3 ـــ التضاد بوصفه تجاوزاً
لقد أجرى المتنبي الأفعال في النص مجرى التضاد أيضاً, إذ عمد إلى المقابلة بين الفعل المضارع والماضي على نحو يدل على حالين مختلفين من أحوال الصراع: حال بائسة كانت فيه قلعة الحدث عرضة لعبث الروم, وحال حاضرة تنفست فيها ريح الحرية والظفر, وقد تركز ذلك الأسلوب في الأبيات:ب16: بين (أتوك ـ يجرون), و(سروا)ب17: بين (برقوا) و(تعرف)ب19: بين (تجمّع) و(تُفهم)ب20: بين (ذوّب) و(فلم يبقَ)ب21: بين (تقطَّعَ) و(لا يقطعُ)ب25: بين (ضممت) و(تموت)ب30: بين (تدوس) و(كثرت)ب32: بين (مشيّتها) و(تتمشى)ب36: بين (مضى) و(يشكر)إن استخدام الصيغ الفعلية بأزمنة مختلفة ضرب من التضاد يُحدث عناصر منكسرة تؤثر في الأسلوب على نحو واضح, على اعتبار أن دلالة الماضي مضادة لدلالة الحاضر, ومن الطبيعي أن تختلف المعاني باختلاف الأزمنة, ذلك لأن الحدث لا يتحول إلى الفعلية إلا إذا اقترن بزمن معين, ومن هنا يحدث التضاد فيما بين الأفعال من جهة إشارتها إلى الماضي أو الحاضر, ثم يحدث تضاد آخر في النص بين الأفعال بوجه عام والأسماء, من جهة اختصاص كل منها بحال من أحوال الدلالة, فالأفعال تختص بالدلالة على الحركة على اعتبارها أحداثاً مقترنة بأزمنة, وتختص الأسماء بالدلالة على حال الثبات والسكون وتحيل على الوصفية والتأمل لكونها أحداثاً معزولة عن الزمان, والنص الذي بين أيدينا عمد إلى هذا النوع من المقابلة بين الفعلية والاسمية كما في قوله:
خميسٌ بشرق الأرض والغرب زحفه
وفي أذن الجوزاء منه زمازم
وفي أذن الجوزاء منه زمازم
وفي أذن الجوزاء منه زمازم