لم يكن الشّعر العربي، حتّى وهو في مرحلة المخاض بمنأى عن الفكر، وليس ذلك فحسب، بل إنّ الشّعر العربي في أقدم صوره ما هو في الواقع إلا صورة من صور التأمل الكوني، وبغض النّظر عمّا إذا كانت تلك التأملات قد وافقت منطق الشريعة أو العلم أم لا، فإنّ الحقيقة الشاخصة في هذه المسألة أنّ الإبداع الشعري هو في الأصل موقف فكري، وتعبير عن حاجة وجودية.لقد كانت أغلب الرؤى حول تأويل الشعر العربي في طوره المتقدم، أعني زمن الجاهلية تتجاوز هذا المسألة تجاوزاً مقصوداً، خوفاً من التعمّق الذي قد يحيل تلك الرؤى إلى ضرب من التفلسف الفارغ، والواقع أنّ توجيه البحث إلى تلك الناحية فيه نظر؛ ذلك لأنّ الشاعر الجاهلي منذ القدم وعى موقعه في الوجود، وبناء على ذلك عبّر عن نفسه تعبيراً صادقاً يتفق مع ما توافر لـه من معارف، ولعلّ أهمّ مشكلة واجهها الإحساس بأنّه زائل، إذ هو لا محالة سيؤول في نهاية أمره إلى العدم، من أجل ذلك كان شعره نشيداً لندب مصيره، وما احتفاله الشديد بذكر الطلل، ورسمه البارع مصائر الموجودات من حوله إلا تأملات عميقة استهدفت تصوير أثر الزّمن في واقعه ونفسه على حد سواء.لقد كانت فكرة الموت أو الدهر أو الفناء ما يستأثر بكامل تأملات الشعراء القدامى، إذ كان وعيهم منصباً حول فكرة فحواها أن دهرهم سيطويهم آجلاً أو عاجلاً، ولهذا وقفوا موقفاً عدائياً منه، وهذا ما تشف عنه تصاويرهم الخاصة بالموت، ولعل أبرز من