الإمام السجاد عليه السلام كان يوم كر بلاء ، مريضاً ، أو موعوكاً (77) الا أنّها لم تحدّد نوعية المرض ولا سببه ، لكنّ ابن شهرآشوب روى عن أحمد بن حنبل قوله :
كان سبب مرض زين العابدين عليه السلام أنّه كان اُلبس درعاً ، ففضُل عنه ، فأخذَ الفُضلة بيده ومزّقها(78.
) وهذا يُشير إلى أن الإمام إنّما عُرّض للمرض وهو على اُهْبة الاستعداد للحرب أو على أعتابها ، حيث لا يُلبَس الدرعُ إلا حينذاك ، عادة .
ولا ينافي ذلك قول ابن شهرآشوب :
ولم يقتل زين العابدين لأنّ أباه لم يأذن له في الحرب ، كان مريضاً (79) لأنَ مفروض الأدلة السابقة أنّ الإمام زين العابدين قد أصيب بالمرض بعد اشتراكه أوّل مرّة في القتال وبعد أنْ ارتُثّ وجُرح ، فلعلّ عَدمَ الإذن له في أن يُقاتل كان في المرّة الثانية وهو في حال المرض والجراحة .
ولو فرض كونه مريضاً منذ البداية فالأدلة التي سردْناها تدلّ بوضوح على مشاركته في بعض القتال .
فمؤشرات الجهاد في سيرة الإمام السجاد عليه السلام هي :
أوّلاً :
حَمْلُه السلاحَ وهو مريض ودخولُه المعركة ، إلى أن يُجرح ، يحتوي على مدلول بُطوليّ كبير ، أكبر من مجرّد حمل السلاح فلو كان حمل السلاح واجباً على الأصِحّاء ، فهو في الإسلام موضوع عن المرضى بنصّ القرآن ، لكن ليس حراماً عليهم ذلك ، إذا وجدوا هِمّة تمكّنهم من أداء دَورٍ فيه .
ثانياً :
إنّ وجود علي بن الحسين عليه السلام ، مع أبيه الإمام الحسين عليه السلام ، في أرض كر بلاء ، حيث ساحة النضال المستميت ، وميدان التضحية والفداء ، وحيث كان الإمام
(77) الإرشاد للمفيد ( ص 231 ) شرح الأخبار ( 3 : 250 ) وسير أعلام النبلاء ( 4 : 486 ) . (78) نقله ابن شهرآشوب عن كتاب ( المقتل ) في مناقب آل أبي طالب ( 3 284 ) وفي طبعة ( 4 : 155 ) ونقله في العوالم ( ص 32 ) . (79) مناقب ابن شهرآشوب (122 : 4) .
الحسين عليه السلام يسمح لكلّ مَنْ حوله وحتّى أولاده وأهل بيته بالانصراف ، ويجعلهم في حلّ ، لهو الدليل على قصد الإمام للمشاركة في ما قام به أبوه . قال الإمام السجاد عليه السلام : لمّا جمع الحسين عليه السلام أصحابه عند قرب المسأ ، دنوتُ لأسمع ما يقول لهم ، وأنا إذْ ذاك مريض ، فسمعتُ أبي يقول : . . . أما بعد ، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرَ من أهل بيتي ، فجزاكم الله عنّي خيراً
. . ألا ، وإنّي قد أذنتُ لكم ، فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّي ذِمام ، هذا الليل قد غشيكم فاتَخِذوه جَملاً (80). ففي ذلك الظرف ، لا دور إذن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بالمعنى الفقهي ، لأنَ الأخطار المحدقة كانت ملموسةً ، ومتيقّنةً ومتفاقمة للغاية ، تفوق حدّ التحمّل . وقد أدرك ذلك كلّ مَنْ اطّلع على أحداث ذلك العصر ، قبل اتّجاه الإمام الحسين عليه السلام إلى العراق ، ممّن احتفظ لنا التاريخ بتصريحاتهم ، فكيف بمن رافق الإمام الحسين عليه السلام في مسيره الطويل من المدينة إلى مكّة والى كر بلاء ، ومن أولاده وأهل بيته خاصة ? الذين لا تخفى عليهم جزئيّات الحركة وأبعادها وأصداؤها وما قارنها من زعزعة الجيش الكوفيّ للإمام ، وسمعوا الإمام عليه السلام يصرّح بالنتائج المهولة والأخطار التي تنتظر حركته ومَن معه حتّى وقت تلك الخطبة مساء يوم التاسع ، أو ليلة عاشوراء ?
فلقد عرف مَنْ بقي مع الإمام الحسين عليه السلام في كر بلاء ، بأنّ ما يقوم به الإمام ليس إلا فداءً وتضحية ، لحاجة الإسلام إلى إثارة ، والثورة إلى فتيل ووقود ، واليقظة إلى جرَس ورنين ، والنهضة إلى عماد و سناد ، والقيام إلى قائد ورائد ، والحياة الحرّة الكريمة إلى روح ودم . والإمام الحسين عليه السلام قد تهيّأ ليبذل مهجته في سبيل كلّ هذه الأسباب لتكوين
(80) الإرشاد للمفيد ( ص 231 ) .
. كلّ تلك المسبّبات
ولم يكن مثل هذه الحقيقة ليخفى على عليّ بن الحسين السجاد عليه السلام الذي كان يومذاك في عمر الرجال ، وقد بلغ ثلاثاً وعشرين سنة وكان ملازماً لأبيه الشهيد منذ البداية ، وحتّى النهاية . فكان حضوره مع أبيه عليه السلام وحده دليلاً كافياً على روح النضال مع بطولة فذّة ، تمتّع بها اُولئك الشجعان الذين لم ينصرفوا عن الحسين عليه السلام . ثم هو كما تقول تلك الرواية قد شهر السلاح ، وقاتل بالسيف ، حتّى اُثخِنَ بالجراح ، واُخرج من المعركة وقد ارْتُثّ . وإذا كانت هذه الرواية بالذات زيديّةً ، فمعنى ذلك تماميّة الحجّة على مَن ينسب الإمام زين العابدين عليه السلام إلى اعتزال القيام والسيف والنضال . ثالثاً : مضافاً إلى أنّ حامل هذه الروح ، قبل كر بلاء ، لا يمكن أن يركن إلى الهدوء بعد ما شاهده في كر بلاء من تضحيات أبيه وإخوته وأهله وشيعته ، وما جرى عليهم من مصائب والآم ، وما اُريق من تلك الدماء الطاهرة . أو يسكت ، ولا يتصدى للثأر لأبيه ، وهو ثار الله ، مع أنه لم يَنْسَهم لحظة من حياته . فكيف يستسلم مثله ، ويهدأ ، أو يسالم ويترك دم أبيه وأهله يذهب هَدراً ? إذ لم يبق مَن يطالب بثأر تلك الدماء شخص غيره . فإذا كان كما يقول البعض : مصرع الحسين عليه السلام في كر بلاء هو الحدث التاريخي الكبير الذي أدّى إلى بلورة جماعة الشيعة ، وظهورها كفرقة متميّزة ذات مبادىء سياسية وصبغة دينية ( أكثر وضوحاً وتميزاً مما كانت عليه في زمان أمير المؤمنين عليه السلام وقبله . وكان لمأساة أثرها في نموّ روح الشيعة وازدياد أنصارها ، وظهرت جماعة الشيعة ، بعد مقتل الإمام الحسين عليه السلام ، كجماعة منظّمة ، تربطها روابط
سياسية متينة (81). فكيف لا تؤثّر هذه المأساة في ابن الحسين ، وصاحب ثأره ، والوحيد الباقي من ذريته ، والوريث لزعامته بين الشيعة ، ولا تزيد نموّ الروح السياسية عنده ? وكيف تَجْمَعُ هذه المنظمة أفراد الشيعة بروابط سياسية ، ولكن تُبَعدُ علي بن الحسين عليه السلام عن السياسة ?
وكيف تستبعد هذه المنظمة عن التنظيم ، وارث صاحب الثورة وصاحب الحقّ المهدور ?
أليس في الحكم بذلك تعنت وجَوْر ?
(81) جهاد الشيعة ، للّيثي ( ص 27 ) 0
ثانياً : في الأسْر
إنَ البطولة التي أبداها الإمام السجاد عليه السلام بعد كر بلاء ، وهو في أسر الأعدأ ، وفي الكوفة في مجلس أميرها ، وفي الشام في مجلس ملكها ، لا تقل هذه البطولة أهميّةً من الناحية السياسية عن بطولة الميدان ، وعلى الأقلّ : لا يقف تلك المواقف البطولية مَن هالَتْهُ المصارع الدامية في كر بلاء ، أو فجعَتْه التضحيات الجسيمة التي قُدّمَت أمامه ، ولا يصدر مثل تلك البطولات ممَن فضَلَ السلامة . نعم ، لا يمكن أن يصدر مثل ذلك إلا من صاحب قَلْبٍ جسور ، صلب يتحمّل كلّ الآلام ، ويتصدى لتحقيق كلّ الآمال ، التي من أجلها حضر في ميدان كر بلاء مَنْ حضر ، وناضل مَنْ ناضل ، واستشهد مَنْ استشهد ، والآن يقف ليؤدّي دوراً آخر مَنْ بقي حيّاً من أصحاب كر بلاء ، ولو في الأسر . إنّ الدور الذي أدّاه الإمام السجاد عليه السلام ، بلسانه الذي أفصح عن الحقّ ببلاغة معجزة ، فأتمَ الحجة على الجميع ، بكل وضوحٍ ، وكشف عن تزوير الحكّام الظالمين ، بكل جلاء ، وأزاح الستار عن فسادهم وجورهم وانحرافهم عن الإسلام . إن هذا الدور كان أنفذ على نظام الحكم الفاسد ، من أثر سيف واحد ، يجرّده الإمام في وجه الظلمة ، إذ لم يجد مُعيناً في تلك الظروف الصعبة . لكنّه كان الشاهد الوحيد ، الذي حضر معركة كر بلاء بجميع مشاهدها ، من
بدايتها ، بمقدّماتها وأحداثها وملابساتها وما تعقّبها ، وهو المصدَق الأمين في كل ما يرويه ويحكيه عنها . فكان وجوده استمراراً عينيّاً لها ، وناطقاً رسميّاً عنها . مع أن وجوده ، وهو أفضل مستودع جامع للعلوم الإلهية بكلّ فروع : العقيدة ، والشريعة ، والأخلاق ، والعرفان ، بل المثال الكامل للإسلام في تصرفاته وسيرته وسنته ، والناطق عن القرآن المفسّر الحيّ لاَياته ، إن وجوده حيّاً كان أنفع للإسلام وأنجع للمسلمين في ذلك الفراغ الهائل ، والجفاف القاتل ، في المجتمع الإسلامي . كان وجودُه أقضَ لمضاجع أعداء الإسلام من ألف سيفٍ وسيف ، لأن الإسلام إنّما
يحافَظُ عليه ببقاء أفكاره وقيمه ، والأعداء إنّما يستهدفون تلك الأفكار والقيم في محاولاتهم ضدّه ، وإذا كان شخص مثل الإمام موجوداً في الساحة ، فإنه لا ريب أعظم سد أمام محاولات الأعداء. وكذلك الأعداء إنما يُبادون بضرب أهدافهم ، واجتثاب بدعهم وفضح أحابيلهم ، والكشف عن دجلهم ، ورفع الأغطية عن نِيّاتهم الشرّيرة تجاه هذا الدين وأهله ، والإفصاح عن مخالفة سيرتهم للحق والعدل . وعلى يد الإمام السجاد عليه السلام يمكن أن يتمّ ذلك بأوثق شكل وأتمّ صورة ، وأعمق تأثير . ثمَ ، أليس الجهاد بالكلمة واحداً من أشكال الجهاد ، وإن كان أضعفها ? بل ، إذا انحصر الأمر به ، فهو الجهاد كلّه بل أفضله ، في مثل مواقف الإمام السجاد عليه السلام ، كما ورد في الحديث الشريف ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر (82)
ولنصغ إلى الإمام السجاد عليه السلام في بعض تلك المواقف : فمن كلام له عليه السلام كان يُعلنه وهو في أسر بني أمية : أيّها الناس
إنّ كلّ صمتٍ ليس فيه فكر فهو عيّ ، وكل كلامٍ ليس فيه ذكر فهو هباء. ألا ، وإنَ الله تعالى أكرم أقواماً باَبائهم ، فحفظ الأبناء بالآباء ، لقوله تعالى : (وكان أبوهما صالحاً )[ سورة الكهف الآية 82 [ فأكرمهما . ونحن والله عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأكرمونا لأجل رسول الله ، لأن جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول في منبره : احفظوني في عترتي وأهل بيتي ، فمن حفظني حفظه الله ، ومن آذاني فعليه لعنة الله ، ألا ، فلعنة الله على من آذاني فيهم حتّى قالها ثلاث مرات . ونحن والله أهل بيت أذهب الله عنّا الرجس والفواحش ما ظهر منها وما بطن . . . (83). (82) الروض النضير ( 5 13 ) وانظر الكنى للدولابي ( 1 78 ) . (83) بلاغة علي بن الحسين عليه السلام ( ص 95 ) عن المنتخب للطريحي .
وبهذه الصراحة ، والقوة ، والبلاغة ، عرّف الإمام السجاد عليه السلام للمتفرّجين ولمن وراءهم هذا الركب المأسور ، الذي نبزوه بأنَه ركب الخوارج . ففضح الدعايات ، وأعلن بذلك أنه رَكْب يتألّف من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم . وأفصح بتلاوة الآيات والأحاديث ، أنه ركب يحمل القرآن والسنّة ، ليعرف المخدوعون أن هذا الركب له ارتباط وثيق بالإسلام من خلال مصدريه الكتاب و السنّة . وهو من لسان هذين المصدرين يصبّ اللعنة والنقمة على مَنْ آذى هذا الركب ، من دون أن يُمَكن الأعدأ من التعرّض له ، لأنه عليه السلام إنّما يروي اللعنة الصادرة من الرسول وعلى لسانه. كان هذا الموقف ، حين أخذ الناسَ الوجومُ ، من عظم ما جرى في وقعة كر بلاء ، وما حلّ بأهل البيت عليه السلام من التقتيل والأسر ، وذُهلوا حينما رأوا الحسينَ سبط الرسول وأهله وأصحابه مجزّرين ويرون اليوم ابنَه ، وعيالاته أسرى ، يُساقون في العواصم الإسلامية . والأسر في قاموس البشر يُوحي معاني الذلّ والهوان ، والضعف والانكسار هذا ، والناس يفتخرون بالانتماء إلى دين الرسول وسنّته . والأنكى من ذلك أنّ الجرائم وقعتْ ولمّا يمضِ على وفاة الرسول جدّ هؤلاء الأسرى نصف قرنٍ من الزمن
وموقفه الآخر في مجلس يزيد ، فقد أوضح فيه عن هويّته الشخصية ، فلم يَدَعْ لجاهل عُذراً في الجلوس المريب ، وذلك في المجلس الذي أقامه يزيد ، للاحتفال بنشوة الانتصار ولابدّ أنه جمع فيه الرؤوس والأعيان ، انبرى الإمام السجاد عليه السلام ، في خطبته البليغة الرائعة ، التي لم يزل يقول فيها : أنا . . . أنا . . . عرّفاً بنفسه ، وذاكراً أمجاد أسلافه حتّى ضَجَ المجلسُ بالبكاء والنحيب حَسَبَ تعبير النص(84) الذي سنُثبته كاملاً : (84) مقتل الحسين عليه السلام ، للخوارزمي ( 2 71 ) .
خطبة الإمام في مجلس يزيد : قال الخوارزمي : ( وروي ) أنّ يزيد أمر بمنبر خطيب ، ليذكر للناس مساوي الحسين وأبيه علي عليهما السلام . فصعد الخطيب المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وأكثر الوقيعة في عليّ والحسين ، وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد . فصاحَ به عليّ بن الحسين : ويلكَ أيّها الخاطِبُ اشتريتَ رضا المخلوق بسخط الخالق ? فتبوَأْ مقعدَك من النار . ثم قال : يا يزيد ، إئذنْ لي حتّى أصعد هذه الأعواد ، فأتكلّم بكلماتٍ فيهنّ لله رضا ، ولهؤلاء الجالسين أجر وثواب . فأبى يزيد ، فقال الناس : يا أمير المؤمنين ، ائذنْ له ليصعد ، فعلّنا نسمعُ منه شيئاً . فقال لهم : إنْ صعدَ المنبر هذا لم ينزل إلا بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان ، فقالوا : وما قدر ما يُحسن هذا ?
فقال : إنّه من أهل بيتٍ قد زُقّوا العلم زقّاً . ولم يزالوا به حتّى أذِنَ له بالصعود . فصعد المنبر : فحَمِد الله وأثنى عليه ، ثمّ خطب خطبة أبكى منها العيون ، وأوجل منها القلوب ، فقال فيها
: أيّها الناس ، اُعطِينا سِتّاً ، وفُضلنا بِسبعٍ : اُعطينا العلم ، والحلم ، والسماحة ، والفصاحة ، والشجاعة ، والمحبةَ في قلوب المؤمنين . وفُضلنا بأنّ منّا النبيَ المختار محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم ، ومنّا الصدّيق ، ومنّا الطيّار ، ومنّا أسد الله وأسد الرسول ، ومنّا سيّدة نسأ العالمين فاطمة البتول ، ومنّا سبطا هذه الأمة ، وسيّدا شباب أهل الجنّة . فمن عرفني فقد عرفني ، ومَنْ لم يعرفني أنبأتُه بحسَبي ونَسَبي : أنا ابن مكّة ومنى . أنا ابن زَمْزَمَ والصفا
أنا ابن مَنْ حَمَل الزكاة (85) بأطراف الردا . أنا ابن خير مَن ائتزر وارتدى . أنا ابن خير مَن انتعلَ واحتفى . . أنا ابن خير مَنْ طافَ وسعى . أنا ابن خير مَنْ حجَ ولبَى . أنا ابن مَنْ حُمِلَ على البُراق في الهوا . أنا ابن من اُسْرِيَ به مِن المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، فسُبحان مَنْ أسرى . أَنا ابن مَنْ بَلَغَ به جِبرائيل إلى سِدْرة المنتهى . أنا ابن مَنْ دَنى فَتَدَلّى فكانَ من ربّه قاب قوسين أو أدنى . أنا ابن مَنْ صلّى بملائكة السما . أنا ابن مَنْ أوْحى إليه الجليل ما أوحى . أنا ابن محمّدٍ المصطفى . أنا ابن عليّ المرتضى . أنا ابن مَنْ ضَرَبَ خراطيم الخلق حتّى قالوا : لا إله إلا الله . أنا ابن مَنْ ضَرَبَ بين يَدَيْ رسول الله بسيفَيْن ، وطَعَنَ رُمحيْنِ ، وهاجَرَ الهِجْرَتَيْنِ ، وبايَعَ البيعَتيْنِ ، وصلّى القبلتَيْنِ ، وقاتلَ ببَدْرٍ وحُنَيْن ، ولم يكفُرْ بالله طَرْفَةَ عَيْن . أنا ابن صالح المؤمنين ، ووارث النبيّين ، وقامع الملحدين ، ويَعْسُوب المسلمين ، ونور المجاهدين ، وزين العابدين ، وتاج البكائين ، وأصبر الصابرين ، وأفضل القائمين من آل ياسين ، ورسول ربّ العالمين . أنا ابن المؤيّد بجبرائيل ، المنصور بميكائيل . أنا ابن المحامي عن حَرَم المسلمين ، وقاتل الناكثين والقاسطين
(85) في نقل ( كامل البهائي ) : من حمل الرُكنْ وفسّر بالحَجَرَ الأسود الذي محلّه الركن ، ولذلك ذكر في سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قبل البعثة .
والمارقين ، والمجاهد أعداءه الناصبين ، وأفخر مَنْ مشى من قُريش أجمعين ، وأوّل مَنْ أجاب استجاب لله ، من المؤمنين ، وأقدم السابقين ، وقاصم المعتدين ، ومُبِيْر المشركين ، وسهم مِنْ مَرامي الله على المنافقين ، ولسان حكمة العابدين ، ناصر دين الله ، ووليّ أمر الله ، وبُستان حكمة الله ، وعَيْبة علم الله ، سَمح سخيّ ، بُهلول زكيّ أبطحي رضي مرضي ، مِقْدام هُمام ، صابر صوّام ، مُهَذّب قوّام شجاع قمقام ، قاطع الأصلاب ، ومفرّق الأحزاب ، أربطهم جِناناً ، وأطلقهم عناناً ، وأجرأهم لساناً ، أمضاهم عزيمةً ، وأشدّهم شكيمةً ، أسَد باسل ، وغَيث هاطل ، يطحَنُهم في الحروب إذا ازدَلفت الأسنّة ، وقربت الأعِنّة طَحْنَ الرحى ، و يذرُوهم ذَروَ الريح الهشيم ، لَيْث الحجاز ، صاحب لإعجاز ، وكَبْش العراق ، الإمام بالنصّ والاستحقاق مكّيّ مَدَنيّ ، أبطحي تِهاميّ ، خيفي عَقَبيّ ، بَدْريّ أحُديّ ، شَجَريّ مُهاجريّ ، من العرب سيّدها ، ومن الوغى ليثُها ، وارثُ المَشْعَريْنِ ، وأبو السبطين ، الحسن والحسين ، مَظْهر العجائب ، ومفرّق الكتائب ، والشهاب الثاقب ، والنور العاقب ، أسَد الله الغالب ، مطلُوب كلّ طالب غالب كلّ غالب ، ذاك جدّي عليّ بن أبي طالب . أنا ابن فاطمة الزهرا . أنا ابن سيّدة النسا . أنا ابن الطهر البتول . أنا ابن بَضْعة الرسول . ( أنا ابن الحسين القتيل بكربلاء . أنا ابن المُرَمّل بالدما . أنا ابن مَنْ بكى عليه الجنّ في الظلما . أنا ابن مَنْ ناحتْ عليه الطيور في الهوا . )(86)
قال : ولم يزل يقول : أنا أنا حتّى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب ، وخشيَ يزيد أنْ
(86) ما بين القوسين عن الكامل للبهائي .
تكون فتنة ، فأمر المؤذّن أنْ يؤذّنَ ، فقطع عليه الكلام وسكت . فلمّا قال المؤذّن الله اكبر قال عليّ بن الحسين : كبّرتَ كبيراً لا يُقاس ، ولا يُدْرك بالحَواسّ ، لا شي أكبر من الله . فلمّا قال : ص45
ص46
ص47
ص48
ص49
ص50
ص50
ص52
ص53
ص54