فمن نظر الى هذه الكلمات يتضح له أن صاحب الفصول ( ره ) يشترط فى صدق المشتق قيام مبدأ الاشتقاق به من دون الواسطة و الا يكون صدقه صدقا مجازيا كالشدة و السرعة العارضتين للجسم بواسطة الحركة و اللون فانه يقال الحركة السريعة واللون الشديد و لا يقال الجسم السريع أو الشديد و كلام صاحب الفصول يكون من باب الخلط بين المجاز فى الاسناد الذى لا يضر بكون الكلمة حقيقة فى معناها كالميزاب الجارى لان لفظ الجارى استعمل فى معناه الحقيقى و هو الجريان و ان كان اسناده الى الميزاب مجازا و هذا اسناد حقيقى بالنسبة الى الكلمة و مجازى بالنسبة الى الاسناد ليس بمضر كما أشار اليه صاحب الكفاية فى ضمن قوله ( بل يكفى التلبس به و لو مجازا و مع هذه الواسطة كما فى الميزاب الجارى . )
فالمشتق فى قولنا ( الميزاب الجارى ) ما استعمل بحسب المادة و لا بحسب الهيئة فى المعنى المجازى أما بحسب المادة فلانها قد استعملت فى معناها الحقيقى و هو السيلان لان الماء الجارى - أى ماء له السيلان - و اما بحسب الهيئة أيضا ما استعمل فى المعنى المجازى لانه أى المشتق استعمل فى الذات المتلبس فى الحال بالجريان و لم تستعمل فى غيرها غاية الامر ان حمل المشتق على الميزاب مجازى لعدم كونه حقيقة متلبسا بالجرى . نعم متلبس بالجرى عناية و بالمجاز .
قول صاحب الكفاية ( المقصد الاول فى الاوامر و فيه فصول : الاول فيما يتعلق بمادة الامر من الجهات و هى عديدة الاولى أنه : قد ذكر للفظ الامر معان متعددة : منها الطلب كما يقال ( آمره بكذا ) ) أى أطلب منه كذا ( و منها الشأن نحو ( شغله أمر كذا ) ) أى شغله شأن كذا ( و منها الفعل كما فى قوله تعالى ( و ما أمر فرعون برشيد ) ) أى و ما فعل فرعون برشيد ( و منها الفعل العجيب كما فى قوله تعالى ( فلما جاء أمرنا ) ) أى أمرنا العجيب ( و منها الشى كما تقول ( رأيت اليوم أمرا عجيبا ) ) أى شيئا عجيبا ( و منها الحادثة نحو قولك ( وقع أمر جديد ) ) أى حادثة جديدة ( و منها الغرض كما تقول ( جاء زيد لامر كذا ) ) أى لغرض كذا .