بعضها بعضًا ومعهم نساؤهم وأموالهم فلما نظر أبو بكر رضي الله عنه إلى نصرتهم سر بذلك وشكر الله تعالى وأنزل القوم حول المدينة كل قبيلة متفرقة عن صاحبتها واستمروا فأضر بهم المقام من قلة الزاد وعلف الخيل وجدوبة الأرض فاجتمع أكابرهم عند الصديق رضي الله عنه وقالوا: يا خليفة رسول الله إنك أمرتنا بأمر فأسرعنا لله ولك رغبة في الجهاد وقد تكامل جيشنا وفرغنا من أهبتنا والمقام قد أضر بنا لأن بلدك ليست بلد جيش ولا حافر ولا عيش والعسكر نازل فإن كنت قد بدلت فيما عزمت عليه فأمرنا بالرجوع إلى بلدنا وأقبل الجميع وخاطبوه بذلك فلما فرغوا من كلامهم قال أبو بكر رضي الله عنه: يا أهل اليمن ومن حضر من غيرهم. أما والله ما أريد لكم الإضرار وإنما أردنا تكاملكم قالوا: إنه لم يبق من ورائنا أحد فاعزم على بركة الله تعالى. وصية أبي بكر قال المؤلف رحمه الله تعالى: لقد بلغني أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قام من ساعته يمشي على قدميه وحوله جماعة من الأصحاب منهم عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين وخرجوا إلى ظاهر المدينة ووقع النداء في الناس وكبروا بأجمعهم فرحًا لخروجهم وأجابتهم الجبال لدوي أصواتهم وعلا أبو بكر على دابته حتى أشرف على الجيش فنظر إليهم قد ملئوا الأرض فتهلل وجهه وقال: اللهم أنزل عليهم الصبر وأيدهم ولا تسلمهم إلى عدوهم {إن الله على كل شيء قدير} [البقرة: 20]. وكان أول من دعاه أبو بكر يزيد بن أبي سفيان وعقد له راية وأمره على ألف فارس من سائر الناس ودعا بعده رجلًا من بني عامر بن لؤي يقال له ربيعة بن عامر وكان فارسًا مشهورًا في الحجاز فعقد له راية وأمره على ألف فارس ثم أقبل أبو بكر على يزيد بن أبي سفيان وقال له: هذا ربيعة بن عامر من ذوي العلى والمفاخر قد علمت صولته وقد ضممته إليك وأمرتك عليه فاجعله في مقدمتك وشاوره في أمرك ولا تخالفه. فقال يزيد: حبًا وكرامة. وأسرعت الفرسان إلى لبس السلاح واجتمع الجند وركب يزيد بن أبي سفيان وربيعه بن عامر وأقبلا بقومهما إلى أبي بكر رضي الله عنه فأقبل يمشي مع القوم. فقال يزيد: يا خليفة رسول الله الناجي من غضب الله من رضيت عنه لا نكن على ظهور خيولنا وأنت تمشي فإما أن تركب وإما أن ننزل. فقال: ما أنا براكب وما أنتم بنازلين وسار إلى أن وصل إلى ثنية الوداع فوقف هناك فتقدم إليه يزيد فقال: يا خليفة رسول الله أوصنا فقال: إذا سرت فلا تضيق على نفسك ولا على أصحابك في مسيرك ولا تغضب على قومك ولا على أصحابك وشاورهم في الأمر واستعمل العمل وباعد عنك الظلم والجور فإنه لا أفلح قوم ظلموا ولا نصروا على عدوهم وإذا لقيتم القوم فلا تولوهم الأدبار {ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير} [الأنفال: 16]. وإذا نصرتم على عدوكم فلا تقتلوا ولدًا ولا شيخًا ولا امرأة ولا طفلًا ولا تعقروا بهيمة إلا بهيمة المأكول ولا تغدروا إذا عاهدتم ولا تنقضوا إذا صالحتم وستمرون على قوم في الصوامع رهبانًا يزعمون أنهم ترقبوا في الله فدعوهم ولا تهدموا صوامعهم وستجدون قومًا آخرين من حزب الشيطان وعبدة الصلبان قد حلقوا أوساط رؤوسهم حتى كأنها مناحيض العظام فاعلوهم بسيوفكم حتى يرجعوا إلى الإسلام أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون وقد استودعتكم الله ثم عانقه وصافحه وصافح ربيعة بن عامر وقال: يا عامر أظهر شجاعتك على بني الأصفر بلغكم الله آمالكم وغفر لنا ولكم. قال: وسار القوم ورجع أبو بكر رضي الله عنه بمن معه إلى المدينة قال: فجد القوم في السير فقال ربيعة بن عامر: ما هذا السير يا يزيد وقد أمرك أبو بكر أن ترفق بالناس في سيرك فقال يزيد: يا عامر إن أبا بكر رضي الله عنه سيعقد العقود ويرسل الجيوش فأردت أن أسبق الناس إلى الشام فلعلنا أن نفتح فتحًا قبل تلاحق الناس بنا فيجتمع بذلك ثلاث خصال: رضاء الله عز وجل ورضاء خليفتنا وغنيمة نأخذها. فقال ربيعة: فسر الآن ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قال: فأخذ القوم في السير على وادي القرى ليخرجوا على تبوك ثم على الجابية إلى دمشق. قال: واتصل الخبر للملك هرقل من قوم من عرب اليمن المتنصرة كانوا في المدينة فلما صح عند الملك ذلك جمع بطارقته في عسكره وقال لهم: يا بني الأصفر إن دولتكم قد عزمت على الانهزام ولقد كنتم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتقيمون الصلاة وتؤثرون الزكاة التي أمركم بها الآباء والأجداد والقسس والرهبان وتقيمون