بالحق الذي أنزل عليك.
وعن ابن عباس في قوله: ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله) (5) قال: أقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على حمار له يسير حتى وقف على عبد الله بن أبيّ بن سلول أخي بني الجبلي، فراث الحمار، فأمسك عبد الله على أنفه فقال: إليك حمارك عن وجه الريح هكذا، فو الله لقد أنتنتني.
فقال عبد الله بن رواحة: أ لِحمار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تقول هذا؟ فو الله لهو أطيب عرفاً منك.
قال: ألي تقول هذا يا ابن رواحة؟ فقال: إي والله، ومن أبيك. فلم يزل الأمر بينهما حتى جاءت عشيرة هذا وعشيرة هذا، فكان بينهم وحى باللطام والنعال، فأراد رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم( أن يحجز بينهم حتى نزلت: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) (6) إلى قوله: ( حتى تفيء إلى أمر الله) (7) فلما نزلت عرفوا أنها الهاجرة، فكفوا.
وأقبل بشير بن سعد أبو النعمان بن بشيرـ وكان من رهط ابن رواحة ـ متقلد السيف، فلما انتهى إلى القوم وقد تحاجزوا قال: أين أُبيَّ، يا ابن أبي سعد أعليّ تحمل السيف؟ فقال: والله لو أدركتكم قبل الصلح لضربتك به.
وحدثنا أبو عاصم قال: حدثنا ابن جريج قال: أخبرني عروة بن دينار، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: غزونا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وناب ناس من المهاجرين حتى كثروا، وكان رجل من المهاجرين لَعَّاباً فكسع أنصارياً فغضب الأنصار غضباً شديدا حتى تداعوا، فقال الأنصاري: يا للأنصار، يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين يا للمهاجرين.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ما بال دعوة الجاهلية، فقال: ما شأنهم؟ فأخبر بكسعة المهاجرى الأنصاري، فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): دعوها فإنها خبيثة.
فقال عبد الله بن أبي بن سلول: قد تداعوا، أن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فقال عمر: يا نبي الله ألا تقتل هذا الخبيث؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لا يتحدث الناس أنه يقتل أصحابه.
وعن هشام بن عروة عن أبيه: أن عبد الله بن عبد الله بن أبي قال: يا رسول الله أقتل أبي؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): لا تقتل أباك.
وعن محمد بن سيرين:كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، معتكراً، وكان بين رجلٍ من الأنصار وبين رجل من قريش كلام حتى اشتد بينهما، واجتمع إلى كل واحد منهما ناس من أصحابه، فبلغ عبد الله ابن أبي فنادى: غلبني على قومي من لا قوم له، أم والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.
فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فأخذ سيفه ثم خرج يسعى، ثم ذكر هذه الآية:( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) (8) ثم رجع إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ما لك يا عمر: كأنك مغضب؟ فقال: لا، إلا أن هذا المنافق ينادى: غلبني على قومي من لا قوم له، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): فأردت ماذا يا عمر؟ قال: أردت أن أعلوه بسيفي حتى يسكت. قال: لا تفعل ولكن ناد في الناس بالرحيل.
قال: ترحلوا وسيروا. حتى إذا كان بينه وبين المدينة يوم تعجل عبد الله بن عبد الله بن أبي حتى أناخ على مجامع طرق المدينة، وجاء الناس يدخلون وتشعبوا في الطريق حتى جاء عبد الله ابن أبي فقال له ابنه: لا والله لا تدخلها حتى يأذن لك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتعلم اليوم من الأعز من الأذل، فقال له: أنت من بين الناس؟ فقال: نعم أنا من بين الناس. فانصرف عبد الله حتى لقي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاشتكى إليه ما صنع به ابنه، فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ابنه أن خل عنه، فدخل فلبث ما شاء الله أن يلبث).
وعن ابن شهاب قال: أخبرني ثابت بن عمرو الأنصاري: أنه أسر رجل يوم بدر من قريش وهو كافر، فكان أسيراً عند عبد الله بن أبي بن سلول، وكان عبد الله كافراً ثم أسلم فنافق، فطفق ذلك الأسير يريد وليدةً مسلمة تسمى معاذة لعبد الله بن أبي، فتمتنع الوليدة ـ من أجل إسلامها ـ من الأسير القرشي، فلما بلغ