وقد استطاع هذا الحزب المد عوم من قبل الامام من كسسب اعداد كبيرة من المؤيدين في مختلف انحاء البلاد وبسرعة كبيرة ، واصبح سدا بوجه العناصر المعادية للثورة
في السابع والعشرين من حزيران 1981 جرح اية الله الخامنئي على اثر انفجار قنبلة زرعها المنافقون بينما كان يخطب بالجماهير المحتشدة في مسجد ابي ذر في طهران . وفي اليوم التالي وقعت فاجعة رهيبة على اثر انفجار قنبلة قوية زرعها احد عملاء منظمة المنافقين في مقر حزب الجمهورية الاسلامية ، وذلك خلال اجتماع اعضاء الحزب ، مما ادى الى استشهاد اثنين وسبعين من خيرة الطاقات الثورية من عناصر النظام الاسلامي ومن انصار الامام الخميني ، كان بينهم رئيسى ديوان القضاء الدكتور البهشتي وعدد من الوزراء ونواب مجلس الشورى الاسلامي وجمع من مسؤولي السلطة القضائية وعدد اخر من المفكرين والكتاب والطاقات الثورية الاخرى .
بعد شهرين من هذه الفاجعة ، وفي الثلاثين من شهر اب 1981 استشهد السيد محمد علي الرجائي - الوجه الثوري المحبوب من قبل الجماهير والذي انتخب لرئاسة الجمهورية بعد عزل بني صدر - والدكتور محمد جواد الباهنر ( رئيس الوزراء ) بينما كانا في مقر عملها اثر انفجار قنبلةاخرى .
وكان لسرعة الامام وحزمه في اتخاذ القرار بانتخاب وتنصيب المسؤولين لسد الفراغ الحاصل نتيجة سقوط ذلك العدد من الشهداء كان له الاثر البالغ في تهدئة الاوضاع وادخال اليأس على نفوس الاعداء واصابة المحافل الخبرية والسياسية العالمية بالحيرة والذهول .
ولو لم يكن ايمان الامام الخميني وصلابته المذهلة ، ووعي الجماهير الايرانية المؤمنة ، لتمكنت واحدة من هذه الوقائع لوحدها من اسقاط النظام الاسلامي . غير ان بيانات الامام الخميني وخطاباته كانت بعد كل واحدة من هذه الحوادث تهدأ روع الجماهير وتسهل عليها تحمل المصائب وتزيد من تصميم الجماهير على مواصلة طريقها .
بعد شهادة الدكتور البهشتي هتفت الجماهير بشعار “ ماذا تريد امريكا ، ان ايران مليئة بامثال البهشتي “ والذي استلهمته من حديث الامام الذي كشف من خلاله النقاب عن ان الايادي الخفية للعدوالاصلي ( امريكا ) تكمن وراء هذه الاغتيالات . من جانب اخر فان الامام كان قد اكد مرارا على ان الثورة الاسلامية لا تقوم على الافراد مهما كانت مواقعهم واهميتهم ، وان ما يحفظ الثورة ، انما هو الله وايمان الجماهير المؤمنة .
!ن اهم ما وفق فيه الامام الخميني هو قدرته على تنمية الشعور والوعي العام لدى الجماهير وايجاد الاحساس بالمسؤولية والقدرة علىالتحليل السياسي لدى ابناء الشعب ازاء الوقائع والاحداث المعاصرة .
لسنوات طوال كانت وسائل الاعلام الغربية تعد الناس بحتمية سقوط النظام الاسلامي بعد وفاة الامام الخميني ، وقد طرح هذا الموضوع حتى في المؤتمرات التي عقدها المفكرون الغربيون لدراسة الثورة الاسلامية ، والاجتما عا ت السياسية والمفاوضات التي كان يجريها الساسة الغربيون - وبشكل جدي ، وتم القبول به ، وعلى هذا الاساس ايضا قبعت المجموعات المعادية للثورة في الداخل في مكامنها بانتظار ذلك اليوم الموعود ، غير ان الدنيا شهدت كيف ان النظام الاسلامي لم يتعرض لادنى ضرر بعد ارتحال سماحة الامام الخميني ، وبذا تبددت احلام واماني السنوات ، والسبب في ذلك هو ما ذكرناه ، فقد تمكن الامام الخميني من تربية الجيل الخامل اللامبالي نتيجة خمسين عاما من الجرائم والخيانات التي مارسها النظام الملكي البهلوي باليأس وعدم الاكتراث بطريقة جعلته قادرا وفي زمان قصير من تبديل عاداته وعلاقاته الاجتماعية السابقة والاعتقادات الخاطئة الراسخة ، نحو القيم والمثل السامية الجديدة وفي مختلف مناحي الحياة . ومئات الالاف من الشبان الذين واجهوا العدو البعثي المعتدي في جبهات القتال لمدة ثمانية اعوام متواصلة - متطوعين مختارين في ذلك ومع امتلاكهم لاعلى درجة من المعنويات والوعي - دليل على هذا المعنى والنماذج الكثيرة على مستوى وعيهم وشعورهم ومستوى ايمانهم ومعنوياتهم يتضح في الوصايا المطبوعة للشهداء منهم ، وهؤلاء هم انفسهم الذين كانوا والى ما قبل انتصار الثورة الاسلامية بقليل في معرض الوقوع في مختلف انواع المفاسد ، يحركهم اعلام السوء وتتجاذبهم انواع القوى التخديرية .
ولعل البعض ممن لم يعاصروا مجتمع الامام الخميني عن قرب يعتبرون هذا الحديث نوعا من المبالغة في عرض الحقائق ، وانه امر ناشىء عن فرط المحبة للامام وللثورة الاسلامية ، لكن الامر ليس كذلك ، فكثير من الشواهد لازالت حية والوثائق والمستندات الدامغة من الكثرة بحيث ان اثبات هذا الامر لن يحتاج اك طويل بحث او مناظرة .
فالى الان لازالت الثقافة الاجتماعية الايرانية الجديد ة تدفع الناس الى تهنئة من فقد ابنا في طريق تحقيق اهداف نهضة الامام الخميني بدلا من مواساته . الى الان مازال الكثيرمن الاباء والامهات في ايران ممن فقدوا عدة ابناء في هذا الطريق يجيبونك حينما تسالهم عن شعورهم : بان ذلك فخر للعائلة وانه نعمة من الله .
ولعل من غير المعقول بالنسبة للغربيين ان يقوم بعض افراد العائلة بالتبليغ عن محلات اختفاء العديد من العناصر المضادة للثورة والارهابيين المنافقين من ابنا ئهم وقيام الاباء والامهات بمساعدة قوى الامن لالقاء القبض عليهم . وتتضح اهمية هذا الاحساس حينما يؤخذ بنظر الاعتبار شدة الترابط العاطفي في العائلة الايرانية والذي لا يمكن مقارنته - وعلى اي مستوى - مع ما هو موجود من الروابط الباردة الخالية من الروح في العائلة الغربية مثلا . الى الان اذا سالت ايا من عشرات الالاف من المقاتلين - الذين لازالوا يتذكرون ايام الجبهة - عن اشد ايا م وجوده في الجبهة قسوة ؟ لاجابك انه يوم اعلان الموافقة على القرار الدولي ووقف اطلاق النار ، فان وصف احساسات قوات التعبئة بالحزن العتيق والالم في ذلك اليوم لا يمكن وصفها الا بالمشاهدة والمعاينة القريبة ، كل ذلك لاحساسهم بان “ باب جنة الشهداء “ قد اغلق امامهم ، وانهم فقدوا الامل في الالتحاق بقافلة الشهداء .
ان ايجاد تحول روحي كهذا في مجتمع ما ، وتحريك امواج التعلق بالاسلام في روح امة ما ، ليس بالعمل السهل والعادي .
لبنان وملحمة حزب الله فيها ، نموذج اخر يدلل على هذا التحول الذي ذ كرناه . وخلافا لما يدعيه الغرب من خلال اعلامه ، فان تدخل ايران ودعمها لم يكن هو السبب في ايجاد هذا التحول ، ذلك لان لامريكا واوروبا والاتحاد السوفيتي ( السابق ) حضور عميق وواسع ومباشر في لبنان ، بيد انه لم يؤد الى شىء ، فالجامعة الامريكية في بيروت لها تاريخ طويل ، كما ان امريكا واوروبا انزلت قواتها في لبنان اثناء الاحداث التي وقعت في لبنان . لقد كانت لبنان وحتى وقت قريب اكبر سوق للسياسات الغربية في الشرق الاوسط ، فما الذي ادى الى ان يتمكن مجتمع صغير - قياسا الى اعدائه وفي بلد محاصر من جميع الجهات ، وله حدود مشتركة مع اسرائيل ، ورغم قلة امكاناته الدفاعية - من الوقوف بثبات وقوة بحيث يستطيع دفع القوات الغربية الى الاعلان رسميا عن فرارها من المنطقة ، واضطرارها الى ترك البلاد واليوم ايضا ورغم وجود مختلف الضغوط الاقتصادية الشد يدة ، والقصف والاعتداء ات الاسرائيلية التتكررة ، ترى حزب الله يثبت وجوده امام الغرب ويقاوم بشكل منقطع النظير.
ان السبب الحقيقي في ذلك هو ان مسلمي لبنان وبناء على علاقاتهم الثقافية والعقائدية القديمة ، استطاعوا معرفة الامام وتلقوا رسالته اسرع من سائر البلدان الاسلامية .
وبعد لبنان ، تجيء فلسطين التي افرزت وبسرعة ( حركة حماس ) والحركات الاسلامية في سائر بلدان المسلمين .. كلها نتيجة التاثر المباشر او غير المباشر لافكار الامام الخميني ورسالته الجهادية . والسبب في ايجاد تحول كهذا لاينحصر في الفكر السياسي للامام الخميني ونوعية جهاده السياسي ، فمدرسة الامام الخميني التربوية وقدرته في معرفة الانسان وفي معرفة المجتمع هي التي ساهمت في ايجاد الارضية المناسبة لوقوع مثل هذه التحولات . وللاسف فان ابعاد نظرات الامام وارائه حول الانسان والمجتمع والتاريخ وما قاله في التربية لم تزل حتى الان متناثرة غير مدونة وغير معروفة كما ينبغي ، فمدرسة الامام في التربية وعلم الاجتماع تختلف كثيرا عما يدرس تحت هذه العناوين في جامعات دول العالم الثالث والبلدان الاسلامية .
ان الاساس الذي ابتنيت عليه نهضة الامام الخميني انما يمتد الى منهج الانبياء ، ذلك المنهج الذي استطاع ان يخلق من بعض العبيد المغمورين والمظلومين شخصيات من امثال ابي ذر الغفاري وسلمان المحمدي . ومن المجتمع الجاهلي الذي كان انذاك ، قائدا للمدنية والحضارة الاسلامية فيما بعد. فيما ان هذا المنهج اصبح في عصرنا الحاضر منسيا ، وما نعرفه اليوم تحت عنوان العلوم الانسانية المعاصرة انما يهتم بتعريف الانسان والعلاقات الانسانية من وجهة نظر المدارس الوضعية ( غير السماوية ) الليبرالية والغربية ، والذي نتج هو الاخر عن عصر النهضة الصناعية ونتيجة الضياع وفقدان الهوية الذاتية والاصالة والقبول باصالة المادة وحاكتية الالة على الانسان .
اعود مجددا للحديث حول كيفية قيادة الثورة في السنوات المشحونة بالاضطراب مما تلا الثورة الاسلامية بعد فاجعة الثامن والعشرين من حزيران 1981 م واستشهاد العشرات من انصار الامام ومن المسؤولين في نظام الجمهورية الاسلامية ، وتمكن قادة مجموعة المنافقين من الفرار من البلاد متوجهين الى باريس برفقة رئيس الجمهورية المعزول ، وذلك بارتدائهم الملابسى النسائية وبالتعاون والتنسيق مع بعض العملاء المندسين في مطار طهران . فالطيار الذي قاد الطائرة كان من الطيارين الخاصين بالملك المخلوع والموثوقين لديه ( 11) وهو الذي قاد طائرة الملك حينما فر من البلاد قبل سنوات .
11 - العقيد المعزي . تعرضت منظمة مجاهدي خلق ( المنافقين ) بعد الفرار الى مشكلات حقيقية في اقناع مؤيديها الذين خدعتهم با لشعارات الثورية والمعادية للامبريالية ، ودعوى الاسبقية في الوقوف بوجه النظام الملكي . فعدا عن انقاذهم لقائدهم ( مسعود رجوي ) بمساعدة الطيار السافاكي ومؤتمن الملك ، هناك العديد من الموارد الاخرى التى جعلت الكثير من انصار المنظمة يتركونها او ينشقون عليها ، ومن جملة ذلك لمكن الاشارة الى الائتلاف السياسي بين تيار بنى صدر الليبرالي المحافظ مع تيار رجوي الثوري واليساري الطاهر ( في ذلك الوقت ) الامر الذي ادى الى الزواج القلق بين مسعود رجوي وابنة بنى صدر ، وكذلك لجوء اعضاء المنظمة الى الدول التي تدور في فلك الامبريالية واستجدائهم الامكانات من امريكا واوروبا واخيرا اسرائيل ، وعقدهم اتفاقية تجسس وعمالة لصدام فى مقابل الحصول على معسكرات وامكانات تسليحية ، وكذا الزواج الثالث الفاشل بين مسعود رجوي واحدى عضوات المنظمة والذي تم تحت شعار “الثورة الايديولوجية “ !