ص179 - إمام زین العابدین السجاد نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إمام زین العابدین السجاد - نسخه متنی

محمدرضا الحسینی الجلالی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

ولماذا يقع اختيار عبد الملك الخليفة على الإمام عليه السلام ، من بين مجموعة الزهّاد والعبّاد ، ليوجّه اليه الإهانة ، ويلقي القبض عليه ، ويكبّله بالقيود والأغلال ، ويرفعه إلى دمشق ? دون جميع المتزهدين والعباد الاَخرين ?.

بينما كل اؤلئك المتظاهرين بالزهد ، متروكون ، بل محترمون من قبل السلطان ، وأجهزة النظام ?.

لو لم يكن في عمل الإمام ما يثير الخليفة إلى ذلك الحدّ .

(11) لاحظ الفكر الشيعي ( ص 31 و 68 ) والصلة بين التصوف والتشيع ( ص 148 ) و ( ص 151 و 157 ) وانظر خاصة ( ص 161 ) .

ص179


ثانياً :

التزام البكاء على سيد الشهداء عليه السلام .

لقد صاحبتْ هذه الظاهرة الإمام زين العابدين عليه السلام مدّة إمامته ونضاله ، بحيث لا يمكن المرور على أيّ مرفق من مرافق عمره الشريف ، أو أيّ موقف من مواقفه الكريمة ، إلاّ بالعبور من مجرى دموعه وفيض عيونه .

ولا ريب أنّ البكاء ، كما أنه لا يتهيّأ للإنسان إلاّ عند التأثّر بالأمور الأكثر حساسيّة ، وإثارةً وحرقةً ، ليكون حسباً للهدو ء و الترويح عن النفس .

فكذلك هو وسيلة لإثارة القضيّة ، أمام الاَخرين ، وتهييج مَنْ يرى دموع الباكي تنهمر ، ليتعاطف معه طبيعيّاً ، وعلى الأقل يخطر على باله التساؤل عن سبب البكاء ?.

وإذا كان الباكي شخصيةً مرموقةً ، وذا خطر اجتماعي كبير ، مثل الإمام زين العابدين عليه السلام ، فإن ظاهرة البكاء منه ، مدعاة للإثارة الأكثر ، وجلب الاهتمام الأكبر ، بلا ريب .

والحكّام الظالمون ، فهم دائماً يهابون الثوّار في ظلّ حياتهم ، فيحاولون إسكاتهم بالقتل والخنق ، مهما أمكن ، ويتصّورون ذلك أفضل السبل للتخلّص منهم ، أو تطويقهم بالسجن والحبس .

وكذلك هم يحاولون بكل جدّية ، في إبادة آثار الثورة ومحوها عن الأنظار ، والأفكار حتّى لا يبقى منها ولا بصيص جذوة .

ولكنهم رغم كل قدراتهم لم يتمكّنوا من اقتلاع العواطف التي تستنزف الدموع من عيون الباكين على أهليهم وقضيَتهم ، فالبكاء من أبسط الحقوق الطبيعية للباكين .

والإمام زين العابدين عليه السلام قد استغلّ هذا الحقّ الطبيعي في صالح القضية التي من أجلها راح الشهداء صرعى على أرض معركة كربلاء .

وإذا أمعنّا النظر في تحليل التاريخ وتابعنا مجريات الأحداث ، التي قارنت كربلاء ، وجدنا أن المعركة لم تنتهِ بعدُ ، وإنما الدماء الحمر ، أصبحت تجري اليوم دموعاً حارّة بيضاً ، تحرق جذور العدوان ، وتجرف معها مخلّفات الانحراف وتروّي بالتالي اُصول الحقّ والعدالة .

ص180


وبينما يعدّ الطغاة ظاهرة البكاء دليلاً على العجز والضعف و الانكسار و المغلوبيّة ، فهم يكفّون اليد عن الباكي ، لكون بكائه علامةً لاندحاره أمام القوّة ، وعلامة
الاستسلام للواقع ، نجد عامة الناس ، يُبدون اهتماماً بليغاً لهذه الظاهرة ، تستتبع عطفهم ، وتستدرّ تجاوبهم إلى حدّ ما ، وأقلّ ما يُبدونه هو نشدانهم عن
أسباب البكاء ?
وتزداد كلّ هذه الامور شدّةً إذا كان الباكي رجلاً شريفاً معروفاً وبالأخص إذا كان يُفيض الدمعة بغزارة فائقة ، وباستمرار لا ينقطع كما كان من الإمام زين العابدين عليه السلام ، حتّى عدّ في البكائين ، وكان خامسهم بعد آدم ، ويعقوب ، ويوسف ، وجدّته فاطمة الزهراء (12) .

إنّ البكاء على شُهداء كربلاء ، وثورتها ، لم يكن في وقت من الأوقات أمر حزن
ناتجٍ من إحساس بالضعف والانكسار ، ولا عَبرة يأس وقنوط ، لأن تلك الأحداث ، بظروفها ومآسيها قد مضت ، وتغيّرت ، وذهب أهلوها ، وعُرف حقّها من باطلها ، وأصبحت للمقتولين كرامة وخلوداً ، وللقاتلين لعنةً ونقمةً ، لكنّ البكاء عليهم وعلى قضيّتهم ، كان أمر عِبرة وإثارة واستمداد من مفجّرها ، وصانع معجزتها ، وحزناً على عرقلة أهدافها المستلهمة من ثورة الإسلام التي قام بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم .

والدليل على كل ذلك أنّ لكلّ حزن أمداً ، يبدأ من حين المصيبة إلى فترة طالت او قصرت ، وينتهي ولو بعد جيل من الناس .

أما قبل حدوث المصيبة ، فلم يُؤْثَر في المعتاد ، أو المعقول للناس ، أن يبكوا لشيء لكن قضيّة الحسين أبي عبد الله عليه السلام ، قد أقيمت الأحزان عليها قبل وقوعها بأكثر من نصف قرن ، واستمرّ الحزن عليها إلى الأبد ، فهي الى القيامة باقية .

والذين أثاروا هذا الحزن ، قبل كربلاء ، وأقاموا المآتم بعد كربلاء :

هم الأئمة من أهل البيت عليهم السلام .

فمنذ وُلد الحسين عليه السلام أقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم مآتم على سبطه الوليد ذلك اليوم ، الشهيد بعد غدٍ .

(12) الخصال للصدوق ( ص 272 ) و أمالي الصدوق ( المجلس 29 ) ص ( 121)

ص181


فكيف يقيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم مجلس الحزن على قرّة عينه ، يوم ولادته ، أ هكذا يَستقبل العظماء مواليدهم ? أولا يجب أن استبشروا بالولادات الجديدة ، ويتهادوا التهاني والأفراح والمسرّات ? !.

وتتكرّر المجالس التي يعقدها الرسول العظيم ، ليبكي فيها على وليده ، ويبكي
لأجله كل مَنْ حوله ، وفيهم فاطمة الزهراء عليها السلام أم الوليد ، وبعض أمّهات المؤمنين ، وأشراف الصحابة (13) .

وحقاً عُدّ ذلك من دلائل النبوّة ومعجزاتها (14) .

وهكذا أقام الإمام علي عليه السلام ، مجلس العزاء على ولده الحسين عليه السلام ، لمّا مرّ على أرض كربلاء ، وهو في طريقه إلى صفّين ، فوقف بها ، فقيل :

هذه كربلاء ، قال :

ذات كرب وبلاء ، ثم أومأ بيده إلى مكان ، فقال :

هاهنا موضع رحالهم ، ومناخ ركابهم ، وأومأ بعده إلى موضع آخر ، فقال :

هاهنا مهراق دمائهم (15) .

ونزل إلى شجرة ، فصلّى إليها ، فأخذ تربةً من الأرض فشمّها ، ثم قال :

واهاً لكِ من تربة ، ليقتلنّ بكِ قوم يدخلون الجنة بغير حساب (16) .

ورثاه أخوه الحسن عليه السلام وقال له :

لا يوم كيومك يا أبا عبد الله.

.

.

ويبكي عليك كلّ شي .

.

.

(17) .

وحتّى الحسين عليه السلام نفسُه ، نعى نفسَه ودعا إلى البكاء على مصيبته ، وحثّ المؤمنين عليه ، حيث قال :

أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلاّ بكى (18) .

وهكذا الأئمة عليهم السلام بعد الحسين ، أكّدوا على البكاء على الحسين بشتّى الأشكال .

(13) إقرأ عن المجالس التي أقامها الرسول كتاب :

سيرتنا و سنتنا للأميني ، ولاحظ تاريخ دمشق لابن عساكر ، ترجمة الإمام الحسين ( ص 165 185 ).

( 14) دلائل النبوة للبيهقي ( 6 :

468 ) ومسند أحمد ( 3 :

242 و 265 ) وانظر أمالي الصدوق ( ص 126 ) ودلائل النبوة ، لابي نعيم ( ص 709 ) رقم ( 492 ) .

(15) وقعة صفين ( ص 141 ) والمصنف لابن أبي شيبة (:

15:

98)رقم (191214 ) وكنز العمال ( 7 :

105 و 110 ) و أمالي الصدوق المجلس ( 78 )( ص 478 و 479 ).

(16) تاريخ دمشق لابن عساكر ( ترجمة الإمام الحسين ) ( ص 235 ) رقم 280 وانظرالأرقام ( 236- 239 ) .

(17) أمالي الصدوق ( المجلس ( 24 ) ص 101 ) .

( 18) فضل زيارة الحسين للعلوي ( ص 41 ) الحديث ( 13 ) .

ص182


لكنّ الإمام زين العابدين عليه السلام :

.

قد تحمّل أكبر الأعباء ، في هذه المحنة ، إذ عايش أسبابها ، وعاصر أحداثها ، بل باشر جراحها وآلامها ، فكان عليه أن يؤدّي رسالتها ، لأنّه شاهدُ صدق من أهلها ، بل الوحيد الذي ملك أزمّة أسرارها ، ولابدّ أن يُمثل أفضل الأدوار التي لم يبق لها ممثّل غيره ، ولم تبق لها صورة في أي منظار ، غير ما عنده.

وإذا عرفنا بأن الإمام زين العابدين عليه السلام هو أوثق مَنْ يروي حديث كربلاء ، فهو أصدق الناقلين له ، وخير المعبّرين عنه بصدق .

وأما أهداف شهداء كربلاء التي من أجلها صُنِعَت ، فلا بدَ لها أن تستمرّ ، ولا تنقطع عن الحيويّة ، في ضمير الناس ووجدانهم ، حتّى تستنفد أغراضها .

وبينما الحكّام التائهون لا يعبأون ببكاء الناس ، فإنّ الإمام زين العابدين عليه السلام اتّخذ من البكاء عادةً ، بل اعتمدها عبادة ، فقد كانت وفي تلك الفترة بالذات وسيلة هامّةَ لأداء المهمّة الإلهية التي حمل الإمام عليه السلام أعباءها .

والناس ، لمّا رأوا الإمام زين العابدين عليه السلام يذرف الدموع ليلَ نهار ، لا يفتؤ يذكر الحسين الشهيد ومصائبه ، فهم :

.

بين مَن يُدرك :

لماذا ذلك البكاء والحزن ، والدمع الذارف المنهمر ، والحزن الدائب المستمر ? وعلى مَن يبكي الإمام عليه السلام ?.

فكان ذلك سبباً لاستمرار الذكرى في الأذهان ، وحياتها على الخواطر ، وبقاء الأهداف حيّة نابضة ، في الضمائر ووجدان التاريخ ، وتكدّس النقمة والنفرة من القتلة الظلمة .

وبين مَنْ يعرف الإمام زين العابدين بأنه الرجل الفقيه ، الزاهد في الدنيا ، الصبور على مكارهها ، فإنه لم يبك بهذا الشكل ، من أجل أذىً يلحقه ، أو قتل أحد ، أو موت آخر ، فإن هذه الأمور هي مما تعوّد عليها البشر على طول تاريخ البشرية بل هي سُنّة الحياة .

كما قال القائل :

.

له مَلَك يُنادي كلَ يومٍ * لِدُوا للموتِ وابنوا للخرابِ

ص183


وخصوصاً النبلاء والنابهين ، والأبطال الذين يقتحمون الأهوال ويستصغرونها من أجل أهداف عظام ومقاصد عالية رفيعة .

فبكاء مثله ، ليس إلاّ لأجل قضيّة أكبر وأعظم ، خاصةً البكاء بهذا الشكل الذي لا مثيل له في عصره (19) .

لقد ركزّ الإمام زين العابدين عليه السلام على قدسيّة بكائه لمّا سُئل عن سببه ?.

فقال :

لا تلوموني.

فإنّ يعقوب عليه السلام فَقَدَ سبطاً من ولده ، فبكى ، حتّى ابيضّت عيناه من الحزن ، ولم يعلم أنه مات .

.

وقد نظرتُ إلى أربعة عشر (20) رجلا من أهل بيتي يذبحون في غداةٍ واحدة .

فترونَ حزنهم يذهب من قلبي أبداً ? (21) .

إنّه عليه السلام في الحين الذي يربط عمله بما في القرآن من قصة يعقوب وبكائه ، وهو نبي متَصل بالوحي والغيب ، إذ لا ينبع فعله عن العواطف الخالية من أهداف الرسالات الإلهية .

وفي الحين الذي يمثّل لفاجعة الطفّ في أشجى مناظرها الدامية ، وبأقصر عبارة وافية .

فهو يؤكّد على تبرير بكائه ، بحيث يعذره كل سامع .

وفي حديث آخر :

جعل الإمام عليه السلام من قضيّة كربلاء مدعاةً لكل الناس إلى إحيائها ، وتزويدها بوقود الدموع ، وإروائها بمياه العيون ، ولا يعتبرونها قضية خاصةً بعائلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحسب ، بل هي مصاب كل الناس ، وكل الرجالات الذين لهم

( 19) أمالي الصدوق ( ص 121 ) ولاحظ بحار الأنوار ( 46 :

108 ) الباب ( 6 ) الحديث ( 1 ) .

(20 ) يلاحظ أن المعروف في عدد المقتولين من أولاد علي وفاطمة عليهما السلام في كربلاء هم - ستة عشر - رجلا ، الوسائل المزار الباب ( 65 ) تسلسل ( 96941 ) عن عيون أخبار الرضا عليه السلام ( 1/299)لاحظ نزهة الناظر ( ص 45 ) .

( 21 ) كامل الزيارات ( ص 107 ) أمالي الصدوق ( المجلس 9 و 91 ) تيسير المطالب لأبي طالب ( ص 118 ) وتاريخ دمشق الحديث ( 78 ) ومختصره لابن منظور ( 17 :

239 ) وحلية الأولياء ( 3 :

138 ) .

ص184


كرامة في الحياة ، أو يحسّون بشي اسمه الكرامة ، أو شخص يحسّ بالعاطفة ، فهو يقول :

.

وهذه الرزيّة التي لا مثلها رزيّة .

أيّها الناس ، فأيّ رجالات منكم يسرّون بعد قتله ?.

أم أيّ فؤاد لا يحزن من أجله ?.

أم أيّ عين منكم تحبس دمعها ? (22) .

وكان عليه السلام يحثّ المؤمنين على البكاء ويقول :

.

أيّما مؤمنٍ دمعتْ عيناه لقتل الحسين عليه السلام حتّى تسيل على خدّه ، بوّأه الله تعالى بها في الجنّة غُرفاً يسكنها أحقاباً .

وأيّما مؤمن دمعت عيناه حتّى تسيل على خدّيه مما مسّنا من الأذى من عدوّنا في الدنيا ، بوّأه الله منزل صدق (23) .

وكان البكاء واحداً من الأساليب التي جعلها وسيلةً لإحياء ذكرى كربلاء ، وقد استعمل أساليب أخرى .

.

منها :

زيارة الحسين عليه السلام.

:

قال ابو حمزة الُثمالي :

سألتُ عليّ بن الحسين ، عن زيارة الحسين عليه السلام ?.

فقال :

زرْهُ كلّ يومٍ ، فإنْ لم تقدر فكلّ جمعةٍ ، فإنْ لم تقدر فكلّ شهر ، فمن لم يزره فقد استخفّ بحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (24) .

ومنها :

الاحتفاظ بتراب قبر الحسين عليه السلام :

.

فكانت له خريطة ديباج صفرأ ، فيها تربة قبر أبي عبد الله عليه السلام ، فإذا حضرت الصلاة سجد عليها (25) .

( 22) كامل الزيارات ( ص 100 ) مقتل الحسين عليه السلام للأمين ( ص 213 ) ولاحظ كتابنا هذا ( ص 66 ) .

( 23 ) ثواب الأعمال ( ص 83 ) .

(24 )فضل زيارة الحسين للعلويّ ( ص 43 ) ح 17 .

(23)بحار الأنوار ( 46 :

79 ) باب 5 ، الحديث 75 وعوالم العلوم ( ص 129 ) وباختصار في مناقب ابن شهرآشوب ( 4 :

162 ) عن مصباح المتهجد للشيخ الطوسي.

.

ص185


ومنها :

خاتم الحسين عليه السلام :

.

فقد كان الإمام زين العابدين عليه السلام يتختّم بخاتم أبيه الحسين عليه السلام (26) .

كما كان ينقش على خاتمه :

- خزيَ وشقي قاتل الحسين بن علي عليه السلام - (27) .

ومن المؤكد أن الإمام عليه السلام لم يتبع هذه الأساليب لمجرد الانعطاف مع العواطف والسير وراءها ، ولا لضعف في نفسه ، أو لاستيلاء هول الفجيعة على روحه ، ولم يتّخذ مواقفه من بني أمية نتيجةً للحقد أو الانتقام الشخصي ، ممن له يد في مذبحة كربلاء .

وإنما كان عليه السلام يلتزم بتلك الخطط ويتبع تلك الأساليب لإحياء الفكرة التي من أجلها قتل الحسين عليه السلام واستشهد هو وأصحابه على أرض كربلاء فضرّجوا تربتها بدمائهم الزكية .

ولقد أثبت ذلك بصراحة في حياته العملية :

فقد كانت له علاقات طبيعية مع عوائل بعض الأمويين مثل مروان بن الحكم ، الذي التجأ بأهله وزوجته وهي عائشة ابنة عثمان بن عفان إلى بيت الإمام زين العابدين عليه السلام ، فأصبحوا تحت حمايته ، مع أربعمائة عائلة من بني عبد مناف ، مدّة وجود الجيش الأموي في المدينة ، فأمنوا من استباحتهم لها وهتكهم الأعراض فيها ، في واقعة الحرّة الرهيبة (28) .

وبالإضافة إلى أن الأئمة عليهم السلام بعيدون عن روح الانتقام الشخصي وإنما يغضبون لله لا لأنفسهم ، فإنهم يشملون باللطف والرحمة النساء والأطفال في مثل تلك الظروف ، وبذلك يكسبون ودّ الجميع حتّى الأعداء ، ويثبتون جدارتهم ، ولياقتهم

(26)نقش الخواتيم للسيد مرتضى(ص11)
(27)نقش الخواتيم (ص25)عن الكافي (6:

473 )ومسند الرضا عليه السلام ( 2 :

365 )وبحار الأنوار ( 46 :

5 )
( 28 ) أنساب الأشراف ( 4 :

323 )تاريخ الطبري ( 5 :

493 )ومروج الذهب ( 2 :

14 )وكشف الغمة ( 2 :

107:

)

ص186


لمنصب الإمامة والزعامة .

فكسب الإمام زين العابدين عليه السلام بمواقفه اعتقاد الجهاز الحاكم فيه أنه - خير لا شرّ فيه - (29) وأنه - مشغول بنفسه - (30) .

ذلك الاعتقاد الذي أفاد الإمام عليه السلام نوعاً من الحرّية في العمل في مستقبل تخطيطه ضدّ الحكم الأموي الغاشم ، وعزّز موقعه الاجتماعي حتّى تمكّن من اتخاذ المواقف الحاسمة من الظالمين وأعوانهم .

كما رُسمت في سيرته الشريفة صور من صبره على المصائب والبلايا ، ممّا يدل على صلابته تجاه حوادث الدنيا ومكارهها ، وهي أمثلة رائعة للمقاومة والجَلَد .

فعن إبراهيم بن سعد ، قال :

سمع علي بن الحسين واعيةً في بيته ، وعنده جماعة ، فنهض إلى منزله ، ثم رجع إلى مجلسه ، فقيل له :

أمن حدثٍ كانت الواعية ?.

قال :

/ 38