إلى الخيال أغرف من منهله الزاخر وأحلق في أجوائه الرحبة، وإنما توجهت إلى الحياة فانتزعت من صميمها هذه الوقائع التي عرفت بعض أبطالها، وعشت معهم، واستمعت إلى أحاديثهم ولا يزال بعضهم أحياء يواصلون سيرهم في منعرجات الحياة، بينما، انتقل الآخرون إلى عالم الراحة الأبدية والسعادة الحقة، ودنيا الخلود ولم يتركوا في هذه الدنيا سوى هذه الذكريات الحبيبة إلى نفسي التي أقدمها للقراء.
" ويؤكد هذا أن حوحو قد كان نظرياً في دعوته الأدبية أكثر منه عملياً.
وإذا كان قد وفق في رسم شخصية أدبية تتطابق مع نظرته إلى عاطفة الحب، متأثراً بالأدباء الرومانسيين، من رواد الأدب العربي الحديث في أثناء إقامته في الحجاز، فقد أخفق في رسم صورة فنية مقنعة تتفاعل مع الحدث القصصي الدرامي بالصورة الواقعية التي دعا إليها.
إن الشخصية المضادة في قصة"خولة" على عكس الشخصية السابقة حيث أنها امتازت بالفعالية، كما أنها اتصفت بالتنوع والكثرة، وأهم من يمثلها الشخصيات التالية: (الشيخ خليل) والد(خولة)، و(الشيخ حمود رئيس القبيلة المجاورة لقبيلة الشيخ خليل، و(صالح) خطيب(خولة) وابن الشيخ حمود.
فقد جاءت شخصية(الشيخ خليل)، في أثناء عنصر السرد، ومن خلال تعليقات الشخصيات الأخرى، وهي كثيرة ومتنوعة، وعني القاص بتصوير ملامحها الداخلية والخارجية على طريق السّرد والحوار المباشر والحوار النفسي.
فمن السرد المباشر قوله"اشتهر الدناءة والجبن والسفالة والبخل" ، ومن خلال الحوار عرض للنقاش الحاد بين خليل وأهل قريته الذين حاولوا أن يمنعوه من أن يزوج ابنته(خولة) من صالح ابن الشيخ حمّود.
لقد صور هذا الحوار شخصيته الصلبة، وعناده الشديد، حيث أنه لم يخضع لتهديدات كل شيوخ قبيلته ورجالها بل بقي مصرّاً على رأيه غير آبه بتهديداتهم.
وأبرز وظيفة فنية، أدتها الشخصية المضادة في هذه القصة، هي أنها أسهمت في تنامي الصراع بين الشخصيات المحورية والمضادة من جهة، وبين المضادة والمساعدة من جهة ثانية.
أما الشخصية المعارضة في قصة"عائشة"، فهي شاب مهاجر وظفه القاص كأداة فنية لتوعية(عائشة)، ويمكن أن يرمز بهذا الشاب إلى الاتصال العربي بحضارة الغرب المتقدمة مادياً، ونظراً لعدم استعداده الذهني والحضاري، فإنه سرعان ما تحول إلى أداة قوية لاستغلال أهله، وقهرهم، والتباهي بالمظاهر التي اكتسبها في أثناء عملية الاتصال.
ومما يؤكد ما ذهبنا إليه تلك العلاقة العاطفية التي نشأت بين الشاب المهاجر و(عائشة).
فإذا كان الشاب رمزاً لطبيعة الهوية التي تكونت لدى بعض المهاجرين الجزائريين، فإن عائشة هي رمز لسذاجة المرأة في الريف الجزائري آنذاك.
فهي متاع، كبقية متاع البيت، لا تراعى أحاسيسها الإنسانية.
ولذلك فإن العلاقة بينهما لم تعمر طويلاً، نظراً للتباين الواسع بين نمط شخصيتيهما.
ولأن عاطفته نحوها لا تعدو أن تكون أسلوباً من أساليب الإغراء للإيقاع بها، ويتأكد هذا من خلال تخليه عنها بعد أن اغتصب منها بالحب المزيف عفتها.
وقد اهتم القاص بتصوير جانبي ملامح الشاب الخارجية والنفسية عن طريق لباسه الأنيق والكلام الجميل المزدان بألفاظ الحب والغزل والإنسانية ، حتى يبرز الهوة الكبرى بين شخصيته الظاهرة والتي يتعامل بها مع(عائشة)، وشخصيته الانفصامية الاستغلالية التي تخفيها شخصيته الظاهرة.
وعمل تطور الحدث على جلاء هذه الصفات حيث فر الشاب المهاجر عائداً إلى أوروبا تاركاً(عائشة) لقسوة المدينة.
واهتم حوحو في قصة"سي زعرور" بتصوير ملامح شخصية المدير، وقد استخدم لذلك طريقتين:
1- صور بوساطة الأولى شخصية المدير الخارجية، وقد عني فيها بوصف بطنه المنتفخ، حتى يعبر عن طبقيته.
2- وصور بوساطة الثانية، ملامح شخصيته الداخلية، وذلك في تعامله مع شخصية المعلم(سي زعرور).
وأيضاً تعاطفه مع أبناء الأغنياء، وترمز تصرفاته هذه إلى شخصيته الاستغلالية وتهافته على جمع المال.
إن الشخصية المعارضة في قصص حوحو لعبت دوراً فنياً كبيراً في تحريك الأحداث وبنائها، وخلق تواترات حادة بين الشخصيات الأخرى.
لم يستعمل حوحو الطريقة التمثيلية كثيراً في عرض شخصياته، سواء في قصصه التي ألفها من وحي البيئة الجزائرية أو البيئة العربية، أو في القصص التي اقتبسها من الأدب الفرنسي كقصتي: "الفقراء" و"التلميذ".
ومن أهم الشخصيات المعروضة بهذه الطريقة شخصية(الفتى) في قصة"فتاة أحلامي"، حيث