كان عمر بن الخطّاب يستعين بأصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) حينما يريد اتخاذ موقف معيّن ، وكان اختصاصه بالإمام علي(عليه السلام) أكثر من غيره ، وكان الإمام(عليه السلام) لا يبخل بإبداء توجيهاته وملاحظاته وكان مخلصاً في النصيحة ما دامت مصلحة الإسلام هي العليا .
فحينما شاوره في الخروج إلى غزو الروم ، نصحه بعدم الخروج بنفسه ، وقال له : «إنّك متى تسر إلى هذا العدوّ بنفسك; فتلقهم فتنكب لا يكن للمسلمين كهف دون أقصى بلادهم ، ليس بعدك مرجع يرجعون إليه ، فابعث إليهم رجلا محرباً ، واحفز معه أهل البلاء والنصيحة ، فإن أظهر الله فذاك ما تحبّ ، وإن تكن الاُخرى ، كنت ردءاً للناس ومثابة للمسلمين» 19 .
وفي غزوة نهاوند نصحه بالبقاء في المدينة وإبقاء أهل الشام وأهل اليمن في بلدانهم خوفاً من هجوم الروم والحبشة عليهم من الخلف أو فراغ بلدانهم من الرجال ، وكان الرأي الأمثل هو الاستعانة بثلث أهل البصرة وثلث أهل الكوفة ، وممّا جاء في نصيحته : « . . . إنّ الأعاجم إن ينظروا إليك غداً قالوا : هذا أمير العرب وأصل العرب ، فكان ذلك أشدّ لكلبهم وألبتهم على نفسك»20 .
وحينما تحصّن المشركون ببيت المقدس أجابوا إلى الصلح بشرط قدوم الخليفة عليهم ، فاستشار الإمام بذلك فأشار عليه (بالمسير إليهم ليكون أخفّ وطأة على المسلمين في حصارهم بينهم)21 .
وقال له : «إنّ القوم قد سألوك المنزلة التي لهم فيها الذلّ والصِغار ونزولهم على حكمك عزّ لك وفتح للمسلمين . . . حتّى تقدم على أصحابك وجنودك ، فإذا قدمت عليهم كان الأمر والعافية والصلح والفتح إن شاء الله» فأخذ عمر بمشورته22 .
ولم يتخلّف أنصار الإمام علي(عليه السلام) ـ وهم الذين يرون أحقّيته بالخلافة ـ عن الغزوات والفتوحات التي قادها الخليفة أو من نصّبه قائداً عسكرياً ، تبعاً لإمامهم الذي ربّاهم على تحكيم المصلحة الإسلامية العليا على جميع المصالح ، فاشترك أبناء عمّه العبّاس فيها ، واشترك أبناء اخوانه فيها ، ومنهم محمد بن جعفر الذي استشهد في تستر ، واشترك عمّار بن ياسر وسلمان الفارسي وحذيفة بن اليمان وجابر بن عبدالله بأغلب الغزوات والفتوحات23 .
وقد أطاعوا الخليفة وقادة الجيش كما لو كان الإمام هو الخليفة ، وقد أخلصوا لهذه الدولة متعالين على جميع الفواصل الجزئية ما دام المنهج الإسلامي هو المحور المشترك للجميع .