البحث الثالث: في السكوت
فان سكت المدعى عليه بعد طلب الجواب عنه، فان كان لدهشة ازالها الحاكم بالرفق
و الامهال. و ان كان لغباوة و سوء فهم توسل الى ازالته بالتعريف و البيان. و ان كان لآفة من صمم او خرس توسل الى معرفة جوابه بالاشارة المفهمة للمطلوب
باليقين (1) . و ان كان لعدم فهم اللغة توسل الى افهامه الى مترجمين عدلين، و كذا لو
احتاج الحاكم الى فهم جوابه..و لا يكفي واحد، لاصالة عدم حجية قوله، فيقتصر في
محل الحاجة الى المجمع عليه. و ان كان سكوته تعنتا و لجاجا الزمه الجواب اولا باللطف و الرفق، ثم الغلظة
و الشدة، متدرجا من الادنى الى الاعلى، على حسب مراتب الامر بالمعروف و النهي
عن المنكر..فان اجاب و الا حبسه (حتى يجيب) (2) ان ساله المدعي الى ان يجيب او
يعفو الخصم، او يموت، عند المفيد و الشيخ في النهاية و المختلف و الديلمي و ابن حمزة (3) ،
و كافة المتاخرين كما في المسالك و الكفاية (4) . و استدل عليه تارة بما ذكره في الشرائع و التحرير من ان به رواية (5) ، و هي و ان
كانت مرسلة الا انها منجبرة بما ذكر. و اخرى: بحديث: «لي الواجد يحل عقوبته » (6) حيث انه واجد للجواب و يماطل فيه، بناء
على تفسيرهم العقوبة بالحبس خاصة. و ثالثة: بما مر من حبس الامير الغريم باللي و المطل (7) . و قيل: يجبر حتى يجيب بالضرب و الاهانة (8) .و لعله لاطلاق العقوبة، بناء على عدم
ثبوت التفسير المذكور، و لانه طريق الامر بالمعروف و النهي عن المنكر. و عن المبسوط و السرائر (9) و بعض المتاخرين (10) : ان الحاكم يقول له ثلاثا: ان
اجبت و الا جعلتك ناكلا، و في المبسوط: انه قضية المذهب. و استدل له بان السكوت اما هو النكول او هو اقوى، لان الناكل منكر غير حالف و لا
راد، و هذا اما مقر او منكر كذلك. و ادلة الكل مدخولة: اما ادلة الاول، فلان ضعف الرواية و ان انجبر بما مر الا ان متنها ليس معلوما،
حتى في دلالته ينظر، و مثل ذلك ليس عند الاصحاب بمعتبر. و تفسير العقوبة بخصوص الحبس غير ثابت.و حبس الامير لا يفيد التخصيص، مع ان كونه
في مثل المورد غير معلوم، و صدق الواجد على مثل ذلك غير ظاهر. و منه يظهر ضعف دليل الثاني ايضا. و اما ادلة الثالث فلمنع كونه نكولا، مع انه ما ورد لفظ النكول في الروايات.ثم
منع كونه اما مقرا او منكرا، فقد يكون ادى الحق و لم يكن منكرا يلزمه اليمين، و لا
مقرا يلزمه الحق، فيسكت عن الانكار لعدم صحته، و عن الاقرار لالزامه بالمقر به
مع عدم البينة على ادائه، و عدم تقصيره في فقد البينة حتى يرد: انه ادخل الضرر على
نفسه، لامكان موت الشهود..و امكان التورية منه لا يفيد، اذ قد لا يعلم شرعيتها، او لا
يهتدي الى طريقها. نعم، يمكن ان يستدل للقول الاخير بما ذكره بعضهم من جريان ادلة النكول فيه،
كقوله في رواية البصري-على طريق الفقيه-المتقدمة: «فيمين المدعى عليه، فان حلف فلا حق له » ، فانه لا شك في صدق المدعى عليه عليه،
فيدل بالمفهوم على انه ان لم يحلف فللمدعي حق عليه. و اظهر منه منطوق قوله: «فان لم يحلف فعليه » في هذه الرواية على طريقي الكافي و
التهذيب. و للثاني: بقوله في آخرها على الطرق الثلاثة: «و لو كان حيا لالزم باليمين، او
الحق، او يرد اليمين عليه » (11) ، حيث انه امر بالالزام باحد الامرين، و لا يتحقق
الالزام الا بالامر اولا، ثم الايذاء، ثم الضرب و هكذا. و للاول: بان الالزام ليس مطلقا، بل مجمل، فيقتصر فيه على المتيقن، و هو الحبس.
و يمكن الجواب عن الاستدلالين الاخيرين باخصية الصدر عن الذيل، لمكان قوله:
«فان لم يحلف » ، فيجب تخصيص الذيل به، و يلزمه التخيير في مبدا الامر بين احد
الثلاثة، فاذا لم يحلف و لم يرد-كما في المورد-يبقى الالزام بالحق كما هو
القول الاخير، و لعله الاقوى، فتامل. تعليقات: 1) في «ق » : بالتعين.... 2) كذا، و الانسب بالسياق حذفه. 3) المفيد في المقنعة: 725، النهاية: 342، المختلف: 691، الديلمي في المراسم: 231، ابن
حمزة في الوسيلة: 217. 4) المسالك 2: 370، الكفاية: 269. 5) الشرائع 4: 86، التحرير 2: 187. 6) مجالس الشيخ: 532، الوسائل 18: 333 ابواب الدين و القرض ب 8 ح 4، بتفاوت. 7) في ص: 176. 8) حكاه في كشف اللثام 2: 338 و فيه: و لم نعرف القائل. 9) المبسوط 8: 160، السرائر 2: 163. 10) حكاه عنه في الرياض 2: 401. 11) الفقيه 3: 38-128، بتفاوت يسير.