6 ـــ قراءة ابن وكيع في كتابه (المنصف)
قد يكون "المنصف" لابن وكيع من أوسع المصنفات التي تعرضت لسرقات أبي الطيب، ويذكر محقق الكتاب محمد يوسف نجم أنّ ابن وكيع قد عوّل فيه على رسالة ألفها النامي في عيوب شعر المتنبي، "وقد انفرد بالاطلاع عليها، وقبس منها ليهاجم صاحبها، ويهجن رأيه مدعياً لنفسه صفة الإنصاف". وابن وكيع يضع بين يدي مصنفه مقدمة طويلة، يوجه فيها الخطاب إلى الوزير ابن حنزابة الذي بعث إليه رسالة يشير فيها إلى ما كان يحظى به شعر المتنبي عند متأدبي عصره من تقدير، يقول: "فإنّه وصل إليَّ كتابك الجليل الموضع، اللطيف الموقع، تذكر فيه إفراط طائفة من متأدبي عصرنا في مدح أبي الطيب المتنبي وتقديمه، وتناهيهم في تعظيمه وتفخيمه..."، ويظهر من خلال المقدمة أنّ ابن حِنزابة كان متحاملاً على المتنبي حاقداً على المتعصبين لـه، لذلك كانت رسالته تنطوي على ذمهم والتهوين من شأنهم لأنّهم كما تقول المقدمة كانوا مأخوذين بالتقليد الأعمى "إنّهم قد أفنوا فيه الأوصاف، وتجاوزوا فيه الإسراف، حتّى فضلوه على من تقدم عصرَهُ عصرُهُ، وأبرّ على قدرِهِ قدرُهُ، وذكرتَ أنّ القوم شغلهم التقليد فيه، عن تأمل معانيه...". هذا الكتاب فيما يبدو قد حفز ابن وكيع لكي يضع شعر المتنبي في موضعه الحقيقي متحرياً في ذلك الإنصاف، ومن الواضح أنه حين اختار لمصنفه اسم "المنصف" لم يقصد إنصاف المتنبي، لأنّ المتنبي كما تشير مقدمة الكتاب قد نال من التقديم والتقدير والمدح ما لا يستحق، فعندما فاق ذكره المتقدمين أمثال الوليد وحبيب، حتّى لكأنّه سلبهم حقهم في الثناء والشهرة، وجب أن يقتص منه ليعيد الأمور إلى نصابها، أو كما يشي عنوان كتابه محاولا ًتحقيق الإنصاف بين الشعراء يقول: "لا يستحق التقديم على من هو أقدم عصراً، وأحسن منه شعراً كأبي تمام والبحتري، فإنّي لا أزال أرى من منتحلي الأدب مَنْ يعارض شعريهما بشعره، ويزن قدريهما بقدره..". ثم يرسم منهج كتابه قائلاً: "ثم لا يرضى مقرّض أبي الطيب حتى يدّعي لـه السلامة الكاملة فيه، وأنّى لـه السلامة من ذلك، وقد جاء على ساقة أهل الشعر بعد استيلاء الناس على حلو الكلام ومره ونفعه وضره، وهذا الظلم الواضح والإفك الفاضح، وسأدل أولاً على استعمال القدماء والمحدثين أخذ المعاني والألفاظ، ثم أعود إلى تنخل شعر أبي الطيب ومعانيه وإثبات ما أجده فيه من مسروقات قوافيه".إنّ ابن وكيع، مع أنّه قد حدد وجهته في كتابه بتنخل شعر المتنبي لتتبع سرقاته، إلا أنّه لم يلتزم هو الآخر بهذا المنهج، إذ انحرف في مواضع شتى إلى نقد معانيه وألفاظه، وهذا باب خارج من الناحية الموضوعية عن تتبع السرقات، إذ نراه يقف في صدر مؤلفه عند شعر قاله أبو الطيب في مفتتح حياته حيث يقول:
بأبي مَنْ وددْتُهُ فافترقنا
وافترقنا حولاً فلمّا التقينا
كانَ تسليمُهُ عليَّ وَدَاعاً
وقضى اللهُ بعدَ ذاكَ اجتماعا
كانَ تسليمُهُ عليَّ وَدَاعاً
كانَ تسليمُهُ عليَّ وَدَاعاً
زائرٌ نمَّ عليه حسنهُ
راقب العتمة حتى أمكنت
ورعى الحارس حتى هجعا
كيف يخفي الليل بدراً طلعا
ورعى الحارس حتى هجعا
ورعى الحارس حتى هجعا