يومئذ يصدعون و يومئذ واهية وإن كان الحرف قافا أو كافا أو جيما أو شيئا أو غيرها من باقي الحروف التي يخفى التنوين عندها او يقلب نحو الباء جعل على كل حرف منها نقطة فقط وأعري من علامة التشديد لعدمه فيه رأسا بظهور صوت النون والتنوين عنده فامتنعا بذلك من القلب والادغام اللذين بهما يتحقق التشديد ويتحصل التثقيل وذلك في نحو قوله من قوم كافرين و على كل شيء قدير وشيئا جنات عدن و غفور شكور و يومئذ زرقا و سلاما سلاما و رجال صدقوا و قوما طاغين و حرث قوم ظلموا و قوما ضالين و قوما فاسقين و جنات تجري و شهاب ثاقب وظلمات بعضها وما اشبهه ذلك حيث وقع والعلة في تتابع التنوين عند جميع ما تقدم من الحروف أنه لما كان لا يخلو عندها من أحد ثلاثة أوجه إما أن يدغم وإما أن يخفى وإما ان يقلب وهذه الاوجه الثلاثة تجب بالقرب أو بمعنى يرجع اليه وكان الادغام بابه أن يدخل الاول من المثلين والمتقاربين في الثاني إدخالا شديدا لا فرجة بينهما ولا
لأجل القلب والتشديد وكان الاخفاء قد شارك الادغام من طريق اشتقاق كلمة أدعمت واخفيت من حيث كان معنى أدغمت الشيء غيبته وأخفيته سترته فكلا الكلمتين معناهما السترة التي ضد الظهور والبيان فلما كان التنوين لا يخلو مما ذكرناه وكان معنى الادغام والاخفاء ما بيناه قربت النقطة التي هي علامة التنوين من الحروف المتقدمة دلالة على اتصاله بها ودخوله فيها وإعلاما بالتقارب الموجب للادغام والمحقق للاخفاء وإن تباينا في اللفظ وتفاصلا في الحقيقة فقد اجتمعا في أن عدل بكل واحد منهما عن البيان والعرب قد تحكم للشيء بحكم الشيء إذا اجتمعا في بعض المعاني والفرق عند النحويين بينهما في اللفظ أن المدغم مشدد والمخفى مخفف وهذا الذي ذكرناه من تراكب التنوين عند حروف الحلق وتتابعه عند غيرها من سائر حروف المعجم إجماع من السلف الذين ابتدؤوا النقط وابتدعوه وعليه جرى استعمال سائر الخلف قال الخليل رحمه الله كل ما استقبله من حروف الحلق حرف وهو منون نحو عفوا غفورا فالتقط على الطول وفي نحو غفور رحيم و حبل من مسد النقط على العرض يريد بالطول التراكب وبالعرض التتابع قال أبو عمرو ولم أر أحدا ممن عني بصناعة النقط في القديم والحديث وجه معنى إجماعهم ولا علل حقيقة مذهبهم في تخصيص حروف الحلق بالتراكب وما عداها بالتتابع وقد سألت عن ذلك غير واحد من شيوخهم وذاكرت به جماعة من علمائهم فكلهم زعم ان ذلك اصطلاح من السلف لزم اتباعهم عليه ولا وجه له ولا علة فيه وأنهم لو اجمعوا على تتابعه عند حروف الحلق وتراكبه عند ما عداها لكان كإجماعهم الاول المعمول به وذلك بخلاف ما قالوه وعلى غير ما ظنوه لما اوضحناه من صحة معنى ما أجمعوا عليه وبالله التوفيق
اعلم أن النون الساكنة إذا أتى بعدها حروف الحلق الستة فإنه تجعل عليها علامة السكون جرة صغيرة او دارة لطيفة كما مضى في نقط الساكن من الحروف وتجعل على حرف الحلق بعدها نقطة فقط فيدل بذلك على أن النون مبينة عنده وأن مخرجها معه من طرف اللسان وذلك في نحو قوله من آمن و من هاد و من حاد الله و من عمل و من خير و من غل وشبهه فإن أتى بعدها ما تدغم فيه إدغاما صحيحا وتدخل فيه إدخالا شديدا وهو الراء واللام والنون والميم وكذلك الياء والواو على مذهب من أذهب غنة النون عندهما ولم يبق لها أثرا مع الادغام عريت النون من علامة السكون وجعل على الحروف الستة علامة التشديد فيدل بذلك على الادغام التام الذي يذهب لفظ النون فيه وذلك نحو قوله من ربهم و فإن لم تفعلوا و من نور و من ماء و من يقول و من وال وشبهه وإن نقط ذلك على