الفصل الرابع: فيما اذا كان المدعى عليه او المدعي او كلاهما غير صاحب الحق
و فيه بحثان:
البحث الاول: فيما اذا كان المدعى عليه المخاصم مع المدعي غير الغريم الذي تعلق الحق به لو كان
و هو اما يكون وارثا للغريم، او مملوكا، او وكيلا له، او وليا بالابوة، او
الوصاية، او الحكومة، او القيمومة..فهاهنا مسائل:
المسالة الاولى:
اذا كان المدعى عليه وارثا للغريم ، فيشترط في سماع دعواه امران: احدهما: ثبوت موت المورث. و الثاني: تخلف مال عنه تحت يده. فان اعترف المدعي بانتفاء الامرين لم تسمع الدعوى، لكونها لاغية. و ان اعترف الوارث بهما سمعت الدعوى قطعا. و ان اختلفا فيهما او في احدهما فتحصل حينئذ ثلاث دعاو او دعويان: دعوى
الامرين، او احدهما، و دعوى المال..و يبدا باي من الثلاثة اراد، لعدم دليل على
تقديم احدها. و قد يتراءى هاهنا اشكال، و هو ان هذه الثلاثة ليست بدعوى واحدة، لجواز تغاير
احكامها، فتثبت احداها بالبينة، و الاخرى بالشاهد و اليمين، و الثالثة
باليمين المردودة و بالشاهدين و اليمين، او تثبت اثنين منها و يتصالحان في
الاخيرة، فهي دعاو متعددة، و صحة كل منها-اي صحة سماعها-متوقف على ثبوت الاخرى
الموقوف على صحتها، و كونها مسموعة ايضا يتوقف على صحة الاخرى. و دفعه: ان سماع كل منها موقوف على احتمال تحقق المدعى به فيها و في الاخريين، و
هو متحقق غير متوقف على شي ء، و فائدة كل منها التسلط على اخذ المال بعد تمام
الدعاوى الثلاث، او رفع تسلطه على الوارث.و بذلك تفترق الدعوى على الوارث عن
الدعوى على المورث بان الاخيرة دعوى واحدة غير متوقف مقتضاها على شي ء آخر، بخلاف
الدعوى على الوارث.و قد تفترق ايضا بان اليمين في الدعوى مع المورث على البت
في نفي المدعى به، و هنا على نفي العلم. و فيه: ان المورث ايضا ان قال: لا ادري، و ادعى المدعي علمه يحلفه على نفي العلم،
كما ان الوارث ايضا ان ادعى نفي المدعى به.. و هو امر ممكن، كما اذا ادعى ثمن الضيعة الفلانية على المورث، و علم الوارث
اداءه في حضوره، او قال: اني اقرضت مورثك المبلغ الفلاني في اليوم الفلاني في
المكان الفلاني، و علم هو انتفاءه، يحلف على البت في نفي المدعى به، كما صرح به بعض
فضلائنا المعاصرين ايضا (1) . و لا دليل على ان يمين الوارث منحصر في يمين نفي العلم، فتامل.
فرعان:
ا: لو حلف الوارث على نفي العلم، فهل تسقط دعوى المدعي في اصل الحق و ان حصلت له
بينة بعد و اراد اقامتها، ام لا؟ قال بعض المعاصرين: فيه نظر، و الحق: ان الادلة المتقدمة لا دلالة فيها على ما نحن
فيه، و لا يبعد سماع البينة حينئذ (2) .انتهى. اقول: ما نفى البعد عنه قريب جدا، بل هو كذلك، لان المستفاد من الادلة الدالة على
سقوط الحق باليمين ليس الا سقوط ما حلف على نفيه، و هو العلم فيما نحن فيه، بل صرح
بذلك في صحيحة ابن ابي يعفور، و فيها: «و كانت اليمين قد ابطلت كل ما ادعاه قبله
مما قد استحلفه عليه » (3) . نعم، لو اراد اقامة البينة بعده على اثبات علمه باثبات اقراره و نحوه لا تسمع. ب: لو رد الوارث المدعى عليه العلم باليمين، فهل يتعين عليه الحلف على علمه، او
يكفي الحلف على ثبوت الحق، فقد يسهل على المدعي الحلف عليه دون الحلف على علم
الوارث؟ قال بعض المعاصرين: الظاهر ان الخيرة بيد الحالف لا المحلف، فيجوز له الحلف
على ثبوت الحق (4) . اقول: فيه نظر، بل الحق تعين الحلف على العلم، لان الحلف امر توقيفي، و لم يثبت
جواز حلف المدعي الا مع الرد، و الرد لا يكون الا على اثبات ما توجه على المنكر،
فكما لا يجوز للمدعي احلاف الوارث النافي للعلم الا بنفي العلم، فبعد رده لا يجوز له
الحلف الا باثبات العلم، لان مخيره ليس ما رده. و منه يظهر انه ليست الخيرة بيد المحلف ايضا، بل تتعين شرعا. و اما ما مر في بحث الحلف من جواز حلف المنكر على نفي الاعم مع دعوى الاخص،
فلكون الاخص مندرجا تحت الاعم و مستلزما له، و ليس كذلك المورد، فان ثبوت
الحق واقعا لا يستلزم علم الوارث.
المسالة الثانية:
اذا كان المدعى عليه مملوكا، فهل الغريم هو او مولاه؟ اختلف كلام الاصحاب
فيه، فقال المحقق في الشرائع: الغريم مولاه، سواء كانت الدعوى في المال او
الجناية (5) .بمعنى: انه اذا اقر المملوك لم يسمع، بل يترتب الاثر على اقرار مولاه،
فيؤخذ باقراره المال المدعى على المملوك اصالة او بواسطة الجناية خطا..و لو
انكر المملوك لا يترتب عليه اثره من اليمين و ردها و القضاء مع النكول او مع رد
اليمين، و ان ذلك كله الى المولى. و كذا القصاص، فانه لا يقتص منه باقراره، بل يقتص منه باقرار مولاه بالموجب.و كذا
لو ثبت المدعى بالبينة.و يتوجه اليمين على المولى. و بالجملة: المدعى عليه في الدعوى على المملوك هو المولى لا المملوك مطلقا، و اليه
ذهب الفاضل في التحرير و الارشاد و القواعد (6) . الا ان في الاخير قرب توجه اليمين في موردها على العبد، و مع نكوله عنها تثبت
الدعوى في ذمته، يتبع بها اذا اعتق. و في باب الاقرار منه حكم بعدم قبول اقرار العبد على نفسه مطلقا، لكن يتبع
بالمال بعد العتق، و حكم بعدم قبول اقرار المولى عليه مطلقا، لكن في الاقرار عليه
بالجناية يجب المال و يتعلق برقبته (7) . و عن الشيخ في المبسوط: ان الغريم في الجناية الموجبة للقصاص العبد مطلقا، و في
موجب المال المولى كذلك (8) . و قال في المسالك: ان الاقوى ان الغريم كل واحد من العبد و المولى، فان وقع
النزاع مع العبد لم ينفذ اقراره معجلا مطلقا، و ثبت بعد العتق مطلقا، فيتبع بالمال
و تستوفى منه الجناية. و ان انكر و حلف انتفت عنه الدعوى مطلقا، و ان ردها او نكل اتبع بموجبها بعد
العتق كما لو اقر. و ان وقع النزاع بينه و بين المولى-سواء كان قد وقع بينه و بين العبد ام لا-فان اقر
بالمال لزم مقتضاه معجلا في ذمته، او متعلقا برقبة العبد على حسب موجب الدعوى. و ان اقر بالجناية لم يسمع على العبد بالنسبة الى القصاص، و لكن يتعلق برقبة
المجني عليه بقدرها، فيملكه المقر له ان لم يفدها المولى (9) . و استشكل في الكفاية-بعد نقل قوله-في قوله: بعدم نفوذ اقراره معجلا مطلقا، على القول
بان العبد يملك شيئا، او على بعض الوجوه. و كذا في قوله: ان ردها او نكل اتبع بموجبها بعد العتق، على القول المذكور.و كذا
في قوله: و ان وقع النزاع بينه و بين المولى، فان اقر بالمال لزم مقتضاه معجلا في
ذمته، او متعلقا برقبة العبد (10) .انتهى. و قال المحقق الاردبيلي-بعد نقل القول الاول-: و فيه تامل ظاهر، اذ قد يمنع لزوم
المال على السيد بمجرد اقرار ان مملوكه اتلف مال الغير او اخذه، و ايضا قد
يترتب على اقراره اثر، بان يتبع بعد العتق. نعم، لو كان المدعى مالا موجودا في يد المولى صح ذلك. و كذا في القصاص، فانه قد يترتب على اقراره اثر، بمعنى: انه اذا اقر بالموجب و
انكر السيد يجب عليه القصاص بعد العتق. و ايضا اثبات القصاص عليه بالفعل مع انكاره و عدم البينة بمجرد اقرار السيد
مشكل جدا، فان للعبد ايضا حقا، كيف و هو المتالم؟ ! نعم، يمكن ان يتملك المجني عليه منه حينئذ بقدر الجناية. و ايضا كيف يتوجه اليمين الى السيد مع انكاره و اقرار العبد، و يحلف على نفي
فعل الغير مع اقرار الغير به؟ ! نعم، يمكن الاحلاف على نفي العلم، و كانه المراد.انتهى. اقول: ان ما استشكله في الكفاية على قول صاحب المسالك-على القول بتملك
العبد-فهو في موقعه جدا، و كذا كثير مما اورده الاردبيلي على القول الاول. و كذا يشكل ما ذكروه من اخذ العبد بالاقرار حين الرقية بعد العتق. و تحقيق الكلام: ان الدعوى على العبد-سواء كان هو المخاطب بالدعوى او
المولى-اما مالية، او بدنية، او غيرهما. فان كانت مالية، فاما يتبعها اقرار او لا، فان تبعها الاقرار فاما يكون هو
اقرار المولى، او العبد، او هما. فان اقر المولى خاصة، فتتفرع المسالة على ان الحقوق المالية المتعلقة بالعبد هل
تتعلق بالمولى مطلقا، او على القول بعدم تملك العبد شيئا؟ فان ثبت ذلك ينفذ الاقرار في حق المولى، لانه اقرار على نفسه، و الا فلا
ثبت شي ء على المولى و لا على العبد مطلقا. و ان اقر العبد خاصة فلا ينفذ اقراره في حق المولى مطلقا، للاصل.. و لا في حق نفسه، على القول بعدم تملكه و تعلق ما يتعلق بسببه بالمولى، لا في حال
الرقية و لا بعد العتق، اما حال الرقية فظاهر، و اما بعدها فلان على ذلك ليس
اقرارا على نفسه حتى تكون الرقية مانعة عن نفوذه فيؤثر بعد رفع المانع، بل اقرار
في حق الغير، و لذا لو اقر المولى حينئذ ثبت الحق عليه، و لا معنى لثبوت حق واحد
على شخصين، و ايضا تعلقه على العبد بعد العتق فرع كونه اقرارا على نفسه، و كونه
كذلك فرع تعلقه عليه بعد العتق، و هذا دور. و اما على القول بتملكه و تعلق الحقوق بنفسه فينفذ اقراره في حقه. فان اقرا معا فالنافذ اقرار المولى على نفسه ان قلنا بعدم تملك العبد و تعلق
الحقوق بالمولى، و يلغى اقرار العبد، و اقرار العبد على القول الآخر و يلغى اقرار
المولى. و ان لم يتبع الدعوى اقرار اصلا، فاما تكون للمدعي بينة او لا.. فان كانت له بينة يثبت الحكم المشهود به على المولى ان قلنا بتعلق الحقوق
المالية بسبب العبد على المولى و عدم تملك العبد، و على العبد ان قلنا بتملكه و
تعلق الحقوق بنفسه، و عليه بعد العتق ان لم يثبت تعلقها بالمولى و قلنا بعدم تملكه. و ان لم تكن له بينة فالحلف على من ينفذ اقراره كما مر، و النكول كالاقرار. و ان كانت الدعوى بدنية-حبسا، او ضربا، او جرحا، او قتلا- فتثبت بالبينة، و
باقرارهما معا، و باقرار احدهما و نكول الآخر، او رده الحلف و حلف المدعي، و لا
يثبت باقرار احدهما خاصة شي ء، و لا بنكوله و لا بيمينه المردودة شي ء اصلا، حتى على
العبد بعد عتقه، لان حال الرقية ليس اقرارها على نفسه محضا. و ان كانت الدعوى غير المالية و البدنية-كالطلاق-فهو كسائر من يدعى عليه ان لم
يكن له تعلق بالمولى..و الله العالم.
المسالة الثالثة:
لو كان المدعى عليه وكيلا لصاحب الحق -و منه الامين في المعاملات-او وليا له
باحد وجوه الولاية، فلو اثبت المدعي حقه بالبينة او الشاهد و اليمين يحكم له، و
الا فلا يفيد اقرار المدعى عليه، لانه في حق الغير، و لا يحلف، اذ لا حلف للغير، و
لان الحلف انما يكون فيما يثبت الحق بترك الحلف بالاقرار او النكول، و ليس
كذلك في حق الغير. و ليس له رد الحلف الا في الوكيل اذا كان وكيلا في ذلك ايضا عموما او خصوصا،
لما مر في بحث يمين المنكر في المسالة السادسة، و لانه ليس للوكيل و الولي الا
الاتيان بمصلحة الموكل و المولى عليه، و لا مصلحة في رد الحلف. و لا يترتب ايضا على جوابه-بانه ليس لموكلي، او لمن لي الولاية عليه-ما يترتب
على جواب صاحب الحق بذلك، لانه اقرار على الغير. فان قيل: فعلى هذا فما فائدة مطالبة الجواب عن الوكيل و الولي؟ بل ما فائدة
الدعوى عليهما؟ ! بل يحكم حينئذ للمدعي كما يحكم على الغائب له. قلنا: فائدته انه لعله يجيب بابراء، او رد، او نقل و يثبته، او يستحلف ان كان
وكيلا فيه.و كذا يظهر في جرح الشهود و تعارض البينات و نحوها. و يظهر من ذلك انه لو باع امين شخص شيئا منه لزيد، فادعى زيد بعده العين، او
اشتراط خيار في العقد، او نحوهما، و لا بينة، لا تسلط له على حلف الامين..و كذا لو
اشترى له.
البحث الثاني: فيما اذا كان المدعي غير صاحب الحق
و فيه ايضا مسائل:
المسالة الاولى:
لو كان المدعي وكيل صاحب الحق، و كان هو غائبا، و اقام الوكيل البينة له، و
ثبتت دعواه ، فقال الغريم: ابراني صاحب الحق، او: وفيته حقه، و اراد التاخير
الى حضور الموكل و استحلافه، ففي الزامه على الحق او تمكنه وجهان: الاول: مختار الشرائع و التحرير-و ان احتمل فيه التوقف اخيرا- و القواعد و
الارشاد و الايضاح (11) و غاية المراد و المحقق الاردبيلي و المعتمد، و بعض
المعاصرين (12) ، و مال اليه في المسالك (13) ، و حكي عن القفال من العامة (14) . و هو الاقرب، لثبوت الحق على الغريم، و لا يبطل بالاحتمال المخالف للاصل. قيل: و لان دعوى الغريم على الموكل فلا تسقط دعوى آخر به، و لان ذلك يوجب انتفاء
فائدة التوكيل، لامكان هذه الدعوى لكل خصم، و هو-مع انه خلاف المعلوم من
المذهب-مستلزم للعسر و الحرج (15) . و فيهما نظر، اما الاول فلرجوع الدعوى الى الوكيل ايضا بعدم استحقاقه الاخذ
لاجل ابراء موكله او اخذه، بل الدعوى معه حقيقة و ما تشبث به مستند دعواه. و اما الثاني، فلان مجرد الاثبات ايضا فائدة عظيمة، اذ لعل الموكل لا يتمكن
منه بعد ذلك. و لم اعثر على مصرح بالوجه الثاني، نعم ظاهر الكفاية التوقف (16) ، و ليس لهذا
الوجه دليل تام. و هل يسلم المال الى الوكيل مع الكفيل، او بدونه؟ استقرب الاردبيلي الاول، لان فيه جمعا بين الحقين. و الوجه: الثاني، للاصل، و عدم ثبوت حق للغير يلزم جمعه. هذا اذا لم يكن الوكيل وكيلا مطلقا، او في خصوص دعوى الابراء او الدفع ايضا، و
الا فاللازم عدم الزامه الغرامة حتى تتم الدعوى الثانية، كذا قيل (17) . و هو حسن ان لم يعزل نفسه بعد اثبات الدعوى الاولى، الا انه لو عزل لم يتسلط على
المطالبة ايضا، الا ان يقال بجواز عزله في بعض ما وكل فيه. هذا كله اذا لم يصبر الوكيل، و الا فيجوز له التاخير عن اصل الدعوى و عن
المطالبة، لعدم لزوم فعل ما وكل فيه عليه، الا ان يكون قد اوجب على نفسه بوجه من
الوجوه، فتامل. ثم ان الزام الغريم على دفع المال انما هو اذا كان الوكيل وكيلا في الاخذ
ايضا، و الا فيكتفي بالزامه الغريم على ايصال المال الى مالكه.
فرع:
قد مر سابقا سماع دعوى الوكيل بالوكالة الادعائية، فان اثبت دعواها بالبينة
يحكم بها، و لكن لا يرد اليه المال و لو ادعى الوكالة في اخذه، لعدم الدليل..و ان
لم يثبت بالبينة فله احلاف الغريم، لعمومات اليمين على المنكر.فاذا جاء صاحب
الحق، فان قبل الوكالة فهو، و الا فان اتفق الثلاثة على عدم التوكيل لغى الحكم،
و ان اختلفوا فهي دعوى اخرى يحكم فيها بمقتضى الشريعة. فان قيل: اليمين حق لصاحب الحق، فلا يجوز لغيره مطالبته و اسقاطه بلا
دليل-كالمال-سيما اذا انكر الغريم الوكالة. قلنا: هو يطلب حق نفسه، لان الوكيل-و لو كان ادعائيا-حقا على الغريم من جهة
عمومات البينة و الحلف و الحكم، فهذا الحلف حق له من جهة كونه مدعيا، فيطالبه،
فان قبله صاحب الحق فهو، و الا فله المطالبة ايضا، فتامل.
المسالة الثانية:
لو كان صاحب الحق في زمن الغيبة الامام الغائب عليه السلام، كان يكون لميت
لا وارث له مناسبا دينا على غيره، او اعترف احد حال حياته بالاشتغال بالمظالم
المجهول مالكها-على القول بكونها مالا للامام، او علم اشتغاله بها من جهة
اخرى، او علم ذلك على حي-فان كان النائب العام عالما بالدين و المظالم و
ببقائهما و كذب المنكر فله الحكم بوجوب الاداء و مطالبته منه و اخذه، لا من باب
القضاء و الترافع، بل من باب الامر بالمعروف و نحوه مما مر في بحث حكم الحاكم
بعلمه، و لكن حصول مثل ذلك العلم له نادر جدا. فان انكر الغريم و لم يتمكن النائب العالم عن استيفاء الحق عن الامام بنفسه
ترافع معه بنصب وكيل او نائب آخر، فان اقام البينة حكم له، و الا فله حلفه ان راى
المصلحة للحق، و له ترك الدعوى مع المصلحة، و له المصالحة معها ايضا. و ان لم يعلم به النائب، فان كانت هناك بينة فللنائب الادعاء الظني، فيترافعان عند
حاكم آخر-لعدم دليل على نفوذ حكمه فيما ادعاه بنفسه- او يوكل غيره من جانب
الامام لا من جانب نفسه، فيترافع ذلك الغير و المدعى عليه عنه ذلك الحاكم،
و يحكم بمقتضاه. فان ثبت بالبينة فيحكم، و الا فله احلافه بالظن الحاصل من البينة الغير
المقبولة، او الشاهد الواحد، او كونه في روزنامجته (18) ، او غير ذلك. فان حلف سقطت الدعوى، و ان نكل ثبت عليه الحق، و لا رد هنا. و ان اعترف بالحق و ادعى الاداء فعليه الاثبات، و ان لم يثبت فعليه الاداء،
لادلة النكول، من دون يمين على المدعي، للاصل..و كذا لا يمين على المدعي ان كان هناك
شاهد واحد، بل يتوجه اليمين على المدعى عليه، اما يحلف فيتخلص، او ينكل فيحكم عليه. ثم ان الاحلاف فيما له ذلك ليس واجبا مطلقا، بل قد يجب و قد لا يجب، بل قد لا
يجوز، و انما يتبع ذلك مصلحة حق الامام. و قال الشيخ في المبسوط هنا بحبس المدعى عليه حتى يعترف، او يحلف (19) .و هو مبني على
عدم حكمه بالنكول، و كذا حكم في الدروس ايضا (20) . و استشكل المحقق في الشرائع فيه بان الحبس عقوبة لم يثبت موجبها (21) . و استوجه في المسالك القضاء بالنكول (22) ، و لو لم يقل به في غير ذلك الموضع. و ان كان المال المدعى انه للامام عينا مجهولا مالكها، و ادعى احد انها له،
فيحكم بها له، اذ كل عين ادعاها احد و لم يعرف مالكها فيحكم بها له، و لا يفيد علم
الحاكم او الشاهد، لان غايته انهما لا يعرفان مالكها. نعم، لو فرض علمهما بكذبه انه مالكها بوجه من الوجوه فيفيد، و لكن من اين يحصل
ذلك العلم؟ !
المسالة الثالثة:
لو كان المدعي وصيا لميت و ادعى وصيته للمساكين، فان اقام البينة فيحكم، و
الا فله احلاف الوارث، فان حلف سقطت الدعوى، و ان نكل ثبت الحق-كما نقله في
المسالك عن قوم (23) - لادلة ثبوت الحق بالنكول، و استوجهه في المسالك هنا
ايضا و ان لم يقل بالحكم بالنكول في غيره. و لا رد هنا، و لا يمين جزء البينة اذا كان هناك شاهد واحد. و قيل: يحبسهم حتى يحلفوا او يعترفوا (24) .و اليه ذهب في المبسوط و الدروس (25) .و لا
دليل عليه، و لذا قال في القواعد في هذه المسالة و في سابقتها: ان فيه نظرا (26) . و اما احلاف الفقير فلم يقل به احد، و لا وجه له ايضا، لعدم تعين الحق لفقير خاص. و لو تعدد الوارث و اعترف البعض ثبتت حصته، و يعمل في الباقي بما مر. و لو كان المدعي وصيا على الثلث و ادعى دينا لميت، فكذلك ايضا. و لو كان وصيا على طفل، فادعى دينا على رجل و لا بينة له، يستحلف الرجل، فان حلف
يسقط، و ان نكل يثبت. و قيل: ان لم يحلف توقف الدعوى حتى يبلغ الطفل و يحلف و يحكم له (27) . و لا وجه له، و ان قال في المسالك: انه الذي يقتضيه مذهبنا.. و يحتمل ان يكون ذلك اشارة الى مذهبهم في رد اليمين على المدعي مع النكول، و
حينئذ كان للايقاف وجها، و كذا اذا كان له شاهد واحد كما مر.
المسالة الرابعة:
قال في الشرائع و المسالك: انه لو كان للميت دين على آخر ، فالمحاكمة و
المرافعة فيه للوارث و ان كان على الميت دين يحيط بالتركة او يزيد عليها، و
ليست المحاكمة حينئذ للغرماء، و استدلا بان الوارث اما مالك او قائم مقام
المالك (28) . قال في المسالك: و على هذا، فلو توجه اليمين مع الشاهد او يرد الغريم
فالحالف هو الوارث و ان كان المنتفع بالمال هو المدين (29) .انتهى. و نسب في الكفاية ذلك الى الاصحاب، مشعرا بدعوى الوفاق، بل تشعر به نسبة الخلاف
الى بعض العامة خاصة، قال: لا يحلف ليثبت مالا لغيره. قالوا: فلو ادعى غريم الميت مالا له على آخر مع شاهد، فان حلف الوارث ثبت، و ان
امتنع الوارث من الحلف لم يكن للغريم الحلف عند الاصحاب، و علل بان التركة تنتقل
الى الوارث، او تكون على حكم مال الميت، و على التقديرين خارجة عن ملك الغريم.و
فيه خلاف لبعض العامة.و لا يجبر الوارث على الحلف (30) .انتهى. و يشعر ايضا كلام المسالك بدعوى الوفاق، حيث قال: و ان امتنع الوارث من
الحلف لم يكن للغريم الحلف عندنا، لانه لا يثبت بيمينه مالا لغيره (31) . و قال بعض الفضلاء المعاصرين: الظاهر انه لا خلاف فيه بين الاصحاب. قال في القواعد في هذه المسالة: المحاكمة للوارث على ما يدعيه لمورثه و عليه، و
لو اقام شاهدا حلف هو دون الديان، فان امتنع فللديان احلاف الغريم، فيبرا منهم
لا من الوارث، فان حلف الوارث بعد ذلك كان للديان الاخذ من الوارث ان اخذ..و
هل ياخذون من الغريم؟ اشكال (32) . انتهى. اقول: ما ذكره-و كذا ذكره غيره (33) ايضا من ثبوت الاحلاف للغريم مع امتناع
الوارث عن الحلف-ينافي نفي المحاكمة للغريم مطلقا، بل يثبت له حقا فيها ايضا و
ان قدم الوارث و خص الغريم بالاحلاف دون الحلف. بل تنظر شيخنا الشهيد قدس سره في الدروس في نفي الحلف عن الغريم ايضا، قال: و لا يمين
لاثبات مال الغير، و فيما له به تعلق نظر-كغريم الميت اذا اقام له شاهدا
بدين، و المرتهن اذا اقام شاهدا بملك الراهن، و امتنع من اليمين-من النفع، و
من ثبوت الملك اولا للغير (34) .انتهى. ثم اقول اولا: انهم-كما ذكر-فرعوا اختصاص المحاكمة بالوارث و اثبات
الحلف له دون الغريم بانه لا يمين لاثبات مال الغير، مع انه جار في الوارث
ايضا على القول بعدم انتقال التركة الى الوارث، كما هو الحق المشهور، فانه
على ذلك القول اما يكون مال الديان، او في حكم مال الميت، و على التقديرين ليس
مالا للوارث. و القول-بانه ينتقل اولا الى الوارث ثم منه الى الغريم-قول بلا دليل، كيف؟ ! و قد
قال الله سبحانه: «من بعد وصية يوصي بها او دين » (35) . و مخالفة ظاهر الآية ببعض الاعتبارات الوهمية لا وجه له. و القياس على المفلس ضعيف، فان المال ثابت كونه له، و التفليس لم يخرجه من ماله،
بخلاف المورد. و كونه في حكم مال الميت لا يجعله مال الوارث. و كونه قائما مقام الميت مطلقا ممنوع، سيما فيما اذا لم ينتقل اليه شي ء، و لو سلم
فثبوت جميع احكامه له ممنوع، و لو سلم فحلف الميت في اثبات ما في حكم ماله لو
كان حيا ممنوع، و انما هو لاثبات ماله، مع ان عدم الانتقال الى الديان ايضا
محل كلام. و غاية ما يستدلون به له انهم لو ابرءوا الميت عن الدين ينتقل المال الى
الوارث، و لا شي ء من مال الشخص ينتقل بالابراء الى غيره. و هو استدلال ضعيف، اذ لاحد ان يقول: ان الابراء ليس بناقل، بل هو سبب لبراءة ذمة
الميت، فهي رافع للمانع عن الانتقال، و سبب الانتقال الارث الخالي من المانع. و ثانيا: ان المحاكمة و الحلف و الاحلاف لا تختص باثبات المال، بل تجري في
دعوى الحقوق و التعلقات ايضا، و من البديهيات ان هذا المال لو ثبت لكان
للديان فيه حق و تعلق و لو كان هو الانتقال اليه بعد النقل الى الوارث، و هذا
ايضا نفع و حق يقع فيه النزاع و التحاكم، فتكون المحاكمة و الحلف من الغريم
لاثبات حق الغريم بنفسه لا حق الغير..و الى ذلك اشار في الدروس بقوله: من النفع (36) .
و ثالثا: ان جميع ادلة سماع الدعوى و اثبات حق المرافعة للمدعي و ادلة الحلف و
الاحلاف و الرد شاملة للغريم هنا، فلا وجه لرفع اليد عنها، بل في شمولها للوارث
نظر ظاهر، اذ لا يعد عرفا في مثل ذلك المال انه حق الوارث. و رابعا: ان في تخصيص المحاكمة و الحلف و الاحلاف بالوارث و عدم اعتناء فيه
بالغريم ضررا و اضرارا ظاهرين على الغريم، فان الوارث ربما لا يحلف و لا
يستحلف، بل لا يقيم البينة ايضا اذا علم انه لا ينتفع بها، و هو منفي في الشريعة
المقدسة، بل ربما يكون الوارث غائبا مفقود الخبر، او صغيرا، او امراة غير عالمة
بالدين، و الغريم عالم به. و منه يظهر ان الحق: ان المدعي اذا كان الدين محيطا بالتركة هو الغريم، و له
الترافع و الحلف و الاحلاف، و ما ذكره في الكفاية و المسالك (37) ليس صريحا في
دعوى الاجماع، بل و لا ظاهرا فيه ايضا، و لو كان صريحا لم تكن فيه حجية، سيما
مع مخالفة الفاضل و عدم موافقة الشهيد (38) بل عدم تعرض كثير من الاصحاب له. و هل للوارث المحاكمة و الحلف و الاحلاف ايضا، ام تختص بالغريم؟ الاول محتمل ايضا، لنوع تعلق للوارث به و لو من جهة ايجاب استيفائه براءة
مورثه، (او ايجاب ابراء) (39) من الغريم، للانتقال اليه و استخلاص المال له لو
ظهر بعده مال آخر، و كونه في حكم مال مورثه، و كون نماؤه-لو كان-زائدا عن الدين له،
الى غير ذلك. و على هذا، فلو تحاكم الغريم و اخذ المال بالبينة او الحلف لا تسلط للوارث
اصلا. و لو تحاكم الوارث و اخذه كان الغريم اخذه منه، او من الذي عليه المال، و ليس
له المرافعة ثانيا. و لو تحاكم الغريم و اسقط دعواه بالاحلاف كان للوارث التحاكم، فان اخذ هو
المال يكون للغريم الاخذ منه. و لو تحاكم الوارث و اسقط دعواه بالاحلاف فللغريم التحاكم ايضا، لان احلاف
شخص لا يسقط الا ما يتعلق بنفسه.
فرع:
لو احاط دين جماعة بالتركة فادعى آخر بان له على الميت دينا، فتشارك الغرماء
بقدر نصيبه، فهل يتحاكم مع سائر الغرماء، او مع الوارث؟ الظاهر: جواز محاكمة كل منهما معه، و يظهر حكمه بعد الترافع مما مر، فتامل..و
الله العالم. تعليقات: 1) المحقق القمي في رسالة القضاء (غنائم الايام) : 692. 2) غنائم الايام: 692. 3) الكافي 7: 417-1، الفقيه 3: 37-125، التهذيب 6: 231-565، الوسائل 27: 244 ابواب
كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 9 ح 1. 4) غنائم الايام: 692. 5) الشرائع 4: 90. 6) التحرير 2: 190، القواعد 2: 211. 7) القواعد 1: 278. 8) المبسوط 8: 215. 9) المسالك 2: 374. 10) الكفاية: 271. 11) الشرائع 4: 86، التحرير 2: 187، القواعد 2: 216، الايضاح 4: 358. 12) غنائم الايام: 689. 13) المسالك 2: 371. 14) حكاه عنه في المسالك 2: 371. 15) غنائم الايام: 689. 16) الكفاية: 269. 17) غنائم الايام: 689. 18) كلمة فارسية تعني: دفتر المذكرات اليومية. 19) المبسوط 8: 214. 20) الدروس 2: 90. 21) الشرائع 4: 92. 22) المسالك 2: 375. 23) المسالك 2: 375. 24) حكاه في المبسوط 8: 214 بقوله: و قال آخرون يحبس الورثة حتى يحلفوا او
يعترفوا. 25) المبسوط 8: 214، الدروس 2: 90. 26) القواعد 2: 212. 27) انظر المسالك 2: 375. 28) الشرائع 4: 92، المسالك 2: 375. 29) المسالك 2: 375. 30) الكفاية: 273. 31) المسالك 2: 377. 32) القواعد 2: 212. 33) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 342. 34) الدروس 2: 95. 35) النساء: 11. 36) الدروس 2: 95. 37) الكفاية: 273، المسالك 2: 377. 38) الفاضل في القواعد 2: 212، الشهيد في الدروس 2: 95. 39) بدل ما بين القوسين في «ق » : و ايجاب الابراء.