بِسْمِ اللهِ الْرَحْمنِ الرَحِيْمِ
لقد فاز هذا الكتاب بالمرتبة الأولي في المباراة الفكرية الكتابية عن الإمام زين العابدين السجاد عليه السلام التي اُقيمت في بيروت عام 1414هج بين ( 24 ) كتاباً قُدمَ بالمناسبة.
اقرأ تقريراً عن ذلك في الملحق رقم ( 3 ) في آخر الكتاب]
والحمد لله ربّ العالمين
دليل الكتاب
المقدمة :
لماذا هذا الكتاب 9- 14
التمهيد :
وفيه بحثان 15-38
البحث الأول :
الإمامة ومستلزماتها 17-28
البحث الثاني :
إمامة زين العابدين عليه السلام 29-38
الفصل الأول :
أدوار النضال في سيرة الإمام عليه السلام 39-76
الفصل الثاني :
النضال الفكريّ والعلميّ 77-116
الفصل الثالث :
النضال الاجتماعيّ والعمليّ 117-154
الفصل الرابع :
التزامات فذّة في حياة الإمام عليه السلام 155-201
الفصل الخامس :
مواقف حاسمة للإمام عليه السلام 203-241
الخاتمة :
نتائج البحث 243-252
الملاحق 253-304
الفهارس 305-357
المقدّمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّد المرسلين محمد الرسول الصادق الأمين ، وعلى الأئمة الأطهار المعصومين من آله الأ كر مين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
لماذا هذا الكتاب ?
كثيرة تلك الكُتُب والمؤلّفات التي كُتِبَت حَولَ الإمام السجاد ، عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، زين العابدين عليه السلام المولود عام ( 38 ) والمتوفّى عام ( 95 ) من الهجرة .
وقد عُني مؤلّفوها بجوانب من حياتِهِ الكريمة لتزويد الأمة بثرواتها من مكارم الأخلاق و الأداب ، والمعارف والعلوم والاثار ، وما في تاريخه من عظاتٍ وعِبَر وجهادٍ وجهودٍ ، ليستنير أمَامَهَا دربُ الحياة ، للوصول إلى السعادة الدنيوية و الأخروية .
ولقد تبارى في هذا الموضوع الرحب مؤلَفون قدماء ، كما شارك في حَلَبته مؤلَفون في عصرنا الحاضر .
وفي المؤلّفين الجُدُد من استهدف تحليل تاريخ الإمام ، ودراسة حوادثه على أساس من المقارنة بين الأسباب والمسبَبات ، ليقتنص حقائق ثابتة ، مدعوما بالأدلّة ، من بطون المصادر والحوادث التاريخية .
ولقد فوجئتُ بأنَ عِدَةً من الدارسين من هذا القبيل ، اتفقوا أو كادوا على مقولة مُعيَنَةٍ في ما يرتبط بواقِعِ الحركة السياسية في حياة الإمام السجاد عليه السلام .
فهم يؤكّدون على إبعاد الإمام عن الجهاد السياسي ويُفرغونَ حياته من كل
أشكال العمل السياسي .
بالرغم من اختلاف اتجاهاتهم الفكرية وانتماءاتهم الدينية :
ففيهم السُنّي ، والعلماني ، والشيعي :
الزيدي ، بل الإمامي الا ثنا عشري.
وهم يحسِبون الإمام قائماً بدور المُعَلم فحسب في تربية الطليعة المثقّفة والواعية ، بعيداً عن الصراع السياسيّ ، ومنصرفاً عن أيّ تحرك معارض للأنظمة الحاكمة ، ويُحدّدون واجباته بالإعداد الثقافي للاُمَة ، والتحصين لها عقائدياً ، وفقط.
وحاول بعضُهم إجراءَ هذا الحكم على الأئمة بعد الإمام السجاد عليه السلام ، وفَرَضَهم سائرين على منهج واحد ، أو يؤدّون دوراً ، بِعَيْنِهِ .
ولنقرأ معاً بعض ما كتبوه في هذا الصدد :
تقول كاتبة جامعية :
افتقدت الشيعة بمصرع الحسين الزعيم الذي يكون محوراً لجماعتهم وتنظيمهم ، والذي يقودهم إلى تحقيق تعاليمهم ومبادئهم ، وانصرف الإمام عليّ زين العابدين عن السياسة إلى الدين ، وعبادة الله عز وجل ، وأصبح للشيعة زعيماً روحيّاً ، ولكنّه لم يكن الثائر السياسي الذي يتزعّم جماعة الشيعة ، حتّى أنّه آثر البقاء في المدينة طوال حياته .
وحاول المختار بن أبي عبيده الثقفي أن ينتزع علياً من حياة التعبيد ، والاشتغال بالعلم إلى ميادين السياسة ، دون جدوى (1 )
ويقول كاتب شيعي :
كانت فاجعة مقتل أبيه التي شاهدها ببصره أقسى من أن تتركه يطلب بعد ذلك شيئاً من إمارة الدنيا ، أو يثق في الناس ، أو يشارك في شأن من شؤون السياسة ، اعتكف على العبادة.
(2)
ويقول كاتب سُنّي :
لكن الإقبال على الله واعتزال شؤون العالم .
كان منهجه في حياته الخاصة ، وطابعه الذي طبع به التشيع الاثني عشري ، فاتجه إلى الإمامة
(1) جهاد الشيعة للدكتورة الليثي ( ص29)
(2) نظرية الإمامة ، لصبحي ( ص 349 ) عن كاظم جواد الحسيني :
حياة الإمام علي بن الحسين ( ص 320 ) وانظر ثورة زيد لناجي حسن ( ص 30 -31) .
ص11
الروحيّة مبتعداً عن طلب إمامة سياسية (3) .
ويقول كاتب يَمَنيّ :
وفي تاريخ الشيعة كذلك نشأتْ نظرات مُتَخاذلة ، تولّدت من شعور بعض العلويّين وأنصارهم بالهزيمة الداخليّة ، وقلة النصير ، وفجعتهم التضحيات الكبيرة التي قدَموها ، ففضَلوا السلامة
.
وقد وطَدتْ معركة كر بلاء من هذا الاتجاه ، إذ كان تأثيرها مباشراً على عليّ بن الحسين الذي ابتعد من هول الفجيعة عن السياسة ، ونأى بنفسه عن العذاب الذي عاناه مَن سَبَقَه ، وعلى قريب من هذا النَهْج سار ابنه محمَد ، وحفيده جعفر(4)
وفي أحدث محاولة لتقسيم أدوار الأئمة عليهم السلام ، جُعِلَتْ حصّة الإمام السجاد عليه السلام الدور الثاني وهو الذي امتدَ منذ زمانه حتّى زمان الإمام الباقر، والصادق عليهما السلام ، هو :
بناء الجماعة المنطوية تحت لوائهم .
ويشرح واحد من أنصار هذه المحاولة هذا الدور بقوله :
والمرحلة الثانية التي بدأها الإمام الرابع ، زين العابدين عليه السلام ، تتركّز مهمّة الأئمة عليهم السلام فيها :
على حماية الشريعة ، ومقاومة الانحراف الذي حدث في جسم الأمة على يد العلماء المزيَفين المنحرفين ، .
.
ولذلك نرى حرص الأئمة في المرحلة الثانية على الابتعاد عن الصراع السياسي ، والانصراف إلى بَثّ العلوم ، وتعليم الناس ، وتربية المخلصين ، وتخريج العلماء والفقهاء على أيديهم ، والإشراف على بناء الكتلة الشيعية .
(5)
ويقول :
إنّ الإمام أراد أن تكون زعامته للاُمة ، زعامة دينية ، وأن تصطبغ نشاطاته بصبغة روحية علمية ، فكانت زعامته في الأمة تختلف عن زعامة الأئمة قبله ، حيث كانوا يصارعون الدولة ، ويقصدون الإصلاح ، ويقارعون الظالمين .
فكانت الطريقة التي عاش بها الإمام زين العابدين والظواهر التي برزت في حياته لا تسمح بزعامته إلا أنْ تكون دينية وروحية وعلمية ، وأن يكون قدوة صالحة في
(3) نظرية الإمامة ( ص 349 ) وانظر ( 351 ) ، وانظر :
الفكر الشيعي والنزعات الصوفية للشيبي ( ص 17 ) والصلة بين التصوف والتشيع ، له ( ص 104 و 147 ) .
.
(4) معتزلة اليمن ( ص 17 18 ) .
(5) الإمام السجاد ، لحسين باقر ( ص 13- 14 ) .
المجال التربويّ والمعيشة الربانية ، لا في مجالات التضحية والجهاد فكانت حياته بطولات في ميادين الجهاد الأكبر جهاد النفس لا الجهاد الأصغر جهاد الأعداء (6)
وزاد في تعميق المفاجأة :
عندما وجدتُ هؤلاء جميعاً قد أغفلوا أمراً واحداً وهو تحديد السياسة التي ادّعوا أنّ الإمام :
ابتعد عنها أو انصرف عنها أو زهد فيها أو لم يشارك فيها أو انعزل عن ساحتها إلى غير ذلك من التعابير المختلفة .
وإذا كانت هي زعامة العباد ، وتدبير أمور البلاد (7) فهي داخلة في معنى الإمامة التي لابد أن نفرضها للإمام أو على الأقل نفرضها له عندما نتحدّث عنه من حيث كونه إماماً .
وإذا كانت الإمامة متضمنّة للسياسة ، فكيف يريد الإمام أن يبتعد عنها ? .
أو يريد الكُتَاب أن يفرضوا فراغ إمامته عنها ? .
أو حصرها بالزعامة الروحية والعلمية ، فقط ? .
وفي خصوص الإمام زين العابدين عليه السلام :
كانت المفاجأة أعمق أثراً ، عندما لاحظتُ أنّ المصادر القديمة والمتكفلة لذكر حياة الإمام عليه السلام تعطي بوضوح نتيجة معاكسة لما شاع عند هؤلاء الكُتَاب ، وهي :
أنّ الإمام عليه السلام قد قام بدور سياسي فعَال ، وكان له تنظيم وتخطيط سياسي دقيق ، يمكن اعتباره من أذكى الخطط السياسية المتاحة لمثل تلك الظروف العصيبة الحالكة
(6) الإمام السجاد ، لحسين باقر ( ص 63 ) وانظر خاصة ( ص 91 93 ) .
ويلاحظ :
أن جهاد النفس ليس من شؤون الإمامة ، ولا الإمام فقط ، بل إنمّا هو واجب عام على كل من آمن بالله ، وأراد الجنة
(7) يلاحظ أن التصدي للحكام غير الشرعيين يعتبر داخلا في هذا المعنى للسياسة ، حتّى في العرف المعاصر .
وسيأتي في ( التمهيد ) تحديدنا للسياسة التي ندّعي أنّ للإمام زين العابدين جهاداً وجهوداً في سبيل تحقيقها .
ووقفتُ على شواهد عينية من التأريخ تدل على أن الجهاد السياسي الذي قام به الإمام السجاد عليه السلام من أجل تنفيذ خططه يعد من أدق أشكال العمل السياسي ، وأنجحها .
فكان أنْ قصدتُ إلى تأليف هذا الكتاب ليجمع صُوَراً من تلك الشواهد والعينات .
فمهّدتُ بحثين يعتبران منطلقاً أساسياً لما يلي من بحوث في الكتاب ، وهما :
1- البحث عن الإمامة ، وتعريفها ، وما تستلزمه من شؤون.
2-البحث عن إمامة الإمام زين العابدين عليه السلام وإثباتها .
ثم دخلتُ في الفصول ، وهي :
الفصل الأول :
أدوار النضال في حياة الإمام عليه السلام :
في كر بلاء ، وفي الأسر ، وفي المدينة .
الفصل الثاني :
النضال الفكري والعلمي في مجالات :
القرآن والحديث ، والعقيدة والفكر ، والشريعة والأحكام .
الفصل الثالث :
النضال الاجتماعي والعملي في مجالات :
التربية والأخلاق ، والإصلاح وشؤون الدولة ، ومناهضة الفساد الاجتماعي في أشكال :
العصبية ، والفقر ، والرقّ .
الفصل الرابع :
مظاهر فذَة في حياة الإمام :
الزهد والعبادة ، والبكاء ، والدعاء الفصل الخامس :
مواقف حاسمة في حياة الإمام :
من الظالمين ، ومن أعوان الظالمين ، ومن الحركات السياسية المعاصرة له .
.
وختمته بذكر نتائج البحث .
.
راجياً أن يؤدي دوراً في تصحيح الرؤية التي انطلتْ على أولئك الكُتَاب .
وفي بلورة ما اُريد عرضه على صفحات هذا الكتاب .
ص14
وقد يسّر اللهُ جلّ جلاله لي بفضله ومنّه العملَ في الكتاب منذ فترة تأليفه سنة ( 1413 ) وحتّى صدور هذه الطبعة المزدانة بمزيد من التدقيق ، فراجعتُ المزيد من المصادر والمراجع ، وأخذتُ بنظر الاعتبار ما لوحظ على الكتاب فزاد من الثقة به ، بتلافي ما وقع في الطبعة السابقة ، ومن الله التوفيق .
حُرر في الخامس والعشرين من شهر محرَم الحرام سنة 1417 هج
والحمد لله أوّلاً و آخراً
وكَتَب
السيّد محمّد رضا الحسينيّ الجلاليّ
التمهيد:
وفيه بحثان
البحث الأول :
الإمامة ، ومستلزماتها
البحث الثاني :
إمامة زين العابدين عليه السلام
ص17
البحث الأول الإمامة ومستلزماتها
الإمامة :
هي رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا (8) والإمام :
هو الذي له هذه الرئاسة (9).
وقال الشيخ المفيد :
الإمامة في التحقيق على موضوع الدين واللسان :
هي التقدم في ما يقتضي طاعة صاحبه و الاقتداء به في ما تقدَم به (10).
وقد عرَفها القاضي الآبي من متكلّمي الإمامية بقوله :
الإمامة :
التقدم لأمر الجماعة (11).
وقال فخر المحقّقين :
الإمام هو الذي له الرئاسة العامّة في اُمور الدين والدنيا ، نيابةً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (12)
فإذا كانت الإمامة بهذه السعة في شمول نفوذها ، وهي كذلك عند المسلمين الشيعة ، الذين يعتقدون بإمامة السجاد عليه السلام ، فلا يمكن أن تفرَغ من السياسة فضلا
(8) شرح المواقف ، للجرجاني ( 8 :
345 ) وانظر أنوار التمام لأحمد زبارة المطبوع مع الاعتصام ( 5 :
404 ) .
(9) التعريفات ، للجرجاني ( ص 16 ) .
(10) الإفصاح ، للمفيد ( ص 27 ) .
(11) الحدود والحقائق ( ص 15 رقم 16 ) .
(12) النكت الاعتقاديّة ( ص 53 ) جواب السؤال ( 91 )
عن أن يكون للإمام نفسه التخلّي عنها ، واعتزالها .
خصوصاً إذا لاحظنا رأي الشيعة في الإمامة ، فهم يعدونها من الاصول الاعتقادية ، ويعظّمون شأنها ، فيلتزمون بوجوب النصّ عليها من الله تعالى ، باعتبار أنّ العلم بتحقّق شروطها ، لا يكون إلا ممن يعلم الغيب ويطّلع على السرائر وليس هو إلا الله تعالى (13)
ولذلك :
اختصّت الإمامة عند الشيعة بهالة من القدسية ، وبإطار من العظمة ، وبوفرة من الاهتمام ، تجعلها عندهم بمنزلة النبوَة في المسئوليات ، إلا أن النبوّة تمتاز بالوحي المباشر من الله تعالى ، وقد استوحوا هذه المنزلة من قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام :
أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيَ بعدي .
(14) الحديث الذي يُعتبر من أدلة إمامة عليّ عليه السلام .
وقد جاء التعريف الجامع للإمامة على رأي الشيعة الإمامية في حديث الإمام الرضا علي بن موسى بن جعفر عليه السلام ، حيث قال :
.
إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء ، وإرث الأوصياء .
إنّ الإمامة خلافة الله عز ّ و جلّ ، وخلافة الرسول ، ومقام أمير المؤمنين .
إنّ الإمامة زمام الدين ، ونظام المسلمين ، وصلاح الدنيا ، وعزّ المؤمنين .
إنّ الإمامة آس الإسلام النامي ، وفرعه السامي ،.
إلى آخر كلامه في ذكر الإمام
(13) الإفصاح للمفيد ( ص 27 ) وانظر الأحكام للهادي إلى الحق ( 2 :
460 461 ) وإكمال الدين للصدوق ( ص 9 ) .
(14) حديث المنزلة من المتواترات ، قاله الكتاني في نظم المتناثر ( ص 195 رقم 233 ) وأورده من حديث ثلاث عشرة نفساً ، وقال :
وقد تتبع ابن عساكر طرقه في جز ، فبلغ عدد الصحابة فيه نيفاً وعشرين .
وفي ( شرح الرسالة ) للشيخ جسوس :
حديث أنت مني بمنزلة هارون من موسى متواتر جاء عن نيف وعشرين صحابياً .
وقد رواه من أصحاب الكتب :
البخاري في صحيحه ( 4 :
208 ) و ( 5 :
129 ) ومسلم في صحيحه ( 2 :
360 ) وأحمد في مسنده ( 1 :
173 ) وانظر الاعتصام ( 5 :