معاجم معانی ألفاظ القرآن الکریم

فوزی یوسف الهابط ندوة

نسخه متنی -صفحه : 25/ 4
نمايش فراداده

وقلة موادها، لافتاً للنظر ! ويتجلى ذلك :

في وصف حاجي خليفة (ت1067هـ) لكتاب أبي عبيدة (ت210هـ) في الغريب، حيث أخبر :

أنه جمع كتاباً صغيراً، ثم استدرك قائلاً :

" ولم تكن قلته لجهله بغيره، وإنما ذلك لأمرين :

أحدهما :

أن كل مبتدئ بشيء لم يُسبق إليه يكون قليلاً ثم يكثر . والآخر :

أن الناس كان فيهم

- يومئذ

- بقية ،وعندهم معرفة ؛ فلم يكن الجهل قد عمّ". ومن أجل ذلك أقول :

إن حركة التأليف في غريب القرآن، قد تطورت تطوراً كبيراً، من بدايتها، إلى عصرنا الحاضر، وسيظهر هذا واضحاً جلياً، عندما نستعرض مؤلفات غريب القرآن . ولكن السمين الحلبي (ت756هـ) لم يفطن إلى هذه الحقيقة العلمية، التي تتعلق بتفاوت نظرات أهل الغريب، إلى الغريب؛ ولذلك نجده قد أخذ على الراغب الأصفهاني (ت في حدود :

425هـ) إغفاله بعض ألفاظ الغريب القرآني، في كتابه:

(مفرادات ألفاظ القرآن) حيث قال (السمين الحلـبي) :

(قد أغفل في كتابه ألفاظاً كثيرة ؛ لم يتكلم عليها، ولا أشار في تصنيفه إليها، مع شدة الحاجة إلى معرفتها، وشرح معناها، ولغتها) ثم أورد بعض المواد التي أغفلها الأصفهاني . وأعتقد

- في ضوء ما عرفنا، من تفاوت نظرات أهل الغريب إلى الغريب

- أن ما أخذه السمين الحلبي، على الراغب الأصفهاني، ليس مأخذا يلتفت إليه ؛ لأن المسافة الزمنية بينهما، أو بين عصريهما :

طويلة، حيث تزيد على ثلاثة قرون، وهذه المسافة الزمنية :

كفيلة بتغير اللغة، والعلم بها، حتى إنه ما كان معروفا في عصر الأصفهاني ( القرن الخامس الهجري ) ولا يحتاج إلى تفسير، أضحى مجهولاً في عصر السمين ( القرن الثامن الهجري ) ويحتاج إلى تفسير !^ المبحث الثاني :

غريب القرآن وبداية المعجم العربي ارتبطت بداية المعجم العربي، بغريب القرآن، ارتباطاً وثيقاً ! فقد أوجَدَتْها :

الحاجة إلى تفسير ألفاظ قرآنية، خفيت على بعض العرب، الذين لم يكن لهم عهد بها ! ربما لأنها لم تكن من لغة قبائلهم ؛ فالقرآن عربي، ونزل بلغة العرب عامة، ولكن :

كانت فيه ألفاظ خاصة ببعض القبائل، دون بعضها الآخر ، فاحتاج الأمر :

إلى أن تُفَسّر هذه الألفاظ ؛ حتى لا يظل

- في القرآن

- لفظ غامض، على أحد من العرب المسلمين . فقد وردت أخبار، تداولها الرواة، حتى سُجّلت، ووصلت إلينا، وعرفنا منها :

أن » الصحابة

- وهم العرب العرباء، وأصحاب اللغة الفصحى، ومن نزل القرآن عليهم، وبلغتهم

- توقفوا في ألفاظ، لم يعرفوا معناها ؛ فلم يقولوا فيها شيئاً . فـ [ قد] أخرج أبو عبيد

- في الفضائل

- عن إبراهيم التيمي، أن أبا بكر الصديق * سُئل عن قوله تعالى :

* وَفَاكِهَةً وَ أَباًّ * (عبس:

31) فقال :

أي سماء تُظِلني، وأي أرض تُقِلّني، إن قلت :

في كتاب الله ما لا أعلم ؟! وأَخرَجَ عن أنَسٍ * أن عمر بن الخطاب * قرأ على المنبر:

*وَفَاكِهَةً وَأَباًّ* (عبس:

31) فقال :

هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الأبّ ؟ ثم رجع إلى نفسه فقال :

إن هذا هو الكَلَفُ يا عمر ! وأخرج

- عن طريق مجاهد

- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :

كنت لا أدري ما *فَاطِر السَّماوَاتِ * (فاطر:

1) حتى أتاني أعرابيان، يختصمان في بئر، فقال أحدهما :

أنا فطرتُها، يقول :

أنا ابتدأتها . وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جُبير، أنه سُئل عن قوله [ تعالى] :

*وَحَنَاناً مِّن لَّدُنّاَ*(مريم:

^ 13)^ فقال:

سألت عنها ابن عباس، فلم يُجِب فيها شيئاً !« وهذا

-إن دل على شيء، فإنما

-يدل على أن هذه الألفاظ

- التي توقف أمامها، بعض كبار الصحابة *

- كانت غريبة على بيئتهم الحجازية، وإن لم تكن غريبة على بعض البيئات العربية الأخرى؛ بدليل نزولها في القرآن الكريم . ومما يؤكد هذا الأمر، ويزيده وضوحاً :

تلك الرواية، التي ذكرها القرطبي ، إسناداً إلى سعيد بن المسيب، الذي قال :

بينما عمر بن الخطاب * على المنبر، قال:

يا أيها الناس :

ما تقولون في قول الله عز وجل:

*أَو يَأخُذَهُم عَلَى تَخَوُّفٍ*^ (النحل:

47) ؟ فسكت الناس، فقال شيخ من هذيل :

هو لُغتنا يا أمير المؤمنين، التخوّف :

التنقُّص...فقال عمر * :

أتعرفُ العربُ ذلك في أشعارهم ؟ قال :

نعم، قال شاعرنا، أبو كبير الهُذَلي

- يصف ناقة تنقَّصَ السَّيْر سَنامَها، بعد تمْكه واكتنازه

تَخَوَّف الرَّحْلُ مِنْهَا تَامِكاً قَرِدا كما تَخوَّفَ عُودَ النَّبْعَةِ السَّفَنُ