قصار الحكم .
( 113 )تاريخ دمشق ( الحديث 134 ) .
تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم ) (114) .
[ الحديد - 57 - الاَية :
23 ].
ومن أظرف أمثلة مواعظه ، ما روي عنه من الخطاب الموجّه إلى - النفس - يقول :
- يانفس ، حتّامَ إلى الدنيا سكونكِ ، وإلى عمارتها ركونِك ، أما اعتبرتِ بمن مضى من أسلافكِ ? ومن وارته الأرض من اُلاّفكِ ? ومن فجعت به من إخوانكِ ? ونقل إلى الثرى من أقرانِكِ ? فهم في بُطون الأرض بعد ظهورها * محاسنُهم فيها بَوالٍ دواثِرُ خلتْ دورهم منهم وأقوت عِراصُهم * وساقتْهم نحو المنايا المقادرُ وخلّوا عن الدنيا وما جمعوا لها * وضمَهم تحتَ التراب الحفائرُ (115) وهكذا يسترسل الإمام عليه السلام مع النفس في خطاب رقيق ، وحساب دقيق ، ويُناجيها ، يعرض عليها العبَر ، ويذكّرها بما فيه مزدَجَر ، ويُبعدها عن الدنيا وزينتها والغرور بها ، ويُقربها إلى الاَخرة ونعيمها وما فيها من جوار الله ورحمته ، في مقاطع نثريّة رائعة ، تتلوها معانٍ منظومة ، في ثلاثة أبيات بعد كل مقطع ، بلغت ( 18 ) مقطعاً (116) .
وهكذا ، لم يترك الإمام عليه السلام طريقاً إلاّ سلكه ولا جهداً إلا استنفده ، ليدرك الأمة كيلا تقع في هُوّة الانحراف ، وحياة الترف التي صنعتها لها آل اُمية
(114) تحف العقول ( ص 278 279 ) . ( 115 )ابن عساكر في تاريخ دمشق ( الحديث 135 ) ومختصره لابن منظور ( 17 : 249 -254 ) ونقله ابن كثير في تاريخ البداية والنهاية ( 9 : 109 -113 ) . وانظر عوالم العلوم ( ص 124 ) عن المناقب لابن شهرآشوب ( 3 : 292 ) وبحار الأنوار ( 46 : 83 ) . (116) وقد نُسِبَ كتاب منظوم إلى الإمام السجاد عايه السلام باسم - المخمسّات - في نسخة محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة آية الله المرعشي رحمه الله ذكرها السيد أحمد الحسيني في التراث العربي في تلك الخزانة ( 5 : 28 ) أوله : تبارك ذو العلى والكبرياء * تفرد بالجلال وبالبقاء
وسوّى الموت بين الخلق طُرّا ً * وكلهم رهائن للفناء
رقم النسخة ( 5557 ) وتاريخها ( 903 ) . وتنسب إلى الإمام السجاد عليه السلام باسم الديوان نسخ , منها نسختان في مدينة باكو برقم : ب 4195ورقم: ب 449ومصورتهما في مركز جمعة الماجد في دبي برقم: 3117ورقم: 3156 .
1- تزييف دعاوي المُبْطلين من دعاة التصوّف والرَهْبَنة : ومع أنّ الإمام زين العابدين عليه السلام كان المثل الأعلى للزهد والعبادة في عصره ، حتّى غلبت عليه هذه الصفة أكثر من غيرها ، إلاّ أنّه عليه السلام وقف من المُتظاهرين كذباً بالزهد ، والمائلين إلى الانعزال عن المشاكل ، التاركين للحكّام وللناس ، يظلم اُولئك هؤلاء ، ويتبع هؤلاء اُولئك ، والذين قبعوا حسب نظرتهم على إصْلاح أنفسهم وأعمالهم ، تلك الحالة التي سُمّيتْ من بعدُ بالتصوّف ، وسُمّي أهلها بالصوفيّة . وقف الإمام عليه السلام من هذه الحالة ومن دعاتها ورعاتها ، موقف الردّ والإنكار وإعلان الخطأ في طرقهم ، وحاول إرشادهم إلى طرق السلوك الصائبة ، بما قدّمه إليهم وإلى الأمة من مواعظ وأدعية وخطب ورسائل وأجوبة تحدّد لهم معالم الطرق القويمة والسبل المستقيمة ، والموصلة إلى الهدى والرشاد . وبما كان الإمام يتمتَع به من مكانة مرموقة معترف بها ، في الإيمان والشرف ، حسباً ونسباً ، وخاصة في الزهد والعبادة ، فإن كلامه في هذا المجال كان هو المقبول ، ومواقفه التي كان يتخذها من المتظاهرين بالزهد ، كانت هي الناجحة والغالبة . وقد تركَز انحرافهم في نقطتين هامّتين
1- محاولتهم الانعزال عن الحياة الاجتماعية ، بعدم تدخلهم في ما يمسّ وجودهم بسوء أو ضرر ، مثل التعرّض للظلم والفساد الذي يجري حواليهم ، وخاصة من قبل الخلفاء والولاة وكل مَنْ يمتّ إلى السلطان والحكومة بِصِلة خوفاً على أنفسهم من الموت والهلكة . وقد كان يجرّهم هذا التفكير إلى مداراة الظلمة ، والخضوع لهم ، والحضور في مجالسهم ، بل الانخراط في مظالمهم ، وتصويب أعمالهم ، بالرغم من معرفة ظلمهم وعدم استحقاقهم للمقامات التي احتلّوها
2- وعلى أثر النقطة الاولى ، فإنهم ابتعدوا عن أهل البيت عليه السلام ، لأنهم كانوا هم المعارضين السياسيّين ، فكان الاتصال بهم يعني المحسوبيّة عليهم وعلى خطّهم ،
فابتعدوا عنهم ، وأقلّ آثار ذلك هو الحرمان من تعاليمهم القيمة ، والتردّي في ظلمات الجهل والانحراف . وبما أن اُولئك المتظاهرين كانوا يمثُلون في أنظار الناس بمنزلة علماء زهّاد ، فإنّ استمرارهم على تلك الحالة الانحرافية كان يُغري الناس البسطاء بصحّة سلوكهم المنحرف ، وتفكيرهم الخاطىء فكان على الإمام زين العابدين عليه السلام أن يصدّهم ، إرشاداً لهم ، وإيقافاً للاُمَة على حقيقة أمرهم ، وكشفاً لانحرافهم وخطئهم في السلوك والمنهج. فموقفه من عبّاد البصرة ، الذين دخلوا مكّة للحجّ ، وقد اشتدّ بالناس العطش لقلّة الغيث ، قال أحدهم : - ففزع إلينا أهلُ مكة والحُجّاجُ يسألوننا أن نستسقيَ لهم - ?
والكلام إلى هنا يدل على مدى اهتمام الناس بهؤلاء العُباّد . قال : فأتينا الكعبة وطفنا بها ، ثم سألنا اللهَ خاضعين متضرّعين بها ، فمُنعنا
الإجابة ، فبينما نحن كذلك إذا نحن بفتىً قد أقبل ، وقد أكربته أحزانُه ، وأقلقته أشجانه ، فطاف بالكعبة أشواطاً ، ثم أقبل علينا ، فقال : يا مالك بن دينار ، ويا . . . ويا . . . وذكر الإمام عليه السلام أسماءهم كلّهم ، بحيث يبدو أنه يريد أن يعرّفهم للناس بأعيانهم . قال الراوي : فقلنا : لبيك و سعديك ، يا فتى
فقال : أما فيكم أحد يحبه الرحمن ?. فقلنا : يا فتى ، علينا الدعاء وعليه الإجابة . فقال : أبعدوا عن الكعبة ، فلو كان فيكم أحد يحبّه الرحمن لأجابه. ثم أتى الكعبة ، فخرّ ساجداً ، فسمعته يقول في سجوده : - سيّدي بحبّك لي إلاّ سقيتهم الغيث -. قال : فما استتمَ الكلام حتّى أتاهم الغيث كأفواه القِرب !. قال الراوي : فقلتُ : يا أهل مكة ، مَن هذا الفتى ؟. قالوا : علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1) . (1)لاحتجاج ( 316 -317 ) وبحار الأنوار ( 46 : 50 -51 ) .
إنّ ابتعاد أهل البصرة عن أهل البيت عليهم السلام إلى حدّ الجهل بهم ليس بتلك الغرابة ، لأنّ انحرافهم عن أهل البيت قد تجذّر فيهم منذ حرب الجَمَل ووقعته الرهيبة ، وقد بقيت آثارها فيهم حتّى دهر سحيق ، فلما خرج حفص بن غياث القاضي إلى عبادان وهو موضع رباط فاجتمع إليه البصريّون فقالوا له : لا تحدّثنا عن ثلاثة : أشعث بن عبد الملك ، و عمرو بن عبيد ، و جعفر بن محمد . . . (2) . فتلك شنشنة أعرفها من أخْزَمِ . . لكنّ كلّ الغرابة من أهل مكّة المجاورين للمدينة ? والذين يعرفون الإمام كاملاً ، كيف اغترّوا بأولئك الزهّاد ، القادمين من بعيد ، ولجأوا إليهم يطلبون الغَيْث منهم ، وهذا الإمام زين العابدين ، وحجّة الزاهدين بينهم يتركونه ، بل لا يُعْرَفُ إلاّ بالسؤال عنه ? . لم يُتصوَر ظلم على أهل البيت عليهم السلام أكثر من هذا في مركز الدين والإسلام ، مكّة ، وعند أشرف البقاع وأعظمها - الكعبة الشريفة - . وما الذي جعل أهل مكّة يتركون الإمام علي بن الحسين عليه السلام وهم يعرفونه حسباً ونسباً ، فيلجأون إلى أناس جاءوا من البصرة ? . إنّه ليس إلاّ الانحراف عن أهل البيت عليهم السلام والجهل بحقّهم وفضلهم ، إن لم يكن العداء لهم !!. وهكذا تصدّى الإمام لهذا الانحراف وأسقط ما في أيدي أولئك العُبَاد المتظاهرين بالزهد ، الذين لا يعرف واحدهم زين العابدين ، إمام زمانه ، وسيّد أهل البيت . فكشف عن زيف دعاواهم ، وسوء نيّاتهم ، وضلال سُبُلهم حيث عَنَدوا عن حقّ أهل البيت ، ولم يعترفوا لهم بالفضل . وللإمام عليه السلام مواقف اُخرى مع آحاد من هؤلاء العُباد ، مثل موقفه من الحسن البصري ، ومن طاوس ، وغيرهما (3) . إن الزهد الذي قام الإمام زين العابدين عليه السلام بإحيائه كان مثل زهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم
( 2 ) تهذيب الكمال للمزّي ( 5 : 7 -78 ) . ( 3 ) لاحظها في حلية الأولياء ، وصفوة الصفوة ، وكشف الغمة .
وعليّ والأئمة عليهم السلام ، الذي يُطابق ما قرّره الإسلام ، وينبذ كل أشكال الانحراف والزيف والتزوير ، والرهبانيّة المبتدعة . ولقد اُثِرَتْ عن الإمام زين العابدين عليه السلام نصوص جاء فيها شرح العبادات من وجهات نظرٍ روحيّة بما عجز عن إدراكه كبار المتصدّين لمثل هذه المعارف ، فمن ذلك ما روي عنه في تفسير معاني أفعال الحج (4) وأقسام الصوم (5 ). أضف إلى أن عمل الإمام كان تعديلاً لسلوك الامّة في اغترارها بمناهج أولئك المتظاهرين المزيّفين ، المنحرفين عن ولاء أهل البيت عليهم السلام وأئمة الحق والصدق ، الذين مثّلهم الإمام زين العابدين عليه السلام يومذاك . إن الإمام عليه السلام حذّر الأمة من الاغترار بالذين يتظاهرون بالزهد ، ممن يحبّ الترؤّسَ على الناس ، يجتمعون حوله ، و يلتذّ بالفخفخة والتمجيد ، ولو على حساب المعرفة بالدين والفقه!. ففي الحديث أنه قال عليه السلام : إذا رأيتم الرجل قد حسّن سمته وهديه ، وتماوت في منطقه ، و تخاضع في حركاته ، فرويداً لا يغرّنكم . فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا وركوب الحرام منها ، لضعف نيّته ، ومهانته ، وجبن قلبه ، فنصب الدين فخّاً لها ، فهو لا يزال يختل الناس بظاهره ، فإن تمكّن من حرام اقتحمه . وإذا وجدتموه ، يعفّ عن المال الحرام ، فرويداً ، لا يغرّنكم !. فإن شهوات الخلق مختلفة فما أكثر من ينبو عن المال الحرام ، وإن كثر ويحمل نفسه على شوهاء قبيحة فيأتي منها محرّماً . فإذا وجدتموه يعفّ عن ذلك ، فرويداً لا يغرّنكم
( 4 )مستدرك الوسائل ( 2 : 186 ) أبواب العود إلى منى ، الباب ( 17 ) الحديث ( 5 ) وطبعة مؤسسة آل البيت : ( 10 : 166 ) رقم (11770 ) . ويلاحظ أن الراوي عن الإمام مسمّى - شبلّي - وليس في الرواة عنه ، ولا من عاصره من هو بهذا الاسم ، ولعله مصحّف - شيبة - وهو ابن نعامة ، المذكور في أصحابه عليه السلام. ( 5 )حلية الأولياء ( 3 : 141 ) وفرائد السمطين للحمويني ( 2 : 233 ) وكشف
الغمة ( 2 : 103 - 105 ) ولاحظ : المقنعة للشيخ المفيد ( ص 363 ) الباب ( 32 ) ووسائل الشيعة ، كتاب الصوم ، أبواب بقية الصوم الواجب ، الباب ( 10 ) الحديث (6 ).
حتّى تنظروا ما عُقدة عقله ? فما أكثر من ترك ذلك أجمع ، ثم لا يرجع إلى عقل متين ، فيكون ما يفسد بجهله أكثر مما يصلحه بعقله . فإذا وجدتم عقله متيناً ، فرويداً لا يغرّنكم !. حتّى تنظروا ، أمع هواه يكون على عقله ، أم يكون مع عقله على هواه ? وكيف محبّته للرئاسات الباطلة ? وزهده فيها ?. فإن في الناس من خسر الدنيا و الاَخرة ، بترك الدنيا للدنيا ، ويرى أن لذة الرئاسة الباطلة أفضل من لذة الأموال والنعم المباحة المحللة ، فيترك ذلك أجمع طلباً للرئاسة ، حتّى إذا قيل له : - اتّق الله - أخذته العزّة بالإثم ، فحسبه جهنم ولبئس المهاد (6) . فهو يخبط خبط عشواء ، يوفده أول باطل إلى أبعد غايات الخسارة ، ويمدّ به بعد طلبه لما لا يقدر عليه في طغيانه ، فهو يُحلّ ما حرّم الله ، ويحرّم ما أحلّ الله ، لا يُبالي ما فات من دينه إذا سلمت له الرئاسة التي قد شقي من أجلها . فأولئك الذين غضب الله عليهم ولعنهم وأعدّ لهم عذاباً مهيناً (7 ) . ولكنّ الرجل ، كلّ الرجل ، نعم الرجل : . هو الذي جعل هواه تبعاً لأمر الله ، وقواه مبذولة في رضا الله ، يرى الذلّ مع الحقّ أقرب إلى عزّ الأبد ، من العزّ في الباطل ، ويعلم أن قليل ما يحتمله من ضرّائها يؤدّيه إلى دوام النعيم في دار لا تبيد ولا تنفد ، وأن كثير ما يلحقه من سرّائها إن اتّبع هواه يؤدّيه إلى عذاب لا انقطاع له ولا يزول . فذلكم الرجل ، نعم الرجل : . فبه فتمسّكوا ، وبسُنّته فاقتدوا، وإلى ربكم فتوسّلوا ، فإنه لا تردّ له دعوة ، ولا يخيب له طلبة (8 ). ولحن هذا الكلام ، يعطي أنّه خطاب عام وجّهه الإمام إلى مستمعيه ، أو مَنْ طلب منه الإجابة عن سؤال حول مَنْ يجب الالتفاف حوله والأخذ منه ? . ( 6 ) اقتباس من القرآن الكريم ، سورة البقرة ( 2 ) الاَية : 206 . . ( 7 ) اقتباس من القرآن الكريم ، سورة الأحزاب ( 33 ) الاَية ( 57 ) . ( 8 ) الاحتجاج ( ص 320 -321 ) .
ومهما يكن ، فإنّ كلام الإمام عليه السلام يبدو واضحاً قاطعاً للعذر ، وهو غير متّهم في موقفه من الزهد والتواضع ، وما إلى ذلك مما يُراد استغلاله من قبل المشعوذين ، لإغراء العوام ، وإغواء الجهّال . إنّ فيه تحذيراً من علماء السوء ، المتزيّين بزيّ أهل الصلاح ، والمتظاهرين بالورع والتقى ، ولكنّهم يُبطنون الخبث والمكر ، والدليل على ذلك ارتباطهم الوثيق بأهل الدنيا والرئاسات الباطلة ، من الحكّام والولاة وأصحاب الأموال . وسيأتي الحديث عن موقفه من أعوان الظلمة في الفصل الخامس . 5- إرعاب الظالمين : . إن الواقعيّة التي التزمها الإمام زين العابدين عليه السلام في حياة الزهد والعبادة ، كما انفتحت له بها قلوب الناس الطيّبين ، فكذلك اقتحم بها على الظالمين أبراجهم ، وقصورهم ، فملأ أثوابهم خيفةً ورهبةً ، كما غشّى عيونهم وأفكارهم بما رأوه عليه من المظهر الزاهد ، والاشتغال بالعبادة . ولقد قرأنا في حديث مسلم بن عقبة سفّاح الحرّة لمّا طلب الإمام ، فأكرمه ، وقد كان مغتاظاً عليه ، يبرؤ منه ومن آبائه ، فلمّا رآه وقد أشرف عليه اُرعب مسلم بن عقبة ، وقام له ، وأقعده إلى جانبه !. فقيل لمسلم : رأيناك تسب هذا الغلام وسلفه ، فلما اُتي به إليك رفعت منزلته ? فقال : ما كان ذلك لرأي منّي ، لقد مُلي قلبي منه رُعباً (9) . وسنقرأ في حديث عبد الملك بن مروان ، لمّا جَلَبَ الإمام مقيّداً مغلولا من المدينة إلى الشام ، فلمّا دخل عليه الإمام عليه السلام بصورة مفاجئة قال لعبد الملك : ما أنا وأنت ?. قال عبد الملك : قلتُ : أقمْ عندي . فقال الإمام : لا اُحب ، ثم خرج . قال عبد الملك : فو الله ، لقد امتلأ ثوبي منه خيفةً (10) . ( 9) مروج الذهب ( 3 : 80 ) وانظر ما مضى ص ( 71 ) الفصل الأول . ( 10 ) تاريخ دمشق ( الحديث 42 ) ومختصره لابن منظور ( 17 : 4 -235- ) .
ومهما يكن من تدخّل أمر - الغيب - في هذه القضايا ، وفرضه لنفسه على البحث ، إلاّ أن من المعلوم كون تصرف الإمام عليه السلام نفسه ، وحياته العملية وتوجّهاته المعنوية ، وتصرّفاته المعلنة في الأدعية ، والمواعظ ، والخطب والمواقف ، وما تميّزت به من واقعية ، كل هذا المجهول لاُؤلئك العُمي البصائر قد أصبح أمراً يهزّ كيانهم ، ويُزعزع هدوهم ، ويملؤهم بالرعب والخيفة . ولقد استغلّ الإمام ذلك لصالح أهدافه الدينيّة وأغراضه الاجتماعية . ومع كلّ هذا التعرّض والتحديّ ، وكلّ هذه الأبعاد المدركة و الاَثار المحسوسة ، مع دقّتها وعمقها ، فإنّ التحفظ على ما في ظواهرها ، وجعلها - روحيّة - فقط وعدم الاعتقاد بكونها نتائج طبيعيّة من صنع الإمام وإرادته ، يدلّ على سذاجة في قراءة التاريخ ، وظاهريّة في التعامل مع الكلمات والأحداث ، وقصور في النظر والحكم . وكذلك الاستناد إلى كلّ تلك المظاهر ، ومحاولة إدراج الإمام مع كبار الصوفيّة ، وجعله واحداً منهم (11) ، فهو بخلاف الإنصاف والعدل ?. ص172
ص173
ص174
ص175
ص176
ص177
ص178