التناسب في النتاج الأدبي صفة ملازمة للشكل والبناء، والشعر الذي يسعى لتحقيق التناسب معني بتقسيم الكلام على أجزاء مثل أن يكون مقسوماً بين مقدمة وقلب وخاتمة، وهذه الأقسام ينبغي أن تكون متناسبة من حيث الطول، فلا تطول المقدمة إطالة تبعث على السأم والملل، أو أن تؤخر الموضوع الذي من أجله تنظم القصيدة، فالمقدمة تكون عادة قصيرة، وأما الموضوع فوجب أن يستوفي المطلوب، وهذا التوزيع موصول بالمنطق الذي يألف توزيع الكلام على أجزاء متناسية مترابطة.إن شعر المتنبي عامة يحيل على مبدأ التناسب، فهو من الشعراء الذين أجادوا في القصيد، دون تركيز واضح على المقطعات التي تحمل على الوهم بأن الشعر ومضات خاطفة تلبية لخواطر الوجدان، فالقصيدة عنده تامة تستوفي موضوعاتها الفنية، ثم إنها ذات بناء مكتمل تنصهر فيها الأجزاء وتتابع الأقسام بما يلبي مطلب العقل والقلب معاً. وعليه فإن لصنيع المتنبي في بناء القصيدة حرفة لا تطرح كل ما تناهى إلى سمعه وبصره من أفانين البناء الذي عمل المتقدمون على إيجاده، وفي الوقت نفسه لا تستقر عنده القصيدة وفق البناء الموروث، بل نجد كل ذلك مؤسساً على محور من التجاوز، فالمتنبي لا يعمد إلى تجاوز هيكل الشعر السابق فحسب، بل نجده يعمد إلى تجاوز هيكل شعره هو ليكون الشعر عنده صيغة من صيغ الانزياح الدائم.إن النظرة الموسعة إلى الشكل الفني الذي سيقت من خلاله القصيدة يدل على شيء من الاعتدال، بمعنى أنه ليس مقصراً في القصيد وليس مطيلاً، كما أن مقدمات قصائده متناسبة في حجمها وموضوعات القصائد، فلم يسرف في إطالة المقدمات، ولم تكن القصيدة في الأعم الأغلب مترهلة في شكلها بل كانت تمثل جرعة واحدة تأتي عادة على غاية من التسلسل، وهو في ذلك ينقل القارئ من جزء إلى جزء انتقالاً ميسراً لا عنت فيه ولا جور، ثم إنه يرعى حدود الموضوعات بصورة تنم على دقة صنعته وتنظيم فكره، فالقصيدة لا تشكو من قفزات غير مسوغة، أو من نسيج غير مترابط.