أبنيتي لا تجزعي أبنيتي صبراً جميـ نوحي علي بحسرةٍ قولي إذا ناديتني زين الشباب أبو فرا س لم يُمتع بالشّباب
كلّ الأنام إلى ذهابْ ـلاً للجليل من المُصاب من خلف سترك والحجاب وعييت عن ردِّ الجواب س لم يُمتع بالشّباب س لم يُمتع بالشّباب
إذن أبو فراس الشاعر مع أبي فراس الإنسان قد تجسّدا في التعبير عن لحظة النهاية وواجها الموت معاً في لحظة انبعاث القصيدة, وسكتا معاً عندما أضحت القصيدة في حيز الوجود, لذا فالقصيدة آخر صرخة أطلقها أبو فراس الشاعر الإنسان ليعبر عن لحظة التحول هذه, أما المتنبي فاللحظات التي أفادت مثل هذا التحول كان وقد وصفها في زمن سابق لموته, فقد مات شعرياً قبل أن يموت إنساناً. وما يحمل ذكرى الشاعر هو القصيدة, وما يحمل ذكرى الإنسان هو الحادثة التي راح ضحيتها, وكان يقصد أن يموت كما يموت الإنسان لا كما يموت الشاعر, وهنا تتجلى لحظة التأمل وتتركز مناحي الرؤية الفريدة. لقد كان المتنبي وهو يقارع موضوعات الفنّ شخصاً آخر غير الذي كان يسير ويتحدث ويحلم ويصمم الأهداف ويحدد الغايات, فذلك الشخص بالنسبة إلينا قد انتهى, والذي بقي هو المتنبي الشاعر المختلف, وهو الذي تهيأ للمتنبي الإنسان أنّه قد مات, والواقع أنه لم يمت وإنما توقف عن الكلام لحظةً ولكنها كافية لتحملنا على الفهم بوجه من الدقة من الذي مات, ومن الذي لا يزال حياً خالداً؛ أعني بذلك المتنبي ذا الرؤية الشعرية المحققة ليس في دهره هو بل في دهور سرمدية.
الفصل الثاني
إشكاليات التجاوز وقيود القراءة
1. إكراهات القراءة
لا يزال الدرس النقدي أسير النظرة الفردية، مع محاولات النقاد الدائمة لضبط الحكم النقدي، وذلك بتوسيع الجانب الموضوعي فيه، وإقصاء الذات الناقدة عن موضوع النقد، ومع ذلك بقي النقد مترجحاً بين الموضوع والذات، حتى غدت الحيدة في هذا المجال ضرباً من المحال، وكان قدامة بن جعفر من أوائل النقاد القدامى الذين رسموا حداً للشعر لإيجاد معيار عقلي يسعف على الموازنة والمقايسة بين عناصره، محاولاً ربط معايير كلّ عنصر من عناصر الشعر بالعقل والدربة والمران، متحللاً بصورة واضحة من الذوق والتأثير الشخصي، لهذا حصر عناصره التكوينية باللفظ