الفصل الرابع التجاوز والزّمن - محور التجاوزی فی شعر المتنبی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

محور التجاوزی فی شعر المتنبی - نسخه متنی

أحمد علی محمد

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

جراء هيمنة الناقد بذوقه الخاص على ما يود المبدع قوله، وهو الأمر الذي بدا مقبولاً على صعيد اللغة والنحو والعروض بوصفها تقبل المعايير، إلا أنه غير مقبول على صعيد الخطاب والمعنى والموضوع لأن ذلك خارج على المعايير أساساً، فالنقد الذي يدعو إلى جعل المعنى الشعري في حدود ذوق الناقد ووعيه لا يقبل قصيدة ولا يرعى فناً ولا يحترم إبداعاً، وإنما يقهر إرادة ويمزق كياناً ويهدم بناءً، فالشاعر الذي يسوق معانيه على جهة ما يمضي وفق سنن القصيدة التي تحاول أن تؤسس ذوقاً جديداً وترسم منطقاً مختلفاً، وتصنع عالماً غير مألوف، والشاعر المتميز هو الذي ينجز نصاً مخالفاً لتوقعات الناقد والقارئ معاً، من أجل ذلك وجب أن يضع الناقد الموضوعي قناعاته إزاء الإبداع الفني موضع تعديل على الدوام.

وفحوى القول: إن الحال التي يجسدها شعر المتنبي فيما سميناه بالتجاوز على مستوى الأسلوب تحدد في الواقع مقدار الاختلاف والتميز، لا بل تدل على رصيده الإبداعي، ومناحي التفرّد التي جعلت منه شاعراً على غاية التميز في تاريخنا الشعري، وقد وضحنا ذلك من خلال كلامنا على تمرده على كل ما هو مألوف في مجال الأسلوب الشعري خاصة لندل في نهاية المطاف على أن الشاعر العبقري الذي شغل الدنيا بشعره كان مسكوناً بهاجس التجاوز والعدول ليعبر عن فرادته، ولهذا السبب يرجع تطاوله على الأعراف اللغوية وعلى المعاني وعلى سائر التقنيات التي تقدم بها القصيدة العربية نفسها فيها.

إن المشكلة التي يجسدها النقد بألوانه الأدبية واللغوية تدل في نهاية الأمر على أن النقد معني بالموضوعية قبل كل شيء، وموضوعية النقد في الواقع تحتاج إلى معايير ومصطلحات ومناهج طالما أنه يسعى إلى تقييم النتاجات الأدبية، وصحيح أن النقد الأدبي العربي منذ ظهور الأصمعي الذي وضع أول مدونة نقدية في تاريخنا النقدي، ثم جاء من بعده ابن سلام وابن قتيبة وقدامة بن جعفر وغيرهم، قد قطع طوراً مهماً جداً في مضمار النقد النظري، غير أن ذلك المهاد الأساسي لم يكن في حال من الأحوال عند النقاد الذين جنحوا إلى التطبيق النقدي دافعاً للمعيارية أو الموضوعية، بل ظلّت تلك التطبيقات ولاسيما في موضوع تتبع السرقات الشعرية لا تجوز القناعة الذاتية والفهم الفردي والانطباع الذي ينحل عنه رأي شخصي وتبرز من خلاله سمات الذوق الخاص، وعليه يمكن القول: إن مجمل النقد التطبيقي الذي دار حول المتنبي وشعره لا يبعد عن الذوق، ومع أهمية ذوق الناقد إلا أن مجال الحيدة والموضوعية أرحب وأهم.

الفصل الرابع

التجاوز والزّمن

1 ـــ فكرة الدّهر في الشعر

لم يكن الشّعر العربي، حتّى وهو في مرحلة المخاض بمنأى عن الفكر، وليس ذلك فحسب، بل إنّ الشّعر العربي في أقدم صوره ما هو في الواقع إلا صورة من صور التأمل الكوني، وبغض النّظر عمّا إذا كانت تلك التأملات قد وافقت منطق الشريعة أو العلم أم لا، فإنّ الحقيقة الشاخصة في هذه المسألة أنّ الإبداع الشعري هو في الأصل موقف فكري، وتعبير عن حاجة وجودية.

لقد كانت أغلب الرؤى حول تأويل الشعر العربي في طوره المتقدم، أعني زمن الجاهلية تتجاوز هذا المسألة تجاوزاً مقصوداً، خوفاً من التعمّق الذي قد يحيل تلك الرؤى إلى ضرب من التفلسف الفارغ، والواقع أنّ توجيه البحث إلى تلك الناحية فيه نظر؛ ذلك لأنّ الشاعر الجاهلي منذ القدم وعى موقعه في الوجود، وبناء على ذلك عبّر عن نفسه تعبيراً صادقاً يتفق مع ما توافر لـه من معارف، ولعلّ أهمّ مشكلة واجهها الإحساس بأنّه زائل، إذ هو لا محالة سيؤول في نهاية أمره إلى العدم، من أجل ذلك كان شعره نشيداً لندب مصيره، وما احتفاله الشديد بذكر الطلل، ورسمه البارع مصائر الموجودات من حوله إلا تأملات عميقة استهدفت تصوير أثر الزّمن في واقعه ونفسه على حد سواء.

لقد كانت فكرة الموت أو الدهر أو الفناء ما يستأثر بكامل تأملات الشعراء القدامى، إذ كان وعيهم منصباً حول فكرة فحواها أن دهرهم سيطويهم آجلاً أو عاجلاً، ولهذا وقفوا موقفاً عدائياً منه، وهذا ما تشف عنه تصاويرهم الخاصة بالموت، ولعل أبرز من

/ 82