الخُطَبَ وَالكَلامَ ـ وأظُنُّهُ قالَ : الشِّعرَ ـ فَأَتاهُم مِن عِندِ اللهِ مِن مَواعِظِهِ وحِكَمِهِ ما أبطَلَ بِهِ قَولَهُم ، وأثبَتَ بِهِ الحُجَّةَ عَلَيهِم .[36]
191 . الإمام المهديّ عليه السّلام : وأمَّا الحَوادِثُ الواقِعَةُ فَارجِعوا فيها إلى رُواةِ حَديثِنا ؛ فَإِنَّهُم حُجَّتي عَلَيكُم وأنَا حُجَّةُ اللهِ عَلَيهِم .[37]
تُعتبر معرفة مقتضيات الظرف الزماني والمكاني ـ كما هو الحال بالنسبة لمعرفة المخاطب ـ من الأركان العلميّة للتبليغ . وهذا يعني أنّ المبلّغ لا يستطيع بدون هذه المعرفة وضع خطّة صحيحة تلبّي متطلّبات التبليغ الناجح ؛ وذلك لأنّه كما يختلف الناس في قدراتهم الطبيعيّة والاكتسابيّة ولا يمكن وضع خطّة ناجحة في التبليغ مالم تؤخذ تلك الاختلافات بنظر الاعتبار ، فكذلك تختلف متطلّبات التبليغ تبعاً لاختلاف الزمان والمكان ، ولا يتسنّى وضع خطّة صحيحة في التبليغ بدون أخذ متطلّبات الزمان والمكان بنظر الاعتبار .
إنّ المعرفة بالزمان وتشخيص متطلّباته ، تتيح للمكلّفين بوضع خطط التبليغ إمكانيّةَ المواكبة مع الزمان ، وتوفّر لهم قدرة تغيير أساليب التبليغ ووسائله تبعاً لمتطلّبات كلّ زمان .
ومن المعلوم أنّ الاُسلوب الذي اتّبعه الأنبياء الكبار في استخدام سلاح التبليغ طبقاً لمتطلّبات كلّ زمان ، له دروس وفوائد كبيرة للمضطلعين بالخطط الإعلاميّة والتبليغيّة .
ففي العصر الذي يكون فيه القول الفصل للسحر في مجال الإعلام ، تصبح أهمّ وسيلة إعلاميّة بيد النبيّ موسى عليه السّلام هي تحويل العصا إلى حيّة وإظهار اليد البيضاء . وفي العهد الذي كان فيه الناس بحاجة إلى علاج لآلامهم ، كان أهمّ سلاح إعلامي بيد النبيّ عيسى عليه السّلام هو معالجة المصابين بأمراض مزمنة وإحياء الموتى . وفي العصر الذي يكون فيه للكلام أكبر تأثير ثقافي ، يأتي القرآن ـ بما يمثّله من معجزة ثقافيّة ـ كأكبر سلاح إعلامي بيد رسول الإسلام صلّى الله عليه و آله .[38]
وفي وقتنا الحاضر أيضاً يجب على المعنيّين بالإعداد والتخطيط للإعلام الإسلامي أن يستخدموا ـ بقدر الإمكان ـ أحدث الوسائل والأساليب الإعلاميّة بما يتناسب ومتطلّبات العصر لغرض بناء المجتمع الإسلامي الأمثل . إنّ الخطبة والكتاب والمسجد والمنبر كان لها في يوم من الأيّام الكلمة الاُولى والأخيرة في الإعلام ، أمّا اليوم فإنّ التأثير الإعلامي ـ وخاصّة في جيل الشباب ـ يأتي بالدرجة الاُولى عن طريق الفلم والمسرح والسينما والصحف والمجلات ، وأخيراً الانترنيت . وهذا لا يعني ، طبعاً ، أنّ المسجد والمنبر فقدا أهمّيتهما في الميدان الإعلامي ، بل المراد أنّ التخطيط للإعلام الإسلامي يجب أن يتطوّر بما يتناسب ومتطلّبات العصر ، إضافةً إلى أنّ التجديد في الأساليب والوسائل الإعلاميّة القديمة يساهم في زيادة فاعليّتها وجذّابيّتها . نشير ـ على سبيل المثال ـ إلى أنّ المناظرة واحدة من الأساليب الإعلاميّة القديمة ، إلا أنّ طرحها في قالب جديد تحت عنوان «حوار الحضارات» جعلها تحظى باستقبال هائل من قبل شعوب العالم إلى درجة أنّ عام (2001 م) سمّي «عام حوار الحضارات» .[39]
إنّ رعاية المتطلّبات المكانيّة ضروريّة ـ كرعاية المتطلّبات الزمانيّة ـ لنجاح العمل التبليغي أو الإعلامي عموماً . فخطط التبليغ في المساجد ، وفي صلاة الجمعة ، وفي عيدي الفطر والأضحى ، وخطط التبليغ الخاصّة بالحجّ ، وإبلاغ رسالة البراء ة من المشركين في عرفات ومنى ، والتوجيهات الإعلاميّة التي كان الرسول صلّى الله عليه و آله يقدّمها لمبعوثيه لمهمّة التبليغ ، تعتبر أمثلة من اهتمام قادة الإسلام بدور المكان في تطوير الأهداف الإعلاميّة .
لا ينحصر تأثير الزمان والمكان في التطوير والتجديد في الوسائل والأساليب الإعلاميّة ، بل يتعدّاهما إلى المضمون ؛ وسبب ذلك هو أنّ الكثير من الأحكام الإسلاميّة قد شُرّعت لزمان ومكان خاصّ . يقول الإمام الخميني قدّس سرّه في هذا المجال :