لأن معيار هذا التكريم معيار ثقافي يستند إلى قراءة معرفية عن دوره في الثقافة السورية والعربية أيضاً. وأيضاً لأن تكريم أي زميل إنما هو تكريم للأدباء جميعهم، وتكريم للاتحاد الذي هو المكرِّم منذ سنوات بعيدة عرفت د. عبدالله أبوهيف بالاسم من خلال وسائل الإعلام التي كانت ترصد نشاطاته الأدبية والطلائعية. وعندما انتسبت إلى اتحاد الكتّاب عرفته عن قرب، لكن معرفتي به لم تتعمق إلا بعد أن أصبحت عضواً في المكتب التنفيذي، وأشرفت على إدارة الجمعيات، وبصدق أقول: إنه إداري حاذق وزميل متفهم وأخ ودود. فهو على ما يبدو عندما انطلق من أرض الفرات حمل معه العديد من سمات الفرات، غزارته وعطاءه وتجدده وجلده وكفاحه. وبهذا كله استطاع عبدالله أبوهيف أن يحقق توازناً إبداعياً بين القصة والنقد والمسرح والكتابة للأطفال. إذ لا يمكن الفصل بين عبدالله القاص الذي أصدر مجموعتين هما: «موتى الأحياء، ذلك النداء الطويل الطويل»، وكتب دراسات عن «فكرة القصة»، و«القصة العربية والغرب»، و«التقاليد والتحديث في القصة العربية». وعبدالله الناقد الذي كتب عن «الأدب العربي وتحديات الحداثة»، «الأدب والتغيير الاجتماعي في سورية»، والباحث في «المسرح العربي المعاصر» والمسرح السوري، وفي «أدب الأطفال نظرياً وتطبيقياً»، وفي علاقة «الشباب والأدب»، لأنه على ما يبدو يتنفس في هذا المناخ الإبداعي من الكتابة. إن انفتاح عبدالله أبوهيف على الثقافة بامتدادها الواسع ميزه إنساناً وميز كتاباته إبداعاً، وجعله من بين القلة من الأدباء العرب المعروفين على امتداد الوطن العربي. فهو لم يتقوقع على ما يُنْتَج في سورية من إبداع، وإنما أفاض بمعرفته على الأمكنة العربية، وشكَّل همزة وصل بين القارئ السوري والمبدع العربي، ومدّ بكتاباته جسراً بين المثقفين العرب في المشرق والمغرب. وحرص على متابعة التطور في الساحة الثقافية العربية، والكتابة عن الجديد في مجالي القصة والنقد والتعريف بمن يكتب فيهما. إن دور عبدالله أبوهيف في المشهد الأدبي هو دور البحث والتواصل والإنارة، وها هو مستمر في سيره على طريق الرحلة الطويلة التي بدأها، باحثاً متقصياً للوصول إلى إجابات يفيد منها كل مهتم بالنقد والأدب. صحيح أن الاستعمار الجديد يحاول أن يضرم النار في ثقافتنا، وينتهك تراثنا، لكني على يقين من أنه لن يتمكن من تحقيق مآربه على الرغم من كل ما يعتري الأمة العربية من تخلف وتمزيق ويأس وخذلان، ما دام فيها مثقفون وكتّاب وأصحاب كلمة حرة من أمثال عبدالله أبوهيف. في الختام، اسمحوا لي أن أبارك لزميلنا العزيز ثقة زملائه في الاتحاد متمنية له عمراً مديداً وعطاء متجدداً. وأن أشكر زملاءنا في الرقة لنهوضهم بهذه الاحتفالية الجميلة: فرع اتحاد ومديرية ثقافة وحضوراً كريماً. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. صورة بانورامية وشهادة د. مدحت الجيار (مصر)^(*) من أهم المبدعين النقاد الذين تقابلت معهم، وحاورتهم طويلاً عبر اللقاءات الشخصية واللقاءات عبر الكتب، الدكتور عبدالله أبوهيف (م 1949). وللوهلة الأولى تدرك أن المكونات الخاصة له تتواشج مع المكونات العامة. فله تلك الملامح النفسية والاجتماعية التي تعرفك إليه وتقربه منك في أي مكان من الوطن العربي. وتجد فكره محصلة لجولة ضخمة وثرية للواقع الأدبي والنقدي والفكري العربي الراهن في كل أنواع الكتابة. ويتضح لك بعد قليل أنك مع موسوعة عربية متنقلة أو كما نقول في مصر «شيخ الحارة». هو يعرف الكتاب وتاريخهم، ويقف عند آخر إنتاجهم، بل يتابع ذلك كله بمتابعات نقدية ومشاركة في المؤتمرات الخاصة بالأدب والنقد والثقافة العربية بعامة. ولا ينسى أنه المبدع كاتب القصة القصيرة والمشارك في الحياة العامة السورية بصورة فعالة تفضي ـ بالضرورة ـ إلى اهتمام عربي يصل سورية ببلاد العرب. وحين تتعرف على عبدالله أبوهيف ترى نموذجاً عربياً متميزاً يعطي نفسه ودقته للعمل الأدبي والعمل الإداري والعمل العام في وقت واحد. وتلاحظ أن دقة معلوماته ودقة منهجه في التفكير والتأمل هي الحماية الحقة من تداخل الملفات أو من النسيان، فهو حاضر الذهن يخيل إليك أنه لا ينسى شيئاً فذاكرته وبداهته حاضرتان، وحبه لمحدثه ووده يجعلك مستمعاً جيداً لكائن يفكر لك أحياناً أو يذكرك بمن تحب أحياناً أخرى. إنه مزيج خاص من الكتّاب والمبدعين لا