تعالى وبهذا أيضا اعترض على الآيتين المتقدم ذكرهما أولا وجوابه ما ذكرنا ويمكن تحرير الدليل على وجه يندفع عنه الاعتراض بأن يقال لو كانت الواو للترتيب للزم من هذه الآيات الكريمة والأبيات المتقدمة إما التناقض وإما الخروج عن موضوعها بالمجاز أو يلزم الاشتراك وكل من ذلك على خلاف الأصل وقيل أيضا في قوله تعالى ( نموت ونحيا ) إن المراد بها يموت من مضى ويحيى من يولد وهو تأويل أيضا على خلاف مقتضى الدهر والذي يظهر أنهم ما أرادوا إلا بالنسبة إلى ذات كل شخص فيهم وقصدوا بذلك إنكار البعث وقدموا ذكر الموت لأن الواو لا يقتضي ترتيبا فإن قيل فقد قال سيبويه عنهم إنهم يقدمون ما هم به أهم وببيانه أعنى فلم عدل هنا إلى خلاف ذلك قلنا هذا وإن كان سجيتهم فذلك في الغالب وليس بضربة لازب عليهم وأيضا فقد يكون ما قدم من ذلك أهم عندهم في ذلك المقام وإن لم يكن أهم مطلقا ومما جاء من هذا الوجه أيضا في القرآن العظيم قوله تعالى ( كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة ) وفي الآية الأخرى ( كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع ) فقدم في آية ما أخره في الأخرى ولم يلتزم الترتيب فدل على أن الواو لا تقتضيه ودل أيضا على أن تقديم الأهم هو في الغالب والأكثر وليس بلازم الوجه الثالث أن الواو استعملت في مواضع لا يسوغ فيها الترتيب نحو تقاتل زيد وعمرو واختصم بكر وخالد وجمعت زيدا وعمرا والمال بين هذا وهذا وسيان قيامك وقعودك ولا يتصور الترتيب في شيء من ذلك لأن المفاعلة لا تكون إلا من اثنين جميعا وكذلك بقية ما ذكر ولا يصح الإتيان في شيء منها بالفاء ولا ثم فلا تقول تقاتل زيد فعمرو ولا المال بين هذا ثم هذا ولا سيان قيامك فقعودك فلو كانت الواو تقتضي الترتيب لكانت في هذه الصور أو لجاز دخول الفاء وثم فيها وإذا ثبت أنها استعملت في مواضع لا يصح فيها الترتيب ولا تكون فيها إلا للجمع المطلق امتنع استعمالها في الترتيب لأن ذلك يؤدي إلى الاشتراك وهو على خلاف الأصل وهذا الوجه هو الذي عول جمهور أئمة العربية عليه وقد اعترض عليه بأمور أحدها ما تقدم أن الترتيب لما امتنع في هذه الصور لم يمتنع جعلها في الجمع المطلق على وجه المجاز بدليل تعذر الترتيب وللأدلة الدالة على أنها للترتيب وثانيها أنه لا يلزم من التجوز بالواو في هذه الأمثلة في غير الترتيب أن يتجوز فيها بالفاء وثم إذ لو قيل بذلك لكان قياسا في اللغة ولو سلمنا جريان القياس فيها فهنا لا يلزم ذلك لقيام الفرق وهو أن الفاء وثم يقتضيان الترتيب بطريق التعقيب والتراخي والواو ليس كذلك بل هي لمطلق الترتيب على أنه قد دخلت الفاء في بيت كما تقدم من قول امرئ القيس ( بين الدخول فحومل ) وغيره ودخلت أو في سيان في قول الشاعر ( وكان سيان أن لا يسرحوا نعما أو يسرحوه بها واغبرت السوح ) فلم يتعين الواو في ذلك وثالثها أن هذا الدليل يقلب بصورته فيقال استعملت الواو في مواضع كثيرة للترتيب كقوله تعالى (