مستند الشیعه فی احکام الشریعه

احمد بن محمد مهدی النراقی؛ تحقیق: مؤسسة آل البیت (ع) لاحیاء التراث

جلد 17 -صفحه : 24/ 11
نمايش فراداده

الموضع الثالث: فيما يحكم فيه بالبينة و اليمين معا

و هو ما يستثنى من القاعدة المتقدمة من عدم تعلق اليمين بالمدعي، و يخرج عن تحت ذلك الاصل بدليل.

و فيه مسالتان:

المسالة الاولى:

مما استثني من القاعدة: الدعوى على الميت ، فان المدعي اذا اقام البينة يستحلف معها على بقاء الحق في ذمة الميت استظهارا، على المعروف من مذهب الاصحاب كما في الكفاية، بل لا مخالف يظهر منهم كما فيه ايضا (1) ، بل بلا خلاف مطلقا كما في المفاتيح (2) و شرحه و غيرهما (3) ، بل بالاجماع كما في المسالك و الروضة و شرح الشرائع للصيمري (4) ، بل بالاجماع المحقق.

له، و لرواية البصري المتقدم صدرها: «و ان كان المطلوب بالحق قد مات، فاقيمت البينة عليه، فعلى المدعي اليمين بالله الذي لا اله الا هو: لقد مات فلان و ان حقه لعليه، فان حلف و الا فلا حق له، لانا لا ندري لعله قد اوفاه ببينة لا نعلم موضعها، او بغير بينة قبل الموت، فمن ثم صارت عليه اليمين مع البينة، فان ادعى و لا بينة له فلا حق له، لان المدعى عليه ليس بحي، و لو كان حيا لالزم اليمين، او الحق، او يرد اليمين، فمن ثم لم يثبت له حق » (5) .

و تجويز ارادة البينة الواحدة و كون اليمين يمين جزء البينة خلاف الظاهر، بل ياباه التعليل.

و الايراد بان اليمين على الوجه المغلظ المذكور فيها ليست بواجبة اجماعا، فلا يكون قوله: «فعلى المدعي » للايجاب، فلا يثبت المطلوب.

مردود بانه لا دلالة فيها على ارادة الاتيان باليمين على هذا الوجه، بل يجوز ان يكون توصيفه عليه السلام تعظيما لله لا لاجل ذكره في اليمين.

و مكاتبة الصفار الصحيحة المتقدم صدرها ايضا: او تقبل شهادة الوصي على لميت بدين مع شاهد آخر عدل؟ فوقع: «نعم، من بعد يمين » (6) .

فروع:

ا: هل يختص ذلك الحكم بالميت، او يتعدى الى ما يشاركه في المعنى، كالطفل و المجنون و الغائب؟

الاكثر-كما في المسالك و شرح الصيمري و الكفاية و شرح المفاتيح و المعتمد (7) و غيرها (8) -الى التعدي، و هو مذهب الفاضل في جملة من كتبه، منها التحرير (9) ، و والدي العلامة في المعتمد، للعلة المنصوصة، او اتحاد طريق المسالتين، لا من باب القياس الممنوع.

و فيه: ان احدى العلتين المنصوصتين هي كون المدعى عليه ليس بحي، و اختصاصها بالميت ظاهر، مع انها علة لانتفاء الحق مع عدم البينة لا لثبوت اليمين.

و الاخرى: «لانا لا ندري لعله قد اوفاه ببينة لا نعلم موضعها» و هي ايضا مختصة به، لقوله بعد ذلك: «قبل الموت » .

مع عدم امكان تحقق الايفاء من الطفل، و معارضته في الغائب مع مرسلة جميل: «الغائب يقضى عليه اذا قامت عليه البينة، و يباع ماله و يقضى عنه دينه و هو غائب » (10) .

و على هذا، فكما يحتمل كون العلة عدم الوصول الى العلم بالحال بالفعل، يمكن ان يكون عدم امكان الوصول بعد ذلك، فيختص بالميت، فلا يمكن الاعتماد بذلك التعليل في غير مورد النص.

و بما ذكر يظهر حال اتحاد الطريق، مع ان مورد النص-و هو الميت- اقوى من الفرع.

و الاستدلال بصدر صحيحة الصفار المتقدمة قبل ذلك-بحمل الرجل على الغائب، او تعميمه و اخراج غير المذكورين بالدليل-خلاف الظاهر، و موجب للتخصيص الغير الجائز، و هو اخراج الاكثر، مع احتمال كون ضم اليمين فيها لعدم قبول شهادة الوصي كما و جماعة-و منهم اكثر متاخري المتاخرين (12) -الى العدم، و هو الاقوى.

ب: لما كان الحكم المذكور-اي ضم اليمين مع البينة-مخالفا للاصل يجب الاقتصار فيه على المتيقن، و هو ما اذا كانت الدعوى على الميت دينا، فلو كانت عينا في يده بعارية او غصب او نحوهما دفعت اليه مع البينة من غير يمين، كما صرح به جماعة، منهم: القواعد و المسالك و التنقيح (13) ، لاختصاص النص بالدين، اما الصحيحة فلتصريحها بلفظ: الدين، و اما الرواية فلظهورها فيه ايضا، لمكان لفظ: «الحق » و: «لعليه » و: «اوفاه » .

نعم، صحيحة الصفار مطلقة على ما نقلها في الكفاية، حيث لم يذكر فيه لفظ: بدين، و لذا استشكل في المسالة لذلك الاطلاق (14) ، و لكن النسخ المصححة التي كانت عندنا كلها مشتملة على لفظ: بدين، و على هذا فلا اشكال في المسالة و لو كان بمجرد اختلاف النسخ.

و اما ما قيل من ان النص و ان كان مخصوصا بالدين الا ان مقتضى التعليل المنصوص-و هو الاستظهار-العموم (15) .

ففيه: ان العلة هي احتمال الايفاء، و هو في العين التي بيده غير جار، بل الجاري فيها النقل بالبيع و نحوه..و غير ذلك من التعليل مستنبط لا يعبابه.

و لو لم توجد العين المدعى بها في التركة و حكم بضمانها على الميت للمالك ففي الحاقها بالعين-نظرا الى الاصل-او بالدين-لانتقالها الى الذمة- وجهان، اظهرهما: الثاني، لصيرورتها دينا بعد الفقدان، فتشملها الاخبار.

نعم، لو فقدت بعد الموت او لم يعلم انها فقدت حال الحياة او بعدها فحكم المدعى به حكم العين، لعدم معلومية الانتقال الى ذمة الميت.

ج: لو اقر له قبل الموت بمدة لا يمكن فيها الاستيفاء عادة، بل قد يعلم عدمه-كما اذا اقر عند جماعة و مات بعد الاقرار بحضورهم من غير غيبة لهم-ففي وجوب ضم اليمين الى البينة وجهان.

رجح في المسالك و الكفاية و المعتمد العدم (16) ، لعدم جريان التعليل المذكور في الخبر هنا.

و فيه: ان التعليل لا يوجب تخصيص الاطلاق، لان العلل الشرعية معرفات لا ينتفي المعلول بانتفائها، فانه قد يكون وجود العلة في بعض الافراد علة للحكم في الجميع، مع ان التعليل-كما قيل (17) -يمكن ان يكون من باب ابداء النكتة و التمثيل، فان احتمال الابراء ايضا قائم، و كذا احتمال نسيان المقر للايفاء و تذكره لو كان حيا حين الدعوى.

و لذا قوى بعض فضلائنا المعاصرين (18) الضم، لاطلاق النص.

و هو حسن، الا ان فيه: ان النص معارض باخبار اخر واردة في اقرار المريض، و في الوصية بالدين:

كصحيحة منصور: عن رجل اوصى لبعض ورثته ان له عليه دينا، فقال: «ان كان الميت مرضيا فاعطه الذي اوصى له » (19) .

و صحيحة ابي ولاد: عن رجل مريض اقر عند الموت لوارث بدين له عليه، قال: «يجوز ذلك » (20) .

و رواية السكوني: في رجل اقر عند موته لفلان و فلان لاحدهما عندي الف درهم، ثم مات على تلك الحال، فقال: «ايهما اقام البينة فله المال، و ان لم يقم واحد منهما البينة فالمال بينهما نصفان » (21) .

و مكاتبة الصهباني: امراة اوصت الى رجل و اقرت له بدين ثمانية آلاف درهم-الى ان قال-فكتب عليه السلام بخطه: «ان كان الدين صحيحا معروفا مفهوما فيخرج الدين من راس المال » (22) الى غير ذلك (23) .

فان هذه الاخبار شاملة لصورة عدم حلف المقر له ايضا، فتعارض ما مر بالعموم من وجه، و اذ لا ترجيح فيرجع الى القاعدة المتقدمة المكتفية للمدعي بالبينة، و هو الاصح، بل مقتضاها عدم اشتراط عدم امكان الاستيفاء ايضا، بل يكون الحكم ذلك اذا اقر عند الموت او اوصى بالوفاء عند الموت..الا ان الظاهر ان ذلك مختص باقرار الميت، فلو شهد شاهدان بانتقال شي ء اليه قبل موته بمدة لا يمكن الاستيفاء يجب ضم اليمين، لاختصاص النص بالاقرار، و الحقها والدي رحمه الله بالاقرار ايضا.

و هل تلحق به شهادة البينة ببقاء الحق ان قبلناها؟

قال والدي رحمه الله: نعم.و الاظهر العدم، لشمول دليل اليمين و علتها له ايضا.

د: هل يختص ضم اليمين بما اذا كان الثبوت بالبينة-كما هو مورد النص -او يضم لو كان الثبوت بعلم الحاكم بالقضية ايضا و حكم بها؟

قيل: و لا يبعد ترجيح الضم (24) .و هو كذلك، للعلة المنصوصة.

و ليس ذلك من قبيل الدعوى على غير الميت، لاختصاص العلة بالميت، و لكنها غير مختصة بالبينة و ان كان المعلول مخصوصا.و احتمال الابراء او مقاصة الميت لدين له او غير ذلك قائم هنا ايضا.

و قيل: نعم، لو فرض انتفاء جميع الاحتمالات راسا عند الحاكم لاتجه عدم ضم اليمين (25) .

اقول: بل يكفي في عدم الضم حينئذ انتفاء احتمال الايفاء خاصة عن الحاكم، لان المورد خاص بالاثبات بالبينة و التعليل باحتمال الايفاء، فاذا انتفيا معا فلا وجه للضم حينئذ.

و جعل التعليل تمثيلا-اي جعله من باب ذكر فرد من امثلة الاحتمالات و السكوت عن الباقي-انما يحسن مع شمول المورد، و اما بدونه فلا فائدة له.

و ان اريد من التمثيل ذكر فرد و ارادة كل ما هو مثله فلا وجه له اصلا، فعدم الضم حينئذ اقوى، فيختص عدم الضم بما اذا كان الاثبات بعلم الحاكم لا من جهة البينة خاصة حتى لا يشمله اطلاق المورد و علم الحاكم عدم الايفاء حتى لا يشمله التعليل، و ذلك يتحقق باقرار الميت عند الحاكم في زمان لا يحتمل الايفاء بعده، و قد يعلم عدم الايفاء بالقرائن الخارجية.

و الظاهر ان في حكم الحاكم ايضا غيره ممن بيده مال للميت و علم بالواقعة و بعدم الايفاء فله تسليمه للمدعي من غير يمين.

ه: لو علم المدعي ببقاء حقه على الميت له المقاصة، و لا يمين عليه حينئذ.

و: اليمين المتوجهة الى المدعي حينئذ يمين واحدة، سواء كان الوارث واحدا او متعددا، فلا يكلف الحلف لكل وارث يمينا على حدة، قصرا للحكم المخالف للقاعدة على القدر المتيقن، و لانه دعوى واحدة على مال الميت.

ز: لو كان للمدعي شاهد واحد و حلف يمينا لجزء البينة، فهل يحتاج الى يمين اخرى للاستظهار، ام لا؟

صرح في الارشاد بعدمه، و علل بان الشاهد و اليمين حجة بنفسه، فلا يحتاج الى ضم شي ء آخر.

و بانه غير مورد النص، لانه ما اذا ثبت الحكم بالبينة.

و بانه لا فائدة في تكرار اليمين.

و الاول معارض بالشاهدين.

و الثاني مردود بعموم التعليل.

و الثالث بالفرق بين اليمينين، فان الاولى على حصول الاشتغال، و الثانية على بقاء الحق.

نعم، لو حلف اولا بما يفيد البقاء ايضا-اي على الوجه المذكور في الرواية (26) -يمكن الاكتفاء بها، لعدم الفائدة، و عدم شمولها للعلة المذكورة، و افادتها لها حينئذ.

ح: لو اقام البينة ففقد الحاكم او غاب قبل الحلف لا يثبت له حق. و احتمال ان يكون له ان ياخذ حقه و يقول: انا باذل اليمين فاحلفني على الوجه الشرعي، لا وجه له.

ط: قال المحقق الاردبيلي: لا يسقط اليمين باسقاط بعض الحق، فلا يمكن ان يسقط من مال الطفل شي ء لليمين، فيعطى الباقي بغير يمين، لان الثبوت موقوف عليها، و قد صرح في الرواية: بانه اذا لم يحلف لا حق له..كما لا يمكن اسقاط شاهد واحد باسقاط البعض.

نعم، اذا كان الوارث ممن يصح صلحه ينبغي المصالحة، و كذا مع الولي وصيا او حاكما باسقاط البعض باسقاط اليمين، فانه اصلح من الاحلاف و اعطاء جميع الحق، و الولي لا يترك مصلحته.انتهى.

اقول: ما ذكره-من عدم تبعيض الحق بتبعيض الحجة، و عدم ثبوت شي ء الا بتمام الحجة-صحيح ظاهر.

و كذا ما ذكره من جواز اسقاط الولي بعض الحق باسقاط اليمين اذا راى في ذلك المصلحة، و هو انما يكون اذا قطع-بل او ظن-ان المدعي يحلف و ياخذ الجميع، فان له حينئذ اسقاط بعض الحق باسقاط اليمين، او المصالحة ببعض الحق، لان له ان يفعل للمولى عليه ما يرى مصلحة له..

كما تدل عليه صحيحة ابن رئاب، حيث قال في آخرها: «فليس لهم »اي للصغار «ان يرجعوا فيما صنع القيم لهم، الناظر لهم فيما يصلحهم » (27) .

و صحيحة ابن سنان: في قول الله عز و جل: «فلياكل بالمعروف » (28) قال: «المعروف هو القوت، و انما عنى الوصي او القيم في اموالهم و ما يصلحهم » (29) .

و صحيحته الاخرى، و في آخرها: «فلياكل بالمعروف الوصي لهم و القيم في اموالهم ما يصلحهم » (30) .

و لو علم عدم اتيان المدعي بالحلف او ظن ذلك-بل و لو احتمله- لا يجوز له اعطاء البعض، لعدم تحقق المصلحة.

ي: قيل: لو ادعى وارث زيد على وارث عمرو بشغل ذمة عمرو بحق زيد و اقام البينة، فهل يكون تحت النص، و حينئذ يحلف المدعي على نفي العلم باستيفاء مورثه او الابراء، او على البت، اذ الاستيفاء و الابراء من المدعي ايضا متصور، لانه بعد مورثه صاحب الحق؟

لم اجد فيه تصريحا، و الظاهر دخوله تحت الرواية، لكون الدعوى على الميت، و وجود العلة المنصوصة، بل هي هنا اغلظ.

و في كيفية الحلف هنا ظني انه لو قلنا بالحلف على نفي العلم ببراءة ذمة عمرو من هذا الحق مطلقا لكان له وجه.انتهى.

قال والدي رحمه الله في المعتمد ايضا بضم يمين نفي العلم، الا مع اعتراف وارث الميت بعدم علم المدعي، فيسقط اليمين حينئذ.انتهى.

اقول: و لا شك في دخول هذه الصورة ايضا تحت الرواية موضوعا و تعليلا، و لكن القول بيمين نفي العلم ليس له وجه اصلا، لانها ليست من اليمين التي ذكرها في الرواية، و لا يدل عليها دليل آخر، و انما هي تثبت في كل موضع ادعى احد على غيره علما مثبتا لحق عليه، او نافيا لحق منه على غيره لو لا ذلك العلم لثبت، فتشمله ادلة ثبوت اليمين على المدعى عليه..

و لم يفرض هنا ادعاء علم على وارث الطالب بالحق، و لو فرض لم يكن علمه على نفيه مثبتا لحق عليه، و لا نافيا من الغير له حقا لو لا ذلك العلم لثبت، اذ الكلام بعد في ذلك، و النزاع في اشتراط العلم ببقاء الحق و اليمين عليه، لا عدم العلم بعدم البقاء.

و التحقيق: انه-كما ذكره هذا القائل-صار صاحب الحق و طالبه حينئذ وارث زيد، فان علم هو بالبقاء يحلف عليه على النحو المذكور في الرواية و ياخذ الحق، و الا فلا حق له-كما نص به في الرواية-كما كان مورثه ايضا كذلك، و لم يتحقق سبب لصيرورة الوارث اقوى من المورث.

و لا يتوهم ان الاحكام مشروطة بالامكان، معلقة عليه، فاذا لم يمكن منهم (31) ينتفي الحكم، و لما لم يمكن للوارث الحلف على البت فينفى عنه الحلف راسا لا بالبت و لا بنفي العلم، و يكون ذلك خارجا عن تحت الرواية مندرجا في اصل القاعدة.

لان ذلك انما يتم في التكليفيات دون الوضعيات، فلو كان اثبات الحلف في المورد من باب التكليف لكان ذلك، و لكن هو وضع لاثبات الحق، فهو سبب له، فغايته ان حال عدم الامكان لا يتحقق المسبب، لا ان يخرج الموضوع عن تحت الرواية..

فانه اذا قال الشارع: كل من نجس ثوبه يجب عليه غسله، يحكم بخروج من لا يتمكن من غسله لعدم الماء عن تحت الموضع، و ليس هذا الحكم له، لكونه تكليفيا.

بخلاف ما لو قال: كل من نجس ثوبه فتطهيره انما هو بالغسل، فاذا لم يغسل لم يطهر، فاذا لم يمكن الغسل نقول بعدم تحقق الطهارة، لا ان عدم الامكان يصير سببا لخروج غير المتمكن عن تحت العموم و تطهر ثوبه بعدم امكان الغسل.

و لذا لو كان زيد حيا و طلب الحق بنفسه و لكن ادعى ظن البقاء او احتماله لا يثبت له الحق بدون الحلف، لاجل عدم امكان الحلف له.

ثم على ما ذكرنا لو تعدد الوارث يحلف كل على بقاء قدر حصته، و لو حلف بعضهم دون بعض ثبت سهم الاول و سقط سهم الثاني، و لو كان فيهم صغير او مجنون او غائب يظهر حكمه في الفرع الآتي.

يا: لو كان المدعي على الميت وليا او وصيا تكفيه البينة، و لا يتوقف الثبوت على اليمين، للقاعدة المتقدمة، و عدم اندراجه تحت موضوع الرواية، لاختصاصه بمدعي حق نفسه، لقوله: «و ان حقه » و قوله: «فلا حق له » .

و لا يفيد عموم العلة هنا، لانها تعليل لقوله: «فعلى المدعي » الى آخره، لا لقوله: «فلا حق له » خاصة، بقرينة قوله: «فمن ثم صارت عليه اليمين » فيكون المعنى: و ان كان المطلوب ميتا فقبول بينة الطالب معلق على اليمين، للعلة المذكورة.

و لما لم يكن التعليق فيما اذا كان المدعي وليا او وصيا فيحتمل امران، احدهما: انتفاء التعليق، و الآخر: انتفاء المعلق عليه، فلا يمكن تعيين احدهما و يجي ء الاجمال (32) ، فيرجع الى القاعدة، لعدم ثبوت المخرج عنها.

و لا يرد مثل ذلك في الوارث، لانه داخل في موضوع الرواية، و لاجله يثبت الحكم له لو لا العلة ايضا، بخلاف ما هو خارج عنه، فان ثبوت الحكم فيه انما هو لاجل عموم العلة، و العلة لما كانت للتعليق فلا يعلم ان مع عدم امكان المعلق هل ينتفي الحكم او التعليق.

و لنوضح ذلك بمثال: اذا قال الشارع: جواز شراء جلد الميتة مشروط بالدباغة، فان دبغ و الا فلا يجوز.و علة اشتراطه بالدباغة انه نجس، فيحكم في كل جلد ميتة بعدم الجواز بدون الدبغ و ان كان مما لا يمكن دبغه، لعموم قوله:

و الا فلا يجوز.و لكن لا يمكن اثبات الحكم بعموم التعليل للدبس النجس، فانه غير قابل لذلك الاشتراط، فيمكن ان يكون الحكم فيه عدم الجواز ايضا، و ان يكون عدم الاشتراط.و لو كان يقول: و علة عدم جواز البيع انه نجس، لعم الدبس ايضا.

بل يظهر مما ذكرنا انه يمكن منع عموم العلة بالنسبة الى مثل الولي ايضا، لان بعد كون التعليل للاشتراط باليمين-كما هو في الرواية-يكون معنى التعليل هكذا: ثبوت الحق مشروط باليمين، لانا لا ندري لعله اوفاه ببينة، و كل ما لا ندري فيه ذلك يشترط ثبوت الحق فيه باليمين.

و المتبادر الظاهر من هذا الكلام ان كل ما يمكن فيه اليمين مشروط بذلك لا مطلقا، كما اذا علل اشتراط دباغة الجلد بانه نجس، فانه في قوة:

ان كل ما نجس يشترط جواز شرائه بالدباغة، فانه يفهم كل احد فيه اختصاصه بما يقبل الدبغ.

بخلاف ما لو علل عدم جواز الشراء مطلقا بالنجاسة، بل صرح الفاضل في التحرير-في بحث الحكم على الغائب، حيث جعله كالميت، و اوجب اليمين فيه ايضا-بانه: لو ادعى وكيل شخص على الغائب فلا يمين و يسلم الحق (33) .

و الظاهر ان مراده: ما اذا لم يكن الموكل حاضرا يمكن احلافه.

فان قيل: صحيحة الصفار (34) مطلقة شاملة للمورد ايضا.

قلنا: نعم، و لكن دلالتها-على عدم قبول شهادة الوصي مع شاهد آخر بدون اليمين-انما هي بمفهوم لم تثبت حجيته.

و انما اطنبنا الكلام في المقام لان الفرع من الفروع المهمة، و لم اعثر على من تعرض له بنفي او اثبات الا ما نقلناه عن التحرير.

المسالة الثانية:

و مما استثني ايضا من القاعدة: ما اذا كان للمدعي شاهد واحد ، فانه يحلف لاجل الشاهد الآخر، فيحكم له.

و الحكم بالشاهد الواحد و اليمين في الجملة مما لا خلاف فيه بين اصحابنا و اكثر العامة، كما في الكفاية (35) ، و نقل عليه الاجماع جماعة (36) ، بل هو اجماع محقق، فهو الدليل عليه، مضافا الى المستفيضة من الصحاح و غيرها:

كصحيحة منصور: «كان رسول الله صلى الله عليه و آله يقضي بشاهد واحد مع يمين صاحب الحق » (37) ، و نحوها موثقة البصري (38) .

و صحيحة حماد بن عيسى: «ان رسول الله صلى الله عليه و آله قضى بشاهد و يمين » (39) .

و مرسلة الفقيه: قضى رسول الله صلى الله عليه و آله بشهادة شاهد و يمين المدعي، و قال صلى الله عليه و آله: «نزل علي جبرئيل بشهادة شاهد و يمين صاحب الحق » و حكم به امير المؤمنين عليه السلام بالعراق (40) .

و صحيحة البجلي: دخل الحكم بين عتيبة و سلمة بن كهيل على ابي جعفر عليه السلام، فسالاه عن شاهد و يمين، فقال: قضي به رسول الله صلى الله عليه و آله، و قضى به علي عليه السلام عندكم بالكوفة » (41) .

و صحيحة محمد: «لو كان الامر الينا لاجزنا شهادة الرجل الواحد اذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس، فاما ما كان من حقوق الله و رؤية الهلال فلا» (42) .

و صحيحة حماد بن عثمان: «كان علي عليه السلام يجيز في الدين شهادة رجل و يمين المدعي » (43) .

و صحيحة اخرى لمحمد: «كان رسول الله صلى الله عليه و آله يجيز في الدين شهادة رجل واحد و يمين صاحب الدين، و لم يكن يجيز في الهلال الا شاهدي عدل » (44) .

و موثقة ابي بصير: عن الرجل يكون له عند الرجل الحق و له شاهد واحد، قال: فقال: «كان رسول الله صلى الله عليه و آله يقضي بشاهد واحد و يمين صاحب الحق، و ذلك في الدين » (45) .

و رواية القاسم بن سليمان: «قضى رسول الله صلى الله عليه و آله بشهادة رجل مع يمين الطالب في الدين وحده » (46) .

و رواية داود بن الحصين، و هي طويلة، و في آخرها: «و لا يجيز في الطلاق الا شاهدين عدلين » قلت: [فانى]ذكر الله تعالى قوله: «فرجل و امراتان » (47) ؟ قال: «ذلك في الدين، اذا لم يكن رجلان فرجل و امراتان، و رجل واحد و يمين المدعي اذا لم تكن امراتان، قضى بذلك رسول الله صلى الله عليه و آله و امير المؤمنين عليه السلام[بعده]عندكم » (48) .

و صحيحة الحلبي: «ان رسول الله صلى الله عليه و آله اجاز شهادة النساء مع يمين الطالب في الدين، يحلف بالله ان حقه لحق » (49) و قريبة منها مرسلته (50) .

و موثقة منصور: «اذا شهد لطالب الحق امراتان و يمينه فهو جائز» (51) ، و غير ذلك من الاخبار (52) .

ثم مقتضى الاصل الثابت بالقاعدة المذكورة-و اختصاص النصوص كلها بما يختص بحقوق الناس، لانها اما متضمنة للفظ: «صاحب الحق » او:

«الدين » او ما يخلو عن مثله، كصحيحتي حماد بن عيسى و البجلي، فوارد بلفظ: «قضى » و هو غير مفيد لعموم او اطلاق، لانه قضية في واقعة-اختصاص الثبوت بها بحقوق الناس دون حقوق الله، كما عليه الاجماع انعقد ايضا.

و تدل عليه صريحا صحيحة محمد المتقدمة، فلا ريب في ذلك الاختصاص اصلا.

و هل يختص من حقوق الناس بالاموال، كالقرض و الغصب، و ما يقصد منه المال، كعقود المعاوضات و القراض و الوصية و الجنايات الموجبة للديات و نحوها؟

قال في الكفاية: المعروف من مذهب الاصحاب انه لا يثبت بهما غير الاموال من حقوق الناس، فلا يثبت الطلاق و النسب و الوكالة و الوصية اليه و عيوب النساء (53) . انتهى.

و قيل: و لا يقضى بهما في غير المال و ما يقصد منه المال بلا خلاف.و قيل ايضا: ظاهر الاصحاب الاطباق على تقييده بالمال (54) .

انتهى.

و يظهر من الكفاية التردد في ذلك التخصيص، حيث قال: فان لم يثبت اجماع على التخصيص كان القول بالعموم غير بعيد (55) .انتهى.

و ذهب الشيخ في النهاية و الحلبي و ابن زهرة الى التخصيص من بين الاموال ايضا بالدين (56) ، و عن الاخير الاجماع عليه.

اقول: دليل التخصيص الاخير هو موثقة ابي بصير، و رواية القاسم بن سليمان، و رواية داود بن الحصين، المؤيدة بصحاح حماد بن عثمان و محمد و الحلبي.

و الايراد عليها بانه لا دلالة فيها الا على ان قضاءه بذلك كان في الدين، و لم يقض به في غيره، و هو اعم من عدم جواز القضاء به فيه، فقد يجوز و لكن لم يتفق له صلى الله عليه و آله.

ضعيف جدا، لان المتبادر من قوله في الموثقة: «كان يقضي بذلك و ذلك في الدين » و كذا قوله في الرواية: «وحده » ان تجويزه القضاء به كان مختصا به، مع ان رواية داود لم تتضمن القضاء اولا، بل هي صريحة في التخصيص.

و اما التخصيص الوسط فلا ارى في الادلة منه عينا و لا اثرا.

و قد يستدل له باخبار الاختصاص بالدين منضمة مع تتمة صحيحة البجلي المتقدم صدرها، المتضمنة لادعاء امير المؤمنين عليه السلام على عبد الله بن قفل التميمي عند شريح درع طلحة، حيث وجدها بيده، و قال: «انها اخذت غلولا» (57) فطلب شريح البينة، فشهد الحسن عليه السلام، فقال شريح:

هذا شاهد، و لا اقضي بشهادة شاهد حتى يكون معه آخر، و ساق الكلام الى ان قال: «فغضب علي عليه السلام و قال: خذوها» اي الدرع «فان هذا قضى بجور ثلاث مرات » ثم اخذ في عد تلك الثلاث، الى ان قال: «ثم اتيتك بالحسن فشهد، فقلت: هذا واحد، و لا اقضي بشهادة واحد حتى يكون معه آخر، و قد قضى رسول الله صلى الله عليه و آله بشهادة واحد و يمين » الحديث (58) .

فان الدرع كانت عينا موجودة لا دينا، فيعلم ان القضاء بذلك لا يختص بالدين المعهود، بل المراد من الدين مطلق المال، كما قد يحمل عليه كلام النهاية (59) ، و يشعر كلام بعض اللغويين الى انه مطلق الحقوق (60) .

و فيه: انه يمكن ان تكون تخطئته في قوله: «و لا اقضي بشهادة شاهد حتى يكون معه آخر» حيث اتى بالنفي للماهية الدال على العموم، بل هو الظاهر، حيث ذكر عليه السلام في مقام تعداد الخطا ذلك القول لا عدم حكمه في الواقعة بالشهادة و اليمين.

و يدل عليه ايضا استشهاده بقضاء رسول الله صلى الله عليه و آله مطلقا من غير بيان موضع قضائه.

ثم لو سلم ذلك، فمقتضى الجمع التخصيص بالدين و العين، و اما التعدي الى غيرهما من الحقوق المتعلقة بالاموال-كالرهن و المساقات و الاجارات و نحوها-فلا يكون عليه دليل.

و التمسك بعدم القول بالفصل في المقام ضعيف.

و اما حمل الدين على مطلق المال فهو مما تاباه اللغة و العرف و كلام الاصحاب طرا، حيث يقابلون الدين مع العين او مع المال.

و بالجملة: ان كانت دلالة الموثقة و الروايتين على الاختصاص بالدين تامة-كما هو كذلك-يجب القول بالتخصيص الاخير، لاخصيتهما من سائر الاخبار، و الا فالتخصيص الاول، و هو الاختصاص بحقوق الناس، لما عرفت.

و اما الوسط فلا وجه له اصلا.

نعم، ظاهر الحلي و الفاضل في المختلف دعوى الاجماع على كفاية الشاهد و اليمين في الاموال (61) ، و نفي جماعة-على ما قيل (62) -الخلاف فيه.

و لكن قد عرفت مرارا عدم حجية الاجماع المنقول و حكاية نفي الخلاف، سيما ان كلام الحلي ليس صريحا في الاجماع، فانه قال: و يحكم بالشاهد و اليمين في الاموال عندنا.و مثل ذلك ليس دعوى للاجماع، و مع ذلك مختص بالاموال، و شموله-لما يكون المقصود منه المال مطلقا، كالنكاح و الرهن و قتل الخطاء و نحوهما مما ذكروه-ليس بظاهر.

و كذا كلام المختلف، فانه ذكر الدين و العين مع عدم صراحته ايضا في دعواه، لانه قال: المال سواء كان دينا-كالقرض-او عينا يثبت بشاهد و امراتين اجماعا، و كذا بشاهد و يمين، فان قوله: «و كذا» يمكن ان يكون اشارة الى نفس الثبوت لا الثبوت مع الاجماع.

هذا، مع معارضتهما بدعوى اجماع ابن زهرة على الاختصاص بالدين (63) ، و ظهور مخالفة طائفة من فحول القدماء (64) .

و مع ذلك كيف تسمع دعوى نفي الخلاف؟ ! و مع ان اكثر ما ذكروه من دعوى نفي الخلاف او المعروفية من مذهب الاصحاب و نحوهما انما هو على عدم ثبوت غير الاموال بالشاهد و اليمين، كما مر من عبارة الكفاية (65) .

و قد يستدل لتخصيص الوسط برواية عامية رواها ابن عباس: ان النبي صلى الله عليه و آله قال: «استشرت جبرئيل في القضاء باليمين مع الشاهد فاشار بذلك في الاموال لا تعدو ذلك » .

و هي رواية ضعيفة لا تصلح للاستناد و ان قلنا بموافقتها للشهرة، لانها لا تجبر الروايات العامية، مع انها عامة يجب تخصيصها بما يدل على الاختصاص بالدين، و هو اولى من جعل الحصر في روايات الدين اضافيا قطعا.

هذا، مع ما في التخصيص الوسط من الاجمال و الاختلاف في بيان المطلوب الذي لا يكاد يبين بيانا مستندا الى دليل، فان منهم من عبر بالاموال (66) ، و منهم من قال: العين و الدين (67) ، و قال القاضي: المال و ما كان و صلة اليه (68) ، و قال الحلي (69) و اكثر المتاخرين (70) : المال، او ما يقصد منه المال.

ثم اختلفوا في المراد مما يقصد منه المال او يكون و صلة اليه، انه هل ما كان كذلك باصل الشرع، او كان الغرض من الدعوى ذلك، او كان يستتبع المال، او كان الغرض من فعله المال؟

و ذكروا امثلة لا ينطبق بعضها على بعض، فذكروا منها: الجنايات الخطائية، مع انه ليس المقصود من فعله او الغرض من وضعه مال، بل قد لا يكون الغرض من الدعوى ايضا ذلك، بل يتصور المدعي جواز القصاص.

و ذكروا لما ليس مما يقصد منه المال: الوكالة و الوصاية و النسب، مع ان دعوى الوكالة كثيرا ما تكون بقصد المال، كاخذ حق الوكالة، او تصحيح عمل الوكيل في المال لياخذه، او افساده، كالبيع.

و دعوى الوصاية قد (71) تكون لاخذ حق السعي، و قد تكون لتصحيح بيع الوصي.

و دعوى النسب قد تكون لاخذ الميراث او النفقة و غير ذلك.

و لاجل ما ذكرنا من اجمال المراد و اختلافهم في تاديته قد وقعت للقائلين بهذا القول من فقهائنا الاطياب-من المتقدمين و المتاخرين في ابواب الاختلاف في دعوى العقود و الايقاعات من الوقف و النكاح و الطلاق و الخلع و العتق و التدبير و المكاتبة و السرقة و غيرها-اختلافات شديدة بينهم، بل بين كتب فقيه واحد، بل بين مباحث كتاب واحد، بحيث لا يكاد ينضبط و لا يرتفع، و ليس ذلك الا لعدم استناد تعيين الموضوع الى مستند شرعي مضبوط.

فهذا القول مما لا ينبغي الركون اليه و السكون لديه، بل اما يعمم الثبوت-كما في حقوق الناس، كما يميل اليه في الكفاية (72) ، ان لم تتم ادلة التخصيص بالدين، اما سندا او دلالة-او يخصص بالدين ان قلنا بتمامية ادلتها، كما هو كذلك، لانها من الروايات المعتبرة، مع ان واحدة منها موثقة، و هي في نفسها عندهم حجة، و باخبار صحيحة اخرى معتضدة، و دلالتها واضحة جدا.

فالحق: اختصاص الثبوت بالشاهد الواحد و يمين المدعي بالدين لا غير.

فروع:

ا: المراد بالدين الذي يثبت بشاهد و يمين: كل حق مالي للغير، متعلق بذمة الآخر، باي سبب تعلق بالذمة، فيشمل ما استقرضه، و ثمن المبيع، و مال الاجارة، و المهر، و دية الجنايات، و المغصوب، و المسروق، و النفقة، و الموصى به، و المضمون له، و المحول اليه، و غير ذلك.

و المراد بكون الدعوى دينا: ان يكون هو المقصود من الدعوى، و يكون ماخوذا فيه، و يكون هو المدعى به بالذات و المطلوب من الخصم و ان تعلقت الدعوى او الانكار بالسبب، فلو تلفت منه مائة دينار لاجل شراء ملكه و هو انكر الشراء يكون دعوى الدين، و كذا لو ادعى مائة دينار لاجل الجناية او السرقة او الاجارة و نحوها، لصدق دعوى الدين في الكل.

بخلاف ما لو ادعى نفس السبب من دون مطالبة ما يترتب عليه، فانه لا تصدق عليه دعوى الدين.

و لذا لو ادعت امراة على رجل مائة دينار من جهة الصداق، فبذل المائة، يسقط تسلطها عليه.

بخلاف ما لو ادعي النكاح الذي جعل الصداق فيه مائة، الا اذا كان اثر السبب (و المطلوب) (73) منه منحصرا في ذلك الدين، فانه لو ادعى احد وصية مائة دينار يكون دعوى الدين، اذ لا يقصد من دعواها الا المائة دينار، اي لا يتبادر من دعواها الا طلب ذلك.

ب: قالوا: يشترط شهادة الشاهد اولا و ثبوت عدالته ثم اليمين، و لو بدا باليمين وقعت لاغية، و افتقر الى اعادتها بعد الاقامة، و لم يظهر في ذلك مخالف، بل نسبه في المفاتيح الينا (74) ، و نفى عنه الخلاف في شرحه، و استدل له بتعليل ضعيف غايته.

و قد يستدل ايضا بان هذا حكم مخالف للاصل، فيقتصر في ثبوت الحق به على موضع اليقين، و هو ما اذا تاخر اليمين.

و فيه: ان هذا انما يتم لو لا اطلاقات طائفة من النصوص بالثبوت بذلك، فان اكثرها و ان كان خاليا عن الاطلاق-لتضمنه الاخبار عن حكم النبي و الولي، فهو اخبار عن واقعة، و مثله لا اطلاق فيه-الا ان صحيحة محمد الاولى و صحيحة منصور الاخيرة و رواية داود (75) مطلقة..و نفي اطلاقها-لكونها واردة في بيان حكم آخر غير ما نحن فيه، و لان المتبادر منها تقديم اليمين-ضعيف، لعدم منافاة الورود مورد حكم آخر للاطلاق، و لظهور منع التبادر، و لذا تامل طائفة في ذلك الحكم، كصاحبي الكفاية و المفاتيح (76) .

و اختار شارح المفاتيح عدم اشتراط الترتيب، و هو الاقوى.

ج: لا تثبت دعوى جماعة مع شاهد الا مع حلف كل منهم، فلو حلف بعضهم دون بعض ثبت نصيب الحالف فقط، للاصل، فان الاصل عدم ثبوت نصيب الغير، و لم تكن للممتنع معه شركة فيما يثبت، لان الحلف جزء سبب الاستحقاق، و هو يختص باحدهما، فيمكن ابراء شريكه او استيفاؤه.

و ذلك بخلاف ما اذا ادعى احد الشريكين بسبب مشترك فاقر الغريم، فان ما اقر به للمدعي يشترك فيه الآخر ايضا، لان نسبة الاقرار اليهما على السواء، و كذا البينة، فما ياخذه احد الجماعة من نصيبه بسبب الحلف لا يشترك معه غيره ممن لم يحلف، و ما ياخذه بسبب الاقرار او البينة يشترك معه فيه الباقون، كذا قالوا.

اقول: ما ذكروه من اختصاص ما اخذه الحالف به و عدم اشتراك غيره معه انما هو فيما اذا كان المدعى به دينا او عينا و اخذ ما اخذ منها مشاعا، اي اشترك مع الغريم فيها بالاشاعة بقدر نصيبه.

اما لو كان المدعى به عينا و اخذ نصيبه منها مفروزا فلا بد من القول بكونه مشتركا بينه و بين باقي الشركاء..

مثلا: اذا ادعى اخوان على زيد حنطة معينة مشاهدة بانها من مال مورثنا، و اقاما شاهدا واحدا، و حلف احدهما دون الآخر، و اخذ الحالف نصف تلك الحنطة، يجب ان يكون مشتركا بين الاخوين..

و كذا اذا ادعيا ارضا معينة و اخذ الحالف نصفها المعين بان يقسم مع الغريم، فلا بد من الشركة.

لا لاجل الحلف، حتى يرد انه لا يثبت بالحلف مال الغير.

بل لاجل اعترافه بانه مال المورث، و هو ماخوذ به، كيف و لو ادعاه لنفسه و اخذه بالشاهد و اليمين او اليمين المردودة، ثم اقر بانه مال عمرو، يتسلط عمرو على اخذه منه، فاثر الحلف رفع مانع تصرفه، و حكم ظاهر الشرع باستحقاقه القبض و الشركة اثر الاقرار.

و لعل مراد القوم من نفي الاشتراك ايضا في غير تلك الصورة.

فان قيل: يلزم مثل ذلك في نصيبه من الدين الماخوذ بالحلف و العين الماخوذة بالاشاعة كذلك ايضا، لما ذكر.

قلنا: لا يلزم ذلك اصلا، لان المقر به في الدين ليس الا اشتغال ذمة الغريم بحصته و بحصة الشركاء، و لا يثبت بذلك شي ء اصلا، و يثبت بالشاهد و اليمين اشتغال ذمته بحصة الحالف، اي بامر كلي يساوي حصته من الدين، و هذا الكلي ليس جزءا من الكلي الاول، لعدم تعيينه، بل يساوي بعضه، و تعين ذلك الكلي المحكوم عليه له باقباض الغريم و قبض الحالف، و لا اعتراف من الحالف على شركة الشريك فيه، و انما اعترافه في امر كلي ثابت في الذمة، و لم يقصد الغريم انه يعطيه من باب ذلك الكلي، لعدم اعترافه بثبوته عليه، و لو قصد ايضا لم يفد، فهذا الشخص الخارجي لا دليل على شركة الشركاء فيه اصلا، و اين الاعتراف باستحقاق الشريك شيئا في ذمة الغريم عن الاعتراف بشركته في ذلك الشي ء المعين؟ !

فان قيل: فعلى هذا يلزم عدم شركة الشريك فيما يقبضه الآخر من الدين المشترك الذي يقر به الغريم، او يثبت بالبينة ايضا-كما حكي عن الحلي في باب الشركة من السرائر (77) ، و ان وافق القوم في باب الدين و الصلح (78) -لان شركة الشريك في امر انتزاعي كلي ثابت في الذمة، و لا يلزم من ذلك شركته فيما اعطاه الغريم لاحدهما و يقصده، و هو ايضا قبضه لنفسه.

نعم، لو اقبضه الغريم لهما معا تمت شركتهما، حيث ان التعيين بيد الغريم.

و القول بان قصد الغريم انما يعتبر و يؤثر في تعيين قدر الدين من ماله و افرازه عن سائر ما بيده، لا في تعيين الشركاء في الدين، و انما هو بيد الشريك، فيما عينه الغريم يصير للدين بقصده، و يكون مراعى في حق الديان حتى يعينوا المستحق..

فاسد جدا، لانه ان اريد ان التعيين بيد جميع الشركاء من القابض و غيره فهم لا يقولون به، بل يقولون بشركة الشريك الآخر و لو لم يرض القابض.

و ان اريد ان التعيين بيد غير القابض فهو ايضا ليس كذلك.

و ان اريد ان للجميع التعيين بقدر الحصة فهو امر لا دليل عليه و لا سبيل، و ايضا يلزم انه لو كانت عليه ديونا متعددة لديان عديدة من غير شركة يشترك الباقون فيما قبضه احد الديان لنفسه بقصده و قصد الغريم ايضا، و هو مما لا يقول به احد.

و اي فرق بين الديون المتعددة لديان متعددة و بين دين واحد لديان؟ ! فان التفرقة انما هي قبل التعلق بالذمة، و اما بعده فالمتعلق بالذمة امر كلي متخصص بحصص متعددة في الصورتين.

و بالجملة: جعل الدين في احدى الصورتين كليا واحدا مشتركا و في الاخرى كليات متعددة غير مشتركة ليس الا محض التصوير و الاعتبار، و الا فالدين و ما في الذمة فيهما مائة درهم-مثلا-لشخصين، و ليس اناطة تعيين المستحق بيد الشريك في بعض الصور مستندا الى دليل فقهي شرعي.

قلنا: نعم، يلزم ما ذكر، و هو الموافق للاصل، الا ان الدليل الشرعي اوجب الشركة في الدين المشترك، و هو المستفيضة من الاخبار المعتبرة، كصحيحة سليمان بن خالد (79) ، و موثقة غياث بن ابراهيم (80) ، و روايتي ابن سنان (81) و ابن حمزة (82) ، و غيرها (83) ، المؤيدة بالشهرة العظيمة، و لولاها لكنا نقول في الدين المشترك الثابت بالاقرار او البينة ايضا باختصاص القابض بما قبضه، و لكن الدليل اوجب القول بالتشريك، بمعنى: ان الشريك الآخر له المطالبة و ان كانت له الاجازة في الاختصاص ايضا، و لذلك يقتصر فيه على موضع الدليل.

و بذلك تندفع بعض الايرادات الواردة في المسالة و الاشكالات الموردة فيها.

و لتحقيق هذه المسالة موضع آخر تذكر فيه.

د: لو ادعى قيم المولى عليه من الطفل و المجنون و الغائب، و اقام شاهدا واحدا، لا يحلف المدعي، لاختصاص اليمين بصاحب الحق، بل توقف الدعوى-مع عدم مصلحة في طيها بيمين الغريم او الصلح او غيرهما-الى رفع الحجر عن صاحب الحق، فان حلف اخذ، و الا سقط.

و لو كان المدعي وصيا على الثلث-مثلا-لا يحلف، بل تسقط دعواه، لاصالة عدم ثبوتها..و لو حلف سائر الورثة كلا او بعضا ياخذون نصيبهم و لا يخرج منه الثلث، لان الحلف اثبت حصته خاصة.

ه: لو اقام المدعي شاهدا واحدا، ثم رضى بيمين المنكر، كان له ذلك، للاصل..و يستحلفه، فان حلف قبل عوده سقطت الدعوى، و ان عاد قبل حلفه و اراد بذل الحلف قال في التحرير: احتمل اجابته الى ذلك و عدمها (84) .

اقول: بل تتعين الاجابة، للاصل، و عدم مشروعية اليمين بدون طلب المدعي، و قياسها على اليمين المردودة-كما ذكره الشيخ (85) -غير صحيح، للفارق.

و قال في التحرير: لا تقبل في الاموال شهادة امراتين و يمين المدعي (86) .

اقول: صحيحتا الحلبي و منصور (87) تدلان على القبول.

تعليقات:

1) الكفاية: 268.

2) المفاتيح 3: 258.

3) كالرياض 2: 401.

4) المسالك 2: 369 و 370، الروضة 3: 104.

5) الكافي 7: 415-1، الفقيه 3: 38-128، التهذيب 6: 229-555، الوسائل 27: 236 ابواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 4 ح 1، بتفاوت يسير.

6) الكافي 7: 394-3، الفقيه 3: 43-147، التهذيب 6: 247-626، الوسائل 27: 371 ابواب الشهادات ب 28 ح 1، و في غير الفقيه من المصادر لا توجد لفظة «بدين » .

7) المسالك 2: 370، الكفاية: 268.

8) كمفاتح الكرامة 10: 93، و الرياض 2: 401.

9) القواعد 2: 210، التحرير 2: 187.

10) التهذيب 6: 296-827، الوسائل 27: 294 ابواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 26 ح 1.

11) الشرائع 4: 85.

12) كالشهيد الثاني في الروضة 3: 105، و المسالك 2: 370، و الفاضل السبزواري في الكفاية: 269، و صاحب الرياض 2: 401.

13) القواعد 2: 210، المسالك 2: 370، التنقيح 4: 256.

14) الكفاية: 268.

15) انظر الرياض 2: 401.

16) المسالك 2: 370، الكفاية: 269.

17) قاله في غنائم الايام: 687.

18) المحقق القمي في غنائم الايام: 687.

19) الكافي 7: 41-2، الفقيه 4: 170-594، التهذيب 9: 159-656، الاستبصار4: 111-426، الوسائل 19: 291 ابواب احكام الوصايا ب 16 ح 1 و ج 23: 183 ابواب الاقرار ب 1 ح 1، بتفاوت يسير.

20) الكافي 7: 42-5، التهذيب 9: 160-660، الاستبصار 4: 112-430، الوسائل 19: 292 ابواب احكام الوصايا ب 16 ح 4.

21) الكافي 7: 58-5، الفقيه 4: 174-610، التهذيب 9: 162-666، الوسائل 23: 183 ابواب الاقرار ب 2 ح 1.

22) التهذيب 9: 161-664، الاستبصار 4: 113-433، الوسائل 19: 294ابواب احكام الوصايا ب 16 ح 10.

23) انظر الوسائل 19: 291 ابواب احكام الوصايا ب 16.

24) غنائم الايام: 687.

25) غنائم الايام: 687.

26) المتقدمة في ص: 252 و 253.

27) الكافي 7: 67-2، الفقيه 4: 161-564، التهذيب 9: 239-928، الوسائل

19: 421 ابواب احكام الوصايا ب 88 ح 1، بتفاوت يسير.

28) النساء: 6.

29) الكافي 5: 130-3، التهذيب 6: 340-950، الوسائل 17: 250 ابواب ما يكتسب به ب 72 ح 1.

30) التهذيب 9: 244-949.

31) ليست في «ق » .

32) في «ح » : الاحتمال....

33) التحرير 2: 187.

34) المتقدمة في ص: 251 و 253.

35) الكفاية: 272.

36) منهم الحلي في السرائر 2: 140، الشهيد الثاني في المسالك 2: 375، صاحب الرياض 2: 406.

37) الكافي 7: 385-4، التهذيب 6: 272-741، الاستبصار 3: 33-113، الوسائل 27: 264 ابواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 14 ح 2.

38) التهذيب 6: 273-743، الاستبصار 3: 33-114، الوسائل 27: 267 ابواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 14 ح 8.

39) الكافي 7: 385-2، التهذيب 6: 275-748، الاستبصار 3: 33-112، الوسائل 27: 265 ابواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 14 ح 4.

40) الفقيه 3: 33-103، الوسائل 27: 269 ابواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 14 ح 14، و فيه: بتفاوت يسير.

41) الكافي 7: 385-5، التهذيب 6: 273-747، الاستبصار 3: 34-117 و فيه: دخل الحكم بن عيينة، الوسائل 27: 265 ابواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 14 ح 6.

42) الفقيه 3: 33-104، التهذيب 6: 273-746، الاستبصار 3: 33-116، الوسائل 27: 268 ابواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 14 ح 12، بتفاوت.

43) الكافي 7: 385-1، التهذيب 6: 275-749، الاستبصار 3: 33-111، الوسائل 27: 265 ابواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 14 ح 3.

44) الكافي 7: 386-8، التهذيب 6: 272-740، الاستبصار 3: 32-108، الوسائل 27: 264 ابواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 14 ح 1، بتفاوت يسير.

45) الكافي 7: 385-3، التهذيب 6: 272-742، الاستبصار 3: 32-109، الوسائل 27: 265 ابواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 14 ح 5.

46) التهذيب 6: 273-745، الاستبصار 3: 32-110، الوسائل 27: 268 ابواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 14 ح 10.

47) البقرة: 282.

48) التهذيب 6: 281-774، الاستبصار 3: 26-81، الوسائل 27: 360 ابواب الشهادات ب 24 ح 35، و في «ح » و «ق » : قلت: فان.....و امير المؤمنين عليهم السلام عندكم، و ما اثبتناه من المصادر.

49) الكافي 7: 386-7، الفقيه 3: 33-106، التهذيب 6: 272-739، الاستبصار 3: 32-107، الوسائل 27: 271 ابواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 15 ح 3.

50) الكافي 7: 390-2، التهذيب 6: 269-723، الاستبصار 3: 29-95، الوسائل 27: 351 ابواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 24 ح 2.

51) الفقيه 3: 33-105، الوسائل 27: 271 ابواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 15 ح 1.

52) انظر الوسائل 27: 364 ابواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 14، و ص 271ب 15، و ص 350 ابواب الشهادات ب 24.

53) الكفاية: 272.

54) انظر الرياض 2: 406-407.

55) الكفاية: 272.

56) النهاية: 334، الحلبي في الكافي في الفقه: 438، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية) : 624.

57) غلولا: اي سرقة من الغنيمة قبل القسمة-مجمع البحرين 5: 436.

58) الكافي 7: 385-5، التهذيب 6: 273-747، الاستبصار 3: 34-117، الوسائل 27: 265 ابواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 14 ح 6.

59) حمله عليه في المختلف: 725.

60) مجمع البحرين 6: 253.

61) الحلي في السرائر 2: 116، المختلف: 716.

62) الكفاية: 285، الرياض 2: 406.

63) الغنية (الجوامع الفقهية) : 624.

64) كالطوسي في النهاية: 334.

65) الكفاية: 272.

66) كالشهيد الثاني في المسالك 2: 376.

67) كالحلي في السرائر 2: 116.

68) المهذب 2: 562.

69) السرائر 2: 140.

70) كالمحقق في الشرائع 4: 92، و العلامة في المختلف: 716، و الشهيد الثاني في الروضة 3: 142.

71) في «ح » زيادة: لا.

72) الكفاية: 272.

73) في «ق » : فيه المطلوب.

74) المفاتيح 3: 264.

75) المتقدمة جميعا في ص: 266 و 267 و 268.

76) الكفاية: 272، المفاتيح 3: 264.

77) السرائر 2: 402.

78) السرائر 2: 45، 68.

79) الفقيه 3: 23-60، التهذيب 6: 207-477، الوسائل 18: 370 ابواب الدين و القرض ب 29 ح 1.

80) الفقيه 3: 55-190، التهذيب 6: 195-430، الوسائل 18: 435 ابواب احكام الضمان ب 13 ح 1.

81) التهذيب 7: 186-821، الوسائل 19: 12 ابواب احكام الشركة ب 6 ح 2.

82) التهذيب 7: 185-818، الوسائل 19: 12 ابواب احكام الشركة ب 6 ح 1.

83) انظر الوسائل 19: 12 ابواب احكام الشركة ب 6.

84) التحرير 2: 194.

85) المبسوط 8: 190.

86) التحرير 2: 193.

87) المتقدمتان في ص: 267 و 268.