و الخلاصة: إنّ مفتاح معرفة هذا الحديث يكمن في لفظ «سوّيته» و فيه احتمالان، و مع الانتباه إلى الدلائل و القرائن لابدّ من انتخاب احتمال واحد.
و الاحتمالان بهما:
1ـ أن يكون المعنى هو تسوية القبر مع الأرض.
و هذا الاحتمال مردود ، ـ مضافاً إلى أنّ السنَّة القطعيّة تقتضي إرتفاع القبر عن الأرض شبراً واحداًـ لأنّه لو أُريد ذلك يجب أن يقال: سويته بالأرض مثل قوله سبحانه (إذ نسوّيكم برب العالمين)(1) فإذا حاول أن يصف مساواة شيء وبشيء، يقول سويت هذا بهذا، ولايقول: سويت هذا، من دون ذكر للمفعول الثاني كما جاء في الحديث (سويته).
2ـ أن يكون المعنى هو تسطيح القبر، و تعديل ما فيه من اعوجاج، و الحيلولة دون تسنيمه كظهر السمك و سنام البعير.
و هذا هو المتعيَّن، و على هذا فلا علاقة له بمقصود الوهّابي الّذي استدلّ به.
و هلم معي إلى ماذكره العلاّمة النووي ـ شارح صحيح مسلم ـ لنرى كيف يشرح الحديث و يقول:
«إنّ السنَّة أنّ القبر لا يُرفع عن الأرض رفعاً كثيراً، و لا يُسنَّم، بل يُرفع نحو شِبر و يُسطّح».(2)
يظهر من هذه العبارة أنّ شارح صحيح مسلم قد استنبط نفس المعنى الّذي استنبطناه من هذا الحديث، بأنّ الإمام أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ أوصى أبا الهيّاج بتبديل
1. الشعراء: 98.2. شرح صحيح مسلم للنووي: 7 / 36 .