ص199 - إمام زین العابدین السجاد نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إمام زین العابدین السجاد - نسخه متنی

محمدرضا الحسینی الجلالی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

وامزج مياههم بالوباء ، وأطعمتهم بالأدواء ، وارم بلادهم بالخسوف ، وألحَ عليها بالقذف ، وأفرعها بالمحول ، واجعل مِيَرهم في أحص أرضك ، وأبعدها عنهم ، وامنع حصونها منهم ، أصبهم بالجوع المقيم والسقيم الأليم .

اللّهمّ :

وأيّما غازٍ غزاهم من أهل ملّتك ، أو مجاهد جاهدهم من أتباع سنتك ، ليكون دينك الأعلى ، وحزبك الأقوى ، وحظّك الأوفى ، فلقه اليُسْر ، وهيىء له الأمر ، وتولّه بالنُجح ، وتخيّر له الأصحاب ، واستقْوِ له الظهر ، وأسْبِغْ عليه في النفقة ، ومتّعه بالنشاط ، وأطفىء عنه حرارة الشوق ، وأجِرْهُ من غمّ الوحشة ، وأَنْسِهِ ذكر الأهل والولد ، وأثر له حسن النيّة ، وتولّه بالعافية ، وأصحبه السلامة ، وأعفه من الجبن ، وألْهمه الجرأة ، وارزقه الشدّة ، وأيّده بالنصرة ، وعلّمه السير والسنن ، وسدّده في الحكم ، واعزل عنه الرياء ، وخلّصه من السمعة ، واجعل فكره وذكره وظعنه وإقامته فيك ولك ، فإذا صافّ عدوك وعدّوه فقلّلهم في عينه ، وصغّر شأنهم في قلبه ، وأدل له منهم ، ولا تدلهم منه .

فإن ختمت له بالسعادة ، وقضيت له بالشهادة ، فبعد أن يجتاح عدوّك بالقتل ، وبعد أن يجهد بهم الأسر ، وبعد أن تأمن أطراف المسلمين ، وبعد أن يولّي عدوّك مدبرين .

اللهمّ :

وأيّما مسلم خَلَفَ غازياً ، أو مرابطاً ، في داره ، أو تعهّد خالفيه في غيبته ، أو أعانه بطائفة من ماله أو أمدّه بعتاد ، أو شحذه على جهاد ، أو أتبعه في وجهه دعوةً ، أو رعى له من ورائه حرمةً ، فأجْرِ له مثل أجره ، وزناً بوزن ، ومثلاً بمثل ، وعوّضه من فعله عوضاً حاضراً يتعجّل به نفع ما قدّم ، وسرور ما أتى به ، إلى أن ينتهي به الوقت إلى ما أجريت له من

ص199


فضلك ، وأعددت له من كرامتك .

اللهمّ :

وأيّما مسلم أهمَه أمرُ الإسلام ، وأحزنه تحزّب أهل الشرك عليهم ، فنوى غزوة ، أو همّ بجهاد ، فقعد به ضعف ، أو أبطأت به فاقة ، أو أخّره عنه حادث ، أو عرض له دون إرادته مانع ، فاكتب اسمه في العابدين ، وأوجب له ثواب المجاهدين ، واجعله في نظام الشهداء والصالحين .

اللهمّ :

صلّ على محمّد عبدك ورسولك ، وآل محمّد ، صلاةً عالية على الصلوات ، مشرفة فوق التحيّات ، صلاة لا ينتهي أمدها ، ولا ينقطع عددها ، كأتمّ ما مضى من صلواتك على أحد من أوليائك .

إنّك المنّان ، الحميد ، المبدي ، المعيدُ ، الفعّال لما تريد (35) .

هذا على مستوى كيان عسكريّ مرتبط بالدولة ، وأمّا على مستوى الشعب
فلنقرأ معا :

.

المقطع الثاني :

دعاء الاستسقاء بعد الجدب :

.

حيث تتجلّى فيه رعاية الإمام عليه السلام لحالة الأمّة ، ومراقبته لأحوالها ، وبخصوص اقتصادها الذي هو عصب حياتها، فإذا رآه يتعرّض للانهيار على أثر الجفاف ، ينبري عليه السلام لإنجاده بطريقته الخاصّة ، التي لا تثير أحقاد الحكام ضدّه ، ولا تمكّنهم من أخذ نقاط سياسيّة عليه ، ومع ذلك فهو يجلب أنظار الشعب المسلم المقهور ، المغلوب على أمره ، إلى أنّ هناك مَنْ يعطف عليه إلى هذا الحدّ ، ومَنْ يراقب أوضاعه ، ويهتّم بشؤونه ومشاكله .

والإمام زين العابدين عليه السلام بهذا الشكل ، يفرض نفسه على الساحة السياسيّة ، وهو تدخّل صريح في شؤون الأمّة ، وظهور واضح على أرض العمل ، فإنّ الملجأ في مثل هذه المشاكل هُم كبار القوم ، ومَنْ لهم قدسيّة ، وفضل ، وتقدّم على الاَخرين ، ولا

(35) الصحيفة السجادية ، الدعاء السابع والعشرون .

ص200


تشخص الأبصار في مثل ذلك إلاّ إلى الخليفة إنْ كانت له قابليّة ما يدّعي من مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يتسنّم أريكة الحكم.

والإمام زين العابدين عليه السلام بهذا الدعاء ، يُثبت أنّه الأحقّ بالتصديّ لذلك المقام ، وأنّه الملجأ الذي لابدّ أن يوسّط بين الأرض والسماء .

هذا كله ، مع أنّ الأمّة لم تقف إلى جانب الإمام عليه السلام ، ولم تراعِ حُرمته في النسب ، ولاحقّه في الإمامة ، بل خذلته ، حتّى راح يقول :

- ما بمكّة والمدينة عشرون رجلاً يُحبّنا - .

وليس المراد بذلك الحبّ مجرّد العواطف والدموع والمجاملات ، فهؤلاء أهل الكوفة كانوا من أحذق الناس في ذرف دموع التماسيح على أهل البيت عليهم السلام بعنوان الحبّ حتّى كان الإمام عليه السلام يستغيث من حبّهم له ، ذلك الحبّ المعلن ، المبطّن بالنفاق ، والذي انقلب على أبيه الإمام الحسين عليه السلام سيفاً أودى به.

فليس الحبّ المطلوب لاَل الرسول ، والذي دلّت على لزومه آية المودّة في القربى وأحاديث الرسول المصطفى ، هو الفارغ عن كلّ حقّ لهم في الحكم والإدارة ، أو الفقه والتشريع وعن كلّ معاني الولاء العمليّ ، و الاقتداء و الاتّباع وإن ادعاه المحرّفون ، أو حرفوه إلى مثل ذلك ، مكتفين لأهل البيت باسم - الحبّ - (36) .

.

لكن قضيّة الأمّة الإسلامية ، واقتصاد البلاد الإسلامية ، من القضايا المصيريّة الكبرى ، التي لا توازيها الأضرار الصغيرة ولا الأخطاء الخاصّة ، بل لابدّ من تجاوز كل الاعتبارات في سبيل إحياء تلك القضايا الكبار .

وبعد ، فلنعش في رحاب دعاء الاستسقاء :

.

اللهمّ :

اسقنا الغيث ، وانشر علينا رحمتك بغيثك المغدق ، من السحاب المنساق لنبات أرضك ، المونق في جميع الاَفاق ، وامنن على عبادك بإيناع الثمرة ، وأحْيِ بلادك ببلوغ الزهرة ، وأشهد ملائكتك الكرام السفرة بسقي منك نافعٍ ، دائم غزره ، واسع درره ، وابلٍ ، سريع ، عاجلٍ ،

(36) قد تحدّثنا عن هذا التحريف لمؤدّى الحبّ لأهل البيت :

والذي تعمّده الأعداء ظلماً ، والتزمه العامة جهلاً ، في كتابنا :

الحسين سماته وسيرته ، الفقرة ( 13 ) .

ص201


تُحيي به ما قد مَات ، وتردّ به ما قد فات ، وتخرج به ما هو آت ، وتوسّع به في الأقوات ، سحاباً متراكماً ، هنيئاً مريئاً ، طبقاً مجلجلاً ، غير ملث ودقه ،ولا خلّب برقه .

اللهمّ اسقنا غيثاً مغيثاً ، مريعاً ممرعاً ، عريضاً واسعاً ، غزيراً ، تردّ به النهيض ، وتجبر به المهيض .

اللهمّ :

اسقنا سقياً تُسيل منه الظراب ، وتملأ منه الجباب ، وتفجّر به الأنهار ، وتُنبت به الأشجار ، وترخّص به الأسعار في جميع الأمصار ، وتنعش به البهائم ، والخلق ، وتكمل لنا به طيّبات الرزق ، وتُنبت لنا به الزرع ، وتدرّ به الضرع ، وتزيدنا به قوّةً إلى قوّتنا .

اللهمّ :

لا تجعل ظلّه علينا سموماً ، ولا تجعل برده علينا حسوماً ، ولا تجعل صوبه علينا رجوماً ، ولا تجعل ماءه علينا أجاجاً .

اللهمّ :

صلّ على محمّد وآل محمّد ، وارزقنا من بركات السماوات والأرض إنّك على كلّ شي قدير (37) .

وهكذا فإن الإمام زين العابدين عليه السلام في دعاء الاستسقاء ، لا يحصر اهتمامه بما حوله من الأفراد والشؤون الخاصة ، بل يعمّم اهتمامه على كل العباد وكل البلاد ، وينظر برقّةٍ ولطف إلى كل قضاياها الطبيعيّة والنفسية والمعاشيّة ، وحتّى الجويّة والزراعية وحتّى طلب - القوّة -.

إن التأمّل في مضامين هذا الدعاء يفتح آفاقاً من سياسة الإمام السجاد عليه السلام .

وهكذا ننتهي من هذا الفصل ، وقد وقفنا فيه على أبرز ما امتاز به الإمام زين العابدين عليه السلام من التزام العبادة ، والبكاء ، والدعاء ، ووجدنا كيف أنّ الإمام عليه السلام قد استخدم كلّ ذلك في تمرير خطّته الحكيمة التي اتخذها لتثبيت قاعدة الإمامة الحقّة ، وما فيعمله من تعرّض للحاكمين ، وتعريض بهم وبفساد تصرّفاتهم ومخالفتهم

( 37)الصحيفة السجادية ( الدعاء التاسع عشر ) .

ص202


للشريعة والدين .

ومع أنّ الإمام كان يقوم بما يخصّه ، ويعدّ من حقّه الشخصي أن يتعبّد ، ويبكي ، ويدعو ، فإننا نرى في أعماله نضالاً سياسيّاً ، وتدبيراً حكيماً ضدّ الحكومات .

وسنقرأ في الفصل الاَتي ، مواقف في مواجهة الحكّام وأعوانهم الظلمة ، من دون غطاء أو تقيّة ، وهي المواقف الحاسمة التي وقفها الإمام زين العابدين عليه السلام منهم .

ص203


الفَصلُ الخامِس مَوَاقِف حَاسِمَة للإمَامِ عَلَيهِ السَلاَمُ


أوّلاً موقفه من الظلمة .

ثانياً موقفه من أعوان الظلمة .

ثالثاً موقفه من الحَركات المسلّحة .

ص205


وبعد سنين من النضال المرير ، الذي قام به الإمام زين العابدين عليه السلام ، بالأساليب التي شرحنا صوراً منها في الفصول السابقة ، والتي كان تطبيقها والاستفادة منها في تلك الظروف الحرجة لا يقلّ صعوبة عن إشهار السيف ، وفائدتها لا تقلّ عن دخول المعارك الضارية .

فلقد انتجت نتائجها الهائلة :

.

فعزّزت موقع الإمام عليه السلام لكونه القائد الإلهي المسؤول عن هذا الدين ، وهذه الأمّة ، والهادي لها .

وتمكّن بالتزامه بالخطط الدقيقة المذكورة من أداء وظائف الإمامة ، وتجميع القوى المتبدّدة حول مركز الحقّ ، وتأسيس القاعدة لانطلاق الأئمّة من بعده على أسس رصينة محكمة .

وعزّزت تلك المواقف الاجتماعية العظيمة ، مكانة الإمام عليه السلام في أنظار الأمة ، باعتباره سيّداً من أهل البيت عليهم السلام يتمتّع بمكارم الأخلاق وفضائلها ، وعالماً بالإسلام من أصفى ينابيعه وروافده ، ومحامياً عن الأمّة .

وكانت لهذه المواقع ، وهذه المكانة ، آثارها في تغيير أسلوب العمل السياسي .

عند الإمام زين العابدين عليه السلام في الفترة التالية ، حيث نجد أن تعامله مع الحكّام والأحداث يختلف عمّا سبق ، ويكاد الإمام عليه السلام يُعلن عن المعارضة ، ويُبدي التعرّض للحكام .

وكان من أبرز مظاهر هذا التعامل هو ما اتّخذه من مواقف حاسمة تجاه الحكّام الظالمين ، وتجاه أعوانهم ، وتجاه الحركات السياسية التي عاصرته .

ص206


أوّلاً :

موقفه من الظالمين .

موقفه من يزيد :

.

فقد اتّخذ الإمام عليه السلام موقفاً حكيماً من يزيد وهو من أعتى طغاة بني اُميّة وأخبثهم ، وأبعدهم عن كلّ معاني الدين والإنسانية والمروة وحتّى السياسة فكان موقف الإمام عليه السلام منه فذّاً ، فلم يدع له مبرّراً للقضاء عليه ، مع انّه واجهه بكل الحقيقة التي لا يتحمّلها الطغاة ، بل أجبره على إطلاق سراح الأسرى من آل محمّد ، وذلك بما صنعه الإمام عليه السلام من أجواء لمثل هذا الإجراء .

فرجع الإمام عليه السلام إلى المدينة ليبدأ عمله طبق التخطيط الرائع الذي شرحنا صوراً منه في هذه البحوث .

وبعد أن قضى الإمام السجّاد عليه السلام عمراً في تطبيق خططه القويمة في معارضة الدسائس التي كان يضعها الحكّام من بني أميّة ضدّ الدين وأهله ، وفضحها ، وحاول ان يبني ما كانوا يهدمونه ، ويهدم ما كانوا يبنونه ، وصدّ ما يحاولونه .

وبعد تعزيز المواقع والمكانة لوجوده الشريف بين الأمة ، سوأ مَن كان من أتباعه أو من عامّة الناس ، لم يكن للحكام أن يتعرَضوا للإمام عليه السلام من دون أن يكشفوا عن وجوههم أغطية التزوير ، وأقنعة الدجل والكفر والنفاق .

فالإمام الذي ذاع صيته في الاَفاق بالكرامة ، والإمامة ، والسيادة والشرف ، والتقى والعلم والحلم والعبادة والزهد ، أضف إلى ذلك حنانه وعطفه على الأمّة ورعايته لشؤونها ، قد دخل أعماق القلوب ، وأصبح له من الاحترام والتقدير ما لا يكون من مصلحة الحكّام التعرّض له بأذى .

كما يبدو أنّ الإمام عليه السلام بعد أن استنفذَ أغراضه من خططه ، وعلم بأنّ الدولة الأمويّة وحكّامها الحاقدين على الإسلام ورجاله وخاصة من أهل البيت عليهم السلام ، سوف يقضون على حياته إن عاجلاً أو آجلاً ، إن خفيةً أو علناً ، بدأ العمل الهجومي عليهم .

فكان يُفرغ ما بقي في كنانته من السهام على هيكل الحكم الامويّ الفاسد ، والذي

ص207


بدأ التنازل من كثير من المواقع الاستراتيجية التي كان يحتلّها ، فقام الإمام عليه السلام بالإشهار بهم ، من خلال أعمال أصدق ما يُقال فيها أنها الاستفزاز والتحرّش السياسيّ .

ومواقفه من عبد الملك بن مروان :

.

قد رأينا أنّ الأمويين بكلّ مرافق أجهزتهم ، كانوا يرون من الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام خيراً لا شرّ فيه .

وقد كانت علاقة مروان بن الحكم الأمويّ ، بالخصوص ، طيّبة مع الإمام عليه السلام لما أبداه الإمام تجاهه من رعايةٍ ، أيام وقعة الحرّة ، وكان مروان شاكراً للإمام عليه السلام هذه المكرمة .

وطبيعيّ أن يعرف عبد الملك بن مروان ، للإمام زين العابدين عليه السلام هذه اليد والمكرمة .

ولذلك نراه ، لمّا ولي الخلافة ، يكتب إلى واليه على المدينة الحجّاج الثقفي السفَاك يقول :

أما بعد :

فانظر دماء بني عبد المطلب فاحتقنها واجتنبها ، فإني رأيتُ آل أبي سفيان بن حرب [ لما قتلوا الحسين ] لمّا ولغوا فيها ( نزع الله ملكهم ) لم يلبثوا إلاّ قليلاً .

والسلام (38) .

لكن الإمام عليه السلام لم يمرّ بهذه الرسالة بشكل طبيعيّ ، بل بادر إلى إرسال كتاب إلى عبد الملك ، يقول فيه :

بسم الله الرحمن الرحيم .

.

.

.

أما بعد .

فإنّك كتبتَ يوم كذا وكذا ، من ساعة كذا وكذا ، من شهر كذا وكذا ، بكذا وكذا .

وإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنبأني وأخبرني ، وأن الله قد شكر لك ذلك وثبّت ملكك ، وزاد فيه بُرهة - .

(38) المحاسن والمساوي للبيهقي ( ص 78 ) وفي طبعة ( 55 ) كشف الغمة للاربلي ( 2 :

112 ) مروج الذهب ( 3 :

179 ) والاختصاص ( ص 314 ) وبحار الأنوار ( 46 :

28 و 119 ) .

ص208


وطوى الكتاب ، وختمه ، وأرسل به مع غلام له على بعيره ، وأمره أن يوصله إلى عبد الملك ساعة يُقدم عليه (39) .

إن اُسلوب هذا الكتاب ، ومحتواه ، كلاهما مثار للاستفزاز :

.

فأولاً :

يحاول الإمام عليه السلام أن يعرّف الحاكم باطّلاعه الكامل على تاريخ كتابته للرسالة ، بدقة ، حتّى اليوم والساعة .

فهو يوحي إليه علم الإمام بما يجري داخل القصر الملكي .

وهذا أمر لا يمر به الطواغيت بسهولة .

وثانياً :

يصرح الإمام عليه السلام باتصاله المباشر بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنّه الذي أخبره وأنبأه بالرسالة ومحتواها .

وهذا أيضاً يوحي أنّ الإمام عليه السلام مع أنّه مرتبط بالرسول نسبيّاً ، فهو مرتبط به روحياً ، ويأخذ علمه ومعارفه منه مباشرةً
ومثل هذا الإدعاء لا يتحملّه الخليفة ، بل يثقل عليه ، لأنّ ادعاء ذلك يعني كون الإمام عليه السلام أوثق صلة بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، من هذا الذي يدّعي خلافته.

!
والمقطع الأخير من الكتاب ، حيث يخبر الإمام عليه السلام عن أن فعل عبد الملك وتوصيته بآل عبد المطلب - مشكور عند الله - وأنّه ثبّت بذلك ملكه ، وزيد فيه بُرهة ، ليس قطعاً أسلوب دعاء وثناء وتملّق ، وإنّما هو تعبير عن قبول الصنيع ، وردّ الجميل ، والعطف عليه بزيادة بُرهة فقط في الملك ! لا الخلافة .

مع أنّ صدور مثل هذا الخبر من الإمام عليه السلام إلى عبد الملك الخليفة فيه نوع من التعالي والفوقيّة الملموسة ، التي لا يصبر عليها مَنْ هو في موقع القدرة ، فضلاً عن الطغاة أمثال عبد الملك .

والحاصل أنّ هذا الكتاب الصادر من الإمام عليه السلام لم يكن يصدر ، إذا أراد الإمام عليه السلام أن يجتنب التعرض بالحاكم ، وخاصة بهذا الأسلوب المثير ، ومع أنّ الرسالة التي كتبها عبد الملك لم تكن مرسلة إلى الإمام عليه السلام .

( 39) كشف الغمة ( 2 :

112 ) وبحار الأنوار ( 46 :

29 ) ورواه في عوالم العلوم ( ص 42 ) عن الخرائج للقطب الراوندي .

ص209


وكان عبد الملك واقفاً على بعض ما للإمام عليه السلام من موقعيّة ومكانة ، لوجوده فترة كبيرة في المدينة إلى جوار الإمام عليه السلام وعلمه بأوضاعه .

مضافاً إلى أنّ الإمام عليه السلام قد تحدّث معه بلغة الأرقام مما لا يمكنه دفعه أو إنكاره ، فلذلك كلّه تظاهر عبد الملك بفرحه بهذا الكتاب .

فقد جاء في ذيل ذلك الحديث أنّ عبد الملك لما نظر في تاريخ الكتاب وجده موافقاً لتلك الساعة التي كتب فيها الرسالة إلى الحَجّاج ، فلم يشكّ في صدق عليّ بن الحسين ، وفرح فرحاً شديداً وبعث إلى عليّ بن الحسين وَفْر راحلته دراهم وثياباً ، لِما سرّه من الكتاب (40) .

ثمَ الذي يُشير إليه الحديث التالي أنّ الإمام عليه السلام قاطعَ النظام ، مقاطعة سلبيّة ، توحي بعدم الاعتراف والاعتناء برأس الحكومة ، وهو شخص الخليفة :

.

فقد روي أنّ عبد الملك بن مروان كان يطوف بالبيت ، وعليّ بن الحسين عليه السلام يطوف أمامه ، ولا يلتفت إليه .

فقال عبد الملك :

مَنْ الذي يطوف بين أيدينا ? ولا يلتفت إلينا ? .

فقيل له :

هذا عليّ بن الحسين .

فجلس مكانه ، وقال :

ردّوه إليّ ، فردّوه ، فقال له :

يا عليّ بن الحسين إنّي لستُ قاتل أبيك ، فما يمنعك من المسير إليّ .

فقال عليه السلام :

إنّ قاتل أبي أفسد بما فعله دنياه عليه ، وأفسد أبي عليه آخرته ، فإنْ أحببت أن تكون هو ، فكنْ (41) .

إن تحدّي الإمام عليه السلام الاستفزازي ، يتبلور في نقاط :

فأولاً ، يمشي بين يدي الخليفة متنكراً لوجوده ، لا يأبَهُ به ، وفي مرأىً ومسمع من الحجيج الطائفين ، ولابدّ أنّه كان في الموسم ، بحيث أثار الخليفة ، وبعثه على السؤال عنه :

مَنْ هذا الذي يجرؤ على تحدّي احترام الخليفة هكذا .

(40) كشف الغمة ( 2 :

112 ) .

(41) بحار الأنوار ( 46 :

120 ) وإثبات الهداة ، للحر العاملي ( 3 :

15 ) .

ص210


ولمّا سمع اسم الإمام - عليّ بن الحسين - أجلسه - الاسمُ - في مكانه ، وهذا يعني أنّه قطع طوافه ، لعظم وقع النبأ عليه ، وقطع الطواف على الإمام بردّه إليه .

وثانياً ، عتاب عبد الملك للإمام عليه السلام لعدم السير إليه ، يكشف عن أنّ مقاطعة الإمام للخليفة والمسير إليه ولقائه ، اتخذ شكلاً أكبر من مجرّد العزلة ، بل دلّ على عدم الرغبة ، أو الإعراض ، حتّى أصبح الخليفة يحاسب عليه .

وثالثاً ، إنّ قول عبد الملك :

- إنّي لست قاتل أبيك - كما يحتوي على التبرُؤ من الدماء المراقة على أرض المعركة المحتدمة بين أهل البيت عليهم السلام والأمويين ، فإنّه في نفس الوقت تهديد ، بهزّ العصا في وجه الإمام زين العابدين عليه السلام ، وتلويح له بإمكانيّة كلّ شي :

حتّى القتل .

ورابعاً ، ولذلك كان جواب الإمام حاسماً ، وقوياً ، وشجاعاً ، إذ حدّد النتيجة في تلك المعارك السابقة ، وأثبت فيها انتصار أهل البيت الذين ربحوا النتيجة ، وخسران قتلتهم الأمويين
ومع ذلك أبدى استعداده ، لأن يقف نفس الموقف المشرّف الذي وقفه أبوه ، إذا كان عبد الملك بصدد الوقوف على نفس الموقع الظالم الذي وقف عليه قاتل أبيه .

إنّه استعداد ، وطلب المبارزة والقتال ، وتحد سافر لسلطة خليفة لا يمنعه شي من الإقدام على الفتك والقتل والظلم والإبادة .

وهذا الموقف ، وحده ، كافٍ للدلالة على أن الإمام عليه السلام لم يكن طول عمره ذلك المسالم ، الموادع ، المنعزل عن الدنيا وسلطانها ، والمشغول بالعبادة ، والصلاة والدعاء والبكاء ، فقط .

ويبدو أنّ عبد الملك رأى أنّ الإمام عليه السلام بمواقفه الاستفزازية تلك ، يبرز في مقام أبيه وجدّه ، ويتزعّم الحركة الشيعية ، وقد ركّز موقعيته كإمام ، بعد تلك الجهود المضنية ، واستعاد جمع القوى المؤمنة حوله ، فأصبح له من القوّة والقدرة ، أن يقف في وجه الخليفة ، فلذلك تصدّى للإمام عليه السلام وحاول أن يفرّغ يد الإمام عليه السلام من بعض.

ص211


إثباتات الإمامة ، كوجود مخلّفات النبوّة عند الإمام (42)، ومنها سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

.

فلمّا بلغ عبد الملك أنّ ذلك السيف موجود عند الإمام زين العابدين عليه السلام بعث إليه يستوهبه منه .

فأبى الإمام عليه السلام .

فكتب إليه عبد الملك ، يهدّده أن يقطع رزقه من بيت المال .

/ 38