أوراق مشاکسة

أحمد یوسف داود

نسخه متنی -صفحه : 236/ 182
نمايش فراداده

ومن باب الاستطراد، ربما نجد في (قصيدة الومضة) نوعاً من المقابلة الشكلانية مع مطولات قائمة على (التداعي الحر) يسميها أصحابها (نصوصاً) ـ هكذا من دون إضافة وصف لكلمة نص!! ـ ونوعاً من المقابلة الشكلانية لنماذج من قصائد التفعيلة لدى عدد من الشعراء السوريين واللبنانيين، حيث تتميز تلك النماذج بسيولتها التعبيرية الهلامية التي لا تقود قارئها إلى دلالة محددة مثلما لا تمنحه المتعة الجمالية البلاغية التي يخمنها أصحابها فيها… وهي صيغة مختلفة جذرياً من الوجهتين البنيوية والدلالية عما سمي

(القصيدة الملحمية) قبلاً.

وربما يعني هذا الاستطراد، بتركيزه على التقابل الشكلاني المذكور مع تلك النماذج السيالة، في تقريب مدلول ومعنى مصطلح (قصيدة الومضة) من الأذهان، إذ أن محاولة تعريفها بدقة هي محاولةغير ذات جدوى مهمة.

وعلى أية حال، ومع أخذ الطابع الذاتي للتعبير الشعري بعين الاعتبار الفائق خلافاً للصياغات السردية عموماً في الأجناس الأخرى، تبدو (قصيدة الومضة) نسخة (متشاعرة، أو شعرية) من القصة القصيرة جداً،حيث اختزال عملية (البنينة) النصية… واختزال الدلالة الذي يعدم البعد الرؤيوي ويوقع في السطحية، سطحية انفعال الذات هنا (بفتنة!) ماتثيره الملاحظة العارضة جوانياً من تهيؤات يُعبر عنها في خطف يوحي بالعمق من دون أن يكون كذلك فعلاً. وفي المحصلة نحن من جديد أمام ارتكاسات فاعلية التفكيك علينا، ونستجيب ـ تلقائياً، ودونما وعي… ربما ـ لمتطلبات أساليب القوة التي تفرضها (ثقافة العولمة) المهيمنة بما نظن أنه (إعلان لذواتنا وتوكيد لوجودها) بينما هو لا يزيد على رضوخ أبناء ثقافة تابعة لمتطلبات أساليب القوة تلك.

وقبل عرض النماذج المختارة ـ نموذجين اثنين في الحقيقة ـ قد يفيد التساؤل: ألم يكن بعض ذلك في أساس حركة الحداثة الشعرية منذ مستهل الخمسينيات؟!

شخصياً، أجيب: بنعم! لكن إمكانات الإزاحة اللغوية عن مستويات وأنماط أدائها القديمة آنذاك، كانت متاحة بحدود مقبولة، أما الآن فإن المزيد من الإزاحة اللغوية فنياً يساوي تقريباً نوعاً من المشاركة غير المقصودة ـ مع الافتراض الدائم لحسن النية ـ في عملية تفكيك خصوصيتنا الثقافية.. ذلك أن كل تجريب فني إنما هو تجريب مرتهن باشتراطات زمنه، ويقوّم عموماً بمتحصلاته الأخيرة العليا التي معيارها خدمة البقاء المجتمعي والحفاظ على الهوية الحضارية القومية: مقاومة وفاعلة ما أمكن، مع صرف النظر عن أساليب الدراسة النقدية التي تصب جهدها على العلاقات التعبيرية في النص.

ولننظر الآن في النموذجين اللذين قلنا إنا سنعرض لهما. وسنشير بدئياً إلى أننا تحاشينا الأخذ من مجموعات شعرية وفضلنا الأخذ من بعض ما نشر في الدوريات أخيراً، فاخترنا النموذجين مما نشر في العدد 37 من مجلة (كتابات معاصرة)، والنموذجان هما (محاولة في الجنون)، لأديب كمال الدين من العراق، و(الهديل والهوامش)، لنور الدين منجوتي من الجزائر.