الشعور من ألم ومرارة, غير أنه من مكملات الوجود الإنساني بطبيعة الحال, ذلك لأن الإنسان لا يستطيع أن يحيا خارج الزمان, لهذا فهو عرضة لتجليات الزمان الذي يطوله من خلال الحب والحزن والفقد وسائر ما تختص به حياته في هذا الوجود.
يذكر الباحثون أن الشعر العربي بطبيعته غنائي, ينحل عن العواطف الذاتية والمشاعر الشخصية, فهو لهذا السبب معرض لخطرات الوجدان وتأملات النفس, وقلما يخطر ببال الشاعر العربي أن يحول نشيده الشعري إلى باب يتصل بعواطف الجماعة وآمال الأمة, أو يعرضه للخوض في غمار التصارع أو الكفاح الذي تخوضه الجماعات حفاظاً على وجودها, كما أن الشعر العربي عند كثير ممن تأمل هذه الناحية لم يعمد إلى ذكر سير الأبطال وسرد الأحداث الكبار التي هزت تاريخ الأمة, من أجل ذلك قالوا إن العرب لم تعرف الملحمات الشعرية التي عرفتها سائر الأمم كاليونان والفرس والهند, وحجتهم في ذلك أن الشعراء العرب لم ينجزوا نصوصاً طويلة تنطوي على الصراع من أجل الوجود, ولم يعرفوا تلك التقنية الفنية التي تتسم بها الملحمات عامة.
والواقع أن المتنبي من الشعراء القلائل الذين تركوا قصائد شبيهة بالملحمات الشعرية من حيث الموضوع لا من حيث الشكل, فالمتنبي كغيره من شعراء العربية لم يقل شعراً قصصياً يبلغ من الطول ما بلغته الملحمات الشعرية, لكنه قد أسهم في رسم صور للصراع بين العرب والأمم الأخرى كما هو الشأن في ميميته المشهورة التي يقول فيها :