مفصل فی تاریخ العرب قبل الإسلام

جواد علی

جلد 4 -صفحه : 456/ 264
نمايش فراداده

  • واعلمن علمـاً يقـينـاً انـه ليس يرجى لك من ليس معك

  • يرجى لك من ليس معك يرجى لك من ليس معك

المنسوب لعبيد بن الأبرص، هو من الموضوعات.

ويرى "غرونباوم" ان من خصائص المدرسة العراقية نزوعها إلى بحر الخفيف، وعند أبي دؤاد الايادي خمس عشرة قصيدة بهذا الوزن، وعند عدي سبع، وعند الأعشى خمس، " ولم يستعمل هذا البحر عند سائر الشعراء المعاصرين إلا على نحو عارض". فورد عند عمرو بم قميئة، وعند المرقش الأكبر، والمرقش الأصغر، وعامر بن الطفيل، والحارث بن حلزة اليشكري.

ويظهر مما أورده المفسرون وأهل السير من قول "الوليد بن المغيرة" في الرسول وفي القرآن: "ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله: رجزه وهزجه، وقريضه ومقبوضه، ومبسوطه، فما هو بالشعر"، "فجعل الرجز والهزج من أوزان الشعر، وقرن بهما أسماء غير محددة، ويبدو أن تحديد هذه المعاني كلها عند العرب كان مختلفاً عن اصطلاحات العروضيين، وإلا فإن القبض في العروض من عيوب الزحاف، وهو حذف الحرف الخامس الساكن". وورد في رواية عن "أبي ذر": "لقد وضعت قوله على اقراء الشعر، فلا يلتئم على لسان"، وقد اختلفوا في المراد من الإقراء، وفي هذين الخبرين وأمثالهما دلالة على أنه قد كان لأهل الجاهلية قواعد ثابتة بالنسبة للشعر، وأن الشعر كان يعتمد عندهم عليها. وأن علماء العروض: "الخليل بن أحمد " و "الأخفش" لم يتمكنا من ضبط كل بحور الشعر التي كانت عند الجاهليين، بدليل أننا نجد أبياتاً خارجة عن العروض الذي وضعاه، ويظهر أن هذا الخروج يمثل مرحلة من مراحل الشعر، لم نقف على كنهها بعد. وقد وجد "العيني" أن في الأصمعية المرقمة ب"72" تشيعاً، قال عنه "غرونباوم": "ومثل هذا لا يعدّ خطأ، بل هومظهر من مظاهر التطور الفني في هذا الوزن، مظهراً استنكر أو نسي مع الزمن، حين وضع علم العروض، بعد حوالي قرنين من وفاة أبي دؤاد". وقد ذهب "غرونباوم" إلى أن "الخليل"، أقر "ستة عشر وزناً، واطرح بعض الأوزان الهزيلة التي كان القدماء قد استنبطوها"، والواقع أننا لا نستطيع الزعم، بأن الخليل قد أحاط علماً بكل أنواع العروض العربي الجاهلي.

ومن يفحص الشعر الجاهلي، يجد ان في بعضه اضطراباً وخروجاً وشذوذاً على قواعد "العروض"، وقد وجد هذا الشذوذ في شعر شعراء يعدون من الفحول، مثل "امرئ القيس"، في القصيدة التي مطلعها:

  • عيناك دمعهما سِجالُ كأن شأنيهما أوشالُ

  • كأن شأنيهما أوشالُ كأن شأنيهما أوشالُ

ومثل عبيد بن الأبرص في قوله:

  • أقفر من أهله ملحوبُ فالقطبيات فالذنـوب

  • فالقطبيات فالذنـوب فالقطبيات فالذنـوب

فقلما يخلو بيت من هذه القصيدة من حذف في بعض التفاعيل، أو زيادة، كما في الشطر الأول من هذا المطلع.

ومثل ما نسب إلى المرقش الأكبر، وعدي بن زيد العبادي، وغيرهم، من خروج على الوزن في بعض الشطور، وإخلال في الوزن، حتى زعم بعض العلماء، ان في نونية "سلمى بن ربيعة" خروجاً عن العروض: عروض الخليل. وقد أشرت في مكان آخر إلى وقوع الإقواء والإكفاء والزحاف في شعر بعض الشعراء، مثل امرئ القيس، والنابغة، وبشر بن أبي خازم، وهي أمور تلفت النظر، لا ندري أكانت قد وقعت من الشعراء حقاً، أم من الرواية والرواة، أم انها لم تكن عيباً بالنسبة لعروض الجاهليين، وانما عدت من العيوب بالنسبة إلى العروض الذي ضبط في الإسلام، أو انه وقع بسبب تعديل أو تبديل أدخله العلماء على الأصل، ليلائم قواعد العربية، فوقع من ثم ما قيل له عيباً. وانني لا استبعد وقوع السهو في نظم الشعر من شاعر مهما كان فحلاً، فقد روي ان بعض الفخول من شعراء العصر الأموي كالكميت والفرزدق والأخطل، قد وقعوا في أخطاء، وان رواتهم كانوا يجرون تنقيحاً وتغييراً على أشعارهم، ليقوّموا بذلك ما انحرف في شعرهم وما فيه من السناد، ولكن وقوع ما نشير اليه يدل على أن ما نعده اليوم عيباً أو خروجاً على القواعد والعروض، لم يكن ينظر اليه هذه النظرة عند الجاهليين وفي صدر الإسلام، وإلا دل ذلك على جهل أولئك الشعراء بقواعد اللغة وعلم الشعر، وحاشا وقوع ذلك منهم، وشعرهم نفسه كان في جملة المواد الأساسية التي استعان بها علماء القواعد والعروض في بناء النحو والعروض.

وقد قصر علماء الشعر فحولة الشعر في الجاهلية على الشعراء المعروفين بالنظم بالبحور المشهورة، فيما عدا الرجز، أما قالة الرجز، فهم طبقة خاصة، عرفت عندهم بالرجّاز.