وقوله:
وقوله:
فهذه الشواهد مغسولة من الأفعال إذ اقتصرت على الأسماء والحروف, وهذا الاستخدام بطبيعة الحال يشكل تضاداً مع الاستخدام الواسع للأفعال في هذا النص, ومؤدى ذلك أن المتنبي أراد أن تسبح القصيدة في اتجاهين متغايرين: التسارع والحركة الناجم عن التوسع في استخدام الأفعال بأزمنتها المختلفة, وهذا بالطبع يناسب الحدث التاريخي الذي يعالجه هنا, والثبوت والوصف المنبعث من الصيغ الاسمية الدالة على حال من التأمل ورسم الشواهد والصور التي انطوت عليها الأحداث في القصيدة.
لقد عمد المتنبي إلى تقنية أسلوبية أسهمت من تلوين السياق في مجال استخدام الضمائر وما تحيل عليه من وظائف لغوية يفيدها ترجيح الخطاب في النص بين الغيبة والتكلم والإخبار, مما يشعر باعتماده على ما يعرف بالالتفات المقترن كما يقول ابن المعتز بانصراف المتكلم عن المخاطبة إلى الإخبار, وقد وضّح المبرد ذلك بتعليقه على قول الشاعر:
فقال: "كان يتحدث عنه, ثم أقبل عليه يخاطبه, وترك تلك, والعرب تترك مخاطبة الغائب إلى مخاطبة الشاهد, ومخاطبة الشاهد إلى مخاطبة المتكلم".
فنسق الالتفات كما يذكر المبرد بحسب استخدام العرب هو الانتقال من خطاب الغائب إلى الشاهد, ومن الشاهد إلى المتكلم, والمتنبي في النص الآنف لم يُجرِ شواهده كلها على هذا النسق بل عمد إلى شيء من العدول حين انتقل من خطاب الشاهد إلى خطاب الغائب في قوله:
ففي قوله (تنويه) ضمير عائد على المخاطب وهو سيف الدولة, وفي قوله (مضى) ضمير آخر عائد على الغائب وأراد به الفعل, وبذلك ترك مخاطبة الشاهد إلى الغائب, وهذا مؤشر أسلوبي ينحرف فيه الشاعر عن المألوف في المخاطبة, وبالمقابل تقيد في كثير من الشواهد بالحالات التي أقرتها البلاغة في موضوع الخطاب فنجده ينتقل من الغائب إلى الشاهد في قوله:
وقوله:
ومن أمثلة انتقاله من المخاطب إلى المتكلم قوله:
ولكنه لا يلبث أن يسجل انحرافاً عن هذا النسق أيضاً, فيلتفت من التكلم إلى المخاطبة في قوله:
فهذه الأضرب من الالتفاتات من شأنها تلوين الخطاب بغية التأثير في السامع، وفيها من جهة ثانية علامة أسلوبية خاصة بمنشىء القول ولا سيما عندما يعمد إلى اختراق الأنساق المعروفة, ليعبر عن تجربته