بعضهم إلى أرض الوطن، وتخرج بعضهم الآخر من معاهد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كما شهدت هذه المرحلة استمرار إرسال البعثات العلمية إلى البلاد العربية وخاصة إلى تونس، والمغرب الأقصى، احتل فيها الشباب نسبة عالية فكان جلهم من مواليد ما بعد الحرب العالمية الأولى(1918).
أفاد جيل هذه المرحلة -أكثر من غيره من التطور الذي بلغته الحياة الأدبية بعد الحرب العالمية الثانية، للتقدم الذي طرأ على مختلف الأنواع الأدبية إثر تأسيس النوادي والجمعيات الثقافية، وانتشار الصحف اليومية والمجلات الدورية التي تعنى بالإبداع.
وتفتح الشباب الجزائري على الحركات الأدبية العربية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية وأدى هذا إلى تكوين وعي ثقافي أثر في الحياة الأدبية الجزائرية، الأمر الذي نتج عنه تطور في الأشكال الأدبية، وتغيير في النظرة إلى الإبداع والكتابة بصورة عامة.
وتعد الظروف السياسية الجديدة -خاصة بعد قيام حرب التحرير الوطنية الكبرى في أول نوفمبر عام 1954- من أهم عوامل تطور الأدب الجزائري المعاصر سواء على صعيد الشكل أو المضمون، إذ تنوعت الأشكال الأدبية وتعددت المضامين وحظي فن القصة القصيرة بجزء هام من هذا التطور فتنوعت أشكالها، وتغيرت موضوعاتها، وظهر كتاب شبان خارج الوطن دافعوا عن الجزائر بالكلمة، وعرّفوا بقضايا الشعب السياسية، والاجتماعية، والثقافية.
وما كادت الحرب التحريرية تندلع حتى انضم الكتاب إلى صفوفها يسجلون انتصاراتها ويعبرون عن آمالها ويصورون أحداثها "والتحقت القصة بدورها بالجبل تعايش الثورة وتكتب عنها، ومن القصاص من تفرغ للثورة، وتخصص فيها، ولم يكتب عن أي موضوع سواها مثل عثمان سعدي وعبد الله ركيبي، وفاضل المسعودي ومحمد الصالح الصديق ..
وقد وضع بعض النقاد شروطاً لكتابة القصة في هذه المرحلة المتميزة بواقعها الثوري، فدعوا إلى التمسك بواقع البلاد وقضايا المجتمع السياسية والاجتماعية، وعبر بعض الكتاب عن رفضهم الكتابة في بعض الموضوعات معللين ذلك بمضي "زمن القصة التي همها التسلية وإثارة العواطف: "عاطفة المراهقين" وأن الواجب يدعو إلى أن ننظر بجد إلى واقعنا، إلى حياتنا الحاضرة، بكل ما فيها من أفراح وأحزان..
وقد عزا الدكتور عبد الله خليفة الركيبي بداية هذه المرحلة إلى الروح الجماعية الجديدة التي ظهرت بفضل الثورة التحريرية، وقال: إن هذه الروح الجماعية، وهذا الإيمان بالنصر بالجميع، وللجميع هو الذي يعطي لقصتنا اليوم بداية للانطلاق والتحرر من المواضيع والصور القديمة المستهلكة..
وبهذه النظرة الجديدة تأثرت القصة الجزائرية بما شاع من روح التجديد والدعوة إلى التغيير الفني ورفض كثير من أشكال التعبير التي لم يعد الكتاب يرون ضرورة لاستمرارها، أو الاهتمام بها، وهو الأمر الذي نتج عنه بداية مرحلة جديدة من عمر القصة القصيرة في الجزائر.
حددنا بداية هذه المرحلة بعام 1956، وذلك لأمور عديدة منها:
1- ردة الفعل على توقف جريدة البصائر عام 1956، وهي التي كانت تعد أهم منبر ثقافي انتعشت فيه الفنون الأدبية -ومنها الفن القصصي- كما تميزت هذه السنة بإعدام أحد أعلام الأدب ورائد القصة الجزائرية أحمد رضا حوحو في يوم 29 مارس 1956، وذلك على يد "شرذمة" من جنود الاستعمار الفرنسي.
2- ظهرت في هذه السنة 1956، بعض الأعمال الأدبية المتمحورة حول الموضوعات الناشئة عن الظروف الجديدة ، حيث جعلت من بعض قادة الثورة التحريرية شخوصاً رئيسية لها، ويعد هذا الجانب أهم علامة على انحسار الموضوعات الإصلاحية، وظهور الموضوعات الواقعية الملتزمة بالثورة التي بلغت في ذلك العام سنتها الثالثة .
يمكن للباحث في تطور القصة القصيرة في الجزائر أن يميز بين تأثيرين بارزين، أولهما إيجابي والثاني سلبي.
مرحلة الحرب التحريرية إلى القصة القصيرة المعاصرة، من حيث الشكل والمضمون.
استعمل الأدباء الجزائريون في أيام الثورة التحريرية أشكالاً قصصية عديدة عرفها الأدب العربي في أثناء نهضته الحديثة، وقد وجدوا فيها أساليب جيدة للتعبير عن أفكارهم وآرائهم ومشاعرهم، وأحداث بلادهم.
كما اكتشفوا أنها تملك قدراً كبيراً من أدوات التعبير الفني التي تمكنهم من تصوير المعارك وكفاح الشعب ومهاجمة قوات الجيش الفرنسي.