البحث الرابع: فيما اذا اجاب المدعى عليه بقوله: لا ادري، او هذا ليس لي، او لفلان، و نحوه، ليصرف الدعوى عن نفسه
و فيه مسالتان:
المسالة الاولى:
اذا اجاب المدعى عليه بنحو قوله: لا ادري ، فقال صاحب الكفاية و قبله الاردبيلي:
ان مقتضى ظاهر كلامهم انه لم يكف حلف المنكر على نفي العلم، و انه لا يجوز حينئذ
الحلف بنفي الاستحقاق لعدم علمه، بل لا بد من رد اليمين، و ان لم يرد يقضى عليه
بالنكول مطلقا، او بعد رد اليمين على المدعي (1) . و قال بعض المعاصرين-بعد نقله عنهما-: و لم يحضرني ذكر ذلك في كلام غيرهما (2) . اقول: التحقيق: انه ان ادعى المدعي العلم عليه علما او ظنا-بل او احتمالا-فله حلفه
على نفي العلم، كما صرح به بعض مشايخنا المعاصرين ايضا (3) ، لانه دعوى صحيحة
مستلزمة-بعد تحقق المدعى به بالنكول-ثبوت الحق له، فيدخل في عموم اليمين على من
انكر..و بعد الحلف يسقط اصل الدعوى، لا لما ذكره ايضا من تركب الدعوى من
امرين-فاذا سقط جزؤه سقط الكل، كما ذكروه في الحلف على نفي العلم بفعل المورث-بل
لان بعد ثبوت انتفاء علمه بالحلف لا تسلط له عليه بدون البينة، كما ياتي. نعم، لو اقام بعد ذلك بينة تقبل، لان الحلف كان على نفي العلم، و لازمه عدم سماع بينة
العلم. و ان لم يدع عليه العلم و لا بينة له فلا تسلط له عليه اصلا بمطالبة الحق، للاصل
الخالي عن المعارض بالمرة..و لا بالحلف، للادلة المصرحة بان الحلف على البت كما
ياتي. فلو لم تكن بينة له سقطت دعواه، بمعنى: عدم ترتب اثر عليها في حقه، اذ لم يثبت
من الشارع في حق المدعي سوى البينة او التحليف، و هما منفيان في المقام قطعا، و
الاصل عدم تحقق مقتضى الدعوى، فيحكم به. و تدل عليه موثقة سماعة: عن رجل تزوج امة او تمتع بها فحدثه ثقة او غير ثقة، فقال:
ان هذه امراتي و ليست لي بينة، قال: «ان كان ثقة فلا يقربها، و ان كان غير ثقة فلا
يقبل[منه]» (4) . و حسنة عبد العزيز: ان اخي مات و تزوجت امراته، فجاء عمي فادعى انه كان تزوجها
سرا، فسالتها عن ذلك فانكرت اشد الانكار و قالت: ما كان بيني و بينه شي ء قط، فقال: «يلزمك اقرارها و يلزمه انكارها» (5) . و رواية يونس: عن رجل تزوج امراة في بلد من البلدان، فسالها: الك زوج؟ فقالت: لا، فتزوجها، ثم ان رجلا اتاه فقال: هي امراتي، فانكرت
المراة ذلك، ما يلزم الزوج؟ فقال: «هي امراته، الا ان يقيم البينة » (6) . دلت هذه الروايات على عدم قبول مدعي الزوجية في سقوط حق الزوج الثاني، مع ان
الثاني غير عالم به، كما يدل عليه الفرق بين الثقة و غيره في الاولى، و سؤاله عن
حالها في الثانيتين، و انه لا حلف عليه. و اما قوله في الاولى: «ان كان ثقة فلا يقربها» فلكونها جملة محتملة للاخبارية لا
يفيد ازيد من الكراهة، و لذا خصه بالمقاربة دون سائر الامور، و لم يحكم بزوجية الاول
بمجرده. و اختصاص الروايات بدعوى الزوجية غير ضائر، لعدم القول بالفصل بين الحقوق. و ما نقل عن بعضهم في هذه المسالة-من انه يحلف على نفي العلم (7) ، و احتمله
الاردبيلي و نفى عنه البعد في الكفاية (8) -فمرجعه الى ما ذكرنا، اذ ظاهر ان هذا
الحلف انما هو اذا جوز المدعي علمه حتى تتحقق دعواه و لو احتمالا..اما لو
اعترف بعدم علمه فلا معنى ليمين نفي العلم. و اما ما قيل من احتمال ان يقال برد الحاكم او المدعى عليه الحلف الى المدعي (9)
فلا وجه له، لانه امر مخالف للاصل، محتاج الى التوقيف، و لا توقيف. و لا يتوهم عموم بعض روايات اليمين، مثل قولهم: «احكام المسلمين على ثلاثة:
شهادة عادلة، او يمين قاطعة، او سنة ماضية » (10) و قولهم: «اقض بينهم بالبينات، و اضفهم
الى اسمي » (11) ، لانها بين مجملة و معينة لكون اليمين على المدعى عليه، و المبين
حاكم على المجمل، سيما مع التصريح في صحيحتي العجلي و ابي بصير و روايته،
المتقدمة جميعا في مقدمة المقام الثاني من البحث الثاني (12) . و كذا لا يتوهم دلالة اطلاقات رد اليمين، لان الرد انما يكون مع تعلق اليمين
بالمدعى عليه، فاذا لم يتعلق لا يكون رد، مع انه لا اطلاق فيها يشمل المورد. و القول-بانه لولاه[للزم] (13) عدم سماع دعوى مسموعة بلا جهة- واه جدا، لان طلب
الجواب من المدعى عليه ثم طلب البينة من المدعي و تحليفه على نفي العلم لو ادعاه
عين سماعها. نعم، يلزم عدم ثبوت تسلط للمدعي في بعض الصور-و ما الضرر فيه؟ ! -كما في مورد
الروايات الثلاث، الذي لا خلاف فيه ايضا ظاهرا، و كما فيما اذا كان المدعى
عليه وارثا، بل هو من افراد موضوع المسالة، غاية الامر صيرورة دعواه لاغية،
فليكن كذلك، و ما الضرر فيه بعد كونها مخالفة للاصل؟ ! و القول بان الاصل عدم انقطاع الدعوى المسموعة بلا بينة و لا يمين: مردود بان الاصل ايضا عدم توجه اليمين على المدعي، مع ان اصالة عدم الاشتغال
و عدم وجود دليل شرعي على الحكم به دليل على الانقطاع، مزيل للاصل. و لا يتوهم انه يمكن الزام المدعى عليه بلا يمين مردودة ايضا لعدم المعارض
لقول المدعي، لان الاصل من اقوى المعارضات، و من اين ثبتت حجية قول المدعي
الجالب للنفع لدفع الاصل الثابت من الشرع؟ ! فان قيل: بوجوب حمل افعال المسلم و اقواله على الصحة و الصدق. قلنا: من اين ثبت ذلك؟ ! سيما اذا كان قوله مخالفا للاصل مثبتا للحق على الغير،
و لم نعثر الى الآن على دليل تام على ذلك، كما بيناه في كتابي عوائد الايام و
مناهج الاحكام. سلمنا، فغاية ما نسلمه انه لا يكذب في ادعاء علمه، و لكن من اين تثبت حجية علمه
علينا؟ ! فان قيل: ورد في رواية البصري المتقدمة: «و لو كان حيا لالزم اليمين، او الحق، او
يرد اليمين عليه » (14) دلت على انه لو كان حيا لتعلق به احد الثلاثة، و لما لم يكن
اليمين او رده هنا فتعين الالزام بالحق. قلنا: يجب اما تخصيص الحي بالعالم، او تخصيص الالزام و الرد به، و لا مرجح، فيحصل
الاجمال المسقط للاستدلال..و الله الموفق في كل حال. و اما ما احتمله في الكفاية من كون عدم العلم بثبوت الحق كافيا في الحلف على
عدم الاستحقاق، لان وجوب ايفاء حقه انما يكون عند العلم به (15) .. ففاسد، لان المدعي اما يحتمل علمه او لا، فان احتمله فله حلفه على نفيه، و ان لم
يحتمله فهو على ما ذكره معترف بعدم الاستحقاق ايضا، فكيف يحلفه؟ ! ثم بما اخترناه صرح به بعض معاصرينا، حيث قال ما ملخصه: انه ان ادعى المدعى
عليه العلم فلا اشكال في جواز الحلف على نفي العلم، و به تسقط الدعوى، و ان لم يدع
عليه العلم فمقتضى الاصل و الاخبار انه لا يتوجه عليه شي ء اصلا، اذ الاصل براءة
ذمته، و لم ينكر شيئا مما يدعيه المدعي حتى يصدق عليه المنكر، مع انها غير ممكنة حينئذ،
فلا يكفي صدق المدعى عليه عليه ايضا، و لا يجب عليه رد اليمين، بل الظاهر ان
الحاكم ايضا لا يرده، اذ لا معنى لرد اليمين الا بعد ثبوته على المدعى عليه، و لا
يثبت شي ء باليمين على المدعى عليه حينئذ، فلا يجوز للمدعي ايضا الحلف حينئذ، و لا
يثبت به شي ء لو حلف (16) .انتهى. هذا اذا كانت الدعوى على الدين و ما في الذمة.
و اما اذا تعلقت بالاعيان الخارجية فهو على قسمين:
احدهما: ان تكون العين في يد المدعى عليه ، لاجل انتقالها اليه من متصرف لها
غير ثابت اعترافه بما ينافي الملكية باحد انحاء الانتقال، كالارث، او الشراء،
او نحوهما، و لا خلاف حينئذ في انه اذا لم تكن للمدعي بينة ليس له على المدعى عليه
تسلط، سوى اليمين على نفي العلم ان ادعاه عليه، كما ياتي. و ثانيهما: ان تكون العين بيده من غير ادعائه الملكية لها ، بل يعترف بانه لا
يعرف صاحبها، لاجل نسيانه او غيره، فله اقسام: الاول: ان يجيب المتصرف باني لا ادري هل هو مني، او من المدعي ..فان ادعى عليه
المدعي الدراية علما او ظنا او احتمالا فله احلافه على نفي العلم، فان نكل او رد
فيما يجوز فيه الرد و حلف المدعي يحكم به له و ياخذه، لا لكون النكول او الرد
اقرارا، لمنعه، بل للاخبار النافية للحق عن الناكل و الراد مع حلف المردود اليه،
فينحصر الحق في المدعي. و ان حلف، او لم يدع المدعي العلم عليه، فالظاهر القرعة بينهما، لانها لكل امر
مجهول. الثاني: ان يجيب باني لا ادري انه هل هو مني، او منك، او من ثالث حاضر يمكن
الترافع معه.. فان نفاه الثالث عن نفسه ينحصر بين المدعي و المتصرف، و يرجع
الى الاول. و ان ادعاه لنفسه فلكل منهما احلاف المتصرف على نفي العلم مع ادعائه عليه، فان نكل
عنهما او عن احدهما يسقط حقه و ينحصر بين المتداعيين، و يرجع الى مسالة تنازع
اثنين في عين في يد ثالث لم يصدق احدهما ان لم يصدق احدهما، و الى مسالة تنازعهما
في يد ثالث صدق احدهما ان رجع الى تصديقه، و ستاتي المسالتان. و ان حلف المتصرف لهما فالظاهر الاقراع بين الثلاثة. و ان قال الثالث ايضا: لا ادري، و منع عن اخذ المدعى، فله احلافهما على نفي العلم
ان ادعاه عليهما، و احلاف من يدعيه عليه خاصة، فمع نكولهما او احدهما يسقط حق
الناكل، و مع حلفهما يقرع بين الثلاثة. و ان اقر المتصرف للمدعي بعد الترديد يقبل منه، لان قوله اولا بعدم العلم ليس
اقرارا على احد. نعم، للثالث احلافه لو ادعى علمه، و تغريمه لو نكل او رد. الثالث: ان يكون الثالث من لا يمكن الترافع معه -كالفقراء، او غائب مفقود الخبر،
او صغير، او مجنون-فمع ادعائه العلم عليه يحلفه، فان لم يحلف يسقط حق نفسه و يقرع
بين الباقين، و ان حلف يقرع بين الثلاثة..و يقبل قوله ان اقر بعد ذلك قبل الاقراع
للمدعي، لعدم تحقق شي ء مقبول شرعا ينافيه. نعم، للصغير او المجنون بعد الكمال تغريمه لو ادعى عليه العلم و نكل عن يمينه. الرابع: ان يكون الثالث مسافرا ، و حكمه ايضا يظهر مما ذكرنا في الاقسام
السابقة. الخامس: ان يجيب باني لا ادري انه مني، او من المدعي، او من غيرنا، من غير تعيين ،
فمع عدم ادعاء العلم على المتصرف يقرع بين الثلاثة ايضا، فان خرجت القرعة
لاحدهما يرد اليه، و ان خرجت للغير يدخل في مجهول المالك.و كذا مع ادعاء العلم
عليه و حلفه. و مع نكوله او رد اليمين و حلف المدعي يسقط حق المتصرف، و يقرع بين المدعي و الغير،
فان خرجت للمدعي يعطى العين، و ان خرجت للغير فللمدعي اغرام المتصرف، لتضييعه
حقه. السادس: ان يجيب باني لا ادري انه من المدعي، او الغير المعين، او غير المعين،
مع اعترافه بانه ليس من نفسه، فهو يخرج عن تلك المسالة، و يدخل في المسالة
الآتية ان شاء الله، (و ان كان له جهة مناسبة مع تلك المسالة لاجل قوله: لا ادري انه
منك، و سياتي حكمه ان شاء الله تعالى) (17) .
المسالة الثانية:
لو كان جواب المدعى عليه: انه ليس لي ، ليصرف الدعوى عن نفسه، و هو انما يكون
اذا كانت الدعوى على عين في يد المدعى عليه، و هو على اربعة اقسام: احدها: ان يقول: ليس لي، مقتصرا عليه ..او يضم معه قوله: هو لرجل لا اعرفه-من باب
التفعيل-اي لا اسميه..او يضم معهما او مع احدهما: و ليس لك، او: لرجل غيره و غيرك. و الوجه فيه-وفاقا للشرائع و القواعد و المسالك (18) و غيرها (19) -انه لا ينزع من يد
المتصرف، لان انتفاء ملكيته لا يفسد يده، لامكان كونها بالاجارة، او الوكالة،
او العارية، او اللقطة، او غيرها، و لا ترتفع الخصومة عنه، بل يخاصم بمطالبته
البيان، توصلا للمدعي بحق ترافعه، فان للمدعي على من عينه حقا اما الاخذ ان اقر،
او الحلف ان انكر. و لو كذب المقر ثبت لصاحب ما يجهل مالكه عليه الحق، فيكون تركه البيان
تفويتا لحق الغير، و هو منكر يجب صرفه عنه على طريقة النهي عن المنكر، و ايضا يخاصم
بمطالبة الحلف على نفي علمه بحقية المدعي، و يقبل ان اقر بعد ذلك، لما سياتي في بحث
التنازع في الاعيان من ان اقرار ذي اليد مطلقا يجعل المقر له ذا اليد، المقتضي
للملكية له. و الوجه الآخر: انه ينزع الحاكم المال من يد المتصرف، و يحفظه الى ان يظهر مالكه،
و ترتفع الخصومة منه، و علله في الايضاح بان بنفي المتصرف عن نفسه و عدم البيان
لمالكه صار مجهول المستحق (20) . و فيه: ان جهل الحاكم او المدعي بالمقر له لا يدخله في عنوان مجهول المالك، ثم
ان كل ذلك اذا لم تكن للمدعي بينة، و الا فياخذه. و قيل: تجري في ذلك القسم الاقوال الثلاثة المتقدمة في السكوت، من الحبس، و
الاجبار على البيان، و الالزام بالحق. و الاولان هما مثل المطالبة بالبيان، و اما الاخير فبعد نفيه عن نفسه لا وجه
له. و القول-بان هذا الاقرار لا يثبت مال الغير-ممنوع، و لعل وجهه: انه يحتمل تفسيره
بما لا يقبل، كان يقول: انه للتهمة. و فيه: ان عدم قبول كونه للتهمة لا يوجب عدم قبول نفيه عن نفسه. و كذا ما ذكره في المسالك، من ان الظاهر ان ما في يده ملكه، و ما صدر عنه ليس
بمزيل (21) . فانه ان اراد انه ليس بمزيل لمطلق اليد فهو مسلم، و لكنه غير مفيد. و ان اراد انه ليس بمزيل لليد المقتضية (22) للملكية فهو ممنوع. و ان اريد انه ليس بمزيل لاصل الملكية المتحققة اولا بظاهر اليد فقد عرفت ما فيه،
فان اقراره على نفسه مزيل له. و ثانيها: ان يقول: ليس لي و لا اعرف مالكه -من باب المعرفة-اي لا ادري من هو..و لم
يحضرني من صرح بحكمه. و الوجه فيه: انه يخرج عن ملكية المتصرف، و ترتفع عنه خصومة المدعي، الا اذا ادعى
عليه العلم بحقيته فيحلفه، فان نكل او رد و حلف المدعي ياخذ الغرامة منه، لتضييعه
حقه باعترافه بانه مجهول المالك، الذي هو اما مال الامام، او الفقراء، او
لمن يعرفه بعد تعريف السنة، او غير ذلك من اقسام مجهول المالك، و ليس المدعي
احدها. و ان حلف ترتفع خصومة المدعي عنه. و على التقديرين ليس لاحد-حتى الحاكم-اخذه منه، للاصل، حيث (23) يحتمل ان يكون مما
يبقى في يده للتعريف. نعم، لو عين وجه الجهل يعمل بمقتضاه. الثالث: ان يضيفه الى من تمتنع مخاصمته ، كالفقراء-بالوقف او غيره-و الوقف
لمسجد (او مشهد) (24) او مدرسة او نحوها.. [و لا تنصرف] (25) الخصومة عنه الا بيمين نفي العلم و حلفه، فان لم يحلف يغرم، و ان حلف
و لا بينة للمدعي يرتفع تسلطه، و لا ينتزع من يد المتصرف، لجواز توليته. و من هذا القسم: ما لو اقر به لطفله، او لطفل الغير، او مجنون، او غائب، او مفقود
الخبر..و لا تسلط للمدعي حينئذ على الولي بدون البينة اذا كان غير المتصرف، و له
عليه يمين نفي العلم ان كان هو المتصرف و ادعى علمه، لفائدة الغرامة. و من هذا الباب: ما لو نقله المتصرف الى غيره-من طفل او غيره- ممن لا يدعي المدعي
علمه قبل تمام الترافع، فانه لا تسلط للمدعي حينئذ سوى احلاف المتصرف ان ادعى
علمه، و اغرامه ان نكل او رد. الرابع: ان يضيفه الى معين لا تمتنع مخاصمته ، و هو على قسمين، لانه اما يقول: هي
لزيد البالغ الحاضر، او يقول: هي لزيد البالغ المسافر، او الحاضر في بلدة بعيدة،
ليوقف الدعوى و يؤخرها، مع صرفها عن نفسه. اما الاول، فقال في الكفاية في ذيل مسالة سكوت المدعى عليه: و اذا قال المدعى عليه: هذا لفلان، صرفت الدعوى عنه. و ان ادعى المدعي العلم على المدعى عليه بان هذا له صحت الدعوى. فان اقر به بعد الانكار، قال بعضهم: انه يسلم من غير حاجة الى الاثبات، لانه
مؤاخذ باقراره، و المال في يده، و هو قادر على دفعه الى اهله، و تلزمه الغرامة للمقر
له اولا. و فيه: انه مؤاخذ باقراره الاول، فلا يصح اقراره الثاني المخالف للاول،
فالظاهر انه تلزمه الغرامة للمدعي. و ان اصر على الانكار يلزمه الحلف على عدم علمه بذلك، فان حلف او نكل يترتب على
كل واحد حكمه، و يجوز له الرد، لجواز علم المدعي بعدم علم المنكر، فيستحب فيه حكم
الحلف و الرد و النكول على ما مر (26) .انتهى. اقول: ما ذكره في رد قول البعض صحيح، و لكن اطلاقه لزوم الغرامة للمدعي غير صحيح، بل
لا يلائم قوله: صرفت الدعوى عنه، باطلاقه، اذ لو تمكن من الادعاء على المقر له و
اثبات دعواه باقراره او بالبينة فلا وجه لتغريم المدعى عليه، بل لا وجه له قبل
المرافعة مع المقر له مطلقا، اذ لعله يقر او يرد الحلف او ينكل، فياخذ المدعي العين،
فلا وجه لتغريمه، لانه لم يتلف العين عليه. و منه يعلم عدم تسلط يمين نفي العلم على المدعى عليه ايضا قبل الترافع مع المقر له،
بل الصحيح ان يقال: صرفت الدعوى عنه الى المقر له ان امكن، فيرافع معه.. فان رجعت العين اليه باقرار او بينة او نكول او رد حلف تمت الدعوى و لا شي ء على
المدعى عليه.. و ان لم ترجع و حكم بها للمقر له، او كان ممن لم يتمكن المدعي من الترافع معه،
فيرجع الى المدعى عليه.. فان لم يدع العلم بصحة دعواه-و لو ظنا او احتمالا-فلا تسلط له عليه.. و ان ادعاه، فان اقر يغرم، و ان اصر فله احلافه على نفي العلم، فان حلف تمت
الدعوى ايضا.. و ان لم يحلف-بل رد الحلف ان امكن، بان تكون دعواه جزما، و حلف المدعي او
نكل-فعليه الغرامة للمدعي، لاتلافه ما كان يعلم انه ماله. هذا اذا لم تكن للمدعي بينة على اقرار المدعى عليه له سابقا على اقراره للمقر له، و
ان كانت له و اثبته فياخذ العين عن المقر له مع الامكان، و هو يرجع الى المدعي
ان شاء، و يستغرم منه، لاعترافه بالاقرار الثاني تضييعه حقه بالاقرار الاول،
و مع عدم الامكان ياخذ الغرامة من المدعى عليه. هذا كله اذا صدق زيد الحاضر المقر له المقر في اقراره له، و لو كذبه ففي المسالك:
ان فيه اوجها: احدها: انه ينزع الحاكم منه، و يحفظه الى ان يظهر مالكه، لخروجه عن ملك المتصرف
باقراره، و عدم دخوله في ملك المقر له بانكاره، و عدم ثبوت ملك المدعي، و اصالة
عدمه. و الثاني: انه يترك في يد المدعى عليه، اذ لا منازع له، و لعله يرجع و يدعيه. و الثالث: انه يسلم للمدعي، لعدم المنازع له فيه (27) . و احتمله في القواعد ايضا (28) . اقول: يرد على الاخير: ان عدم المنازع لا يكفي في دفع الاصل و حصول التسلط له على
المتصرف، و عدم شمول ادلة ما يسلم للمدعي لما لا يد عليه للمورد، و لذا تنظر فيه في
الايضاح (29) بانه لا دليل عليه. و على ما قبله: بمنع انه لا منازع له، بل على الحاكم منازعته، حيث انه يتصرف في
ملك ليس له ينفيه عن نفسه، و لا لغير المقر له حتى يحتمل جواز تصرفه فيه لاجله،
لاقراره بانه له، و لا للمقر له، لتكذيبه..فلا يبقى وجه لتصرفه.و رجوعه بعد نفيه عن
نفسه غير مفيد، لعدم ثبوت اقتضاء اليد الكذائية لاصالة الملكية. فاوجه الاوجه هو: الاول، كما قطع به في الشرائع (30) و اختاره في القواعد (31) . و اما الثاني-و هو ان يقول: انه لغائب معين-قال في المسالك ما ملخصه: انه تنصرف
الخصومة عنه الى الغائب، فان كانت للمدعي بينة قضي على الغائب بشرطه، و الا اقر في يد
المدعى عليه..و لو طلب المدعي احلافه على نفي العلم بان العين له فالاظهر انه له،
فان اقر او نكل يغرم القيمة، فان سلمت العين للمدعي بعد حضور الغائب بالبينة او
اقراره يرد القيمة (32) .انتهى. اقول: كل ما ذكره صحيح لا خدشة فيه، الا حكمه باغرام القيمة معجلا للمدعي مع الاقرار
او النكول، فان قبل حضور المقر له و الترافع له لم يعلم تضييع حق له غرامة للمدعي،
اذ لعل المقر له يقر له او ينكل، فلو قيل بتاخير الاغرام الى طي الدعوى مع الغائب
فلعله كان اظهر. ثم لو حضر الغائب و كذب المقر فحكمه كما اذا كذبه الحاضر، و قد مر.
فروع:
ا: قال في المسالك: لو اقام المقر له البينة على ملكه لم يكن للمدعي تحليف المقر
ليغرمه (33) . اقول: و الفرق بينه و بين استقرار الملك للمقر له بالحلف: ان حلفه مسبب
عن صيرورته ذا اليد الحاصلة باقرار المدعي، فهو السبب للحيلولة بينه و بين
العين، بخلاف البينة..و لكن لا يخفى ان هذا انما يتم على قبول بينة الداخل، و الله
العالم. ب: قال في التحرير في صورة الاقرار للغائب: لو اقام ذو اليد بينة تشهد انها
للغائب، سمعها الحاكم، و لم يقض بها للغائب، لانه لم يدع هو و لا وكيله، و انما
الفائدة: سقوط اليمين عن المقر اذا ادعي عليه العلم. و لو ادعى وكالة الغائب كان له اقامة البينة عن الغائب. و لو ادعى رهن الغائب او اجارته فالاقرب سماع البينة على الغائب بالملك،
لتعلق المقر بحق (34) .انتهى. اقول: الكل كذلك، اما سماع بينته للغائب فلان باقراره خرج عن كونه داخلا، و
بادعائه ملكية الغير الصارفة للدعوى عنه، فمن جهة حق صرف الدعوى عنه يصير مدعيا
لنفسه هذا الحق فتسمع بينته فيما يتعلق بنفسه، و منه يظهر وجه سقوط اليمين عن
المقر. و اما اقامة البينة عن الغائب مع دعوى الوكالة، فلما سبق من كفاية الوكالة
الادعائية في سماع الدعوى و الحكم. و اما قبول البينة بملك الغائب عند دعوى الرهن او الاجارة، فلان دعواه في
الرهن و الاجارة الصحيحين، و صحتهما موقوفة على ملكية الغائب، فدعوى ملكية
الغائب ايضا جزء من الدعوى لنفسه، كما اذا ادعى على الغائب بيع ملكه له حال
بلوغه، فبينة البلوغ حقيقة بينة لحق المدعي. ثم ان في صورة اقامة المقر البينة-لا بدعوى الوكالة، بل لاسقاط اليمين، او تصحيح
الرهن او الاجارة، و حضر الغائب و طلب الحكم- افتقر الى دعوى مجددة، فيحكم
بمقتضاها، فان اقام المدعي بينة قضي بدون بينة الغائب، لانه الداخل.
البحث الخامس: فيما اذا اجاب المنكر بالابراء او الاقباض
و ينقلب حينئذ مدعيا و المدعي منكرا. و لا فرق في هذه الدعوى بين ان كان المدعي اقام البينة اولا او لا، و ليس فيه
تكذيب لبينته..ثم جواب المدعى عليه الثانوي ايضا اما اقرار، او انكار، او
سكوت، و حكم الكل كما مر. نعم، لو اجاب ب: لا ادري، يكون الاصل حينئذ معه، و يعمل بمقتضى الاصل. تعليقات: 1) الكفاية: 270. 2) غنائم الايام: 692. 3) انظر الرياض 2: 404. 4) التهذيب 7: 461-1845، الوسائل 20: 300 ابواب عقد النكاح و اولياء العقد ب 23 ح 2،
و فيهما: عن رجل تزوج جارية....فحدثه رجل ثقة....، و ما بين المعقوفين ليس في «ح » و «ق »
، اثبتناه من المصدرين. 5) الكافي 5: 563-27، الفقيه 3: 303-1452، الوسائل 20: 299 ابواب عقد النكاح و
اولياء العقد ب 23 ح 1. 6) التهذيب 7: 468-1874، الوسائل 20: 300 ابواب عقد النكاح و اولياء العقد ب 23 ح 3. 7) حكاه عنه في الرياض 2: 404. 8) الكفاية: 270. 9) انظر الرياض 2: 404. 10) راجع ص: 199. 11) راجع ص: 199. 12) راجع ص: 200. 13) بدل ما بين المعقوفين في «ح » و «ق » : لزم، و الظاهر ما اثبتناه. 14) راجع ص: 231. 15) الكفاية: 270. 16) انظر غنائم الايام: 692. 17) ما بين القوسين ليس في «ح » . 18) الشرائع 4: 112، القواعد 2: 231، المسالك 2: 392. 19) انظر كشف اللثام 2: 364. 20) ايضاح الفوائد 4: 402. 21) المسالك 2: 392. 22) في «ق » : المتضمنة.... 23) في «ح » : حتى.... 24) ليست في «ح » . 25) بدل ما بين المعقوفين في «ح » و «ق » : و تنصرف، و الظاهر ما اثبتناه. 26) الكفاية: 269. 27) المسالك 2: 392. 28) القواعد 2: 232. 29) ايضاح الفوائد 4: 402. 30) الشرائع 4: 112. 31) القواعد 2: 232. 32) المسالك 2: 393. 33) المسالك 2: 393. 34) التحرير 2: 190.