ما كان لاصل دينهم قواما ، ولقاعدة توحيدهم عمادا ( 1 ) ونظاما وعلى صدق نبيهم ، صلى الله عليه وسلم ، برهانا ، ولمعجزته ثبتا وحجة ( 2 ) .
ولا سيما أن الجهل ممدود الرواق ، شديد النفاق ( 3 ) ، مستول على الآفاق ، والعلم إلى عفاء ودروس ، وعلى خفاء وطموس ، وأهله في جفوة الزمن البهيم ( 4 ) ، يقاسون من عبوسه لقاء الاسد الشتيم ( 5 ) حتى صار ما يكابدونه قاطعا عن الواجب من سلوك مناهجه ، والاخذ في سبله .
فالناس بين رجلين : ذاهب عن الحق ، ذاهل عن الرشد ، وآخر مصدود عن نصرته ، مكدود في صنعته .
فقد أدى ذلك إلى خوض الملحدين ، في أصول الدين ، وتشكيكهم أهل الضعف في كل يقين .
وقد قل أنصاره ، واشتغل عنه أعوانه ، وأسلمه أهله .
فصار عرضة لمن شاء أن يتعرض فيه ، حتى عاد مثل الامر الاول على ما خاضوا فيه عند ظهور أمره .
فمن قائل قال : إنه سحر ( 6 ) ، وقائل يقول : إنه شعر ( 7 ) ، وآخر يقول : إنه أساطير الاولين ( 8 ) ، وقالوا : لو نشاء لقلنا مثل هذا ( 9 ) . إلى الوجوه التى حكى الله عز وجل عنهم أنهم قالوا فيه ، وتكلموا به ، فصرفوه إليه .
( 1 ) م : " عصاما أو "
( 2 ) ا : " حجة وتبيانا " ، م : " وحجة لمعجزته وتبيانا "
( 3 ) الرواق : الفسطاط . النفاق : الرواج
. ( 4 ) البهيم : الاسود
. ( 5 ) في اللسان 15 211 : " أسد شتيم : عابس "
. ( 6 ) قال تعالى في سورة سبأ 43 :
( وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم : إن هذا إلا سحر مبين )
. ( 7 ) قال تعالى في سورة الانبياء 5 : ( بل قالوا
أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر )
. وقال في سورة الصافات 36 : ( ويقولون : أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر
مجنون )
. ( 8 ) قال تعالى في سورة الفرقان 5 : ( وقالوا أساطير الاولين اكتتبها فهى تملى عليه بكرة وأصيلا
)
. ( 9 ) قال تعالى في سورة الانفال 21 : وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا ، لو نشاء لقلنا مثل هذا ،
إن هذا إلا أساطير الاولين
.