ظلال و اصداء اندلسیة فی الأدب المعاصر

ابراهیم خلیل

نسخه متنی -صفحه : 66/ 3
نمايش فراداده

السادس من هذا الكتاب.

وما انفك الشعراء يتخذون من مدن الأندلس وأسماء قادتها التاريخيين من أمثال: عبد الرحمن الداخل (صقر قريش) و (المعتمد بن عباد) و (أبي عبد الله الصغير) ومن قبل (موسى بن نصير) و (طارق بن زياد) رموزاً يشيرون إليها في أشعارهم.

ويستوي في ذلك الشعراء العرب من أمثال أحمد شوقي والأوربيّون أمثال لويس آراغون صاحب المجموعة الشّعرية "مجنون إلْزا" والإسبان أنفسهم أمثال لوركا وروفائيل البرتي وآخرين ممّن يعدّون أنفسهم الورثة الوحيدين لِشِعْر الأندلس.

لهذا كلّه أحاول فيما أقدمه للقارئ من بحوث في هذا الكتاب أن أريق قليلاً من الضّوء على الظلال التي تركتها الأندلس في التجربة الإبداعية وأن أصيخ السّمع لما يبعثه ذلك الماضي من أصداء في الأدب المعاصر شعراً ونثراً.

ففي الباب الأول يتناول الكتاب بالدراسة استدعاء النموذج الأندلسي في الشّعر مشيراً إلى بعض الشعراء والنصوص التي اتكأت على الرمز التاريخي الأندلسي والإسباني مفصلاً القول فيما يتراءى للباحث والدارس من رموز في شعر محمود درويش بدءاً بمجموعته الشعرية الأولى "أوراق الزيتون" وانتهاءً بقصيدته المطولة: "أحد عشر كوكباً على المشهد الأندلسي" وبما أن لوركا يَعُدّ نفسه أندلسياً وبما أن في شِعْره الكثير من الملامح والعادات والتقاليد العربية الإسلامية التي تتجلى في مسرحياته بوجه خاص فقد تناول المؤلّف في الفصل الثاني تأثير مقتله في قصائد من الشعر العربي لشعراء عدّة منهم إبراهيم نصر الله وعبد الوهاب البياتي وسميح القاسم وسعدي يوسف.

وعلى نحو أكثر تفصيلاً وعمقاً تناول الفصل الثالث تأثير لوركا الأندلسي في شعر محمد القيسي.

وقد انتفع المؤلّف في هذا التناول من منهج الدراسات التقابلية والمقارِنَة معتمداً على المجموعة المختارة من أشعار لوركا Selected Poems إلى جانب ما تُرْجم من أشعاره إلى العربيّة في أزمنة متباعدة، وعواصم عربية متعددة.

وعلى الرغم من أنّ "قصيدة النثر"، أو ما يوصف عادة بذلك، لا تسهم في كثير من نماذجها باستدعاء النموذج الأندلسي، فقد لفت الانتباه نصٌّ شعري لأمجد ناصر صدر عن دار النهار في بيروت (1996) بعنوان "مرتقي الأنفاس" وهو يلفت النظر بما فيه من توظيف تطبيقي لفكرة القناع القائمة على الإفادة من شخصية أبي عبد الله الصغير -آخر سلاطين الأندلس- وقد ظهر بعض التطابق وبعض الاختلاف في قصيدتي درويش "أحد عشر كوكباً" وقصيدة أمجد ناصر "مرتقى الأنفاس"، مما شجّع الباحث على تناول الظلال الأندلسية في هذا النص من غير أن يغفل عن الطبيعة الرجراجة والإشكالية لقصيدة النثر، سواء من حيث مغالطات التعريف، أو إشكالية البنية.

أما الباب الثاني فقد أفرده المؤلف لبحوث تناولت ما في الأدب الشعبي من أصداء أندلسية وإسبانية امتزجت امتزاجاً عجيباً ومدهشاً.

ويلفت الأنظار ما كتبه ودونه إرفنغ من حكايات تلقي الضوء على العلائق الوجدانية والثقافية والروحية بين مسلمي الأندلس والإسبان سواءٌ في زمن الحكم العربي أو بعده.

لاسيما تصويره العلاقات الغرامية التي تصل بين عربيّة وإسباني أو إسبانيّةٍ وعربيّ أو العكس.

والتنبيه على روح التسامح التي سادت العلاقات بين الفريقين حقباً طوالاً من الدهر.

ويضم الباب أيضاً بحثاً عن الرواية التي تتّخذ من الأندلس -زمن السقوط- محوراً لها.

وبهذا الشأن لا بأْس من أن يشير المؤلف للفصل السادس الموسوم بالرواية التاريخية من منظور تقابلي، إذ هو دراسة نصّية لثلاث روايات تتناول شريحة تاريخية واحدة وفي السنوات التي تلت سقوط غرناطة عام 1492.

ومن هذا المنظور التقابلي يتّضح لنا أن وجهة النظر Point of view التي تسيطر على الكاتب تحدد المصير النهائي للأحداث والأبطال وتجعل المحتوى الذي ينسجم مع وجهة النظر تلك مؤثراً تأثيراً كبيراً في بِنْية العمل الأدبي، وعلاماته الدلاليّة من شخوصٍ سردية، وأزْمنة وأماكن، وعلاقاتٍ وسرود متقاطِعة تَمْزِجُ التّاريخ -بمفهومه المجرّد- بالمتخيّل الأدبي.

وغير بعيد عن هذا السياق ما يجده القارئ في الفصل السابع والأخير من ثلاثية رضوى عاشور الموسومة "بثلاثية غرناطة" وإذا كان لابدّ من ملاحظات يذكرها المؤلف هنا عن هذه الرواية فهي -فيما لديه من الإيجاز- لم تتأثّر بالعبارات الدعائية الإعلامية ذات الألفاظ الكبيرة التي طرّز بها الناشر غلاف الرّواية الثاني.

فعلى الرّغم من تقديره لكُتّاب من أمثال: علي الراعي ومحمود أمين العالم ولطيفة الزيات وجابر عصفور وصلاح فضل واعتدال عثمان وصبري حافظ وفريدة النقاش، فإنّ رأيه في أن الذي كتبوه أو قالوه في الرّواية ليس من البحث العلمي