المطلب الثاني: في كيفية القضاء و الحكم و لاحتياجه الى المدعي و الدعوى و المدعى عليه و جوابه
و لكل منها متعلقات، فها هنا سبعة فصول:
الفصل الاول: في بيان شان القاضي و وظيفته بالنسبة الى كلمن المتداعيين او كليهما
و فيه مسائل:
المسالة الاولى:
لا خلاف في وجوب التسوية بين الخصوم في العدل في الحكم ، فلا تجوز التفرقة فيه
بين المسلم و الكافر، او الشريف و الوضيع، او العادل و الفاسق، او غيرهم، و
الاجماع منعقد عليه، و صريح الكتاب يرشد اليه: قال الله سبحانه: «ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها و اذا حكمتم
بين الناس ان تحكموا بالعدل » (1) . و قال عز و جل: «يا ايها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط »«و لا يجرمنكم
شنئان قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى » (2) . و قال جل شانه: «يا داود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق و لا
تتبع الهوى » (3) ، الى غير ذلك. و الاخبار فيه مستفيضة. و لو كان في العدل مظنة الضرر بما لا يرضى به الشارع، يجب ترك الحكم دون الحكم
بغير العدل، و مع ظنه في الترك ايضا فالظاهر الجواز، و لا يبعد ترجيح اكثر
الضررين و اشدهما. و هل تجب التسوية بينهما في غير ذلك من وجوه الاكرام، ام تستحب؟ ذهب الصدوقان الى الاول (4) ، و هو ظاهر النهاية (5) و صريح المحقق و الفاضل في غير
المختلف (6) و نسبه في المسالك و الروضة و المفاتيح و المعتمد الى المشهور (7) . و ذهب الديلمي و الفاضل في المختلف الى الثاني (8) .و اختاره الحلي، و جعل القول
بالوجوب توهم من لا بصيرة له بهذا الشان (9) . و ظاهر الكفاية التردد (10) . و الحق هو: الاول، لقول علي عليه السلام لشريح في رواية سلمة: «ثم واس بين
المسلمين بوجهك، و منطقك، و مجلسك، حتى لا يطمع قريبك في حيفك، و لا يياس عدوك من
عدلك » (11) . و رواية السكوني عن الصادق عليه السلام: قال: «قال امير المؤمنين عليه السلام: من ابتلي بالقضاء فليواس بينهم في الاشارة، و في النظر، و في المجلس » (12) . و مثلها مرسلة الفقيه عن النبي صلى الله عليه و آله، و فيها «فليساو» بدل «فليواس » (13) .
و قول النبي صلى الله عليه و آله: «من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في
لحظه و اشارته و مقعده، و لا يرفعن صوته على احدهما ما لا يرفع على الآخر» (14) . و قول الرضا عليه السلام في فقهه: «و اعلم انه يجب عليك ان تساوي بين الخصمين،
حتى النظر اليهما، حتى لا يكون نظرك الى احدهما اكثر من نظرك الى الثاني » (15) . و لان تخصيص احدهما يوجب كسر قلب الآخر و منعه عن اقامة حجته. و الايراد على الروايات بانها ضعيفة سندا، فلا يثبت منها حكم مخالف للاصل. مردود بعدم ضير هذا الضعف عندنا، سيما مع صحة الاولى عمن اجمعوا على تصحيح ما يصح
عنه، و انجبارها بالشهرتين. نعم، غير الاخيرة لا يدل الا على وجوب التساوي في بعض وجوه الاكرام، فيبقى مثل:
التعظيم و التكريم و القيام و الاذن في الدخول، باقيا تحت الاصل. و الاخيرة و ان كانت عامة الا ان الشهرة التي ادعوها ليست الا في بعض الوجوه،
لانه المصرح به في كلام الاكثر، فلا يبعد تخصيص الوجوب بما في غير الاخيرة،
الا ان المستفاد من التعليل في الاولى التعميم، فهو (16) الاقرب. و احتج الآخرون اما على نفي الوجوب فبالاصل، و اما على الاستحباب
فبالروايات المتقدمة، حيث يسامح في ادلة السنن.و جوابه قد ظهر.
فروع:
ا: الامر بالمواساة في الوجه يشمل المواساة (17) في التوجه و عدمه، و طلاقة الوجه
و عدمها، و ان كان الظاهر منها هو الاول. و بالمواساة في المنطق يشمل المواساة في الكمية و الكيفية، و يعم ما يتعلق
بالدعوى و غيره من انواع التكلم. و بالمواساة في المجلس يشمل المواساة (18) في القرب و كيفية الجلوس. ب: لو دخل الخصمان قبل اظهار الدعوى و جلس احدهما اقرب الى الحاكم، يجب عليه ان
يسوي بينهما بعد الاظهار ايضا. و اذا رضى الادون مجلسا بما هو عليه فهل تسقط شرعية المساواة، ام لا؟ فيه وجهان، من: ان الحكمة في الامر بالمساواة هو عدم طمع القريب و عدم كسر
قلب البعيد. و من: اطلاق الروايات و عدم المقيد. و الاوجه الثاني، لامكان تعدد العلة، و اطلاق غير المعللة من الروايات. ج: عدوا من وجوه الاكرام: الانصات، و المراد به: الاصغاء الى كلامه. و الحكم بوجوبه او استحبابه-لعموم الرضوي و التعليل-ظاهر. د: و عدوا منه: التسوية في السلام عليهما و الجواب لهما ان سلما معا، و هو
كذلك، لما مر. و لو سلم احدهما دون الآخر يجب الجواب لمن سلم، و لا يجب شي ء للآخر. و لو ابتدا احدهما بالسلام، فهل يجب او يستحب تاخير الجواب رجاء لان يسلم
الآخر، ام لا؟ اختار في المسالك: الاول، اذا لم يطل الفصل بحيث يخرج عن كونه جوابا للاول (19) .
و الاظهر: الثاني، لان البداة بجواب سلام من ابتدا بالسلام لا تنافي
التسوية عرفا، بل يمكن ان يقال: ان التاخير مناف لها، حيث بادر بجواب احدهما
و اخر جواب الآخر. بل لو قلنا بمنافاة المبادرة بجواب البادى ء للتسوية لا يجب التاخير ايضا
على القول بالوجوب، و لا يستحب على القول بالاستحباب، لان وجوبها او
استحبابها انما هو فيما اذا علم بتسليمهما معا، و هو غير متيقن بعد. ه: وجوب التسوية او استحبابها مختص بالافعال الظاهرية دون الميل القلبي،
بمعنى: محبة احدهما، او الميل الى التكلم معه و القرب اليه في المجلس و التعظيم
له، او الميل الى ان يكون حكم الله موافقا لهواه، للاصل، و لان الحكم على القلب غير
مستطاع. و اما قضية قاضي بني اسرائيل المروية عن الباقر عليه السلام في صحيحة الثمالي (20) ،
فلا تدل على ان المؤاخذة كانت على الامر القلبي، بل كانت على ما قاله بقوله: «قلت:
اللهم » الى آخره، حيث اظهر باللسان ما كان في قلبه و ان لم يظهره على الخصمين. نعم، يستحب الاجتهاد في تطهير السر بحيث يتساوى عنده جميع عباد الله، و لكنه لا
يختص بالقاضي، و كلامنا فيما يجب او يستحب على شخص من حيث هو قاض. و: لا يختص وجوب التسوية فيما ذكر بحال حضور الخصمين معا، بل يجب مع غياب
احدهما ايضا، لاطلاق الروايات، و ايجابه طمع من يزيد اكرامه، الذي هو احد علتي
المنع في الرواية الاولى. ز: الحكم بوجوب التسوية او استحبابها مشروط بما اذا تساوى الخصوم في الكفر
و الاسلام، فلو كان احدهما مسلما و الآخر كافرا جاز قيام الكافر مع جلوس
المسلم، او كون المسلم اعلى منزلا منه علوا صوريا او معنويا.لا اعرف فيه خلافا، و
نقل عليه الاجماع ايضا (21) . و الدليل عليه-مضافا الى اختصاص رواية سلمة و النبوي بالمسلمين، و احتمال
ارجاع الضمير في قوله: «بينهم » في رواية السكوني الى المترافعين المسلمين، و
ضعف الاخيرة و خلوها عن الجابر في المقام-ما روي: ان عليا عليه السلام جلس
بجنب شريح في حكومة له مع يهودي في درع و قال: «لو كان خصمي مسلما لجلست معه بين
يديك، و لكني سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: لا تساووهم في المجلس » (22) ، و
ضعفه منجبر (بالعمل) (23) . و هل يختص ذلك بالمجلس، او يتعدى الى غيره ايضا؟ الظاهر: التعدي، كما اختاره في الروضة (24) ، و اليه ذهب والدي في المعتمد، و استقواه
بعض المعاصرين (25) ، للاصل، و اختصاص النصوص -بحكم التبادر و اختصاص
المورد-بالمسلمين، و خلو ما ظاهره العموم عن الجابر عن ضعفه.
المسالة الثانية:
قالوا: لا يجوز للحاكم ان يلقن احد الخصمين ما يستظهر به على خصمه و يستنصره و
يغلب عليه، و ان يهديه الى وجوه الحجاج، و استدلوا عليه بظاهر الوفاق، و بانه
منصوب لسد باب المنازعة لا لفتح بابها، فتجويزه ينافي الحكمة الباعثة لتعيينه. و تامل فيه السبزواري (26) ، و مال الاردبيلي الى الجواز ان لم يرد بذلك تعليم
ما ليس بحق، و جنح اليه بعض معاصرينا (27) . و الحق: الحرمة مطلقا، سواء كان تلقين احد الخصمين ببيان ما يوجب استظهاره من
غير ان يامره بقوله او فعله، مثل ان يقول لمن لا يرضى بالحلف اذا رد عليه: كل من
ادعى بالظن لا يرد عليه اليمين، او ان ادعيت بالظن لا يجوز لخصمك الرد. او يقول لمن يريد الجواب بالاداء في مقابلة دعوى القرض: كل من يجيب بالاداء
يجب عليه الاثبات و المنكر ليس له ذلك. او يامره بالقول او الفعل، مثل ان يقول: ادع بالظن، او انكر القرض، او انكل، او رد
اليمين. و سواء كان ذلك مع علم الحاكم بان ما يلقنه مخالف للواقع، مثل ان يامره بادعاء
الظن مع علمه بانه يدعي العلم، او بانكار القرض مع علمه بتحققه، او بتعيين المدعى
به مع علمه بكونه مجهولا للمدعي. او يعلم انه مطابق للواقع. او لا يعلم فيه احد الامرين، مثل ان يلقنه دعوى الظن فيما لم يعلم انه ظان او
عالم. لكون الجميع منافيا للتسوية المامور بها، و كون بعض صورها اعانة على الاثم،
و بعض آخر امرا بالمنكر. و تجويز التلقين بما يوجب التوصل الى الحق و دفع الضرر-اذا علم انه لا يهدى
اليه فيضيع حقه-ضعيف، لان مع علم الحاكم يحكم بعلمه، فلا يحصل ضرر. و اما ما ذكروه دليلا على عدم الجواز مطلقا-من ايجابه فتح باب
المنازعة-فضعيف، لمنع عدم جواز فتحها كلية اولا، و عدم ايجابه له على الاطراد
ثانيا. هذا حكم التلقين. و اما الاستفسار المؤدي الى تصحيح الدعوى او الجواب، فهو ايضا غير جائز، لما
مر من منافاته التسوية، و ايجابه في بعض الصور اعانة على الاثم. سواء كان قبل تكلم من يستفسر منه، كان يستفسر عن المدعى عليه بعد دعوى القرض عليه:
هل ما استقرضت او استقرضت و اديت؟ و قد يضم معه ما يوجب الجواب بما يستظهره،
مثل ان يقول: هل ما استقرضت حتى تكون البينة على المدعي، او اديت حتى تكون البينة
عليك؟ او بعد التكلم، مثل ان يستفسر عمن يجيب بعدم اشتغال الذمة انه: هل اديت او ما استقرضت؟ و الله العالم.
المسالة الثالثة:
اذا دخل الخصمان، فان بدر احدهما بالدعوى سمع منه ، و ان لم يبدر و سكتا فلا يجب
على الحاكم الامر بالتكلم، و وجهه ظاهر. و قد ذكروا انه يستحب ان يقول هو او من يامره: تكلما، او ليتكلم المدعي منكما. و لم اعثر على دليل على الاستحباب، و ظاهر الحلي عدم الاستحباب، حيث قال: و لا
ينبغي للحاكم ان يسال الخصمين، و المستحب له تركهما حتى يبدءا بالكلام، فان
صمتا فله ان يقول لهما حينئذ: ان كنتما حضرتما بشي ء فاذكراه (28) .انتهى. و قال والدي-طاب ثراه-في المعتمد بالاستحباب لو عرف كون الحياء او احتشامه
مانعا لهما عن المبادرة.و ليس ببعيد. ثم انهم قالوا: انه اذا استحب التكلم يكره تخصيص احدهما بالخطاب (29) ، لمخالفته
للتسوية المتقدمة. و فيه منع، لعدم منافاته للتسوية عرفا، لانه ابتداء الكلام، و مجرد تقديم
الالتفات الى احدهما-سيما اذا علم كونه مدعيا-لا يخالف التسوية عرفا. و بذلك يوجه الحكم بالكراهة هنا ممن حكم بوجوب التسوية في التكلم.و فيه ما فيه.
و وجهه في المعتمد بان الحكم بالحرمة لاجل الانجبار، و هو فيما نحن فيه مفقود،
فلا يثبت من عموم الاخبار سوى الكراهة.و هو ايضا غير جيد.
المسالة الرابعة:
اذا ازدحم جماعة من المدعين، فان جاءوا على التعاقب و عرف الترتيب، قالوا:
يقدم الاسبق فالاسبق ..و ان جاءوا معا، او لم يعرف الترتيب، اقرع بينهم، و قدم
من خرجت قرعته. و قيل: يكتب اسماء المدعين و يجعلها تحت ساتر ثم يخرج رقعة رقعة، ثم يستدعي صاحبها
فيحكم له (30) .و هذا ايضا نوع من القرعة. و قيل بالاول، الا ان يكثروا و عسر الاقراع فبالثاني (31) . و قيل بجواز الامرين مطلقا، و نسبه في المسالك الى الاشهر (32) . و اصل هذا الحكم مشهور بين الاصحاب، مصرح به في كلماتهم، بل لم اعثر فيه على
مخالف. و اطلاق عباراتهم يشمل ما لو تزاحموا في مجرد الورود و الحضور عند الحاكم و
ان لم يتكلموا بعد و لم يطلبوا الترافع بل كانوا ساكتين، و ما لو تزاحموا في
بيان الدعوى و طلب الترافع ايضا، و ما لو بدر احدهم بطلبه مع سكوت الباقين. و الظاهر ان مرادهم انما هو غير الصورة الاخيرة، لان الحكم بتقديم الاسبق
ورودا فيها مشكل جدا، لان الحكم و القضاء في الوقائع الخاصة و القضايا الجزئية لا
يجب الا بطلب المدعي و ترافعه، و معه يجب، فبطلب احدهم يجب الاشتغال بقطع
دعواه، و لم يجب الاشتغال بقطع سائر الدعاوي بعد. فعلى القول بكون وجوب الاشتغال بعد الطلب فوريا يكون بطلان اطلاق وجوب تقديم
الاسبق ظاهرا، بل يجب تقديم البادى ء بالطلب و ان لم يكن اسبق ورودا. و على القول بعدم الفورية نقول: ان ما لم يجب الاشتغال به بعد لا يمكن ان يجب
تقديمه على الواجب و لو لم يكن فوريا، و الا لا نقلب غير الواجب واجبا. بل لا يبعد ان يقال: ان الصورة الاولى ايضا خارجة عن مقصودهم، لان قطع الدعوى مع
سكوت المدعي و عدم طلبه ليس بجائز، فكيف يحكم بوجوب تقديمه؟ ! الا ان يقال: ان المراد تقديم الامر بالتكلم، و استحباب اصله لا ينافي وجوب
تقديم بعض افراده.و لكنه بعيد. ثم ان اكثر الاصحاب لم يذكروا على ما حكموا به-من وجوب تقديم الاسبق مع العلم
بالسبق و القرعة بدونه-دليلا..و يظهر من المسالك انه لمراعاة التسوية بين
الخصوم (33) . و فيه: ان الثابت من التسوية هو وجوبه او استحبابه بالنسبة الى شخصين
متخاصمين، و اما بالنسبة الى خصمين آخرين فغير ثابت. و استدل والدي-طاب ثراه-على الاول في المعتمد بالاولوية، و على الثاني بان
القرعة لكل امر مشكل. و يرد على الاول: منع الاولوية، و على تسليمها منع صلاحيتها لايجاب التقديم. و على الثاني: منع الاشكال، لانه انما يكون اذا علم استحقاق احدهما للتقديم و لم
يتعين، و اما اذا لم يعلم الاستحقاق فالحكم التخيير. نعم، يظهر من السرائر انه وردت بهذا الحكم رواية، حيث قال: فاذا جلس حكم للاول
فالاول، فان لم يعلم بالاول او دخلوا دفعة روى اصحابنا انه: يتقدم الى من
يامر كل من حضر للتحاكم اليه ان يكتب اسمه و اسم ابيه و ما يعرف به من
الصفات الغالبة عليه دون الالقاب المكروهة، فاذا فعلوا ذلك و كتب اسماءهم و
اسماء خصومهم في الرقاع قبض ذلك كله و خلط الرقاع و جعلها تحت شي ء يسترها به عن
بصره، ثم ياخذ منها رقعة ينظر فيها و يدعو باسم صاحبها و خصمه فينظر بينهما (34) .
انتهى. و هذه الرواية و ان كانت ضعيفة، و لكن بملاحظة اشتهار الحكم عند الاصحاب اشتهارا
قويا كاد ان يكون اجماعا، لا يبعد القول بثبوت هذا الحكم وجوبا.
فروع:
ا: كلما آل الامر الى الاقراع، فهل يقتصر على كتب اسم المدعي، او يكتب اسم خصمه
ايضا؟ المشهور: الاول، لانه المستحق للتقديم او التاخير واقعا، المجهول
استحقاقه ظاهرا، و الخصم تابع له. نعم، لو ثبت للخصوم ايضا استحقاق عند تعددهم يفتقر الى قرعة اخرى، او رقاع متعددة
في القرعة الواحدة، و لكنه لم يثبت، فللمدعي الاختيار في التعيين مع التعدد. و لا يخفى ان هذا الدليل انما يتم لو كان الموجب للاقراع هنا وضعه لكل امر مشكل.و لو
كان موجبه الرواية المتقدمة فلا بد من كتب اسم الخصم ايضا تعبدا، لذكره فيها. ب: صرح في المسالك و التحرير بان المقدم بالسبق او القرعة انما يقدم في دعوى
واحدة، فلو قال: لي دعوى اخرى مع هذا الخصم او مع غيره لم يسمع الى ان يفرغ القاضي من
سماع دعوى سائر الحاضرين، فحينئذ تسمع دعواه (35) . و مستند الحكم غير واضح، فالحكم بوجوب التاخير مشكل. ج: يجوز لمن حقه التقديم بالسبق او القرعة اسقاط حقه، فيقدم من له السبق بعده او
من خرجت القرعة له. و لو وهب حقه لغيره، فهل يجب تقديمه، او يجوز، او يقدم من له السبق؟ قيل بالاول، لان الحق صار له..و يخدشه ان الثابت ثبوته لنفسه، و حصول النقل
بالانتقال موقوف على الدليل، و ليس، فالظاهر الثالث. و هل تجوز للحاكم الشفاعة في الاسقاط او الهبة؟ الظاهر: نعم، للاصل. د: اذا حضر الخصمان فسبق احدهما الى الدعوى، ثم قطع المدعى عليه دعواه بدعوى
اخرى، او قال: انا المدعي، لم تسمع منه دعواه بلا خلاف يعرف، بل يمنع حتى يجيب عن
الدعوى و تنتهي الحكومة. و يمكن ان يستدل عليه بحديث التسوية، و في فقه الرضا عليه السلام: «و اذا
تحاكم خصمان فادعى كل واحد منهما على صاحبه دعوى فالذي بدا بالدعوى احق من
صاحبه ان يسمع منه، فاذا ادعيا جميعا فالدعوى للذي على يمين خصمه » (36) ، و ضعفه
بالعمل مجبور. و استدل في المسالك على هذا الحكم بما سبق من وجوب تقديم السابق (37) . و فيه: ان هذا انما يتم لو كان المراد بالسابق-فيما سبق-السابق بالدعوى، و
هو خلاف ظاهر كلام الاصحاب، بل الظاهر منهم ان المراد منه: السابق بالورود، و
على هذا فربما يكون الخصمان دخلا معا او دخل السابق بالدعوى متاخرا. و لو ابتدرا معا، فالمشهور بين الاصحاب-كما في المختلف (38) و غيره (39) و ادعي
الاجماع عليه (40) -انه تسمع الدعوى من الذي على يمين صاحبه، و هو المحكي عن علي بن
بابويه في رسالته و المفيد في المقنعة و الشيخ في النهاية (41) ، و ادعى عليه الشيخ في
الخلاف الاجماع (42) ، و قال السيد: انه مما انفردت به الامامية، و ادعى الاجماع
عليه ايضا (43) . و الشيخ بعد ان ادعى اجماع الطائفة مال الى القرعة، و استوجهه في المسالك (44) . و ظاهر الكفاية و المفاتيح التوقف (45) . و الاصل فيه ما رواه محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام انه قال: «ان رسول
الله صلى الله عليه و آله قضى ان يقدم صاحب اليمين في المجلس بالكلام » (46) . و اعترض بجواز ان يكون المراد باليمين يمين القاضي، كما احتمله في المفاتيح (47) ،
او الحلف كما احتمله الاسكافي (48) ، لانه صاحب اليمين ان شاء احلف خصمه و ان لم
يشا لم يحلف، بل يحتمل ان يكون المراد بالتقديم بالكلام: التقديم بتكلم الحاكم
معه. و رد بالمخالفة للظاهر. و بنقل الاتفاق في المسالك على ان المراد منه يمين الخصم. و بان الاصحاب حملوه عليه، و فهمهم قرينة. و بصحيحة ابن سنان عن الصادق عليه السلام انه قال: «اذا تقدمت مع خصم الى وال
او الى قاض فكن عن يمينه » يعني: يمين الخصم (49) . و في الاول: انا لو سلمنا مخالفة الاول للظاهر فمخالفة الثاني و الثالث ممنوعة. و الاتفاق المدعى غير ثابت. و الصحيحة لا تفيد ازيد من رجحان التيامن المرغب فيه في كل شي ء، الا ان الحلي و
الشيخ في الخلاف و المبسوط قالا: انه روى اصحابنا يقدم من على يمين صاحبه (50) .و
كذا يدل عليه الرضوي المتقدم (51) ، و هما منجبران بالشهرة و الاجماع المنقول، فلا
مناص عن العمل بهما. ه: ما ذكر من تقديم الاسبق انما هو فيما اذا لم يستضر غيره بالتاخير، و لو
استضر يقدم، دفعا للضرر، و عدم الشهرة الجابرة. و لا بعد في جواز تقديم المراة ايضا مطلقا، لعدم الانجبار. و: قد ذكروا ان المفتي و المدرس ايضا كالقاضي عند تزاحم المستفتين و الطلبة في
وجوب تقديم الاسبق او القرعة، و ماخذ الحكم غير معلوم.
المسالة الخامسة:
قد صرح كثير من الاصحاب-منهم الشيخ في المبسوط (52) -باستحباب ترغيب الخصمين
الى الصلح للقاضي. و يظهر من السرائر ذهاب جمع الى عدم الجواز، حيث قال: و له ان
يامرهما بالصلح، و يشير بذلك، لقوله تعالى: «و الصلح خير» (53) و ما هو خير فللانسان
فعله بغير خلاف من محصل، و قد يشتبه هذا الموضع على كثير من المتفقهة، فيظن انه لا
يجوز للحاكم ان يامر بالصلح و لا يشير به، و هذا خطا من قائله (54) .انتهى. و تفصيل الكلام: ان ترغيب الحاكم في الصلح اما يكون بعد الحضور للمرافعة و قبل
بيان الدعوى، او يكون بعد البيان و قبل ثبوت الحق بالبينة او اليمين او
الاقرار او سقوطه بالحلف، او يكون بعد الثبوت او السقوط و قبل الحكم و اظهار
الثبوت او السقوط، او يكون بعده. و لا ينبغي الارتياب في استحباب الترغيب في الاولين. و يدل عليه قوله تعالى: «و الصلح خير». و قوله سبحانه: «انما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين اخويكم » (55) . و قوله جل شانه: «فاتقوا الله و اصلحوا ذات بينكم » (56) . و قوله عز اسمه: «و لا تجعلوا الله عرضة لايمانكم ان تبروا و تتقوا و تصلحوا بين
الناس » (57) . و المروي في تفسير الامام، و هو طويل يذكر فيه كيفية قضاء رسول الله صلى الله
عليه و آله، و في آخره: «فاذا ثبت عنده ذلك لم يهتك ستر الشاهدين، و لا عابهما و
لا وبخهما، و لكن يدعو الخصوم الى الصلح، فلا يزال بهم حتى يصطلحوا» الحديث (58) . و صحيحة هشام بن سالم: «لان اصلح بين اثنين احب الي من ان اتصدق بدينارين » (59) . و رواية ابي حنيفة سائق الحاج: قال: مر بنا المفضل و انا و ختني (60) . نتشاجر في ميراث فوقف علينا ساعة، ثم قال لنا: تعالوا الى المنزل، فاتيناه
فاصلح بيننا باربعمائة درهم، فدفعها الينا من عنده، حتى اذا استوثق كل منا من
صاحبه قال: اما انها ليست من مالي، و لكن ابو عبد الله عليه السلام امرني اذا
تنازع رجلان من اصحابنا في شي ء ان اصلح بينهما و افتديهما من ماله (61) . و ظاهر ابي الصلاح ان المستحب للقاضي الترغيب في اصل الصلح، و اما التوسط
فيما يصلحان به فيحوله الى ثالث (62) ، و لعله مخافة ان يتحشما او احدهما من
القاضي فيقع الصلح من غير رضاء. و اما في الثالث، فان اعلم الحاكم المدعي بالثبوت او المنكر بالسقوط
فكالاخير، و ياتي حكمه. و الا، فان طلب منه بتخير الحكم او علم مطالبته بشاهد الحال فالظاهر عدم
الجواز، لمنافاته للفورية الثابتة من مطالبة التخير. و الا، فان علم انه لو اظهر الحكم لم يرض من له الحكم بالصلح فلا يجوز ايضا،
لكونه تدليسا و خيانة..و ان لم يعلم بذلك فلا يبعد الجواز، للاصل..بل الاستحباب،
للعمومات المتقدمة، و يدل عليه ايضا حديث قضاء علي عليه السلام بين صاحبي الارغفة
الثمانية المروي في الكافي و الفقيه و التهذيب (63) . و قال والدي العلامة في المعتمد بعدم الجواز مع جهل صاحب الحق بعلم الحاكم بالحق
مطلقا. ثم لو ارتكب القاضي المحرم و امر بالصلح او رغب فيه فيما يحرم و رضى به، فقال
والدي العلامة رحمه الله بصحة الصلح، لعدم تعلق النهي به، بل بامر الحاكم..نعم، له
خيار الفسخ بعد علمه به. و اما في الاخير، فالاستحباب غير واضح، لانه حقيقة ليس ترغيبا في الصلح، لان
الظاهر منه هو ما يكون قبل ثبوت الحق لاسقاط اليمين او رفع تجشم الاثبات، بل
هو ترغيب لاحدهما باسقاط الحق او بذل المال لغير مستحقه. و الظاهر ان اضافة الاصحاب الترغيب الى ضمير التثنية لتخصيصهم الاستحباب
بغير هذه الصورة، اذ لا معنى لترغيب الخصمين حينئذ كما لا يخفى. و قول المحقق و الفاضل في الشرائع و القواعد بكراهة شفاعة الحاكم في اسقاط الحق (64)
منزل على ذلك ايضا، فلا تنافي بين قولهما باستحباب الترغيب في الصلح و الكراهة
في هذه الشفاعة، و لا حاجة في الجمع بينهما الى جعل الصلح متوسطا بين الاسقاط و
عدمه، او جعله مستثنى، او حمله على بعث غيره على ترغيبهما في ذلك، كما في
المسالك (65) . و ظاهر جماعة-كالمفيد و النهاية و الكامل و المراسم و السرائر-عدم جواز الشفاعة (66) .
و دليلهم رواية السكوني، و فيها: «و لا تشفع في حق امرى ء مسلم و لا غيره الا باذنه » (67) .
و النبوي: ساله اسامة حاجة لبعض من خاصم اليه، فقال له: «يا اسامة، لا تسالني حاجة اذا جلست مجلس القضاء، فان الحقوق ليس فيها شفاعة » (68) . و الاولى قاصرة الدلالة على الوجوب.و الثانية غير ثابتة الحجية.. فالكراهة اولى.
فرع:
قال والدي العلامة قدس سره في المعتمد: ثم من يؤدى اليه شي ء بالصلح بالاعطاء او
الاسقاط بغير حق، فان علم بعدم استحقاقه له حرم عليه و وجب ان يتخلص منه، و الا لم
يحرم عليه، لعلمه ظاهرا بكونه حقا له، نظرا الى فعل الحاكم.انتهى.ولي فيه تامل.
المسالة السادسة:
قال جماعة بانه يكره للقاضي ان يضيف احد الخصمين الا و معه خصمه (69) . لرواية السكوني:
«ان رجلا اتى امير المؤمنين عليه السلام فمكث عنده اياما ثم تقدم اليه في
خصومة لم يذكرها لامير المؤمنين عليه السلام، فقال له: اخصم انت؟ قال: نعم، قال: تحول عنا، ان رسول الله صلى الله عليه و آله نهى ان يضاف خصم الا و
معه خصمه » (70) ، و ظاهرها عدم الجواز، و به صرح في المبسوط (71) .و هو الاقوى. و تدل عليه ايضا منافاته للتسوية الواجبة. و غيره (73) بكراهة حضوره و لائم الخصوم، و علل بانه لئلا يزيد احدهم
في اكرامه فيميل اليه..و يمكن القول بتحريمه اذا كان لاحد المتخاصمين،
لمنافاته التسوية، بل لهما ايضا اذا دخل في الرشوة المحرمة.
المسالة السابعة:
يكره ان يسار القاضي احدا في مجلسه ، لكونه مورثا للتهمة، و لمرفوعة البرقي (74) ، و
مرسلة الفقيه (75) : قال امير المؤمنين عليه السلام لشريح: «لا تسار احدا في مجلسك » . و اما مسارة احد الخصمين فهي محرمة، لمنافاتها التسوية.
المسالة الثامنة:
يكره ان يعنت الشهود ، اي يدخل عليهم المشقة، و يكلفهم ما يثقل عليهم من التفريق و
المبالغات في مشخصات القضية، اذا كانوا من ذوي البصائر و الاديان القوية. و لا يجوز للحاكم ان يتعتع الشاهد، و هو ان يداخله في التلفظ بالشهادة، بان يدخل
في اثناء شهادته كلاما يجعله ذريعة الى ان ينطق بما ادخله الحاكم، و يعدل عما كان
يريد الشاهد، هداية له الى شي ء ينفع فتصح شهادته، او يضر فترد شهادته. او يتعقبه عند فراغه بكلام ليجعله تتمة للشهادة، بحيث تصير به الشهادة مسموعة
او مردودة. بل الواجب ان يصبر عليه حتى ينتهي ما عنده، ثم ينظر فيه و يحكم بمقتضاه من قبول
او رد. و اذا تردد الشاهد في شهادته لم يجز له ترغيبه في اقامتها، لجواز عروض امر
يوجب التردد. و لا يجوز له تزهيده في الاقامة، و لا ان يردده فيها. و لا يجوز له ايقاف عزم الغريم عن الاقرار، و يجوز ذلك في حقوق الله سبحانه،
كما تنبه عليه قضية ما عز (76) . و الوجه في الكل واضح.
المسالة التاسعة:
قالوا: يستحب اجلاس الخصمين بين يدي الحاكم. و هو كذلك، لانه اقرب الى
التسوية و اسهل للمخاطبة. و لقول علي عليه السلام حين ترافعه مع يهودي في الدرع عند شريح: «لو لا انه ذمي
لجلست معه بين يديك، غير اني سمعت النبي صلى الله عليه و آله يقول: لا تساووهم في المجالس » (77) . و روي عن النبي صلى الله عليه و آله انه قضى ان يجلس الخصمان بين يدي القاضي (78) . و لو قاما بين يديه جاز. قيل: و لا تجوز الاقامة ان لم يرضيا (79) . و هو حسن ان كان القضاء في مكان مباح لهما او مملوك لمن اذن بالجلوس لهما، و
الا فتجوز ان لم ياذن المالك بالجلوس، بل تجب. و ان اختار احدهما القيام مع جلوس الآخر فقد اسقط نفسه حقه بالتسوية، فيجوزه
من يرفع الامر بالتسوية حين اسقاط احدهما.و الحق عدم السقوط كما مر.
المسالة العاشرة:
اذا تعدى الغريمان او احدهما سنن الشرع ، فان كان بالاتيان بمحرم-كفحش او
ضرب او ايذاء للغريم او معاونه او للقاضي بنسبته الى جور او ميل او مثل ذلك-فعلى
القاضي العمل بمراتب النهي عن المنكر في ردعه عن التعدي، و اجراء حكم ما صدر فيه من
حد او تعزير، ان كان مما له حكم. و ان كان بغير المحرم-كاساءة ادب و مثلها-فينبغي له وعظه و ارشاده برفق و
مداراة.
المسالة الحادية عشرة:
قالوا: من اتى القاضي مستعديا على خصمه و التمس من الحاكم احضاره ، فان كان
خصمه في البلد و كان ظاهرا غير معذور يمكن احضاره وجب على الحاكم اجابته و
احضاره مطلقا، سواء حرر المستعدي دعواه ام لا، و سواء شق عليه الحضور في مجلس
الحكم -لكونه من اهل الصيانات و المروات-ام لا. و نسبه في الكفاية الى المعروف من مذهب الاصحاب (80) ، و في المسالك و شرح
المفاتيح و المعتمد و عن المبسوط: ادعاء الاجماع عليه (81) . قيل: لتوقف الحكم الواجب بينهما على ذلك، و لان الحاكم منصوب لاستيفاء الحقوق، و
ترك الاحضار تضييع لها (82) . و احتاط في الكفاية في احضاره قبل تحرير الدعوى، لان في الاحضار في مجلس الحكم
نوع ايذاء، فلعل دعواه كانت غير مسموعة (83) . و عن الاسكافي: التخصيص بمن لا يشق عليه الحضور من جهة الرفعة و الشرف، و اما هو
فيوجه الحاكم اليه من يعرفه الحال ليحضر، او وكيل له، او ان ينصف خصمه و يغنيه
عن معاودة الاستعداء (84) . و في المبسوط عن بعضهم: ان كان من اهل الشرف فيستدعيه الحاكم الى منزله دون
مجلس الحكم، لما ذكر (85) . و رد بعدم منافاة ذلك للشرف، فان عليا عليه السلام حضر مع يهودي عند شريح، و حضر
عمر مع ابي عند زيد بن ثابت ليحكم بينهما في داره، و حج المنصور فحضر مع جمالين
مجلس الحكم لحلف كان بينهما (86) . قالوا: و ان احتاج الاحضار الى بعض الاشخاص المرتبين على باب القاضي
فالظاهر ان مؤنتهم على الطالب ان لم يرزقوا من بيت المال. و اذا ثبت عند القاضي امتناعه من غير عذر او سوء ادب فللقاضي ان يستعين على
احضاره باعوان السلطان، فاذا حضر عزره بما يراه. و في كون مؤنة المحضر-و الحال هذه-على المدعي او على الخصم، وجهان، جزم بعضهم
بالثاني (87) و لا وجه له. قالوا: و متى كان للمطلوب عذر مانع من الحضور-كالمرض و الخوف من عدو و
شبههما-فليس للقاضي ان يكلفه الحضور، بل يكلفه بعث وكيل ليخاصم عنه، او يبعث القاضي
من يحكم بين المتخاصمين، و ان دعت الحاجة الى تحليفه يرسل اليه من يحلفه. قالوا: و ان كان المطلوب خارج البلد لا يحضره القاضي بمجرد التماس المدعي، بل
يساله ان يحرر دعواه عليه، فان حررها و كانت دعوى مسموعة احضره و ان كان في
بلدة بعيدة منه، و ان لم يحرر دعواه و حررها و كانت غير مسموعة لم يكلفه الحضور. و الفرق بين المسالتين في اعتبار التحرير في الثانية دون الاولى لزوم
المشقة و الضرر و عدمهما، اذ ليس في احضار الحاضر مؤنة و لا مشقة، بخلاف الغائب. و خالف في ذلك الاسكافي ايضا، و لم يوجب الاحضار حينئذ بمجرد تحرير الدعوى
ايضا، بل قال: لم يجب الا بعد ان يثبت المستعدي حقه عند الحاكم (88) .و مثله قال في
الخلاف (89) . و فرق في المبسوط بين كونه في بلد تحت ولاية القاضي و غيرها، فيحضر بالتحرير في
الاول، و يقضي على الغائب في الثاني (90) . و فرق في المختلف بين ما اذا لم يتمكن المدعي من الاثبات و طلب غريمه
للاحلاف، او لم يكن له مال، بل كان بيد الغريم، فلا يمكنه استيفاء الحق لو ثبت منه
بدون حضوره..و بين ما اذا تمكن و كان له مال يستوفي منه الحق ان ثبت..فيحضر
في الاول دون الثاني (91) . و قد تلخص مما ذكر: ان في صورة الحضور في البلد: ظاهر الاكثر الاتفاق على
الاحضار و لو قبل التحرير، لغير ذوي الاشراف و ارباب المعاذير. نعم، ناقش بعض متاخري المتاخرين في ذلك، و احتمل اختصاص وجوب الاحضار مع
الحضور بصورة تحرير الدعوى (92) .و هو ظاهر المحقق الاردبيلي، بل تامل هو في جواز
الاحضار بدون (93) التحرير ايضا. و في صورة الغيبة: و لا يحضر قبل التحرير، و اما بعده فالاكثر على الاحضار، و
الفاضل في المختلف على التفصيل المذكور، و المحقق الاردبيلي على التفصيل المنقول
عن المبسوط. هذا في الرجل. و اما المراة، فقالوا: ان كانت برزة كان حكمها حكم الرجل، فتحضر حيث يحضر
الرجل و لو من غير البلد، و لكن يشترط هنا-زيادة على الرجل-امن الطريق من هتك
عرض و وجود محرم و نحوه. و في الكفاية: الاولى البعث اليها للاحضار او التوكيل، الا بالنسبة الى من لا
تبالي بالاحضار اصلا (94) . قالوا: و ان كانت مخدرة لم تكلف الحضور بنفسها، بل يبعث اليها من يحكم او
يامرها بالتوكيل. و في الكفاية: لا يعتبر في المخدرة لان لا تخرج الا لضرورة، بل الظاهر ان التي قد
تخرج الى عزاء ذوي الارحام او زياراتهم او الى الحج و زيارة المشاهد
احيانا مخدرة. بل مع كثرة ذلك و خروجها الى السوق للبيع و الشراء و نحوهما كثيرا -كالخروج
لشراء الخبز و القطن و بيع الغزل و نحوها-بحيث لا تبالي بالخروج، فهي برزة، و
المرجع فيها الى العرف و العادة. و عن الشيخ في المبسوط: ان البرزة هي التي تبرز لقضاء حوائجها بنفسها، و
المخدرة هي التي لا تخرج لذلك، و هو قريب (95) .انتهى. قال في القواعد و شرحه: فان اختفى المدعى عليه المحضر نادى منادي الحاكم على
بابه ثلاثة ايام ان لم يحضر سمر (96) بابه و ختم عليه و جمع اهل محلته و اشهدهم على
اعدائه. فان لم يحضر و سال المدعي ختم بابه ختمها، فان لم يحضر بعد الختم بعث الحاكم
من ينادي ان لم يحضر اقام الحاكم عنه وكيلا و حكم عليه. فان لم يحضر فعل ذلك و حكم عليه ان ثبت عليه شي ء و ان لم يحكم عليه حال الغيبة
ابتداء (97) .انتهى. هذا ما ذكروه في هذا المقام، و لم اجد على اكثر ما ذكروه دليلا، و لا ارى له
وجها، الا اذا قلنا بعدم جواز الحكم على الغائب مطلقا. و اما لو قلنا بجوازه كذلك او على الغائب عن البلد، فلا وجه لوجوب الاحضار
فيما يجوز فيه الحكم عليه، لعدم توقف الحكم عليه، بل يحكم مع غيبته، فان ادى الى
الحلف، فان جوز الحلف في غير مجلس القضاء يبعث من يحلفه، و الا يحضره حينئذ. و ان ادى الى اخذ مال فيؤديه الحاكم من مال المدعى عليه ان كان، و ان كان
ماله عند نفسه يبعث من ياخذه منه او ياتي بحجته، بل يمكن ان يقال بعدم وجوب ذلك
حينئذ على الحاكم عينا، بل يجب على كل مقتدر على اجراء حكمه كفاية. و التمسك بالاجماع ضعيف، لان تحققه-بعد ما علمت-غير ثابت، و منقوله غير حجة، و
اضعف منه التمسك بجريان الصدر السلف عليه، اذ لم يكن في السلف للفرقة الناجية
قضاة علانية يحضرون و يعزرون غالبا، بحيث تثبت منه السيرة او الاجماع، و كان
الحكم بيد المتغلبة. و بالجملة: لا وجه تاما لوجوب الاحضار مع جواز الحكم على الغائب، فالاقرب:
التخيير، و الاولى البعث اليه و اخباره بانه يحضر او يحكم عليه. ثم ان بعض شراح المفاتيح-بعد بيان وجوب الاحضار كما تقدم- قال في شرح مسالة
الحكم على الغائب: كما يجب على القاضي احضار الخصم مع سؤال المدعي و امكان حضوره،
كذلك يجوز-على المشهور- ان لا يحضره، بل يحكم على من غاب عن مجلس القضاء، سواء
كان مسافرا او حاضرا في البلد.انتهى. و لا يخفى ما فيه من التناقض ظاهرا. و اما بعث المنادي و ختم الدار فلم اظفر له على رواية، و يشبه ان يكون ذلك
مستخرجا من الاعتبارات التي يستحسنها العامة، و ان كان شان مثل الفاضل ارفع
من ذلك، و لو لا انه تصرف في مال الغير بدون اذنه لقلنا باستحبابه، لفتوى ذلك
الشيخ الجليل. و الله هو الهادي الى سواء السبيل. تعليقات: 1) النساء: 58. 2) المائدة: 8. 3) سورة ص: 26. 4) نقله عنهما في المختلف: 700. 5) النهاية: 338. 6) المحقق في الشرائع 4: 80، و الفاضل في التحرير 2: 183. 7) المسالك 2: 365، الروضة 3: 72، المفاتيح 3: 252. 8) الديلمي في المراسم: 230، المختلف: 701. 9) السرائر 2: 157. 10) الكفاية: 266. 11) الكافي 7: 412-1، الفقيه 3: 8-28، التهذيب 6: 225-541، الوسائل 27: 211 ابواب
آداب القاضي ب 1 ح 1. 12) الكافي 7: 413-3، التهذيب 6: 226-543، الوسائل 27: 214 ابواب آداب القاضي ب 3
ح 1. 13) الفقيه 3: 8-27، الوسائل 27: 214 ابواب آداب القاضي ب 3 ح 1. 14) سنن البيهقي 10: 135، المسالك 2: 365. 15) فقه الرضا «ع » : 260، مستدرك الوسائل 17: 350 ابواب آداب القاضي ب 3 ح 1. 16) في «ح » : و هو. 17) في «ق » و «س » : المساواة. 18) في «ح » : المساواة. 19) المسالك 2: 365. 20) الكافي 7: 410-2، التهذيب 6: 222-529، الوسائل 27: 225 ابواب آداب القاضي ب 9
ح 2. 21) الرياض 2: 294. 22) المغني 11: 444. 23) ليس في «ح » . 24) الروضة 3: 73. 25) غنائم الايام: 676. 26) الكفاية: 266. 27) المحقق القمي في رسالة القضاء (غنائم الايام: 676) . 28) السرائر 2: 157. 29) القواعد: 204، الدروس 2: 74، المفاتيح 3: 252. 30) الوسيلة: 211، و الرياض 2: 395. 31) كما في المهذب 2: 582 و كشف اللثام 2: 148. 32) المسالك 2: 366. 33) المسالك 2: 366. 34) السرائر 2: 156. 35) المسالك 2: 366، التحرير 2: 183. 36) فقه الرضا «عليه السلام » : 260، مستدرك الوسائل 17: 351 ابواب آداب القاضي ب
5 ح 1. 37) المسالك 2: 366. 38) المختلف: 698. 39) كالكفاية: 266. 40) كما في مفتاح الكرامة 10: 32. 41) حكاه عن علي بن بابويه في المختلف: 698، المقنعة: 725، النهاية: 338. 42) الخلاف 6: 234-32. 43) الانتصار: 243. 44) المسالك 2: 366. 45) الكفاية: 266، المفاتيح 3: 252. 46) الفقيه 3: 7-25، الوسائل 27: 218 ابواب آداب القاضي ب 5 ح 2. 47) المفاتيح 3: 253. 48) نقله عنه في المختلف: 699. 49) الفقيه 3: 7-26، التهذيب 6: 227-548، الوسائل 27: 218 ابواب آداب القاضي ب 5 ح
1. 50) الحلي في السرائر 2: 156، الخلاف 6: 234-32، و المبسوط 8: 154. 51) في ص 123. 52) المبسوط 8: 170. 53) النساء: 128. 54) السرائر 2: 160. 55) الحجرات: 10. 56) الانفال: 1. 57) البقرة: 224. 58) الوسائل 27: 239 ابواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 6 ح 1، بتفاوت يسير. 59) الكافي 2: 209-2، الوسائل 18: 439 ابواب احكام الصلح ب 1 ح 1. 60) الختن بالتحريك: كل من كان من قبل المراة، مثل الاب و الاخ، و هم
الاختان. هكذا عند العرب، و اما عند العامة فختن الرجل: زوج ابنته-الصحاح 5: 2107. 61) الكافي 2: 209-4 و فيه: و افتديها من ماله، التهذيب 6: 312-863 الوسائل 18:
440 ابواب احكام الصلح ب 1 ح 4، و فيه: و افتدى بها من ماله. 62) الكافي في الفقه: 447. 63) الكافي 7: 427-10، الفقيه 3: 23-64، التهذيب 6: 290-805 الوسائل 27: 285 ابواب
كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 21 ح 5. 64) الشرائع 4: 81، القواعد 2: 205. 65) المسالك 2: 366. 66) المقنعة: 724، النهاية: 341، المراسم: 231، السرائر 2: 160. 67) الفقيه 3: 19-45 الوسائل 27: 304 ابواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 35ح 1. 68) دعائم الاسلام 2: 537-1905، مستدرك الوسائل 17: 358 ابواب آداب القاضي ب 11 ح
2، بتفاوت يسير. 69) المبسوط 8: 151: القواعد 2: 205. 70) الكافي 7: 413-4، التهذيب 6: 226-544، الفقيه 3: 7-21 الوسائل 27: 214 ابواب
آداب القاضي ب 3 ح 2، بتفاوت. 71) المبسوط 8: 151. 72) القواعد 2: 205. 73) المسالك 2: 364. 74) الكافي 7: 413-5، التهذيب 6: 227-546، الوسائل 27: 213 ابواب آداب القاضي ب 2
ح 2. 75) الفقيه 3: 7-24، بتفاوت يسير، الوسائل 27: 213 ابواب آداب القاضي ب 2ح 2. 76) سنن البيهقي 8: 226. 77) المغني 11: 444-445، بتفاوت. 78) المغني 11: 445. 79) انظر كشف اللثام 2: 149. 80) الكفاية: 365. 81) المسالك 2: 265، المبسوط 8: 154.و فيه: و هو الاقوى عندنا... 82) الرياض 2: 393. 83) الكفاية: 265. 84) حكاه عنه في المختلف: 702. 85) المبسوط 8: 154. 86) انظر المبسوط 8: 154. 87) كما في المسالك 2: 365. 88) حكاه عنه في المختلف: 702. 89) الخلاف 6: 235-236-34. 90) المبسوط 8: 155. 91) المختلف: 703. 92) حكاه في الرياض 2: 393. 93) في «ق » بذلك... 94) الكفاية: 265-266. 95) الكفاية: 266. 96) السمر: شدك شيئا بالمسمار.و سمره يسمره و سمره، جميعا: شده.لسان العرب 4: 378. 97) القواعد 2: 207، كشف اللثام 2: 334.