كان عليّ بن الحسين خارجاً من المسجد فلقيه رجل فسبّه فثارت إليه العبيد والموالي ، فقال عليّ بن الحسين :مَهلاً عن الرجل ، ثمَ أقبل على الرجل ، فقال له :ما سُتر عنك من أمرنا أكثر ، أ لك حاجة نعينك عليها ? فاستحيى الرجل فألقى عليه خميصةً كانت عليه ، وأمر له بألف درهم .فكان الرجل بعد ذلك يقول :أشهد أنّك من أولاد الرسول (63) .وقدكان لهؤلاء العبيد موقف دفاعيّ آخر ، عن أهل البيت ، لمّا سمعوا أنباء ضغط ابن الزبير على آل أبي طالب في مكّة ، وشيخهم محمد بن الحنفيّة عمّ الإمام زين العابدين عليه السلام ، في ما رواه البلاذري بسنده عن المشايخ يتحدثّون :أنّه لما كان من أمر ابن الحنفيَة ما كان ، تجّمع بالمدينة قوم من السودان ، غضباً له ، ومراغمة لابن الزبير
فرأى ابن عمر غلاماً له فيهم ، وهو شاهر سيفه فقال له :ر باح !.قال ر باح :والله ، إ نّا خرجنا لنردّكم عن باطلكم إلى حقّنا .فبكى ابن عمر ، وقال :اللهم إن هذا لذنوبنا (64) .وقال عبد العزيز سيد الأهل :وجعل الدولاب يسير ، والزمن يمر وزين العابدين يَهَبُ الحرية في كل عامٍ ، وكل شهر ، وكل يوم ، وعند كل هفوةٍ ، وكل خطأٍ ، حتّى صار في المدينة جيش من الموالي الأحرار ، والجواري الحرائر ، وكلّهم في ولاء زين العابدين (65) .
(62)لاحظ بحار الأنوار ( 46 :104 105 ) .(63)صفوة الصفوة لابن الجوزي ( 2 :100 ) ، تاريخ دمشق ( الحديث 112 ) وكشف الغمة ( 2 :81 ) وبحار الأنوار ( 46 :99 ) وعوالم العلوم ( ص 115 ) .(64) أنساب الأشراف ( الجز الثالث ) ( ص 295 ) .(65) زين العابدين ، لسيد الأهل ( ص 47 ) .
ص148
حقاً لقد تحيّن الإمام عليه السلام الفرص ، واهتبل حتّى الزلّة الصغيرة تصدر من أحد الموالي ليهب له الحريّة ، فكان يكافئ الإساءة بالإحسان ليكون أعذب عند الذي يُعْتق ، وأركز في خَلَده ، فلا ينساه .إنّ الإمام زين العابدين عليه السلام استنفد كلّ وسيلة للتحرير .وإليك بعض الأحاديث عن ذلك :1-نادى علي بن الحسين عليه السلام مملوكه مرتين ، فلم يجبه ، ثم أجابه في الثالثة ، فقال له الإمام :يا بُنيَ أما سمعت صوتي ?
قال المملوك :بلى .قال الإمام :فما بالك لم تُجبني ? .قال المملوك :أمِنْتُكَ .!
قال الإمام :الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمنني (66) .2- عن عبد الرزاق ، قال :جعلت جارية لعلي بن الحسين تسكب عليه المأ يتهيّأ للصلاة ، فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه ، فشقّه ، فرفع علي بن الحسين رأسه إليها ، فقالت الجارية :إن الله عز وجل يقول :( والكاظمين الغيظ ) .فقال لها :قد كظمت غيظي .قالت :( والعافين عن الناس ) .فقال لها :قد عفا الله عنك ..قالت :( والله يحبّ المحسنين ) [ آل عمران - 2 - الاَية 124 ]
قال :اذهبي ، فأنت حرّة (67) .فكأنَ هذا الحوار كان امتحاناً واختباراً ، نجحت فيه هذه الجارية ، بحفظها هذه الاَية ، واستشهادها بها ، فكانت جائزتها من الإمام عليه السلام أن تُعتقَ ق
3-قال عبد الله بن عطاء :أذنب غلام لعلي بن الحسين ذنباً استحقَ منه العقوبة ، فأخذ له السوط ، فقال :( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيّام الله )
(66)تاريخ دمشق ( الحديث 90 ) مختصر ابن منظور ( 17 :240 ) وشرح الأخبار ( 3 :260 ) .( 67)تاريخ دمشق ( الحديث 90 ) مختصر ابن منظور ( 17 :240 ) .
ص149
.[ الجاثية ( 45 ) الاَية ( 14 ]
فقال الغلام :وأما أنا كذلك ، إني لأرجو رحمة الله وأخاف عقابه .فألقى السوط ، وقال :أنت عتيق (68) .فلقد لقَنه الإمام عليه السلام بقراءة الاَية ، وهو يختبر معرفته بمعناها وذكاءه ، فأعتقه مكافأةً لذلك .4- وكان عند الإمام عليه السلام قوم ، فاستعجل خادم له شوأاً كان في التنّور ، فأقبل به الخادم مسرعاً ، وسقط السفود من يده على بُنَيّ للإمام عليه السلام أسفل الدرجة ، فأصاب رأسه ، فقتله ، فوثب الإمام عليه السلام ، فلمّا رآه ، قال للغلام :إنك حرّ ، إنك لم تتعمَده ، وأخذ في جهاز ابنه (69
ولعملية الإعتاق على يد الإمام عليه السلام صور مثيرة أحياناً ، تتجاوز الحسابات المتداولة :ففي الحديث المتقدّم عن سعيد بن مرجانة ، وجدنا أن الإمام عليه السلام قد أعتق غلاماً اسمه - مطرف - وجأ في ذيل الحديث ، أن عبدالله بن جعفر الطيَار كان قد أعطى الإمام زين العابدين عليه السلام بهذا الغلام - ألف دينار - أو - عشرة آلاف درهم - (70) .ففي إمكان الإمام عليه السلام أن يبيع الغلام بهذا الثمن الغالي ، ويعتق بالثمن مجموعة من الرقيق أكثر من واحد ، ولكن الإصرار على إعتاق هذا الغلام بالخصوص مع غلاء ثمنه يحتوي على معنى أكبر من العتق :فهو تطبيق لقوله تعالى :( لن تَنَالُوا البرّ حتّى تُنفِقوا ممّا تُحِبون ) سورة.آل عمران ( 3 ) الاَية :92
وهو إيماء إلى أن الإنسان لا يعادَل بالأثمان ، مهما غلت وعلت أرقامها .ولعلّ السبب الأساسي هو :أن غلا ثمن الغلام لا يكون إلاّ من أجل أدبه ، وذكائه ، وحنكته ، وقوّته ، وغير ذلك مما يجعله فرداً نافعاً ، فإذا صار حرّاً ، وهو
(68)تاريخ دمشق ( الحديث 113 ) مختصر ابن منظور ( 17 :244 ) .(69)تاريخ دمشق ( الحديث 118 ) مختصر ابن منظور ( 17 244 ) .(70)تاريخ دمشق ( الحديث 82 ) مختصر ابن منظور ( 17 :239
ص150
متّصف بهذه الصفات ، يفيد المجتمع ككلّ ، فهو أفضل عند الإمام عليه السلام من أن يكون عبداً يستخدمه شخص واحد لأغراضه الخاصَة ، مهما كانت شريفة وبهذا واجه الإمام زين العابدين عليه السلام مشكلة الرقّ ، واستفاد منها ، في صالح المجتمع والدين (71) .وبما أنه عليه السلام كان يحتلّ موقعاً رفيعاً بين الاُمَة الإسلامية جمعاء :إمّا لأنّه إمام مفترض الطاعة ، عند المعتقدين بإمامته عليه السلام .أو لأنه من أفضل فقهأ عصره ، والمعترف بورعه وتقواه وعلمه ، عند الكافّة
أو لأنه من سادات أهل البيت الذين يمتازون بين الناس بالطهارة والكرامة والشرف والمجد .فقد كان عمله حجّةً معتبرةً ، وقدوةً صالحة ، للمسلمين كافّةً ، يقتدون به في تحرير الرقيق ، ومحو العنصريّة المقيتة .وبعد هذه الصور الرائعة :فهل يصح أن يقال :- إن زين العابدين عليه السلام كان منعزلاً عن السياسة ، أو مبتعداً عنها - وهو يقوم بهذا النشاط الاجتماعي الواسع .
(71)واقرأ صوراً مثيرة من تعامله مع عبيده وإمائه في عوالم العلوم ( ص 151- 155 ) .
ص151
وأخيراً :مع كتاب - رسالة الحقوق -
إن رسالة الحقوق التي نظَمها الإمام زين العابدين عليه السلام تدل على اهتمام الإمام بكل ما يدور حوله في المجتمع الإسلامي ، وعنايته الفائقة بسلامته النفسية والصحيّة ، ورعايته لأمنه واستقراره ، وحفاظه على تكوينته الإسلامية .وإذا نظرنا إلى ظروف الإمام عليه السلام من جهة ، وإلى ما يقتضيه تأليف هذه الحقوق ، من سعة الأفق وشموليته من جهة أخرى ، وقفنا على عظمة هذا العمل الجبّار الذي صنعه الإمام قبل أربعة عشر قرناً .إن صنع مثل هذا القانون في جامعيته ودقّته وواقعيته ، لا يصدر إلاّ من شخص جامع للعلم والعمل ، مهتمّ بشؤون الاُمة ، ومتصد لإصلاحها فكرياً وثقافياً ، واقتصادياً ، واجتماعياً ، وإدارياً ، وصحيّاً ، ونفسياً ، ولا يصدر قطعاً من شخص منعزلٍ عن العالم ، وعن الحياة الاجتماعية ، ولا مبتعدٍ عن السياسة واُمور الحكم والدولة
ولذلك فإنا نجد الرسالة تحتوي على حقوقٍ مثل :حقّ السلطان ، وحق الرعِيّة ، وحقّ أهل الملّة عامّة ، وحقّ أهل الذمّة ، وغيرها ممّا يرتبط باُمور الدولة والحكم وتنظيم الحياة الاجتماعية ، إلى جانب الشؤون الخاصة العقيديّة والعبادية والماليّة ، وكل ما يرتبط بحياةٍ حرّةٍ كريمة للفرد ، وللمجتمع الذي يعيش معه ، ومثل هذا لا يصدر ممّنْ يعتزل الحياة الاجتماعية .ورسالة الحقوق عمل علمي عظيم يستدعي دراسة موضوعية عميقة شاملة ، نقف من خلالها على أبعاد دلالتها على حركة الإمام زين العابدين عليه السلام الاجتماعية ، وخاصَة من المنظار السياسي ، وما استهدفه من بيانها ونشرها .ونقدّم هنا مقطعين هامّينِ ، يرتبطان مُباشرةً باُمور الإدارة والحياة الاجتماعية ، وهما حقّ السُلطان على الرعيّة ، وحقّ الرعيّة على السُلطان :قال عليه السلام في حقوق الأئمّة :وأما حقّ سائسك بالسُلطان :
ص152
فانْ تعلم أنّك جُعِلتَ له فتنةً ، وأنّه مبتلى فيك بما جعله الله له عليك من السُلطان .وأنْ تخلصَ له في النصيحة ، وأن لا تُماحكه ، وقد بُسِطَتْ يدُه عليك ، فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه .وتذلّل وتلطّف لإعطائه من الرضا ما يكفّه عنك ، ولا يضرّ بدينك ، وتستعين عليه في ذلك بِالله .ولا تعازّه ولا تعانده ، فإنّك إنْ فعلتَ ذلك عَقَقْتَهُ وعَقَقَتَ نفسك ، فعرَضْتَها لمكروهه ، وعرَضتَهُ للهلكة فيك ، وكنتَ خليقاً أن تكون مُعيناً له على نفسك ، وشريكاً له في ما أتى إليك من سو ء.ولا قوّة إلاّ بالله (72) .وقال عليه السلام في حقوق الرعيّة :وأمّا حقّ رعيتك بالسُلطان :فأنْ تعلم أنّك إنّما استرعيتَهم بفضل قوّتك عليهم ، فإنّه إنّما أحلّهم محلَ الرعيَة لك ضعفهم وذلّهم .فما أولى مَنْ كفاكَهُ ضعفُه وذلّه حتّى صيَره لك رعيّةً وصيَر حكمك عليه نافِذاً ، ل ايمتنع عنك بعِزّةٍ ولا قُوةٍ ، ولا يستنصر في ما تعاظمه منك إلاّ بالله بالرحمة و الحياطة و الأناة .وما أولاكَ إذا عرفتَ ما أعطاك الله من فضل هذه العزّة والقُوّة التي قهرتَ بها أنْ تكون لله شاكراً ، ومَنْ شكر الله أعطاهُ في ما أنعم عليه .ولا قُوّة إلاّ بالله (73) .إنّ الإمام عليه السلام في هاتين الفقرتين إنّما يخاطب مَنْ هم من عامّة الناس سُلطاناً ورعيّةً ممّنْ لابُدَ أنْ تربط بينهم السياسة ، إذ لابُدّ للناس من أَمير ، على ما هو سُنّة الحياة وطبيعة التكوينة الاجتماعية ، فلابدّ أن تكون لهم حُقوق ، وتثبت عليهم واجبات ، تُرتّب بذلك حياتهم ترتيباً طيّباً كي يعيشوا في صفاء ووُدّ وخير وسعادة .والإمام عليه السلام هنا يقطع النظر عن الولاية الإلهية التكوينية ، ومنصب الإمامة المفروضة تشريعياً على الناس .
(72).رسالة الحقوق ، الحق رقم15
(73) رسالة الحقوق ، الحقّ رقم 18
ص153
ولذلك عبّر بالسلطان - و - الرعيّة - ولم يفرض في السُلطان ولاية إلهيّة ، وإنّما فرضها سُلطةً حاصلةً بالقوّة والقهر ، وهذا ما يتمكّن من تحصيله حتّى غير الأئمّة الإلهيين ، وإن كان السلاطين يحاولون الإيحاءَ بأنّهم ينوبون عن الله في الولاية والسلطة ، وأنّهم ظلّ الله على الأرض ، ولذلك يُلقّنون الناسَ فكرة - الجبر - حتّى يربطوا وجودهم بإرادة الله (74) .لكنّ الإمام السجّاد عليه السلام فَرَغَ الحديثَ عن السُلطان من كلّ هذه المعاني ، وإنّما تحدَث عن حقّه كمتسلطٍ بالقوّة على الرعيّة ، فهو في هذه الحالة لابُدّ أنْ يعرف واجباتِه ويؤدّيها ويعرفَ حقوقه فلا يطلب أكثر منها .كما أنّ الرعيّة المواجهة لمثل هذا السُلطان لابُدّ أنْ تعرف حدود المعاملة الواجبة عليها تجاهُه ، وما يحرم عليها فلا تقتحمه ، رعاية للمصالح الاجتماعيّة العامّة بشرياً .وبما أنّ السلاطين في هذا المقام لم تفرض لهم العصمة ، اللازمة في الولاة الإلهيّين ، فلابدّ أنْ يحذروا من المخالفات الشرعيّة ، كما لابدّ للرعيّة أنْ يحذروا من التعرّض لبَطْشهم وسطوتهم ، فهُناك حقوق مرسومة لكلّ منهما السُلطان والرعيّة لابدّ من مراعاتها ، حدَدها الإمام عليه السلام .فعلى السلطان أنْ لا يغترّ بقدرته الموقوتة المحدودة
1- :أنْ يكون رؤوفاً رحيماً بالبشر الذين استولى عليهم ..2- أنْ يعرف قدر نعمة السلطة ، حتّى يوفّق للمزيد ، حَسَبَ الموعود بالمزيد لمَنْ شكر .ويتنعّم بما هو فيه من فضل وسلطة .وأما الرعيّة ، فَعليها
1-أن تخلص في النصيحة للسُلطان ، وتبذل الولا ء في سبيل إنجاح المهمّة الاجتماعيّة والحكمة والتدبير من - لابدّية الأمير - في سبيل الخير .2- وأنْ لاتلجأ إلى العداء والبغضاء حتّى لا يلجأ السُلطان إلى العدوان والفتك ، فيحصل العقوق بين الراعي والرعيّة فيشتركان في إثم الفَساد في الأرض .
(74)كما شرحنا جانباً من ذلك في بحث سابق ، لاحظ ( ص 88 91 ) في الفصل الثاني .
ص154
ومن المعلوم في المقامين أنّ مخاطب الإمام عليه السلام إنّما هم المؤمنون بالله تعالى ، ولذا جعل كلاّ منهما - فتنةً إلهيّة - للاَخر ، ليعتبر بهذا الموقع الخطر الذي يتبوؤه كلّ منهما .فالحديث مع الذين لا يُخالفِون أمر الله ولا يعادونه ، وإنّما يَسيرون موافِقين للإسلام ، ويعتمدون على ما سَنَهُ من أحكام ، ولا يضرّون بالدين ، وإلاّ فالأمر يختلف ، والحديث يتفاوتُ ، والحقوق تكون غيرها ، والواجبات سواها .والحاصل :أنّ ما حدّده الإمام عليه السلام إنّما هو عن السُلطان والرعية ، إذا لم يتهدّد كيان الإسلام وأحكامه وشعائره خطر من قبل السلطة ، بدليل التذكير فيه بنعم الله وحوله وقوّته وأنّه لا حول ولا قوّة إلاّ به .وإلاّ ، لم يكن الخطاب بمثل هذا الكلام المعتمد على الإيمان بالله الاعتقاد بالواجب والإحساس بالخدمة للناس والإصلاح في المجتمع ، والاعتماد على قوة الله وحوله ، كما هو الحال في كلّ الحقوق الأخرى التي ذكرها في ( رسالة الحقوق ) فانه وجّه الخطاب إلى الأمة الإسلامية في داخل الوطن الإسلامي ، وفي الحدود التي يلتزم رعاياها بشريعة الإسلام وقواعده .وسنثبت نصّاً موثوقاً لرسالة الحقوق في الملحق الأوّل من ملاحِق الكتاب بعون الله (75) .
(75)لاحظ الصفحات ( 254 - 296 ) من كتابنا هذا .
ص155
الفَصلُ الرابِع التزامات فَذَة فِي حَيَاةِ الإمَامِ عَلَيهِ السَلامُ
أوّلاً:التزام الزهد والعبادة
ثانياً :التزام البكاء على سيّد الشهداء عليه السلام
ثالثاً :التزام الدعاء
وأخيراً :مع الصحيفة السجّاديّة هدفا ومضموناً
ص157
تميزّت سيرة الإمام زين العابدين عليه السلام بمظاهر فذّة ، وهي وإن كانت متوفرّة في حياة آبائه وأبنائه الأئمة :، إلاّ أنها برزت في سيرة الإمام عليه السلام بشكلٍ آخر ، أكثر وضوحاً ، وأوسع دوراً ، مما تسترعي الانتباه ، وهي :1- ظاهرة الزهد والعبادة .2- ظاهرة البكاء .3- ظاهرة الدعاء .فإذا سبرنا حياة الأئمة :، وجدناهم كلّهم يتميّزون في هذه المظاهر على أهل زمانهم ، إلاّ أنّها في حياة الإمام زين العابدين عليه السلام تجاوزت الحدّ المألوف ، حتّى كان عليه السلام فريداً في الالتزام بكلٍ منها :العبادة والزهد ، فقد عدّ فيهما :زينَ العابدين وسيدَ الزاهدين ، حتّى ضُرِب به المثل فيهما .والبكاء ، فقد عدّ فيه :من البكّائين الخمسة .وأما الدعاء :فالصحيفة التي خلّفها تكفي شاهداً على ما نقول .