5 ـــ تجليات الزمن في الحب
لم يكن الشعراء على اختلاف مذاهبهم قد التقوا في أمر مثلما التقوا في التعبير عن وطأة الزمن في نتاجاتهم, والمتتبع أشعارهم يجد أن الزمن لا يتجلى في الصيغ اللغوية أو الرموز الكلامية فحسب, وإنما قد يتسلل إلى الموضوع من خلال أقنعة مختلفة تعبر عن ذاتها في صميم الموضوعات الفنية التي تقدم نفسها بهيئة تشي بأن مدارها بمعزل عن مدار الزمن وفعله, والمتنبي واحد من الشعراء الذين عبروا عن لحظات الزمن في غير موضوع التأمل, من أجل ذلك بوسع المرء أن يلتقط شواهد كثيرة من أشعاره تبين مقدار الضغوط النفسية التي يولدها الإحساس بسطوة الزمن في موضوعات الفن عامة لديه, كما هو الشأن في موضوع الغزل على سبيل المثال, إذ يتحول موضوع الحب إلى عنصر زماني مهلك, أو هو حركة تدني من العدم, وقد يكون ذلك من سمات هذا الموضوع بوصف الحب في نهاية المطاف عطالة تفضي إلى الهلاك كما عبر عنه الشعراء, ومع ذلك فإن الزمان كامن في الحب, أو في اللحظة التي ينبثق عنها الشعور بالحب, حتى لكأنها حاجة إلى العدم أو وسيلة لبلوغ الزوال, يقول المتنبي:
يا وجهَ داهِيةَ التي لولاكِ ما
إن كان أغناها السُّلُوُّ فإنّني
غُصْنٌ على نقوى فلاةٍ نابتٌ
لم تجمعِ الأضدادَ في متشابهٍ
إلا لتجعلني لغُرْمي مغنما
أكل الضَّنى جسدي ورضَّ الأعظُما
أصبحتُ من كبدي ومنها مُعْدِما
شمسُ النهارِ تُقِلُّ ليلاَ مُظْلِما
إلا لتجعلني لغُرْمي مغنما
إلا لتجعلني لغُرْمي مغنما
الحُبُّ ما منعَ الكلامَ الألسُنَا
ليت الحبيبَ الهاجري هجرَ الكرى
بِنَّا فلو حَليَّتنا لم تدرِ ما
وتوقَّدت أنفاسُنا حتّى لقد
أفدي المُوَدعةَ التي أتبعتها
أنكرتُ طارقةَ الحوادث مرة
يتكلم المتنبي هنا على الشكوى اللذيذة, وهي ناجمة عن موضوع الحب على ما يصاحب هذا
يتكلم المتنبي هنا على الشكوى اللذيذة, وهي ناجمة عن موضوع الحب على ما يصاحب هذا
وألذُّ شكوى عاشقٍ ما أعلنا
من غير جُرم واصلي صلة الضّنى
ألوانُنا مما امْتُقعن تلوُّنا
أشفقتُ تحترق العواذل بيننا
نظراً فرادى بين زفرات ثنا
ثم اعترفتُ بها فصارت ديدنا
يتكلم المتنبي هنا على الشكوى اللذيذة, وهي ناجمة عن موضوع الحب على ما يصاحب هذا