التناسب - محور التجاوزی فی شعر المتنبی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

محور التجاوزی فی شعر المتنبی - نسخه متنی

أحمد علی محمد

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

كان نفر من النقاد كما يشير العكبري، قد أخطأ حين عدَّ قول المتنبي في البيت الأول "التائه" ضرباً من التصريع طلباً للتناظر الصوتي مع القافية "سودائه"، إذ المتنبي لم يرد التصريع هنا، ذلك لأن الهاء في قوله "سودائه" أصلية وليست من حروف القافية . وهذا يعني أن التوافق الصوتي بين "التائه" و"سودائه" لم يكن من باب التصنع والتعمل، أو هو من ضرورات النظم، مما يدل على أن الانسجام هنا تولد مع القصيدة أو أنه جزء من تشكيلها، ولم يكن علامة صناعية فيها.

إن تركيز المعنى في النص استدعى ضرباً من التكرار اللفظي دون أن تكون هنالك زيادة لفظية تفيض عن المعاني، بل أدى التكرار دلالة إضافية من شأنها أن تبرز المعنى الدقيق الذي أراد المتنبي أن يلامسه هنا وفحواه أن عذل العواذل لا يؤثر في الحب الذي استقر في سويداء قلبه.

ثم يدقق في المعنى الذي تصحبه دقة في اللفظ من خلال الضغط على محور التكرار ليقول في البيت الثاني: إن لوم اللائمين ليس بوسعه أن يلامس قلبه المحترق بالحب خوفاً من حرارة مهجته الحارقة. ويبلغ التوافق والانسجام بين اللفظ والمعنى غايته في البيت الخامس حيث يشير إلى أن الشمس تحسده لأثره العظيم في الأرض، والنصر من قرنائه، والسيف من أسمائه، وهذه الثلاثة هي دونه، مع أنها تتعلق ببعض خلاله، إذ هو يفوق الشمس ضياء، ويتجاوز النصر إباءً، والسيف مضاءً، وهنا يتجلى التجاوز في رسمه صورة البطل التي بدت الأشياء والأمثلة دونه، فالشمس مثال للضياء والنصر مثال للإباء، والسيف مثال للمضاء، غير أن الممدوح جاز المثال ليكون كل ما في الوجود دونه.

النص إذن على غاية من التوافق، إذ المتنبي قد حشد من الألفاظ ما ينسجم مع الموضوع، فاختار الألفاظَ الجزلةَ القويةَ الموحية الدالة على الممدوح وعلى مكانته في نفسه، وقد آثر أن يؤدي مديحه بألفاظ الغزل، من أجل ذلك ذكر "العذل، القلب، الهوى، الملام، البرحاء، المهجة" وهي مذكورة في باب التغزل والنسيب، في موضوع المديح، وقد جمع إليها ما يخص المعاني المدحية مثل "الملك، النصر، السيف" ليحدث توافق آخر بين مجموعتين من الألفاظ أراد المتنبي أن يؤصل علاقة جديدة بينها على اعتبار أنه أجراها تحت موضوع واحد وهو المديح المتصل بالغزل أو الحب.

التناسب

التناسب في النتاج الأدبي صفة ملازمة للشكل والبناء، والشعر الذي يسعى لتحقيق التناسب معني بتقسيم الكلام على أجزاء مثل أن يكون مقسوماً بين مقدمة وقلب وخاتمة، وهذه الأقسام ينبغي أن تكون متناسبة من حيث الطول، فلا تطول المقدمة إطالة تبعث على السأم والملل، أو أن تؤخر الموضوع الذي من أجله تنظم القصيدة، فالمقدمة تكون عادة قصيرة، وأما الموضوع فوجب أن يستوفي المطلوب، وهذا التوزيع موصول بالمنطق الذي يألف توزيع الكلام على أجزاء متناسية مترابطة.

إن شعر المتنبي عامة يحيل على مبدأ التناسب، فهو من الشعراء الذين أجادوا في القصيد، دون تركيز واضح على المقطعات التي تحمل على الوهم بأن الشعر ومضات خاطفة تلبية لخواطر الوجدان، فالقصيدة عنده تامة تستوفي موضوعاتها الفنية، ثم إنها ذات بناء مكتمل تنصهر فيها الأجزاء وتتابع الأقسام بما يلبي مطلب العقل والقلب معاً. وعليه فإن لصنيع المتنبي في بناء القصيدة حرفة لا تطرح كل ما تناهى إلى سمعه وبصره من أفانين البناء الذي عمل المتقدمون على إيجاده، وفي الوقت نفسه لا تستقر عنده القصيدة وفق البناء الموروث، بل نجد كل ذلك مؤسساً على محور من التجاوز، فالمتنبي لا يعمد إلى تجاوز هيكل الشعر السابق فحسب، بل نجده يعمد إلى تجاوز هيكل شعره هو ليكون الشعر عنده صيغة من صيغ الانزياح الدائم.

إن النظرة الموسعة إلى الشكل الفني الذي سيقت من خلاله القصيدة يدل على شيء من الاعتدال، بمعنى أنه ليس مقصراً في القصيد وليس مطيلاً، كما أن مقدمات قصائده متناسبة في حجمها وموضوعات القصائد، فلم يسرف في إطالة المقدمات، ولم تكن القصيدة في الأعم الأغلب مترهلة في شكلها بل كانت تمثل جرعة واحدة تأتي عادة على غاية من التسلسل، وهو في ذلك ينقل القارئ من جزء إلى جزء انتقالاً ميسراً لا عنت فيه ولا جور، ثم إنه يرعى حدود الموضوعات بصورة تنم على دقة صنعته وتنظيم فكره، فالقصيدة لا تشكو من قفزات غير مسوغة، أو من نسيج غير مترابط.


/ 82