بولايتك فإنه عظيم قومك بما نال إلياس بولاية الله تعالى؛ فإن إلياس كان في بدء أمره آدمياً يأكل الطعام ويمشي في الأسواق فلم تزل به كرامة الله تعالى حتى أنبت له الريش وألبسه النور فعاد إنسياً ملكياً سماوياً أرضياً يطير مع الملائكة! أم تعدل مخلنطيس وما نال بولايتك فإنه عظيم قومك، بالمسيح بن مريم وما نال بولاية الله تعالى فإن الله فضله على رجال العالمين وجعله وأمه آية للمعتبرين! أم تعدل أمر هذه الروح الطيبة التي اختارها الله لكلمته وسودها على إمائه وما نالت بولاية الله تعالى، بأزبيل وما نالت بولايتك فإنها كانت من شيعتك وعلى ملتك، فاسلمها الله مع عظم ملكها حتى اقتحمت عليها الكلاب في بيتها فانتهشت لحمها وولغت في دمها، وقطعت الضباع أوصالها!. فقال الملك: إنك لتحدثنا عن أشياء ليس لنا بها علم؛ فأتني بالرجلين اللذين ذكرت أمرهما حتى أنظر إليهما، فإني أنكر أن يكون هذا من البشر. قال له جرجيس: إنما جاءك الإنكار من قبل الغرة بالله تعالى. وأما الرجلان فلن تراهما ولا يريانك إلا أن تعمل بعملهما فتنزل منازلهما. فقال له الملك: أما نحن فقد أعذرنا إليك وتبين لنا كذبك لأنك فخرت بأمور عجزت عنها. ثم خيره الملك بين العذاب وبين السجود لأفلون. فقال جرجيس: إن كان أفلون هو الذي رفع السماء ووضع الأرض فقد أصبت، وإلا فاخسأ أيها النجس الملعون. فلما سمعه الملك غضب وسبه وسب إلهه وأمر بخشبة فنصبت له وجعل عليها أمشاط الحديد فخدش بها جسده حتى تقطع لحمه وجلده وعروقه، ونضح خلال ذلك الخل والخردل، فحفظه الله تعالى من ذلك الألم والهلاك. فلما رأى ذلك لم يقتله أمر بستة مسامير من حديد فأحميت، حتى إذا جعلت ناراً سمر بها رأسه حتى سال دماغه، فحفظه الله من الألم والهلاك. فلما رأى ذلك لم يقتله أمر بحوض من نحاس وأوقد عليه حتى إذا جعله ناراً أمر به فأدخل في جوفه وأطبق عليه فلم يزل فيه حتى برد حره. فلما رأى أن ذلك لم يقتله دعا به فقال: يا جرجيس، أما تجد ألم هذا العذاب الذي تعذب به؟ فقال: إن ربي الذي أخبرتك به حمل عني ألم العذاب وصبرني لأحتج عليك. فلما قال له ذلك أيقن الملك بالشر وخافه على نفسه وملكه، واجتمع رأيه أن يخلده في السجن. فقال له الملأ من قومه: إنك إن تركته طليقاً في السجن يكلم الناس يوشك أن يميل بهم عليك، ولكن مر له بعذاب في السجن يشغله عن كلام الناس. فأمر به فبطح في السجن على وجهه ثم أوتد له في يديه ورجليه أربعة أوتاد من حديد في كل ركن منها وتد. ثم أمر بأسطوان من رخام فوضع على ظهره، وحمل ذلك الأسطوان ثمانية عشر رجلاً، فظل يومه ذلك موتداً تحت الحجر. فلما أدركه الليل أرسل الله تعالى إليه ملكاً فقلع عنه الحجر ونزع الأوتاد وأطعمه وسقاه وبشره وعزاه. فلما أصبح أخرجه من السجن وقال له: الحق بعدوك فجاهده في الله حق جهاده، فإن الله يقول لك: أبشر واصبر فإني قد ابتليتك بعدوك هذا سبع سنين يعذبك ويقتلك فيهن أربع مرات، في كل ذلك أرد إليك روحك، فإذا كانت الرابعة تقبلت روحك وأوفيتك أجرك. قال: فلم يشعر الملك وأصحابه إلا وجرجيس قد وقف على رءوسهم وهو يدعوهم إلى الله تعالى. فقال له الملك: يا جرجيس من أخرجك من السجن؟ قال: أخرجني الذي سلطانه فوق سلطانك. فلما قال له ذلك ملئ غيظاً ودعا بأصناف العذاب حتى لم يخلف منها شيئاً. فلما رآها جرجيس أوجس في نفسه خيفة وفزعاً منها، ثم أقبل على نفسه يعاتبها بأعلى صوته وهم يسمعون. فلما فرغ من عتابه نفسه مدوه بين خشبتين ثم وضعوا سيفاً على مفرق رأسه فنشروه حتى سقط من بين رجليه وصار قطعتين، فعمدوا إلى أجزائه فقطعوها قعطعاً، وللملك سبعة أسود ضارية، وكانوا صنفاً من أصناف عذابه، فرموا بجسده إليها. فأمرها الله تعالى فخضعت له برءوسها وأعناقها وقامت على براثنها، فظل يومه ذلك ميتاً وهي أول موتة ماتها. فلما أدركه الليل جمع الله جسده الذي قطعوه بعضه إلى بعض حتى سواه، ثم رد الله تعالى إليه روحه وأرسل ملكاً فأخرجه من قعر الجب فأطعمه وسقاه وبشره وعزاه. فلما أصبحوا قال له الملك: يا جرجيس، قال: لبيك! قال: اعلم أن القدرة التي خلق الله تعالى بها