2. يكاد ينحصر تجديد أبي الطيب في المعاني والألفاظ والأفكار والصور دون الموضوعات والأشكال، فتجدد المعاني جاء بطريق مقارعة معاني سابقيه ومن ثم توليد دلالات جديدة مستوحاة من سابقيه، وهذا هو الأسلوب الحقيقي للتطور، بمعنى أنه لم يقطع الصلة بين معانية ومعاني سابقيه بل نظر فيها وأضاف إليها، ومن جهة اللغة لم تنقصه الثقافة اللغوية غير أنه أحس بعامل التطور الذي من شأنه أن يوسع مجالات المعنى مع محدودية الألفاظ فنزع إلى المجاز، وقد وجد في ذلك وسيلة للتعبير عن معانيه الواسعة ضمن الألفاظ المحددة، وقد حاول النزوع إلى لفظ غير مستخدم وتعبير غير مألوف، وقد بلغ حداً أبعد من كل ذلك حين عمد إلى الإشارات والرموز والأساطير كل ذلك ليحيط بمعانيه الواسعة ويدل على ثقافته الغزيرة. ومن جهة الأفكار أوجد لقاء بين الفلسفة والشعر فتحققت لـه مصداقية القول بأنه من حكماء الشعراء، ومن جهة الصور لامس علاقات غير مألوفة، فباعد بين المشبه والمشبه به، وحطم مفهوم المقاربة بين المستعار والمستعار منه فكان لذلك على رأس الشعراء المحدثين الذي خرجوا على عمود الشعر الذي أقر بالعلاقات التي تنظم الوصف والتشبيه والاستعارة والائتلاف.
3. إن المتنبي للأسباب المذكورة آنفاً يمثل حالاً شعرية فريدة، وتجربة احتلت حيزاً واسعاً في الذاكرة الأدبية العربية، ومن الممكن أن يكون مثالاً ومجالاً للاحتذاء في عصرنا الحالي ولا سيما أن الشعر العربي قد وصل إلى طريق يخشى أن تكون مسدودة، كل ذلك حفاظاً على الشعر الذي نريد لـه عدم الفناء وقد قيل: لا تدع العربُ الشّعرَ حتّى تَدَع الإبلُ الحنينَ.
المصادر والمراجع
1. القرآن الكريم.
2. ابن الأثير (المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر) تحقيق بدوي طبانة وأحمد الحوفي ط2 دار نهضة مصر.
3. أرسطو (فن الشعر) نقل أبي بشر متى، تحقيق: شكري عياد طبع في القاهرة 1965م.
4. الألوسي، محمود شكري (الضرائر وما يسوغ للشاعر دون الناثر) شرح محمد بهجة الأثري ط القاهرة 1341ه.
5. البديعي (الصبح المنبي عن حيثية المتنبي) تحقيق مصطفى السقا وآخرين دار المعارف مصر 1963م.
6. أبو تمام، حبيب بن أوس الطائي (ديوان) تحقيق محمد عبده عزام ط دار المعارف 1950م.
7. الثعالبي (يتيمة الدهر) تحقيق مفيد قميحة ط1 الكتب العلمية بيروت 1973م.
8. الجرجاني، عبد القاهر (دلائل الإعجاز) تحقيق محمد رشيد رضا دار المعرفة ببيروت 1981م.