الفصل الخامس: في نبذ من احكام الدعاوى في الاعيان
و فيه مسائل:
المسالة الاولى:
قيل: ظاهر اليد يقتضي الملكية ما لم تعارضه البينة ، بلا خلاف فيه يوجد، و ربما كان
ذلك اجماعا، بل ضرورة، و النصوص به مع ذلك مستفيضة: منها: -زيادة على ما تاتي اليه الاشارة في بحث تعارض البينة-الخبر المروي في
الكتب الثلاثة، و فيه: ارايت اذا رايت[شيئا]في يد رجل ايجوز[لي]ان اشهد انه له؟
فقال: «نعم » قلت: فلعله لغيره، قال عليه السلام: «و من اين جاز لك ان تشتريه و يصير ملكا لك، ثم تقول بعد الملك: هو لي، و تحلف
عليه، و لا يجوز ان تنسبه الى من صار ملكه اليك من قبله؟ »ثم قال عليه السلام: «و
لو لم يجز هذا ما قام للمسلمين سوق » (1) . و قريب منه الخبر المروي في الوسائل عن تفسير علي بن ابراهيم صحيحا، و عن
الاحتجاج مرسلا، عن مولانا الصادق عليه السلام في حديث فدك: «ان امير المؤمنين
عليه السلام قال لابي بكر: تحكم فينا بخلاف حكم الله تعالى في المسلمين؟ قال: لا،
قال: فان كان في يد المسلمين شي ء يملكونه ادعيت انا فيه من تسال البينة؟ قال:
اياك كنت اسال البينة على ما تدعيه، قال: فاذا كان في يدي شي ء فادعى فيه
المسلمون، تسالني البينة على ما في يدي و قد ملكته في حياة رسول الله صلى الله عليه و
آله و بعده، و لم تسال المؤمنين البينة على ما ادعوا كما سالتني البينة على ما
ادعيت عليهم؟ ! »الخبر (2) .انتهى (3) . اقول: في شرح المفاتيح ايضا ادعاء الاتفاق على اصل الاقتضاء. ثم اقول: الرواية الاولى هي رواية حفص بن غياث، و هي و ان كانت ضعيفة الا ان الرواية
معتبرة، لوجودها في الاصول المعتبرة، و مع ذلك بعمل الاصحاب منجبرة، و
بالرواية الاخرى و غيرها معتضدة. و تدل عليه ايضا موثقة يونس بن يعقوب: في المراة تموت قبل الرجل او رجل قبل
المراة، قال: «ما كان من متاع النساء فهو للمراة، و ما كان من متاع الرجل و
النساء فهو بينهما، و من استولى على شي ء منه فهو له » (4) . و لا شك ان الاستيلاء على الشي ء يتحقق بكونه في يده، و الاختصاص بمتاع البيت غير
ضائر، لعدم الفاصل. و يمكن ان يستدل على المطلوب ايضا برواية مسعدة: «كل شي ء هو لك حلال حتى تعرف
الحرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، و ذلك مثل ثوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة،
او المملوك عندك لعله حر قد باع نفسه او خدع فبيع او قهر، او امراة تحتك و هي اختك
او رضيعتك، و الاشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، او تقوم به البينة » (5) .
و تدل عليه ايضا رواية حمزة بن حمران: ادخل السوق فاريد ان اشتري جارية فتقول:
اني حرة، فقال: «اشترها، الا ان تكون لها بينة » (6) . و صحيحة العيص: عن مملوك ادعى انه حر و لم يات ببينة على ذلك، اشتريه؟ قال: «نعم » (7) .
فلا كلام في اصل المسالة، و انما الكلام في مواضع: الاول: في معنى اليد ، فانه قد يتصور ان معنى اليد في هذا الكلام ليس على حقيقته، بل
المراد المعنى المجازي، و لعدم انحصاره في معنى خاص اما يدخله الاجمال، او يحمل
على اقرب المجازات، و هو ايضا لا يخلو عن ابهام و اجمال. و فيه: ان اليد و ان كانت حقيقة في العضو المخصوص الا انها في هذا التركيب ليست
مجازا، لان هذا التركيب حقيقة في معنى خاص يعرفه اهل المحاورات بقرينة
التبادر و عدم صحة السلب، فيجب الحمل عليه. و لا شك في صدق الكون في اليد عرفا فيما كان تحت اختياره و يتصرف فيه
التصرفات الملكية-كالبيع، و الاجارة، و الاعارة، و نحوها- و كذا فيما
يستعمله و ينتفع به و يتصرف فيه بالافساد و الاصلاح، كالركوب و الحمل في
الدابة، و العمارة و التخريب في الدار، و الغرس و الزرع في الارض، و هكذا..و من
وجوه الاستعمال: وضع متاعه، او جنس آخر، بل مطلق ماله فيه، للصدق العرفي. و هل تصدق اليد على شي ء بكونه في مكانه المختص به تملكا او استئجارا او عارية، كغلة
في بيته، او دابة في مذوده (8) ، او متاع في دكته؟ الظاهر: نعم، للصدق العرفي. و اما في كون ماله فيه من غير وضعه فيه او عدم ثبوت ذلك-كمذود فيه دابته،
او دار فيها متاعه-يدا نظر، الظاهر: العدم ما لم يعلم انه بنفسه وضعه، للشك في صدق
الاسم، فلو كانت هناك دابة عليها حمله الذي حمله بنفسه عليها تصدق اليد على الدابة،
بخلاف ما اذا كان عليها حمله و لم يثبت انه حمله عليها، او حمله غيره الذي يدعي
الدابة و بيده لجامها. و هل يكون اغلاق باب الدار و نحوها و كون مفتاحها في يده يدا؟ الظاهر: نعم، لو كان هو الذي اغلق الباب و اخذ المفتاح. و قد تتعارض الامور الموجبة لصدق اليد في مال، كما اذا كان متاع زيد في الدار و
اغلق عمرو بابها، او تكون دابة في حصار و عليها حمل الغير، او زمامها في يد
الغير، و نحو ذلك..و يجب الرجوع الى العرف في الصدق في امثاله. و من صور التعارض: ما اذا كان طريق في دار زيد و يسلكه عمرو فادعى ملكيته، و
الظاهر حينئذ ترجيح السالك.و منه: الدابة عليها حمل زيد و لجامها بيد عمرو. و من باب التعارض: ما اتفق في هذه الايام في قريتنا، فكانت فيها دار فيها
طريق يعبر عنه عامة الناس، فسد مالك الدار الطريق و لم ينازعه احد من العابرين
الا واحد، فزاحمه و ادعى الملكية متشبثا باليد الحاصلة من العبور، فمنعنا صدق اليد
له عليه، لعدم ثبوت ما كان ينتفع به منه امرا مخصوصا به تصدق لاجله يده عليه. و منه يعلم انه لو لم يكن ذلك الطريق في ملك شخص معلوم، و ادعى احد ملكيته، و نازعه
واحد من العابرين لاجل نفسه لا للعامة، لاجل يد العبور، لا يصلح لمزاحمته، لعدم كون
ذلك يدا، و ان جاز له مزاحمته لكونه طريقا مسلوكا له و لغيره. ثم لا يتوهم ان ما ذكرنا-من عدم توقف صدق اليد على التصرفات الملكية-يخالف ما
ذكره جماعة في بحث ما يصير به الشاهد شاهدا من الاشكال في جواز الشهادة
بالملكية بدون مشاهدة التصرفات، كصاحب الكفاية، بل المحقق (9) ، بل قد يستشكل مع
التصرفات ايضا، و نقل التردد فيه عن المبسوط (10) ، لان اليد شي ء، و الشهادة على
الملكية شي ء اخر.. و لذا تراهم جميعا يقولون: اليد المنفردة عن التصرف هل تصحح الشهادة على الملكية،
ام لا؟ فيثبتون اليد، و يختلفون في الشهادة، بل قد يثبتون اليد و يضمون معها
التصرف ايضا. و كذا لا ينافي ما ذكروه مع ما سنذكره من اقتضاء مطلق اليد اصالة الملكية، كما ان
استصحابها ايضا يقتضي اصالتها مع الاختلاف في جواز الشهادة بالملكية
الاستصحابية..و لذا اتفقوا على ان ما كان في يد مورث شخص و لم يعلم حاله يحكم
بملكيته له، و يجوز اشتراؤه منه و لو لم تجز الشهادة له بملكية مورثه. الثاني: المراد بكون اليد ظاهرة في الملكية و اقتضائها لها: انها الاصل فيها،
لا انها الدليل عليها ، فلا يخرج عن مقتضاها بلا دليل مخرج، و لا يعارض دليلا اصلا،
بل ترفع اليد عنه مع الدليل، كما هو الشان في الاصول، و لذا لو لا انه ورد من الشرع
الحلف على المنكر لو لا البينة لما حكمنا به. و الدليل على ذلك الاجماع، و اخبار سؤال البينة عن المنازع (11) و الحكم بها، و قوله
في رواية مسعدة المتقدمة: «حتى يستبين لك غير ذلك » (12) ، و بها تقيد الاطلاقات
ايضا. الثالث: لا شك في انه يشترط في اقتضاء اليد اصالة الملكية عدم انضمام
اعترافه بعدم الملكية بالاجماع ، فانه دليل مخرج عنها. و هل يشترط انضمام ادعائه الملكية، ام لا؟ الظاهر: الثاني، لعموم صدر رواية حفص المتقدمة (13) ، الحاصل من ترك الاستفصال، و
موثقة يونس السابقة (14) ، بل لظاهر الاجماع، و لذا يحكم بملكية ما في يد الغائب-و كان
في يد المتوفى-له، و يحكم بكونه ميراثا منه ما لم يعلم خلافه، و يجوز الانتفاع
بما في يد احد مع اذنه من دون سؤال ادعائه الملكية و عدمه. نعم، الظاهر اشتراط عدم انضمام ادعاء عدم العلم بملكيته ايضا، فلو قال ذو
اليد: اني لا اعلم انه ملكي ام لا، لا يحكم بملكيته، لان الثابت من اقتضاء اليد
الملكية غير ذلك المورد. اما الاجماع فظاهر، و اما اخبار طلب البينة من مدعيه فكذلك ايضا. و اما الروايتان المتقدمتان (15) فلظهورهما في ذلك، بل قوله في الثانية: «يملكونه » صريح فيه، كما ان قوله في الاولى: «صار ملكه اليك من قبله »ظاهر فيه
ايضا. و اما الموثقة (16) فلامكان منع صدق الاستيلاء عليه في مثل ذلك الشي ء. مضافا الى رواية جميل بن صالح الصحيحة عن السراد: رجل وجد في بيته دينارا، قال:
«يدخل منزله غيره » ؟ قلت: نعم كثير، قال: «هذه لقطة » قلت: [فرجل وجد]في صندوقه دينارا، قال:
«يدخل احد يده في صندوقه غيره او يضع فيه شيئا؟ » قلت: لا، قال: «فهو له » (17) . فانه حكم فيما هو في داره الذي لا يعلم انه له مع كونه في يده على ما مر، و
مستوليا عليه انه ليس له، و ايضا علل كون ما وجد في الصندوق له بما يفيد العلم
بانه ليس لغيره. و الى موثقة اسحاق بن عمار: عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد فيها نحوا من
سبعين درهما مدفونة، فلم تزل معه و لم يذكرها حتى قدم الكوفة، كيف يصنع؟ قال:
«[يسال]عنها اهل المنزل لعلهم يعرفونها» قلت: فان لم يعرفوها؟ قال: «يتصدق بها» (18) . فانه لا شك ان الدراهم كانت في تصرف اهل المنزل على ما عرفت، و لو انهم قالوا:
لا نعلم انها لنا او لغيرنا، فيصدق انهم لا يعرفونها، فلا يحكم بملكيتها لهم. و من ذلك يعلم ان اليد لا تكفي في حكم ذي اليد لاجلها لنفسه ان لم يعلم ملكيته، و لكن
المراد بعدم علمه الملكية: عدم علمه بالملكية الشرعية لا الواقعية، فان الغالب ان
الوارث لا يعلم حال ما انتقل اليه من مال مورثه، و المشتري في السوق لا يعلم انه
من مال البائع، اذ ربما سرقه او غصبه، فان اليد الخالية عن اعتراف المورث و
البائع بالعلم بعدم الملكية او عدم العلم بالملكية الشرعية كافية في علم الوارث و
المشتري بالملكية الشرعية. فلو كان متاع في دكة احد و لم يعلم انه مما ورثه او اشتراه او وضعه غيره، لا يجوز
له التصرف فيه. و كذا اذا كان في ما خلفه مورثه شي ء اعترف المورث باني لا اعلم انه مني او لا. و كذا لا يجوز شراء شي ء عن شخص كان في يده و يقول: اني لا اعلم انه من اموالي او من
الغير. بل يلزم على ذي اليد الفحص، فان لم يتعين مالكه يكون مجهول المالك، اما كونه
مجهولا عند غير ذي اليد فظاهر، و اما عنده فكذلك ايضا، لاجل انه يعلم انه لا يعلم. الرابع: كما ان مقتضى اليد اصالة الملكية فيما يملك كذلك مقتضاها اصالة
الاختصاص بذي اليد فيما ليس ملكا -كالوقف-فلو كان شي ء في يد احد مدعيا وقفيته عليه
فادعاه غيره و لا بينة له يقدم قول ذي اليد، لموثقة يونس بن يعقوب المتقدمة (19) ، بل
الظاهر الاجماع ايضا. الخامس: ما ذكر من تقديم قول ذي اليد لدلالة اليد على الملكية او الاختصاص انما هو
اذا لم يعارضه اصل آخر ، و اما اذا عارضه اصل او استصحاب آخر ففي بعض موارده
الخلاف، و في بعض آخر يقدم الاستصحاب كما ياتي. فلو ادعى مالك الارض ملكيتها و المتشبث بها وقفيتها عليه منه، او المتشبث:
الاجارة، و المالك: عدمها، او المتشبث: التحجير، و غيره اثبت تحجيره
السابق، لا يقدم قول ذي اليد كليا، و تحقيق كل مسالة مذكور في موضعها. السادس: هل يختص اقتضاء اليد لاصالة الملكية او الاختصاص بالاعيان، ام يجري
في المنافع ايضا؟ لم اعثر بعد على مصرح باحد الطرفين، و الظاهر هو الاول، للاصل،
و عدم ثبوت الاجماع في غير الاعيان، و اختصاص اكثر الاخبار بها. اما اخبار تعارض البينات (20) و الروايتان الاخيرتان فظاهرة، لان موردها في
الاعيان. و اما رواية حفص (21) ، فلان لفظ: «شيئا» فيها و ان كان نكرة في سياق الشرط المفيدة
للعموم الا ان رجوع الضمير في قوله: «الشراء منه » و: «ان تشتريه » يوجب اما تخصيصه
بالاعيان، او التوقف، كما بين في الاصول، لعدم جواز الشراء في المنافع
اجماعا. و اما الموثقة (22) ، فلرجوع الضمير المجرور فيها الى المتاع، الذي هو من
الاعيان. و اما رواية مسعدة (23) ، فلان الاستدلال بها انما هو بواسطة الامثلة المذكورة
فيها، و كلها من الاعيان.و اما قوله: «و الاشياء كلها على هذا»فانما يدل على
الحلية دون المطلوب. نعم، ظاهر حديث فدك (24) العموم، الا انه يمكن دعوى اختصاص صدق اليد حقيقة بالاعيان،
فانها المتبادر عرفا من لفظ: «ما في اليد» ، بل الاستيلاء و صدقه على المنافع غير
معلوم، بل نقول: ان الكون في اليد و الاستيلاء انما هو في الاشياء الموجودة في
الخارج القارة، و اما الامور التدريجية الوجود الغير القارة-كالمنافع-فلو
سلم صدق اليد و الاستيلاء فيها فانما هو فيما تحقق و مضى، لا في المنافع الآتية
التي هي المراد هنا. و لا يتوهم ان ما ورد في خصوص الرحى الواقعة على نهر ماء الغير و المنع عن سد
الماء عنه (25) يثبت اقتضاء اليد في المنافع الملكية ايضا، و كذا ما ذكره جماعة في
الميراث، لان عدم اقتضاء اليد الملكية لا ينافي المنع عن سد منفعة مخصوصة بدليل
آخر-كالخبر، او الضرر-فيختص الحكم بمورده. و اما ما قد يدعى من ظهور اليد في الملكية، و هو حاصل في المنافع ايضا. ففيه-بعد تسليم اليد-: منع حجية ذلك الظهور اولا، و منع الظهور ثانيا، لانه لو سلم
فانما هو في الاعيان مع التصرفات الملكية.و اما في المنافع التي اعيانها
ملك الغير فلا، لشيوع مشاهدة تصرفات الناس في كثير من المنافع من غير تحقق جهة
اللزوم و الملكية، فيحمل الجار على حائط جاره او المشترك، و ينصب الميازيب على
داره، و يطرح الثلج، و يضع خشب السقف على حائطه، و يجري الماء من داره الى داره،
او ماءه الى داره، و يستعمل المسلمون-بشاهد الحال-بعضهم ماء بعض، و يجرون
مياههم في دورهم، و قد يغيرون مواضع الجريان في كل عام، و يبنون الحياض الكبيرة
المجددة، الى غير ذلك. بل يمكن ادعاء ظهور عدم الملكية في امثال ذلك، و ابتناء الامر اولا على
المسامحة، او شاهد الحال. السابع: ما ذكر-من ان الاستيلاء يدل على اصالة الاختصاص للمستولي-انما هو
اذا لم يكن هناك مدع ثبت له اختصاص آخر ايضا، فلو كان كذلك لا يفيد الاستيلاء
شيئا، لان جهة الاختصاص الثابتة بالاستيلاء غير معينة، و ارجاعها الى ما يدعيه
المستولي لا دليل عليه بخصوصه حتى يحمل عليه، و الجهة الاخرى للغير ثابتة، فليس
لها معارض معلوم، و لا رافع كذلك. فلو ادعى احد استئجار شي ء في يد غيره، مدعيا بانه استاجره، تطلب البينة من
المدعي، لاصالة الاختصاص بالمستولي، فان جهة الاختصاص بينهما واحدة. بخلاف ما لو ادعى المالك عدم الاجارة، لان ملكيته مختصة به، و المستاجر يدعي
الاختصاص الاستئجاري، و لا دليل عليه. و كذا لو ادعى احد اختصاصه بشي ء في يده، و يستولي عليه من جهة استحقاق منفعته بصلح
و نحوه، و ادعى (26) المالك عدمه، فلا يقدم قول المستولي، لثبوت جهة اختصاص للمالك،
و عدم ثبوت الاختصاص النفعي للمستولي فاحتفظ بذلك، فانه مفيد في كثير من
المواضع. الثامن: يشترط في دلالة اليد على الملكية احتمال كونها ناشئة من السبب المملك ،
فلو علم مبدؤها و انه ليس سببا مملكا لا حكم لها، كيد الغاصب و الودعي، و كما اذا
كان شي ء لم يحتمل وجها شرعيا مملكا، و كما اذا اخذه المدعي بحضورنا و اثبت يده
عليه، للاجماع، و اختصاص الادلة بغير ذلك. و المراد باحتمال الاستناد الى السبب المملك ايضا: الاحتمال المتحقق بعد
اعمال الاصول و القواعد الممهدة الثابتة، فلو كانت هناك يد لم يعلم منشؤها، و لكن
علم مسبوقيتها بيد عارية او غصب، و لم يعلم ان اليد الحالية هل هي تلك اليد، او
زالت الاولى و حصلت يد حاصلة من السبب المملك، فمقتضى استصحاب اليد السابقة و
اصالة عدم حدوث يد اخرى يجعلها هي اليد الاولى، فلا تفيد ملكيته. و ليس هذا من باب تعارض الاستصحاب و الاصل مع اليد المقتضية للملكية، بل تصير
اليد بواسطة الاصل و الاستصحاب غير اليد المقتضية. التاسع: لا يشترط في صدق اليد عرفا مباشرة ذي اليد بنفسه للتصرف ، بل تكفي مباشرة
الوكيل و المستعير و الامين و المستاجر و الغاصب بعد ثبوت احد هذه الاوصاف
له في ذلك التصرف، للصدق العرفي..و كذا يد المقر انها لزيد، فانه يقال عرفا: انها
في يد زيد، فتامل. العاشر: يمكن ان تكون يدان او ازيد على شي ء واحد ، بمعنى: ان تكون يد كل منهما بحيث لو
كانت منفردة لصدق كون ذيها ذا اليد بالنسبة الى تمام الشي ء عرفا، كالدابة
يركبانها رديفين، او السراج يستضيئان به، و اللحاف ينامان معا في كل ليلة
فيه، و الاناء ياكلان منه دفعة، و حينئذ فيحكم بكونهما ذا اليد على ذلك الشي ء، لا ان
يد كل منهما على بعضه المشاع، لامكان كون شي ء واحد في يد اثنين، فلا ضرورة الى
التبعيض. و ليست اليد كالملكية التي لا يمكن تعلقها بتمام شي ء بالنسبة الى كل من الشخصين،
بل مثل القرابة لشخصين و التوطن في بلدتين، و الجارية لدارين، و المصاحبة مع
شخصين، و المؤانسة لهما، و هكذا. الحادي عشر: اقتضاء اليد للملكية التامة لذي اليد انما هو اذا لم تعارضها يد اخرى
ايضا ، اي كانت يدا منفردة، فلو كان شي ء واحد في يد شخصين-بحيث لم تختص يد كل بالبعض
عرفا-لا يدل على ملكيته لواحد منهما، للمعارض، و لا لهما معا بان يكون تمامه ملكا
لهما، لعدم الامكان. و هل يحكم حينئذ بالاشتراك في الملكية حتى يكون بينهما بالسوية؟ كما هي قاعدة الشركة، مع عدم دليل على الاختلاف، ام لا، بل يحكم بواسطة اليدين على
نفي ملكية غيرهما و ان لم يحكم بملكيتهما او احدهما؟ ظاهر اكثر الاخبار المتقدمة و ان كان خاليا عن الدلالة في ذلك، لان الرواية
الاولى (27) مختصة باليد الواحدة، و العلة المذكورة فيها بقوله: «و من اين جاز لك »
الى آخره، لا تدل على انه اذا اشتراه من اثنين يجوز له ان يشهد انه لهما، بل تدل
على انه يجوز له ان يشهد انه ملك لهما او لاحدهما. و الثانية (28) و ان كانت اعم الا انها لا تدل على الازيد من طلب البينة من الخارج
عنهما، المستلزم لاقتضاء نفي ملكية الغير و حصول الملكية في الجملة الشاملة لملك
هذا و هما معا بالشركة، و اما الاشتراك بخصوصه فلا. و كذا اطلاق الروايات الثلاث الاخيرة (29) . الا ان مقتضى قوله في الموثقة: «و من استولى على شي ء منه فهو له » (30) انه لو
استوليا معا عليه كان لهما، و بمقتضى قاعدة التساوي في الشركة المبهمة انه
بينهما نصفين، و مرجعه الى ان اليدين المشتركتين تقتضيان الملكية المشتركة. و تعضده الروايات الكثيرة (31) الدالة على تنصيف ما يدعيه الاثنان و يدهما عليه
بدون البينة لاحدهما، او مع البينة لهما، بل الظاهر انه اجماعي ايضا، كما يظهر
من حكمهم بالتنصيف في تداعي شخصين ما في يدهما معا. الثاني عشر: لو اقر ذو اليد بملكية زيد، ثم اقر بعده لعمرو، يحكم باليد لزيد ، لثبوتها
بالاعتراف الاول، و عدم صدق اليد عرفا للثاني بعد الاول، فلا يصلح الثاني لمعارضة
الاول، فيبقى الاول بلا معارض و مستصحبا.
المسالة الثانية:
لو تنازع اثنان في عين واحدة ، بان ادعى كل منهما جميعها، فاما تكون في يدهما،
او يد احدهما، او يد ثالث، او لا يد عليها، فهذه اربع صور. الصورة الاولى: ان تكون في يدهما معا ، فترجع دعوى كل منهما الى النصف الذي في يد
الآخر، و يكون النصف الآخر خاليا له عن المعارض، لما مر في الموضع الحادي عشر من
المسالة الاولى. و على هذا، فان كانت هناك بينة لاحدهما يحكم بالجميع له، لان البينة حجة شرعية. و ان كانت لهما فيرجع الى تعارض البينات، و ياتي حكمه. و ان لم تكن بينة يحلف كل منهما على نفي ما يدعيه صاحبه مما في يده، لانه منكر
بالنسبة اليه، و لا يتعرض في الحلف لاثبات ما في يده، اذ لا يمين على ما لا دعوى
فيه.فان حلفا او نكلا قضي بينهما بالسوية من غير رد يمين على المنكول له، على
المختار. و ان حلف احدهما و نكل الآخر بعده قضي بالجميع للحالف من غير رد يمين اخرى عليه،
على ما اخترناه من القضاء بالنكول. و ان نكل الاول ثبتت دعوى صاحبه في نصف الناكل، فان حلف الآخر لنفي النصف الذي
ادعاه صاحبه عليه يخلص الكل له. و على القول برد يمين الناكل، تثبت على كل منهما
اليمين المردودة مع نكولهما، و على الحالف يمين اخرى بعد نكول الثاني مع نكوله
بعد حلف الاول، فيحلف مرتين، و كذا اذا كان النكول قبل حلف صاحبه. و هل يجمع اليمينين حينئذ في يمين واحدة، ام لا؟ الوجه: الاول، كما هو ظاهر الاصحاب من غير خلاف يعرف كما قيل (32) ، لما اثبتنا
في موقعه من اصالة تداخل الاسباب. ثم انه هل يتخير الحاكم في البداة بينهما بالاحلاف، او يقرع بينهما؟ فيه وجهان، و قيل: يبدا بالسابق منهما بالدعوى، فيحلف صاحبه (33) .و هو حسن، لما
مر من تقديم حق من بدر بالدعوى. و يمكن الاستدلال ايضا بان كلا منهما-لكون يد الآخر عليها- مدعي، و لكون يده عليها منكر،
فلكل منهما الحلف و الاحلاف، فيتحالفان، او ينكلان، او يحلف احدهما و ينكل الآخر،
لعموم الادلة، فالترجيح على الاخير ظاهر، و على الاولين لا يمكن الجمع
باعطاء جميع العين كلا منهما و لا منع كليهما، لعدم خروج الملكية عنهما، و لا ترجيح
احدهما بزيادة، لعدم المرجح، فلم يبق الا التنصيف، و لكن فيه كلام ياتي من عدم
ظهور مثل ذلك من المدعي و المنكر المتقابلين. و يدل على المطلوب ايضا: انه ثبت تنصيف العين بينهما في المورد من الاخبار،
كمرسلة ابن المغيرة الصحيحة عن ابن محبوب-مع كون الارسال عن غير واحد من
اصحابنا-: في رجلين كان معهما درهمان، فقال احدهما: الدرهمان لي، و قال الآخر: هما
بيني و بينك، فقال ابو عبد الله عليه السلام: «اما الذي قال هما بيني و بينك فقد اقر
بان احد الدرهمين ليس له فيه شي ء و انه لصاحبه، و يقسم الدرهم الثاني بينهما
نصفين » (34) ، المعتضدة بموثقة يونس المتقدمة (35) . و رواية السكوني: في رجل استودع رجلا دينارين و استودعه آخر دينارا، فضاع دينار
منهما، فقضى لصاحب الدينارين دينارا، و يقسمان الدينار الباقي بينهما نصفين (36) . و ثبت ايضا بالعمومات المشار اليها توقف القضاء بينهما على التحالف، فيعمل
بالجميع، فيتحالفان و يقتسمان نصفين. و لكن يبقى ها هنا شي ء يرد على ذلك و على ما تقدم ايضا، و هو ان الظاهر المتبادر
من الاخبار الاخيرة-التي هي اخص مطلقا من العمومات- ان الاقتسام انما هو
بلا حلف، بل هو من مقتضى اطلاقها او عمومها، فانها حاكمة بالتقسيم مطلقا، سواء
حلفا او حلف احدهما خاصة. فمقتضى الاستدلال تقديم الاخيرة و القضاء بينهما نصفين من دون حلف، كما هو
مختار المحقق في الشرائع صريحا (37) ، و السيد ابي المكارم في الغنية ظاهرا، مدعيا
عليه اجماع الطائفة، قال فيه: و ان كان لكل واحد منهما يد و لا بينة لاحدهما كان الشي ء
بينهما نصفين، كل ذلك بدليل اجماع الطائفة (38) .انتهى. و نقل القول به في التحرير ايضا، حيث قال في المسالة على ما حكي: ان فيها قولين (39) .
و ظاهر بعض فضلائنا المعاصرين التردد (40) ، حيث نقل القولين من غير ترجيح، و لكن
المشهور بين الاصحاب-كما صرح به الصيمري-هو الاول.و قال في المسالك: بل لم ينقل
الاكثر فيه خلافا (41) . الا ان هذه الشهرة المحكية لا توجب و هنا فيما يقتضيه الاستدلال، سيما مع
معارضتها بالاجماع المحكي، و عدم تعرض طائفة لاصل المسالة، منهم الشيخ في النهاية (42) .
هذا، مع ما في دلالة العمومات على ثبوت الحلف في صورة التداعي كما ياتي بيانه،
فالاقوى هو مختار الشرائع، و الله العالم. الصورة الثانية: ان تكون في يد احدهما ، فيقدم قوله و تطلب البينة من الخارج،
فان اقامها فيحكم بها له اجماعا، و ان اقاماها يرجع الى التعارض الآتي حكمه. و ان لم تكن بينة، فللخارج احلاف ذي اليد المنكر، فان حلف سقطت الدعوى عنه، و ان نكل
يحكم بالعين للمدعي الخارج بدون يمين على الاظهر، و معها على القول الآخر، و لا خلاف
في شي ء مما ذكر غير ما اشير الى الخلاف فيه. و تدل عليه الاخبار المتواترة معنى المتقدمة اكثرها، و في الرواية: «فان كانت له » اي للمدعي الخارج «بينة، و الا فيمين الذي هو في يده، هكذا امر الله عز
و جل » (43) . الصورة الثالثة: ان تكون في يد ثالث و لا بينة ، و حينئذ فاما يصدق احدهما بخصوصه،
او يصدقهما معا، او يصدق احدهما لا بعينه-اي يقول: انها لاحدهما و لا اعرفه-او
يكذبهما معا، او يقول: لا ادري انها لهما او لا.. فعلى الاول، قالوا: بانها للمصدق له مع يمينه، فانه في حكم ذي اليد، و على الثالث
المصدق اليمين للآخر ان ادعى عليه علمه بانها له، فان امتنع يجب عليه اغرام
القيمة له بلا يمين، او مع اليمين المردودة، على اختلاف القولين، لانه لا يمكنه
دفع العين، لاستحقاق المصدق له اياها باقراره، فلا يمكنه الارتجاع عنه، و تفويته
العين على الآخر باقراره، فيغرم القيمة.و لم اعثر على مصرح بخلاف ذلك، بل لعله
اجماعي. و يدل على كونه للمصدق له انه حينئذ يكون ذا اليد، فان ظاهر العرف ان من اسباب
صدق اليد كونه الشي ء تحت تصرف من ثبت انه مباشره، كالوكيل و الامين و
المستودع و المستاجر و المستعير، او اقر بذلك..و لعل الى ذلك يشير استدلالهم
بانه في حكم ذي اليد، بل تصريح جماعة-منهم الشهيد في الدروس (44) -بان ذا اليد من صدقه
الثالث. و يدل عليه ايضا انه اقر الثالث بكونه له، و من اقر شيئا في يده لاحد فهو له. لا لعموم اقرار العقلاء على انفسهم جائز، لان الاقرار على النفس انما هو في نفيه
عن نفسه لا في اثباته للغير، مع ان الثابت دلالته من العموم ليس الا نفوذه على
نفسه لا على غيره. بل للمستفيضة الدالة على من اقر بعين لاحد فهو له، كمرسلة جميل: في رجل اقر انه غصب
رجلا على جاريته، و قد ولدت الجارية من الغاصب، قال: «ترد الجارية و ولدها على
المغصوب اذا اقر بذلك، او كانت له بينة » (45) ، و عمومها الحاصل من ترك
الاستفصال-بل من اداة الشرط-يشمل صورة ادعاء الغير للجارية ايضا. و صحيحة سعد بن سعد: عن رجل مسافر حضره الموت فدفع مالا الى رجل من التجار،
فقال: ان هذا المال لفلان بن فلان ليس له فيه قليل و لا كثير، فادفعه اليه يصرفه
حيث شاء، فمات و لم يامر فيه صاحبه الذي جعله له بامر، و لا يدري صاحبه ما الذي
حمله على ذلك، كيف يصنع؟ قال: «يضعه حيث شاء» (46) ، و مثلها صحيحة اسماعيل الاحوص (47) . دلتا على ثبوت المال لصاحبه بمجرد الاقرار، و لا يمكن ان يكون ذلك لادعائه
ما لا يد لاحد عليه، لانه لم يكن مدعيا له. و صحيحة ابي بصير: عن رجل معه مال مضاربة، فمات و عليه دين، فاوصى ان هذا الذي
ترك لاهل المضاربة، ايجوز ذلك؟ قال: «نعم، اذا كان مصدقا» (48) ، اي لم يكن متهما. و تؤيده ايضا رواية[المهتدي] (49) : ان اخي مات و تزوجت امراته، فجاء عمي فادعى
انه تزوجها سرا، فسالتها عن ذلك فانكرت اشد الانكار و قالت: ما كان بيني و
بينه شي ء قط، فقال: «يلزمك اقرارها و يلزمه انكارها» (50) . و تدل على سلطنة المدعي على احلاف المصدق له عمومات البينة على المدعي و اليمين على
من انكر. و على تغريم المصدق لو نكل او رد اليمين: ان بالنكول او اليمين المردودة ثبت
عليه الحق، كما مر في الاخبار المتقدمة في بحث النكول و رد اليمين (51) . و كل من ثبت عليه حق للغير وضيعه فعليه الغرامة، كما دلت عليه العلة المنصوصة في
رواية عمر بن حنظلة: في رجل قال لآخر: اخطب لي فلانة، فما فعلت من شي ء مما قاولت من
صداق او ضمنت من شي ء[او شرطت]فذلك رضا لي، و هو لازم لي، و لم يشهد على ذلك، فذهب
فخطب له و بذل عنه الصداق و غير ذلك مما طالبوه و سالوه، فلما رجع اليه انكر له
ذلك كله، قال: «يغرم لها نصف الصداق عنه، و ذلك انه هو الذي ضيع حقها» الحديث (52) ،
دلت على ان من ضيع حقا لغيره فعليه الغرامة له. و على الثاني قالوا: يقضى بها لهما بالسوية، و لكل منهما احلاف الآخر كما لو
كانت في يدهما، و لهما احلاف المصدق ان ادعيا علمه، لفائدة الغرم، فان حلف فهو،
و الا فيغرم القيمة تماما لهما، و يقتسمانها بينهما نصفين على القول بالحكم
بالنكول..و على القول برد اليمين عليهما، فان حلفا معا يغرم التمام كذلك
ايضا، و الا غرم نصف القيمة للحالف منهما. و يظهر الوجه في هذه الصورة ايضا مما ذكرنا في سابقتها بعينه. و على الثالث، قيل: يحتمل القرعة، فيحلف من خرجت له، فان نكل حلف الآخر، و ان نكلا
قسمت بينهما..و يحتمل القضاء بينهما نصفين ابتداء بعد حلفهما او نكولهما كما لو
كانت بيدهما (53) . اقول: بل الاوجه الثاني، لرواية السكوني: «قال امير المؤمنين عليه السلام في رجل
اقر عند موته لفلان و فلان لاحدهما عندي الف درهم، ثم مات على تلك الحال، فقال:
ايهما اقام البينة فله المال، فان لم يقم واحد منهما البينة فالمال بينهما
نصفان » (54) . و لكن الظاهر من الرواية التنصيف بدون الاحلاف، بل هو مقتضى اطلاقها، فالقول
به-كما فيما اذا كان في يديهما معا-اوجه. و حكم الفاضل في القواعد بالقرعة بينهما من غير ذكر حلف (55) ، و هو كان حسنا لو لا
الرواية المذكورة. و على الرابع، قالوا: حلف لهما و اقرت العين في يده، سواء ادعاها لنفسه ام لا، و
لا يجب عليه نسبة الملك الى نفسه او الى احد معين، و هو كذلك، لثبوت يده عليها
بالتصرف، و بعدم الاعتراف بها للغير. و على الخامس، فان قال: لا ادري انها لهما او لغيرهما-مع اعترافه بانها ليست
لنفسه-اقرع بينهما وفاقا للقواعد (56) ، لانها لكل امر مجهول، و لا حلف، لما ياتي في
الصورة الرابعة..و كذا ان قال: لا ادري انها لي او لهما. الصورة الرابعة: ان لا تكون يد عليها ، قال المحقق الاردبيلي: فهي مثل ما كانت في
يد ثالث، و لم يصدق احدهما، و لم يدعيا علمه، فيحلفان او ينكلان و يقتسمانها
بالسوية..و ان حلف احدهما دون الآخر تكون للحالف بحكم العقل، و لرواية اسحاق بن
عمار، و فيها: «فلو لم تكن في يد واحد منهما و اقاما البينة؟ قال: احلفهما،
فايهما حلف و نكل الآخر جعلتها للحالف » (57) .انتهى. اقول: الحلف امر شرعي يتوقف على التوقيف، و لا ارى دليلا على حلفهما هنا و الحكم
بنكولهما او نكول الناكل، و الرواية مخصوصة بصورة اقامتهما البينة، و التعدي
يحتاج الى الدليل، و القرعة لكل امر مجهول، فالرجوع اليها اظهر، كما حكم به علي
عليه السلام في روايتي ابي بصير و ابن عمار: الاولى: «بعث رسول الله صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام الى اليمن، فقال
له حين قدم: حدثني باعجب ما ورد عليك، قال عليه السلام: يا رسول الله، اتاني قوم
قد تبايعوا جارية، فوطؤوها جميعا في طهر واحد، فولدت غلاما، فاختلفوا فيه، كلهم
يدعيه، فاسهمت بينهم و جعلته للذي خرج سهمه، و ضمنته نصيبهم » الحديث (58) . و الاخرى: «اذا وطى ء رجلان او ثلاثة جارية في طهر واحد، فولدت، فادعوه جميعا، اقرع
الوالي بينهم، فمن قرع كان الولد[ولده، و يرد]قيمة الولد على صاحب الجارية » الحديث (59) ،
و عمل بها الاصحاب طرا في مورده من غير احلاف. فان قيل: عمومات البينة على المدعي و اليمين على المنكر تشمل المورد. قلنا: العمومات غير ظاهرة في مثل ذلك، بل ظاهرة في غيره، حتى ما تتضمن لفظ
«المدعى عليه » الغير المعلوم تحققه عرفا هنا، حيث انه لا يد لاحد عليها حتى يصدق
الادعاء عليه. و قد يقال: ان الرواية الواردة في قضية فدك: «و قد قال رسول الله صلى الله عليه و آله: البينة على من ادعى و اليمين على من انكر» (60) تشمل المورد، لصدق من انكر عليه، و
كذا رواية ابن ابي يعفور: «اذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقه فاستحلفه فحلف
ان لا حق له قبله، ذهبت اليمين بحق المدعي » الحديث (61) . و رد: بان مدلولهما ان كل بينة على المدعي و كل يمين على المنكر، لا ان كل مدع و منكر
عليه البينة و اليمين.و حاصله: منع عموم من انكر و المنكر، بل نفي عموم المدعي في
جميع الروايات ايضا. و فيه: انه لا وجه لمنع العموم حتى في قوله: «من انكر» ، لان الموصولة المتضمنة
لمعنى الشرط-اي ما كان ما بعده علة لما قبله-تفيد العموم، كما بين في الاصول. نعم، يرد عليه اولا: معارضة العمومات مع روايتي ابي بصير و ابن عمار. و ثانيا: ان[احد] (62) هذين المتخاصمين في مفروض المسالة لا يصدق عليه المدعى عليه
و لا المنكر-باي معنى من المعاني المذكورة لهما-في مقابلة المدعي، الذي هو من لو ترك
ترك، الى آخر التعاريف.. بل هما مدعيان، فلا يتوجه عليهما يمين و لو ابيت، الا ان المنكر عرفا من
شبث بالانكار، فلا يمكن ان يكون المراد الانكار الالتزامي، اذ يكون كل مدع منكرا
ايضا، و لا يقول به احد، مع ان الانكار الالتزامي لا يكفي في صدق المنكر العرفي قطعا،
فلا بد من ارادة الصريح..و لا شك ان الانكار الصريحي لا يكون في جميع صور مفروض
المسالة، بل انما هو اذا قال كل من المدعيين: انه ليس لك، منضما مع قوله: انه لي. و ثالثا: ان المتبادر من المدعي و المنكر في صورة ذكرهما و مقابلتهما: الذي لم يجتمع معه الآخر، فالمراد بالمدعي: الذي لم يكن منكرا، و بالمنكر: الذي لم
يكن مدعيا، كما هو ظاهر. و رابعا: انا لو سلمنا الجميع فلا يحكم بعد حلفهما بالتنصيف، لجواز اسقاط حق كل
منهما بحلف الآخر، فلا يحكم لواحد منهما، فتامل. هذا اذا كانت دعواهما دفعة واحدة، عرفا او حقيقة، و الا فيحكم بها للمتقدم
ادعاء، و تطلب البينة من الآخر او الاحلاف، كما مر. ثم ان كل ما ذكر في هذه الصور الاربع اذا لم تكن هناك بينة، و الا فان كانت
لاحدهما حكم بها له، لان البينة حجة شرعية..و ان كان لكل منهما و امكن الجمع
بينهما-كما لو شهدت احداهما بملك زيد امس، و الاخرى بانتقاله الى عمرو الآن، او
اطلقت احدهما و فصلت الاخرى- جمع بينهما، لوجوب العمل بهما مع عدم التنافي، و لو
لم يمكن الجمع فتتعارض البينات، و ياتي حكمه.
المسالة الثالثة:
لو ادعى احد مالا لا يد لاحد عليه، ليس لاحد منعه من التصرف فيه، و لا طلب البينة
منه، و لا احلافه ، للاصل، و الاجماع، بل الضرورة كما قيل (63) و موثقة منصور، بل صحيحته:
عشرة كانوا جلوسا و وسطهم كيس فيه الف درهم، فسال بعضهم بعضا: الكم هذا الكيس؟
فقالوا كلهم: لا، فقال واحد منهم: هو لي، [فلمن هو؟ ]قال: «هو للذي ادعاه » (64) ، و مقتضى
قوله: «هو للذي ادعاه » انه يحكم به له، و انه يجوز ابتياعه منه و التصرف فيه
باذنه.و نفي عنه الخلاف ايضا (65) . و قد يستدل له بصحيحة البزنطي ايضا: عن الرجل يصيد الطير الذي يسوى دراهم كثيرة،
و هو مستوي الجناحين، و هو يعرف صاحبه، ايحل له امساكه؟ قال: «اذا عرف صاحبه
رده عليه، و ان لم يكن يعرفه و ملك جناحه فهو له، و ان جاء طالب لا تتهمه رده عليه » (66) .
و فيه: ان الامر بالرد فيها مقيد بعدم الاتهام، الذي هو حقيقة في عدم تجويز
كذبه، و الا فيكون منهما، و مع عدم تجويز الكذب يخرج عن الموضوع، لانه حينئذ يعلم
ملكية الغير. و الاحتجاج له بوجوب حمل افعال المسلمين على الصحة و الصدق موقوف على ثبوت
القاعدة، و هو في حيز المنع، مع انها مخصوصة بالمسلم، و المدعي اعم منه.
فروع:
ا: لو ادعاه ثان بعد تصرف المدعي الاول له، او الحكم به له، يكون الثاني مدعيا،
فتجري عليه احكامه، و يقدم قول الاول، للاستصحاب، و لانه مقتضى كونه له فهو كذي
اليد، و لعدم دليل على قبول دعوى الثاني، لاختصاص الاجماع و النص بالاول. و كذا اذا ادعى الثاني بعد ادعاء الاول بزمان لا يعد ادعاؤهما دفعة عرفا، اذ
بالدعوى الاولى صار مالا للمدعي بحكم النص، و ان لم يضم بعد معه الحكم او التصرف
فيستصحب. نعم، لو كان ادعاؤهما دفعة عرفية او حقيقية يجي ء الاشكال، لعدم ثبوت اجماع، و
الخروج عن النص، لظهوره فيما لا يدعي معه في زمان واحد عرفا، و سياتي حكمه في باب
التنازع في الاعيان. ب: لو لم تكن عليه يد و لا مدع ظاهر، لا يحكم بكونه مجهول المالك، و لا تجري عليه
احكامه الا بعد الفحص اللازم، و هو القدر الميسور منه، لعدم صدق عنوان مجهول
المالك او غير معروف المالك عرفا الا بعد هذا القدر من الفحص، فاذا تحقق و
تصرف فيه النائب العام من جانب الامام، او تصدق به فادعاه مدع، لا يسمع منه
الا بعد الاثبات، للاستصحاب، و اختصاص النص و الاجماع بغير ذلك، فان اثبته
يرد اليه مع بقاء العين، و لا ضمان مع التلف..بل و كذا على الظاهر لو ادعاه بعد
الفراغ عن الفحص و الحكم بصدق العنوان، لما مر. ج: هل حكم ما في يد احد و لا يدعي ملكيته-بل يجهل مالكه، او ما في ذمة احد كذلك-كحكم
ما لا يد عليه، فيحكم به لمن يدعيه، او لا؟ مقتضى اصالة عدم براءة ذي اليد عن اشتغاله بايصاله الى صاحبه و اصالة عدم
تسلط المدعي على اخذه و عدم شرعية الحكم به له: الثاني، و الموثقة (67) مخصوصة بغير
ذلك المورد. و مما ذكرنا من الاصول و الخصوصية يظهر الفرق بينه و بين ما لا يد لاحد عليه. و لهذا القسم انواع كثيرة، منها: اللقطة، و الضالة، و الكنز، و مال من لا يعرف له
وارث اذا ادعى احد الوراثة، و المنهوب من بين جماعة غير محصورين، و المغصوب
منهم، و الموروث ممن اعترف المورث بعدم ملكيته، و المنسي صاحبه، و احد
المشتبهين اللذين كل منهما لشخص و تلف احدهما، و غير ذلك. و ما ذكرناه انما هو على سبيل الاصل المناسب لهذا المقام، و الا فلبعضها او
كلها احكام خاصة، مذكورة كل منها في مورده ان شاء الله. د: الظاهر اختصاص الحكم بما لا يد عليه اصلا لا على عينه و لا على منفعته، فلو كان شي ء
لم تكن يد على عينه، و لكن كانت منفعته في يد واحد او جماعة محصورين او غير محصورين،
ينتفعون به و لا يدعون ملكيته، لا يحكم بملكية احد بمجرد ادعائه، و لا يخلى بينه و بينه
الا ببرهان و بينة، للاصل، و عدم ثبوت الاجماع في مثل ذلك، بل ثبوت عدمه، و
اختصاص النص بغير ذلك. فلو كان هناك طريق مسلوك للعام او الخاص-على القول بعدم كون الخاص ملكا
لسالكيه-لا يملكه احد بمجرد دعوى الملكية، و كذا لو كان رباط ينزله الناس من غير
ادعاء ملكيته و لا اشتهار وقفيته، او بركة كذلك يتروون منها..بل يحكم في الاول
بكونه طريقا، و يعمل فيه بما يعمل في الطرق، و في الاخيرين بمجهول المالكية، و
الله العالم.
المسالة الرابعة:
اذا ادعى كل منهم انه اشترى العين من ذي اليد، و اقبض الثمن، و العين المبيعة
في يد البائع ، فهو من مسالة تنازع المتداعيين ما في يد ثالث، و قد مرت، و قد يذكر
حكم ذلك منفردا لاجل بعض خصوصيات البيع الذي يظهر حكمه بالتامل.
المسالة الخامسة:
لو ادعى اثنان ان ثالثا اشترى من كل منهما هذا المبيع، و كل يطالبه بالثمن ،
فان اقر لهما الزم بالثمنين، لامكان الصدق و صحة البيعين، بان يشتري من احدهما
فباعه من الآخر ثم اشترى منه. و ان اقره لاحدهما لزمه الثمن له و حلف للآخر، و ان نكل اغرم له. و ان انكرهما و لا بينة حلف لهما. و ان اقام كل منهما بينة ثبت البيعان و يلزم الثمنان، الا في صورة لم يمكن
الاجتماع، فيرجع الى المرجحات المعتبرة الآتية في بحث تعارض البينات، من
الاعدلية و الاكثرية ان كانت، و الا الى الاقراع، فمن اخرجته القرعة قضي له
بالثمن الذي شهدوا به بعد حلفه للآخر، فان امتنع حلف الآخر و حكم له، فان امتنع قسم
الثمن بينهما مع التشابه، و يحكم لكل واحد منهما بنصف ما ادعاه من الثمن مع
الاختلاف.
المسالة السادسة:
لو ادعى كل واحد من شخصين كل واحد من ثوبين -مثلا-في يد كل واحد منهما احدهما ما
في يد الآخر، فان لم تكن بينة يحلف كل منهما للآخر بنفي ما في يده لصاحبه، و يحكم له
بما في يده. و ان كانت لاحدهما بينة يحكم له بهما جميعا، الذي في يد صاحبه للبينة، و الذي في يده
لانه في يده و لا بينة لصاحبه، الا انه يحلف لدفع صاحبه عما في يده. و لو كانت لهما البينة يحكم لكل منهما بما في يد الآخر، لما ياتي من ترجيح بينة
الخارج.
المسالة السابعة:
اذا ادعى زيد على عمرو عينا في يد عمرو، و اقام المدعي بينة، حكم له قطعا ، و انتزعت
من يد عمرو، و تسلم الى زيد، فان ادعى عمرو بعد اخذ زيد الملك السابق، و اقام
البينة، و شهدت البينة على انها كانت له قبل الانتزاع، لم تقبل بينته (وفاقا
للشرائع و الارشاد (68) ). لا لانه ذو اليد حينئذ ايضا نظرا الى انه يدعي ان الاخذ منه ظلم فكانها في يده،
لانه الآن ليس ذا اليد قطعا، و النزع عنه بحكم الحاكم ليس ظلما، فلا يدخل تحت ما دل
على عدم قبول بينة ذي اليد، بل يصدق عليه المدعي. و لا لانه على ذلك يصير جعل المدعى عليه خارجا، و انتزاع العين من المدعى عليه
ثانيا سهلا بتاخير بينته الى الحكم و الانتزاع، لانه لا فساد في ذلك، و كم من
الحيل الشرعية التي تبنى عليها الاحكام. و لا لانه نقض للحكم الاول، و هو غير جائز، لمنع كونه نقضا و ان عبر به في الشرائع و
القواعد (69) ، لان النقض انما هو اذا كان ابطالا لحكم الحاكم من جهة حكمه لا لدعوى
اخرى. بل لانه اما يقتصر على الشهادة بالملك السابق، فيرجع الى تعارض الملك القديم و
اليد الحالية، و سياتي ان اليد مقدمة..او يضم معها قوله: لا اعلم لها مزيلا، او: اعتقد ملكيته الآن للاستصحاب، و نحوهما، بناء على قبولهما،
فيرد بالعلم بالمزيل، و هو حكم الحاكم، بل و كذا لو قال: و هو الى الآن ملكه، لان غايته انه امارة كحكم الحاكم بقطع الملكية.. فتبقى اليد الحالية بلا معارض. و ان ادعى ملكا لا حقا بعد الانتزاع منه، و اقام عليه البينة، فالوجه: قبول البينة و استرداد العين، لعدم التعارض بين البينتين. و ان اطلق الدعوى، و اقام البينة المطلقة و قبلناها، فالوجه: القبول و الاسترداد
ايضا، لعدم المانع، و صدق المدعي. و حكم في القواعد بنقض الحكم و استرداد العين على الاطلاق الشامل للصور الثلاث، و
لكن قال: على اشكال (70) .و يظهر وجه الحكم و الاشكال مما ذكرنا. و بنى في المسالك الحكم في الصورة الاولى على ان المراد ببينة الخارج و الداخل
هل الخروج و الدخول عند الملك المدعى، او حال التعارض (71) ؟ و ستعلم ان المعتبر حال
التعارض، للصدق العرفي.
المسالة الثامنة:
لو كانت العين بيديهما معا، و ادعى احدهما الكل، و الآخر النصف، و لا بينة ، فعلى ما
ذكرنا-في مسالة ما اذا كانت العين بيديهما، و ادعى كل منهما الكل-من ان الكل
بيد كل منهما يكون النصف لمدعي الكل بلا معارض، و يكون النصف في يدهما معا، فيكون هو
المتنازع فيه، و حكمه حكم العين التي تنازع فيها اثنان يدهما عليه، من غير فرق
بين المشاع و المعين. و كذا في صورة البينة لهما، يكون في النصف حكم الكل الذي تنازع فيه اثنان و اقاما
البينة، و ياتي حكمه. و كذا يظهر حكم ما اذا زاد ما يدعيه الآخر عن النصف، او نقص، او زاد المدعون عن
الاثنين..و بالجملة: جميع ما يتصور من الاقسام.
المسالة التاسعة:
اذا تنازع الزوجان او ورثتهما او احدهما مع ورثة الآخر في امتعة البيت الذي
في يدهما ، فان كانت هناك بينة لاحدهما كلا او بعضا قضي له بها بلا خلاف، و ان لم
تكن بينة فاختلفوا فيها على خمسة اقوال: الاول: انهما فيها سواء مطلقا ، سواء كان المتنازع فيه مما يصلح للرجال خاصة
او النساء كذلك او لهما، و سواء كانت الدار لهما او لاحدهما او لثالث، و سواء
كانت الزوجية باقية او زائلة، و سواء كانت يدهما عليه تحقيقا بالمشاهدة او تقديرا،
فيتحالفان، او ينكلان، فيقسم بينهما بالسوية، و يختص الحالف بالجميع لو حلف
احدهما و نكل الآخر. حكي عن المبسوط و ظاهر الارشاد و صريح القواعد و الايضاح و التنقيح (72) ، و نسبه
الاردبيلي في شرح الارشاد الى المتن و جماعة. و لكن كلام المبسوط ليس صريحا في اختصاص الفتوى بذلك، لانه قال بعد القول
المذكور: و روى اصحابنا ان ما يصلح للرجال فللرجل، و ما يصلح للنساء فللمراة، و ما
يصلح لهما يجعل بينهما (73) ، و في بعض الروايات: ان الكل للمراة و على الرجل البينة،
لان من المعلوم ان الجهاز ينتقل من بيت المراة الى بيت الرجل (74) ، و الاول
احوط (75) .انتهى. فان قوله: و الاول، يحتمل ان يراد به ما افتى به اولا و حكي عنه، و ان يراد به ما
رواه الاصحاب، لكونه اولا بالنسبة الى الرواية الثانية، و يؤيده ما في الخلاف من
جعله الاحوط ذلك (76) .و كيف كان، فلا تكون فتواه منحصرة بما حكي عنه اولا، بل هي اما
تكون احوط، فتجوز غيرها ايضا، او تكون غيرها احوط، فتجوز ايضا، بل تكون
اولى. ثم ان دليلهم على ذلك ما مر-في تنازع الشخصين في عين كانت في يدهما-من
العمومات و غيرها، فان هذه الدعوى ايضا فرد من سائر الدعاوى، فتشملها ادلتها.
الثاني: ان ما يصلح للرجل خاصة يحكم به للرجل، و ما يصلح للنساء كذلك يحكم به للمراة،
و ما يصلح لهما يقسم بينهما بعد التحالف او النكول. حكي عن الشيخ في النهاية و
الخلاف و الاسكافي و الحلي في السرائر و ابن حمزة و الكيدري و النافع و ظاهر
الشرائع و التحرير و المهذب و الدروس (77) ، و قربه القاضي و لكن في الدعوى بعد الطلاق،
بل هو مذهب الاكثر كما في المسالك و شرح المفاتيح (78) ، بل هو المشهور كما في
الشرائع و صريح النكت، بل عن الخلاف و في السرائر الاجماع عليه، و نسبه في
المبسوط-كما مر-الى روايات الاصحاب (79) . لقضاء العادة بذلك، و صحيحة رفاعة: «اذا طلق الرجل امراته و في بيتها متاع
فلها ما يكون للنساء، و ما يكون للرجال و النساء قسم بينهما»قال: «و اذا طلق الرجل
المراة فادعت ان المتاع لها، و ادعى الرجل ان المتاع له، كان له ما للرجال، و
لها ما للنساء» (80) . و موثقة يونس: في المراة تموت قبل الرجل، او رجل قبل المراة، قال: «ما كان من
متاع النساء فهو للمراة، و ما كان من متاع الرجال و النساء فهو بينهما، و من
استولى على شي ء[منه]فهو له » (81) . و في موثقة سماعة: عن رجل يموت، ماله من متاع البيت؟ قال: «السيف و السلاح[و الرحل]و ثياب جلده » (82) . و اختصاص الاولى بالطلاق و الثانية بالموت غير ضائر، للاجماع المركب، و
تتميم كل منهما بالاخرى، لعدم التنافي. و كذلك لا يضر عدم تصريح صدر الصحيحة و الخبرين الآخرين بالتنازع، لشمولها له،
مضافا الى ظهورها فيه، سيما مع ضم ذيل الصحيحة. و كذا لا يضر عدم اشتمال كل من الصدر و الذيل و الخبرين على الاحكام الثلاثة
بعد اشتمال الكل للكل، مضافا الى ثبوت الحكم في صورة صلاحية المتاع لهما بما مر
في القول الاول، و في الصورتين الاخريين بالظهور المستند الى العادة. الثالث: ان القول قول المراة مطلقا، فالمتاع المتنازع فيه كله لها، الا ما
اقام الرجل عليه البينة. و هو المحكي عن صريح الشيخ في الاستبصار و ظاهر الكليني
في الكافي (83) ، و رجحه في شرح المفاتيح، و حكاه الاردبيلي عن التهذيب ايضا. لصحيحة البجلي: «هل قضى ابن ابي ليلى بقضاء ثم رجع عنه؟ »فقلت له: بلغني انه قضى في
متاع الرجل و المراة-اذا مات احدهما فادعى [ورثة]الحي و ورثة الميت او طلقها
الرجل فادعاه الرجل و ادعته المراة- باربع قضيات-فعدها الراوي الى ان قال في
الرابعة: -ثم قضى بعد ذلك بقضاء لو لا اني شاهدته لم اروه عليه، ماتت امراة منا و
لها زوج و تركت متاعا فرفعته اليه، فقال: اكتبوا الي المتاع، فلما قراه قال
للزوج: هذا يكون للرجل و المراة فقد جعلناه للمراة، الا الميزان فانه من متاع
الرجل فهو لك -الى ان قال: -فقلت: ما تقول انت فيه؟ فقال: «القول الذي اخبرتني
انك شهدته و ان كان قد رجع عنه » فقلت: يكون المتاع للمراة؟ فقال: «ارايت ان
قامت بينة الى كم كانت تحتاج؟ » فقلت: شاهدين، فقال: «لو سالت من بينهما» يعني:
الجبلين، و نحن يؤمئذ بمكة «لاخبروك ان الجهاز و المتاع يهدى علانية من بيت
المراة الى بيت زوجها، فهي التي جاءت به، و هذا المدعي، فان زعم انه احدث فيه
شيئا فليات عليه بالبينة » (84) . و قريبة منها الصحيحة الاخرى له و لاسحاق بن عمار، و فيها: «الا الميزان، فانه
من متاع الرجل فللرجل » (85) . و صحيحته الثالثة، و هي ايضا قريبة منهما، الا انها لا تتضمن استثناء الميزان،
و في آخرها: فقال ابو عبد الله عليه السلام: «القضاء الاخير و ان كان قد رجع عنه،
المتاع متاع المراة، الا ان يقيم الرجل البينة، قد علم من بين لابتيها» (86) يعني:
بين جبلي منى «ان المراة تزف الى بيت زوجها بمتاع » (87) . الرابع: ان ما لا يصلح الا للرجال فهو للرجل، و ما يصلح لهما او للنساء خاصة فهو
للمراة ، و هو مذهب الصدوق في الفقيه (88) ، و مستنده الصحيحتان الاوليان
المتقدمتان دليلا للثالث. الخامس: الرجوع في ذلك الى العرف العام او الخاص ، الدال على اختصاص بعضه
باحدهما، فان وجد عمل به، و ان فقد او اضطرب كان بينهما نصفين.. اختاره الفاضل في المختلف و الشهيدان في النكت و الروضة و المحقق الشيخ علي، و
استقربه في الكفاية، و استحسنه في المهذب، و نفى عنه الباس في شرح الشرائع للصيمري (89) .
لان عادة الشرع في باب الدعاوى-بعد الاعتبار و النظر-راجعة الى ذلك، و لهذا حكم
بقول المنكر مع اليمين، بناء على الاصل، و كون المتشبث اولى من الخارج، لقضاء
العادة بملكية ما في يد الانسان غالبا، فحكم بايجاب البينة على من يدعي خلاف
الظاهر، و الرجوع الى من يدعي ظاهر العرف. و يؤيده استشهاده عليه السلام بالعرف، حيث قال: «قد علم من بين لا بتيها» و قال:
«لو سالت من بينهما» . اقول: اما ما ذكروه دليلا للقول الاول فهو حسن على ما استثنوه في مسالة
التداعي فيما كان بيد المتداعيين من ان يد كل منهما على النصف، و من ان كلا
منهما مدع و منكر.و لكن قد عرفت ما في الاساس الثاني. و يمكن منع الاول هنا، لانه انما كان فيما اذا علم ان المدعى به بيديهما معا، و
هو هنا غير معلوم، و ليس ايضا مما لم يكن يد احدهما عليه. و اما ما ذكرناه من الاخبار للمسالة المذكورة فهي غير مفيدة للمورد، لانها
اما مخصوصة باعيان خاصة ليس المورد منها، او مخصوصة بالمورد حاكمة فيه بغير
ذلك. مع انه لو سلم الاساسان فهما عامان، و اخبار المسالة خاصة، يجب تخصيصهما
بها، سيما مع موافقة الخصوص للشهرة المحققة و المحكية (90) و الاجماعات المنقولة (91) ، و
ندرة القائل بحكم العموم للمورد، سيما مع ما عرفت من عدم اقتصار فتوى المبسوط
بذلك (92) ، و رجوع الفاضل عنه في المختلف (93) ، و عدم ظهور كلامه في الارشاد على الحكم
بذلك، فلا محيص عن قطع النظر عن ذلك القول و تركه. و اما ما ذكروه دليلا للثاني، فاما اول دليليهم-و هو قضاء العادة-فانه ان اريد
به قضاء العادة في المالكية، بمعنى: ان العرف و العادة يقضيان بان ما يصلح للرجال
فهو من مال الرجال، و كان هو ملكه، و هو الذي جاء به، و ما كان للنساء فهو من مال
النساء كذلك، و ما يصلح لهما فهو يحتمل الامرين.. ففيه اولا: انه ليس كذلك كليا و لا غالبا، فكم من امراة معسرة من بيت فقير يعلم
انها لا تملك شيئا او الا قليلا، يتزوجها رجل من الاغنياء المتمولين و يهيى ء لها
من الالبسة النسائية و الحلي و الحلل ما لا يحصى كثرة، و قد يموت احدهما في اسرع
وقت، يعلم انه لم تتمكن الزوجة من تحصيل هذه الاشياء بنفسها. و كم من امة يعتقها مولاها و يتزوجها و لا شي ء لها. و كم من امراة مات اخوها او ابوها او ولدها او زوجها السابق، فترث منه
البسة رجالية و اسلحة و سروجا. و كم من رجل ماتت زوجته السابقة او امها او بنتها او اختها، فيرث منها
مقانع و حليا و ثيابا نسائية.. و ثانيا: انه ان اريد بالعادة عرف زمان خاص و بلد مخصوص نادر، فظاهر ان مثل
ذلك مما لا يعتني به الفقيه، و لا يجعله دليلا على حكم كلي عام يشمل الازمان و
البلدان جميعا. و ان اريد غير ذلك، فهو ليس كذلك، كما يشاهد في هذه الازمان -بل يقطع به من قبل
ذلك بكثير و في اكثر هذه البلدان-من ان الزوج يجي ء باكثر الالبسة النسائية و
حليها، و الزوجة الموسرة بقدر حالها تجي ء بلباس لزوجها، و هذا امر متعارف مشاهد،
مع ان هذا امر مختلف باختلاف الازمان و الاشخاص و البلدان و القرى و الطوائف،
اختلافا محسوسا مشاهدا. و ان اريد بقضاء العادة قضاؤها في اليد، و كان المراد تعيين ذي اليد منهما، حيث
ان الغالب اشتباه من بيده منهما في متاع البيت، حتى يحكم بمقتضى اليد.. ففيه: انه ان اريد القضاء العلمي-كما يظهر من المحقق الاردبيلي- فهو ممنوع، اما
مطلقا، او الا نادرا، في مثل اللباس الذي يلبس كل يوم او غالبا. و ان اريد الظني، فمع انه ايضا لا يحصل كليا-فان من المشتركات ما يظن انه بيد
المراة، تتصرف فيه في البيت كالاواني و السفرة و المكنسة و غيرها-لا حجية فيه،
و لا يعد مثل ذلك قضاء، مع ان المعتاد في بعض البلدان ان التصرف في الادوات
الرجالية ايضا مع النسوان. و اما ثاني دليليهم-و هو الاخبار-فهو حسن، الا انه تعارضها الاخبار الثلاثة
التي[بعدها] (94) للبجلي (95) ، فلا بد ان ينظر في حال المتعارضين، و سياتي. و اما دليل القول الثالث-و هو الاخبار الثلاثة المشار اليها-فالاخيرة منها
و ان طابقته و لكن الاوليين لا تطابقانه، لدلالتهما على اختصاص ما يختص
بالرجال بالرجل، فانه الذي حكم به ابن ابي ليلى اخيرا و صححه الامام عليه
السلام، و المتاع الذي كتبوه و حكم فيه بكونه للمراة مصرح به فيهما بكونه
للرجل و المراة، و هو المراد من قوله: فقلت: يكون المتاع للمراة؟ فان اللام للعهد، بقرينة قوله: «القول الذي اخبرتني » . و لو اريد مطلق المتاع ليحصل التعارض بين القولين و التنافي-و لو لم يجعل
الاول قرينة للثاني ايضا-يحصل الاجمال في المراد، و يجب الاخذ بالمتيقن، و هو
متاع الرجال و النساء، و لم يعلم ايضا دخول ما يختص بالرجال في الجهاز الذي
يجاء به من بيت الزوجة، بل الظاهر اما متاع النساء خاصة، او المشترك، اذ لا
يرتاب احد في ان للزوج ايضا في البيت شيئا، لانه لم يدخله عاريا فلا يحتاج
فيما يختص بالرجال-و لو شيئا -الى البينة. بل نقول: انه يعلم كل من بين لابتيها-بل كل احد-ان الزوج ليلة الزفاف لم يكن
جالسا في بيته عاريا مكشوف الراس و العورة، بلا فراش و لا وطاء و لا آنية و لا
ابريق و لا كوزة و لا سراج، منتظر لان تجي ء الزوجة بهذه الاشياء، و الغالب ان
لباسه غير منحصر بما لبسه حينئذ ايضا..و على هذا، فيكون للزوج ايضا شي ء في البيت
قطعا، فيحصل الاجمال في المراد من التعليل المذكور، و لا يصلح قرينة لشي ء. و لكون الاوليين اخص مطلقا من الاخيرة فيجب تخصيصها بهما، مع ان الواقعة في
الجميع واحدة. و على هذا، فلا تصلح تلك الاخبار دليلا لذلك القول اصلا، مع ان وجود القائل بهذا
القول غير معلوم، فان نسبته الى الكليني ليست الا لمجرد نقل هذه الاخبار، كما
صرح به من نسبه اليه، و هو لم ينقل الا الخبرين الاولين، فلو صحت النسبة من هذه
الجهة لكان هو ايضا كالصدوق، و قائلا بالقول الرابع. و ما ذكره الشيخ في كتابي الاخبار-سيما الاستبصار-ليس صريحا و لا ظاهرا في
الاختيار، و انما دابه فيهما ابداء الاحتمالات للجمع بين الاخبار.و منه يظهر
سقوط هذا القول ايضا من درجة الاعتبار. و اما دليل القول الرابع-و هو الخبران الاولان للبجلي، او مع الثالث بعد
الجمع-فهو كان حسنا لو لا معارضته مع اخبار القول الثاني، و ندرة القائل
بمضمونهما، بل لا يعلم قائل به، فان عبارة الصدوق ليست صريحة في اختيار (96) ذلك، و
انما ذكر ذلك في بيان معنى الحديث، و سياتي الكلام فيه. و اما القول الخامس، فمراد القائل به اما الرجوع الى العرف و العادة في الحكم
بالملكية، يعني: ان ما يحكم العرف و العادة بكونه ملكا للزوج يحكم به له، و ما يحكمان
فيه بكونه ملكا للزوجة يحكم به لها. او مراده: الرجوع اليهما في تعيين ذي اليد، اي ما جرت العادة فيه بكونه في يد
الزوجة يحكم بكونه في يدها، فيقدم قولها بدون البينة مع اليمين، و ما جرت فيه
بكونه في يد الزوج يحكم بكونه في يده كذلك. و على الاول، اما يكون المراد: الملكية الحالية، اي يرجع الى العرف و العادة،
فيحكم بالملكية للزوج حال التنازع فيما يحكمان حينئذ بكونه ملكا له، و بالملكية
للزوجة كذلك. او يكون المراد: الملكية السابقة، اي يرجع الى بناء العرف و العادة فيما تجي ء به
الزوجة الى بيت الزوج من مالها، و ياخذه الزوج من ماله و يجي ء به، فيبنى الحكم
عليه. و على جميع التقادير، اما يكون المراد بالعرف و العادة: ما يفيد منهما العلم، او
الاعم منه و من الظن. فان كان المراد العلم، فلا حكم علميا للعرف و العادة في الملكية السابقة في امتعة
البيت من حيث هي كذلك ابدا، لا في الازمنة السابقة و لا اللاحقة، و من اين يحصل
ذلك العلم لو لا الامور الخارجة؟ ! و لو فرض حصول علم بذلك لاجل العادة المفيدة
للعلم فنحن نسلم الحكم فيه، و لكنه ليس مخصوصا بامتعة البيت، بل كل شي ء علم الحاكم
انه من مال احد المدعيين باحدى طرق العلم او انه بيده يحكم له بمقتضاه. و ان كان المراد الاعم، فحصول الظن بالملكية السابقة-سيما اذا مضت من مبدا
النكاح مدة متطاولة، كخمسين سنة او ستين-مشكل غالبا. و لو قطع النظر عن ذلك فلا تضايق بتسليم الظن العادي في بعض الاشياء بالنسبة
الى بعض الاشخاص او الطوائف في بعض البلاد او الازمان، و ان منعه صاحب التنقيح
ايضا و منع الرجحان (97) . و لكن ما الدليل على اعتبار ذلك الظن؟ فانه لو كان المناط هو الظهور فالظن
لم تكن له جهة اختصاص بمتاع البيت و الزوج و الزوجة، بل يلزم الاخذ به في غير
ذلك المورد، كدعوى الرجل مع اخته، و يعتبر الظن الحاصل من الشاهد الواحد، بل من
حال المدعي و المدعى عليه. و لا يمكن ان يقال: انه خرج بالاجماع، اذ الاجماع لم يختص بموضع دون موضع، بل انعقد
على عدم اعتبار الظهور الظني غير الظنون المخصوصة في هذا الباب. و العجب كل العجب من الفاضل، حيث استشهد لاعتبار التنازع الظاهر في باب
الدعاوى بقبول قول المنكر مع اليمين، باعتبار قضاء العادة بملكية الانسان
غالبا ما في يده (98) ، و لم يستشهد لعدم اعتبار الظهور بعدم قبول دعوى المدعي
العادل المتدين شيئا في ذمة الفاسق المتغلب، و لو ضم معه شهادة فاسقين مورثة لشدة
الظهور، و نحو ذلك، مع ان تقديم قول المنكر لا يختص بالاعيان الكائنة في اليد، بل يشمل
ما في الذمة ايضا، مع ان منشار النجار و كتاب العالم اذا كان بيد شخص معروف
بالسرقة و خرج من بيت النجار و العالم لو ادعاه النجار و العالم يقدم قول ذي
اليد السارق، مع ان الظاهر خلافه، فيعلم ان ذلك ليس باعتبار الظهور و المظنة. هذا اذا كان المراد الملكية السابقة. و لو اريد الملكية الحالية فلا وجه لحصول العلم او الظن بها من حيث انه متاع
البيت و انهما الزوجان اصلا، و كيف يعلم او يظن بما وقع بينهما في زمان
اجتماعهما؟ ! و كذا الكلام ان كان المراد تعيين ذي اليد بالعرف و العادة. فان قيل: التعليل المذكور الذي ذكره الامام عليه السلام في الاخبار
الثلاثة (99) بقوله: «يعلم من بين لابتيها» الى آخره، يدل على اعتبار العادة في ذلك.
قلنا: العلة المذكورة هي العلم كما في بعضها، و الاخبار العلمي -الذي هو وظيفة
البينة-كما في بعض آخر، و لا كلام فيه حينئذ، و انما الكلام في تحقق العلم العادي
كما هو المعلوم، و لعله كان عادة مخصوصة معلومة في بلده عليه السلام في ذلك
الزمان، مع ان في التعليل اجمالا لا يتم الاستدلال به، كما مرت الاشارة اليه. و من ذلك ظهر خلو هذا القول عن الدليل التام ايضا، فلا ينبغي الارتياب في
سقوطه من البين.و ظهر بطلان الاقوال الثلاثة، التي هي غير الثاني و الرابع. و بقي الكلام فيهما و في دليلهما، فنقول: لا شك في كون متاع النساء للنساء، للتصريح
به في روايات القول الثاني، و عدم دلالة سائر الروايات على خلافه ان لم تدل عليه
بالاولوية او العموم. و لا في كون متاع الرجال للرجال، لتصريح صحيح رفاعة و موثقة سماعة و صحيحتي
البجلي الاوليين (100) من غير معارض ايضا، سوى عموم صحيحة البجلي الاخيرة، و
تخصيصها بالخصوصيات متعين، مع ان في عمومها نظرا، بل الظاهر ان المراد بمتاع
المراة فيها هو المتاع الذي حكم فيه ابو ليلى، و صرح بانه يكون للرجل و المراة. نعم، يقع التعارض بين الاخبار في المتاع المشترك، فان صريح صحيحة رفاعة و موثقة
يونس انه يقسم بينهما، و صريح الصحاح الثلاثة للبجلي-التي هي صحيحة واحدة حقيقة، و
ان كان بعض رجال اسنادها مختلفة-انه للمراة، فلا بد من الترجيح، و لا شك انه
للاوليين، لمخالفة الاخيرة للشهرة العظيمة القديمة و الجديدة، بل عدم عامل بها
صريحا البتة، سوى المشايخ الثلاثة، و اثنان منهما و ان شاركا الآخر في ذلك الحكم
و لكنهما خالفاه في حكم متاع الرجال، و خالفا الصحاح ايضا، فليس عامل بها الا
الصدوق خاصة، و عمله ايضا غير معلوم كما مرت اليه الاشارة، بل عمل الشيخين
الاخيرين ايضا، فلا شك ان مثل ذلك الخبر ليس بحجة و ان لم يكن له معارض، فكيف
معه؟ ! هذا، مع ما في دلالة الصحاح على اطلاق الحكم و كليته من المناقشة، لمكان التعليل
المذكور فيها، فان مقتضاه ان الحكم المذكور مخصوص بما توجد فيه العلة، و هو
العلم بان الزوجة اهدت الجهاز و المتاع الى بيت الزوج، و لم يعلم ان للزوج
ايضا فيه شيئا، فلا يجري فيما علم ان الزوجة لم تهد الجهاز اليه، او لم يعلم
ذلك، او علم ان الزوج ارسل امتعته الى بيت الزوجة، و هي اهدتها-او مع شي ء آخر-الى
بيت الزوج، كما هو متعارف الآن في كثير من البلدان، او علم ان للزوج ايضا في
بيته امتعة. و بالجملة: لا يثبت الحكم في غير مورد تجري فيه العلة، كما هو الآن في اكثر
البلدان. و ظهر من ذلك ان الترجيح للروايتين الاوليين، الحاكمتين بان المتاع يقسم
بينهما، و ان الحق هو القول الثاني، فعليه العمل.