وكقول طرفة : وقوفا بها صحبى على مطيهم يقولون لا تهلك أسى وتجلد ( 1 ) ومثل هذا كثير .
فإذا صح مثل ذلك في بعض البيت ولم يمتنع التوارد فيه ، فكذلك لا يمتنع وقوعه في الكلام المنثور اتفاقا غير مقصود إليه ، فإذا اتفق لم يكن ذلك شعرا .
وكذلك يمتنع التوارد على بيتين ، وكذلك يمتنع في الكلام المنثور وقوع البيتين ونحوهما .
فثبت بهذا أن ما وقع هذا الموقع لم يعد شعرا ، وإنما يعد شعرا ما إذا قصده صاحبه : تأتى له ، ولم يمتنع عليه .
فإذا كان هو مع قصده لا يتأتى له ، وإنما يعرض في كلامه عن غيرقصد إليه - لم يصح أن يقال : إنه شعر ، ولا إن صاحبه شاعر ، ولا يصح أن يقال : إن هذا يوجب أن مثل هذا لو اتفق من شاعر فيجب أن يكون شعرا ، لانه لو قصده لكان يتأتى له ( 2 ) .
وإنما لم يصح ذلك ، لان ما ليس بشعر فلا يجوز أن يكون شعرا من أحد ، وما كان شعرا من أحد من الناس كان شعرا من كل أحد ( 3 ) .
ألا ترى أن السوقى ( 4 ) قد يقول : " اسقنى الماء يا غلام سريعا " ، وقد يتفق ذلك من الساهي ومن لا يقصد النظم .
فأما الشعر ( 5 ) إذا بلغ الحد الذى بينا ، فلا يصح أن يقع إلا من قاصد إليه .
وأما الرجز فإنه يعرض في كلام العوام كثيرا ، فإذا كان بيتا واحدا فليس ذلك بشعر .
وقد قيل : إن أقل ما يكون منه شعرا أربعة أبيات ، بعد أن تتفق قوافيها ، ولم يتفق ذلك في القرآن بحال .
فأما دون أربعة أبيات منه أو ما يجرى مجراه في قلة الكلمات ، فليس بشعر .
( 1 ) ديوانه ص 21
. ( 2 ) س : " منه "
. ( 3 ) م : " من واحد . كل أحد من الناس "
. ( 4 ) م : " أن المفحم إن أخذ السوقة "
. ( 5 ) م : " فأما النظم "