامها:"فلان قابع هناك"، إذن هذا المستوى دلالي فحواه الإشارة إلى المعنى مع ما يواكب هذا الصنيع من رموز لغوية مذكورة أو غائبة، في حين أنّ الجانب الإشاري أحيانا لا يحمل المعنى بوساطة المنطوق، إنّما قد يعزّ على المتكلم أحيانا استعمال اللّغة لهذه الغاية، فيعمد إلى الجانب السيميائي الإشاري بالمعنى الحسي لا المجرد، فتتعطل لغة الكلام لتحل محلها الإشارة، عندئذ تخرج اللّغة من كونها موضوعاً للسيمياء لتغدو الإشارة أو الحركة أو السلوك أو اللافتة أو السهم أو أية وسيلة غير اللّغة المنطوقة مجالاً للتعبير الثري عن موقف من المواقف، ومن الطريف أنّ المتنبي على الصعيد الإشاري كان كثيراً ما يعطل اللّغة، أو ربّما كانت تخذله في التعبير عن المستويات كافة فيستغني، وهو الشاعر، عن بعض الكلام ليقوم الشّعر عنده على جانب إشاري سيميائي، ودليلنا على ذلك قوله:




  • 1. بأبي الشُّموسُ الجانحاتُ غواربا
    2. الُمُنْهِبَاتُ قلوبَنَا وعُقُولَنَا
    3. النّاعماتُ القاتلاتُ المُحييا
    4. حاولنَ تفديتي وَخفْنَ مُراقباً
    فوضعنَ أيديَهُنَّ فوق ترائبا



  • اللابساتُ من الحرير جلاببا
    وجناتِهِنَّ النَّاهباتِ النّاهِبا
    تُ المُبدياتُ من الدّلال غرائبا
    فوضعنَ أيديَهُنَّ فوق ترائبا
    فوضعنَ أيديَهُنَّ فوق ترائبا



في هذا الشاهد يمكن الفصل بين الإشارة واللّغة، إذ اللّغة اكتفت بوصف الموقف المجمل، وقد جاء ذلك الوصف في ثلاثة أبيات، في حين انطوى البيت الأخير أو الشطر الأخير منه بالتحديد على إشارة غير لغوية، فاللغة في الأبيات الثلاثة وصفت لنا مشهداً يدور حول لقاء المتنبي جماعة من الحسان، وقد بالغ في الثناء عليهن حتى جعلهن شموساً في وقت الغروب، ثم ألبسهن الحرير فزادهن جمالاً على جمال، إضافة إلى ما انطوين عليه من محاسن الصفات كالنعومة والدّلال وغير ذلك، وهذه اللّوحة الرائعة التي رسمها لم يفسدها شيء مثلما أفسدها الرّقيب الذي ظهر فجأة، فراع الحسان وقد عبرن عن ذلك الروع بوضع أيديهن فوق صدورهن، وعليه فهم المتنبي على الفور أنّ ثمة من نغص عليه اللّحظة السعيدة في أثناء لقائه الجميلات، فنقل الإشارة البليغة في تأديتها المعنى دون حاجة إلى الكلام. إنّ النظرة الكلية تبين أنّ المتنبي في هذا الشاهد كان يقارع الصيغ اللّغوية ليصوغ خطاباً فريداً ينقل من خلاله كامل ما تضج به نفسه من تفصيلات التجربة، فقبل أن يعمد إلى الإشارة امتحن الصيغ اللّغوية، لكن اللّغة لم تطعه ولم تنقد لـه بدليل أنّ الأبيات الثلاثة مغسولة من الأفعال، أي من التعبير الاعتيادي الذي يُخرج الكلام في صورة أسماء وأفعال، فمحور الاستبدال لديه في لحظة التوهج الشعري لم يسعفه إلا بالصيغ الاسمية، انظر إلى الأبيات الثلاثة الأولى لا ترى فيها فعلاً واحداً، والضغط على ذلك المحور أدى إلى نوع مضاد من الاستجابة لتأتي أربعة أفعال متوالية في البيت الأخير، ومع هذا الانقلاب المفاجئ، أي الانتقال من الاسمية إلى الفعلية، إلا أنّ اللّغة لم تعطه الحرية ليتّم صنعيه في توصيل كلّ ما يستلزمه الموقف. إنّ اللّغة هنا توقفت عن الأداء لتحل محلها الإشارة، وهذا دليل قدرة على التّمام، وقد ظنّ نفر من النقاد أنّ من شأن المتنبي مقارعة الصيغ اللّغوية، فإن أطاعته استعملها وفق القاعدة، وإن عصته حطم القواعد وخرج على العرف، وهذا حكم منقوص لأنّ اللّغة قد تكون عصية حتّى على شاعر كالمتنبي.

وهذا الجانب في شعر المتنبي لا يعدُ عدولاً عن النسق اللّغوي، أو هو من ضروب الانحراف الدّلالي الذي اخترق فيه المعهود فحسب، وإنّما هو انزياح من نوع آخر لأنه يجوز اللّغة إلى حيز السيمياء في محاولة لنقل كامل ما ينطوي عليه الموقف من تفصيلات قد لا تستطيع اللّغة نقله، فلهذا

/ 82